الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبينما هو يتجول في أنحاء المعركة إذا به يجد البطل سعد مضرجًا بدمائه، تنزف جراحه بغزارة (وعلى آخر رمق).
فانحنى عليه وأخبره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه خصيصًا تفقد حاله ومعرفة مصيره فأبلغه سعد (بصوت لا يكاد يسمع) بأنه لم يعد من أهل الدنيا للجراحة المميتة التي أصيب بها ثم لفظ أنفاسه الطاهرة.
هكذا تصنع العقائد الأبطال
والعظيم في الأمر أن آلام النزع لم تنس سعد بن الربيع الاهتمام برسول الله صلى الله عليه وسلم والتفكير فيما قد يتعرض له من مكروه.
فإنه (وهو في تلك اللحظات التي يودع فيها الدنيا) لم يفكر في زوجه ولا في أولاده وإن ظل فكره مشغولًا بمصير الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أنساه حبه العظيم لنبيه كل شيء (حتى نفسه) وظل حتى فارق الدنيا، وهو شديد الخوف على النبي صلى الله عليه وسلم وشديد الحرص على أن لا يمس بسوء.
ولا أدل على ذلك من أنه قبل أن تصعد روحه إلى باريها، حمل محمد بن مسلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ملؤها المحبة والإخلاص والوفاء،
= الهجرة، شهد سعد معركة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم، كان رضي الله عنه من كرام الصحابة الأوفياء، أصيب يوم أحد باثنتي عشرة طعنة قاتلة، وكان أبو بكر الصديق يحبه كثيرًا، روي الطبراني أن أم سعد بن الربيع دخلت على أبي بكر أيام خلافته فألقى لها ثوبه حتى جلست عليه، فدخل عمر فسأله، فقال هذه ابنة من هو خير مني ومنك، قال: ومن هو يا خليفة رسول الله؟ قال رجل قبض على عهد رسول الله تبوأ مقعدة من الجنة وبقيت أنا وأنت ..
كما حمله (أيضًا) رسالة إلى قومه الأنصار ضمنها التحذير من التهاون في واجب الذَّب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبلغهم بأن الله لن يقبل لهم عذرًا إذا ما تعرض نبيهم لمكروه وفيهم رجل على قيد الحياة، وبعد أن أملى هاتين الرسالتين فاضت روحه الطاهرة إلى باريها.
قال ابن إسحاق: وفرغ لقتلاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات فقال رجل من الأنصار "قال السهيلي هو محمد بن مسلمة" أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد.
فنظر فوجده جريحًا وبه رمق، قال فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ .
قال: نعم في الأموات، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام، وقل له .. إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وأبلغ قومك (يعني الأنصار) عني السلام، وقل لهم، إن سعد بن الربيع يقول لكم، إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف، قال (محمد بن مسلمة) ثم لم أبرح حتى مات، قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره (1).
والحقيقة أن جيشًا يكون رجاله على مستوى يقين وإيمان وبسالة سعد بن الربيع، لا يستبعد أن يصنعوا في المعارك ما يشبه المعجزات، ويسجلوا من الانتصارات ما يعتبره الجاهلون بأقدار هؤلاء الرجال، ضربًا من الأساطير التي لا تصدق.
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 95 ط، الحلبي 1375 هـ.