الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إن العدو قد يهلل ابتهاجًا لما يتراءى في ناظريه قضاء على الإسلام ولكن القلب المسلم يجب أن يظل ناعمًا بالطمأنينة، فالإسلام خالد لا يموت، وكل مصيبة تلم به مهما تكن عظيمة لا بد أن تحمل إليه انتصاره الحقيقي متنكرًا بقناع".
الصفحات الثلاث
لا شك أن الصفحات البارزة في معركة أُحد، هي ثلاث صفحات:
1 -
انتصار المسلمين الخاطف السريع في الصفحة الأولى من المعركة.
2 -
انتكاسة المسلمين وتطويق جيشهم وضياع النصر الذي سجلوه في أول المعركة.
2 -
تماسك المسلمين من جديد وانتصارهم (أخيرًا) على المشركين بالحيلولة بينهم وبين الحصول على هدفهم الرئيسي من الغزو. وهو القضاء على المسلمين ماديًا ومعنويًا وإجبار هؤلاء المشركين على الانسحاب من ميدان القتال دون أن يسجلوا ما يمكن تسميته نصرًا بالرغم من المركز الممتاز للغاية الذي حصلوا عليه بعد معركة خالد بن الوليد وتطويق الجيش الإسلامي.
أ - أسباب انتصار المسلمين أول المعركة
لا شك أن الفوارق المادية بين الملتحمين في معركة أحد كبيرة جدًّا.
فالمشركون إذا كان جيشهم قد بلغ (في غزوة بدر) ثلاثة أضعاف جيش المسلمين، فإن جيش مكة قد بلغ (في معركة أحد) أكثر من أربعة أضعاف جيش المسلمين مع التفوق الساحق في جودة السلاح ووفرته ووسائل الوقاية الحربية من دروع ومغافر، يضاف إلى ذلك (وهو الأهم) وجود مائتي فرس في جيش مكة يقودها أمهر الفرسان بينما لا يوجد لدى المسلمين من سلاح الفرسان سوى فرس واحد أو فرسين على الأكثر.
ولكن مع هذا التنظيم والقوة الهائلة التي استغرق إعدادها وتنظيمها سنة كاملة، انتصر الجيش الإسلامي في المرحلة الأولى من المعركة، وشتت هذا الجيش الصغير ذلك الجيش الضخم وأنزل به هزيمة كادت تكون ساحقة، لولا نجاح حركة التفاف فرسان خالد.
فما هي (إذن) الأسباب الرئيسية التي مكنت هذا الجيش الصغير من تسجيل ذلك النصر السريع المذهل على ذلك الجيش الضخم الهائل المسلح أقوى تسليح؟ ؟ .
لا شك أن السبب الرئيسي في ذلك هو: العقيدة.
فالعقيدة هي (دائمًا) السبب الرئيسي في كل نصر يحرزه المسلمون على أعدائهم في ذلك العصر.
فقد كان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخوضون المعارك وهم (كما قلنا في تحليل أسباب نصرهم في بدر) على صلة وثيقة بربهم، حيث أن السبب الرئيسي الذي يجعلهم يبذلون الأرواح رخيصة، ويسيرون إلى المعارك
فرحين مستبشرين، هو يقينهم بأن أسعد الناس الذي يكون محل رضا الله تعالى ورحمته وإنعامه في عالم الخلود (العالم الآخر) هو الذي يفقد حياته مقاتلًا في سبيل إعلاء كلمة الله (1).
فالعقيدة الصافية التي جاء بها الإسلام، هي (دائمًا) السلاح الأول الذي كان يعتمد عليه أصحاب محمد في كل المعارك.
والعقيدة هي (دونما جدال) المصدر الأول للروح المعنوية التي كان - ولا يزال - القادة العسكريون يعتبرونها (حتى اليوم) لازمة للجند قبل العتاد والذخيرة.
فالقوة المادية مهما كانت ضخمة وعظيمة ومنظمة، فإنه لا تفيد أصحابها شيئًا ما لم يكونوا متسلحين بعقيدة يؤمنون بها ويرون الموت في سبيلها سعادة واعتزازًا.
وقد رأينا ولا نزال نرى (حتى اليوم) رجالًا جمعت بينهم العقيدة حققوا ما يشبه المعجزة، حيث تغلبوا بسلاح القرن العاشر (في معارك ضاربة) على خصومهم الذين يحملون أفتك أسلحة القرن والعلوم العسكرية تفوقًا ساحقًا.
وهكذا فإن المسلمين في معركة أُحد كانوا يمتازون على خصومهم (في الدرجة الأولى) بالعقيدة الصادقة والمبدأ الراسخ الثابت السليم،
(1) ولا أدل على ذلك من أن أحد كبار الصحابة (وهو عبد الله بن جحش الأسدي) تضرع إلى الله أن يقتله المشركون بل وأن يمثلوا به (كما ثبت في كتب السيرة) كذلك طلب عمرو بن الجموح من رسول الله أن يسمح له بالاشتراك في معركة أحد (بعد أن منعه أبناؤه لكبر سنه والعرج شديد برجله) فأصر على الاشتراك في المعركة قائلا: إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة)، وقد استشهد الإثنان في معركة أحد، والأمثلة على ذلك كثير.