الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهذا كان لا بد من إقامة الدليل (عمليًّا) لسكان الجزيرة العربية (أولًا) بأن النصر الذي أحرزه جيش أبي سفيان في ملحمة أُحُد، لم يكن إلا نصرًا مزيفًا، وإن الجيش الذي أُشيع بأنه قد أحرزه عن بطولة، هو أضعف من أن يثبت للمسلمين في معركة جديدة، وأن قادة هذا الجيش (وعلى رأسهم أبو سفيان) لا يمكن أن يقبلوا التحدي ويوافقوا على خوض معركة جديدة ضد المسلمين (في هذا الظرف بالذات) وإن هذا الجيش من الانهيار والخوف والهلع بحيث لا يقوى على الدخول في معركة (حتى مع جيش أُحُد الذي يقال إنه قد هزمه هناك وتغلب عليه)، وذلك للحفاظ على انتصارهم العفوي الذي لم يكونوا يحلمون به.
كما أنه كان لا بد للمسلمين (في هذا الظرف الحرج) من أن يثبتوا (عمليًّا أيضًا) لخصومهم من اليهود والمنافقين والأعراب، المجاورين للمدنية بأنهم مخطئون في ظنهم بأنهم غلبوا على أمرهم، وأن ما حدث المسلمين في معركة أُحُد لم يكن له أي أثر على معنوياتهم.
وإن لديهم من القوة ما يجعل كلمتهم (كما كانت) هي العليا ويمكنهم من سحق أية حركة يفكر أحد من هؤلاء الخصوم في القيام بها ضد المسلمين.
جيش المدينة يطارد جيش مكة
وكان لا بد لتحقيق هذين الهدفين من عمل عسكرى جرئ سريع.
لذلك اتخذ القائد الأعلى للمسلمين صلى الله عليه وسلم قرارًا في غاية في الجرأة
والسرعة والإقدام، قرارًا قد يعتبره بعض العسكريين اليوم مغامرة عسكرية خطيرة أو عملًا انتحاريًّا خطيرًا.
فالبرغم من أن الجيش الإسلامي الذي خاض معركة أُحُد (لا تزال جراحة تنضح دمًا) فقد صدرت أوامر القائد الأعلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتحرك (وعلى جناح السرعة) لمطاردة جيش مكة الذي يقال إنه المنتصر ومتى صدرت هذه الأوامر إلى الجيش الإسلامي؟ ؟ .
لقد صدرت إليه هذه الأوامر النبوية بعد مرور أقل من خمس عشرة ساعة على انتهاء المعركة الرهيبة التي خاضها هذ الجيش في أُحد، والتي ناله فيها ما ناله من اندحار تعبوي.
وحرصًا من النبي القائد المحنك الحكيم، على إظهار المسلمين (أمام أعدائهم المتربصين بهم والظانين بهم ظن الضعف والانهيار) بمظهر القوة والنجدة والتماسك والثبات، وعدم الاكتراث بما أصابهم في معركة أُحُد .. أمر بأن لا يشترك في حملة مطاردة الجيش المكي إلا الجند الذين خاضوا معركة أُحد فقط.
قال ابن إسحاق: فلما كان الغد من يوم أُحُد (لست عشرة ليلة من شوال) أذن مؤذن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الناس بطلب العدو، فأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد، إلا أحد حضرنا يومنا بالأمس (1).
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 101.