الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالعقيدة هي التي دفعت بهم إلى خوض المعركة في استبسال وثبات وتضحية.
جيش بلا عقيدة
بينما خصومهم من المشركين لا يحملون أية عقيدة تحفزهم على الاستبسال واسترخاص الأرواح، فهم مشركون لا يربطهم أي سبب بالله تعالى.
فليس بينهم من يحمل الاعتقاد بأنه يقاتل في سبيل الله، وأن مصيره الجنة إن هو قتل. والاعتقاد باتساع رقعة مجال عقيدته وحملها إلى العالم إن هو انتصر.
وإنما كان جيش مكة خليطًا، بعضه لا يدري لماذا يقاتل، وبعضه من المرتزقة الذين من طبيعة حياتهم العيش على السلب والنهب.
والبعض الآخر (وهم الأقلية من قادة الجيش ومفكريه) خرجوا للدفاع فقط عن مراكزهم القيادية المهددة بالانهيار داخل قبيلة قريش العظيمة، التي هي الأخرى صارت منزلتها الممتازة مهددة بالانهيار أيضًا بين جميع قبائل العرب.
فحشر هؤلاء القادة هذه الجموع، بغية استخدامها للإطاحة بالنبي ودينه الجديد الذي هو المصدر الحقيقي لذلك التهديد.
وهكذا فإن جيش مكة (بالرغم من صرف سنة كاملة في إعداده وتنظميه) كان غير صالح (من الأساس) لتسجيل أي نصر على جيش النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
والسبب في ذلك أن جيش مكة كان يفقد كل العناصر الأساسية التي من توفرها لأي جيش يطمع قادته في تحقيق النصر الحقيقي على أعدائهم، وهي (أي العناصر الأساسية التي كان الجيش المكي خلوًا منها:
1 -
وحدة الهدف
2 -
وحدة الجيش.
3 -
وحدة العقيدة.
4 -
وبالتالي الإيمان بصدق هذه العقيدة الذي يجعل حاملها يوقن في قرارة نفسه بأن خذلان هذه العقيدة والنكول عن الحرب في سبيلها جريمة عقوبتها العذاب الشديد الطويل في جنهم (1).
بينما كل هذه العناصر الأربعة (التي كانت مفقودة في الجيش المكي) متوفرة كاملة في جيش المدينة، فلا غرابة (إذن) في أن يسجل ذلك الجيش الصغير هذا النصر السريع على ذلك الجيش الضخم في الصفحة الأولى من المعركة.
بل أن يَحُولَ هذا الجيش الصغير (حتى بعد الانتكاسة) بين جيش مكة القوي الضخم وبين تحقيق أي هدف من أهدافه الرئيسية، حيث ظل يقاتل بشراسة وعناد حتى أجبر جيش المشركين - الذي أعطته غلطة الرماة مركزًا ممتازًا - على الانسحاب راضيًا من الغنيمة بالإياب.
(1) كما هو الحال عند المسلمين الذين يعتبر عند المسلمين الذين يعتبر عندهم الفرار عند =
ب - أسباب الانتكاسة
وإذا رجعنا إلى أسباب الانتكاسة التي أصابت المسلمين (أو الهزيمة كما يسميها البعض) لوجدنا أن أهم هذه الأسباب أربعة:
1 -
عصيان الرماة
فمما لا جدال فيه وكاد يجمع عليه المؤرخون، هو أن أهم أسباب الانتكاسة هذه عصيان الرماة (1) الذين خالفوا الخطة المرسومة لإدارة المعركة، فتمردوا على قائدهم عبد الله بن جبير، وتركوا مواقعه في الجبل للاشتراك مع أخوانهم في جمع الغنائم قبل أن يسيطر جيش المدينة على ميدان المعركة سيطرة تامة، مما مكّن خالد بن الوليد - قائد سلاح الفرسان في جيش مكة - من اقتحام معقل الرماة في الجبل والقضاء على العشرة الباقين منهم، ثم الانقضاض على مؤخرة المسلمين الذين كان الكثير منهم مشغولًا بجمع الغنائم - وضربهم من الخلف بسرعة فائقة، وإعطاء المنهزمين من عسكر مكة الإشارة بأن يعطفوا على المسلمين - وسط حزام من فرسان العدو ومشاته، فوقع الارتباك في صفوفهم وانفرط عقد نظامهم، حتى صار بعضهم يضرب بعضًا من الدهش، فكانت مخالفة
= الزحف من أكبر الكبائر التي يتعرض فاعلها للعذاب الشديد في جهنم، كما نص على ذلك القرآن الكريم في الآية 15: 16 من سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
(1)
ذكرنا (في أول هذا الكتاب عند التعرض لذكر تعبئة الجيش الإسلامي) أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع في الجبل خمسين راميًا وأوكل إليهم مهمة حماية مؤخرة المسلمين، فانظر تفاصيل هذا الموضوع في أول الكتاب تحت عنوان (كتيبة في الجبل =