الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استعداد قريش لغزو المدينة من جديد
غير أن قادة قريش كانوا (في قرارة أنفسهم) موقنين بأن نصرهم في أُحد لم يكن نصرًا حقيقيًّا، لأنه لم يخضد شوكة المسلمين ولم يهدم سلطانهم، كما كانت تهدف قريش من حملتها التي قامت بها إلى أُحد.
ولذلك فقد أخذ القرشيون (منذ رجوعهم من أُحد) يعدون العدة لضربة أوسع وأعمق يوجهونها إلى المسلمين للقضاء عليهم (داخل المدينة نفسها).
وقد بذل قادة قريش جهودًا جبارة لإنشاء اتحاد عسكري بينهم وبين أقوي القبائل في الجزيرة العربية لغزو المدينة والإطاحة بالمسلمين نهائيًا، وقد نجح زعماء قريش في مساعيهم فتم إنشاء هذا الاتحاد العسكري بين قريش وبين أقوى القبائل العربية (وخاصة قبائل نجد).
وفي ظل هذا الاتحاد العسكري الخطير زحفت (بقيادة أبي سفيان بن حرب) بعشرة آلاف مقاتل صوب المدينة لسحق المسلمين فيها، وذلك في الغزوة المعروفة (بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب) ..
كيف جابه الرسول الموقف
؟
وهكذا وجد المسلمون أنفسهم (بعد نكبتهم في أُحد) وسط سلسلة من المشاكل الداخلية والخارجية.
فقد جعل المسلمون (منذ هجرة الرسول) من المدينة قاعدة أمينة قوية لنظام حكمهم الجديد ومنطلقًا لدعوتهم الفتية، ولكن انتكاستهم في أُحد (عسكريًا) جعلت هذه القاعدة تحاط بالأخطار من كل جانب في الداخل والخارج.
فقد تجرأ عليهم الأعراب، إذ همّوا بالإغارة على المدينة، وصار المنافقون واليهود (داخل المدينة نفسها) مصدر قلق وإزعاج للمسلمين وذهبت قريش تعد العدة لضرب المسلمين ضربة قاتلة في عقر دارهم.
وهكذا تحالفت المحن والبلايا ضد المسلمين من جديد - بعد معركة أُحد - كنتيجة للنكبة التي أصابت المسلمين في هذه الغزوة.
غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم (أمام هذه المشاكل الخطيرة) لم يستسلم لليأس ولم يفت في عضده فداحة المصاب الذي نزل بجيشه في وقعة أُحد، بل سارع (في هداية النبي وحنكة القائد ويقظة الشجاع) إلى القيام بأعمال عسكرية حاسمة سريعة، كانت غاية في النجاح، أعاد بها النظام، واستعاد بها هيبة المسلمين وأمن قاعدتهم الكبرى (المدينة). فمن ناحية البدو المتحفزين للهجوم على المدينة، فقد سارع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تأديبهم وضربهم في ديارهم حيث جرد عليهم حملات عسكرية خاطفة، أوقعت بهم في منازلهم قبل أن يتحركوا منها نحو المدينة فشتت شملهم وخضد شوكتهم وملأ نفوسهم فزعًا ورعبًا.
أما اليهود الذين سارعوا (بعد معركة أُحد) إلى إثارة القلاقل وحبك المؤامرات ضد المسلمين فقد تنبه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وطهّر المدينة من رجسهم حيث سارع إلى نفيهم من المدينة، وهؤلاء اليهود، هم بنو النضير (1) الذين أجلاهم الرسول من يثرب بعد حصار دام عشرين
(1) بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع وكل يهود يثرب، هم من سبط لاوى بن يعقوب، ثم من ذرية هارون بن عمران أخو موسى عليهما السلام ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لصفية بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين (وهي من أصل يهودي) تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل زوجها (وهو من زعماء اليهود في معركة خيبر) قال لها صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له كلامًا قالته فيها عائشة وحفصة رضي الله عنهما .. ألا قلت وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى؟
ليلة كما سنفصل ذلك في الكتاب القادم إن شاء الله.
أما المنافقون فقد عادوا كعادتهم - بعد هذه العمليات الحاسمة التي قام بها النبي ضد الأعراب واليهود والقرشيين في حملة حمراء الأسد إلى السكون والاستخذاء وانطووا على أنفسهم متظاهرين بالإسلام والولاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لهم بأي أذى لأنهم كانوا (في ظاهرهم) مسلمين، غير أن المسلمين ظلوا يرقبونهم في يقظة وحذر.
وبهذه الأعمال السريعة الحاسمة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم ضد اليهود والأعراب والمنافقين، استعاد المسلمون هيبتهم وعادت لهم السيطرة التامة على المدينة ونواحيها، وتمكن الرسول القائد الحكيم من القضاء على كل المشاكل الرئيسية التي واجهها المسلمون بعد انتكاستهم في معركة أُحُد.
وظل المسلمون سادة الموقف في منطقة يثرب (بلا منازع) إلى أن قام الأحزاب بهجومهم الكبير على والمدينة الذي اشتركت فيه أقوى القبائل العدنانية، والذي باء بالفشل الذريع في النهاية كما سنفصل ذلك في (غزوة الخندق وبني قريظة) إن شاء الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وآله الطيبين وأصحابه الأوفياء الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..