الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنهم عرفوا (عن تجربة) ضراوة المسلمين في القتال، وأن النقص العددي الذي يصاحب المسلمين (عادة) في جميع معاركهم، تحل محله (دائمًا) القوة المعنوية العارمة، والتنظيم الدقيق واتحاد الكلمة الذي منشؤه وحدة العقيدة الصادقة التي يمتاز بها المسلمون، الذين يرتبطون بقائد محنك فذ لا يقول إلّا حقًّا ولا ينطق إلا بصواب.
ولهذا قامت قريش (قبيل المعركة بقليل) بمناورتين سياسيتين خبيثتين، قصدت بهما إحداث الفرقة بين المسلمين وإشاعة النزاع داخل صفوفهم.
فقد أرسل أبو سفيان إلى الأنصار خاصة طالبًا منهم التخلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبلغهم بأنه لم يأْت لقتالهم، وإنما جاء (فقط) لقتال قومه من قريش قائلًا:
"يا معشر الأنصار، خَلّوا بيننا وبين ابن عمنا (يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فننصرف عنكم، فلا حاجة لنا إلى قتالكم" ولكن الأَنصار رضي الله عنهم ردوا عليه ردًّا عنيفًا، ورفضوا عرضه، بعد أَن أَسمعوه ما يكره.
أبو عامر الراهب الخائن
ولما فشل أبو سفيان في محاولته هذه لجأَت قريش إلى محاولة أُخرى، قام بها هذه المرة عميل خائن من أَهل المدينة، وهو أبو عامر الراهب (عبد عمرو بن صيفي الأوسي)(1).
(1) كان أبو عامر هذا زعيمًا لقومه الأوس في الجاهلية، وكان شريفًا بينهم فلما جاء الإسلام شرق به وفاض قلبه حقدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك المدينة حانقًا على الرسول، وغادرها إلى مكة، ومعه خمسون من خونة الأوس ذهبوا جميعًا =
فقد بعثت قريش (قبيل نشوب المعركة) بهذا الخائن لاستمالة قومه الأَوس من الأَنصار ليتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وينحازوا إلى جانب المشركين.
فوقف بين الصفوف، ونادى قومه من الأَوس في معسكر المسلمين قائلًا:
"يا معشر الأَوس أنا أبو عامر الراهب"(وكان المذكور رأس الأوس وسيدهم قبل الإسلام).
ولكن قومه (الأَوس) بمجرد أن سمعوا صوته، لم يتركوا له فرصة ليسترسل في الكلام، بل أجابوه بصوت واحد:(لا مرحبًا بك ولا أهلًا يا فاسق).
فلما سمع الخائن ردهم، قال:"لقد أصاب قوي بعدي شر"، وكان هذا الخائن أبو عامر يزعم لقريش وهو بمكة، أنه مسموع الكلمة بين قومه الأوس، وأنهم بمجرد أن يروه ويسمعوا صوته سيتركون مواقعهم في الجيش الإِسلامي وينضمون إلى جيش مكة تحت قيادته هو.
وكانت قيادة مكة قد أعطت أبا عامر الراهب هذا، اللفيف
= إلى مكة" يحرضون المشركين على قتال المسلمين، ثم انضموا إلى جيش المشركين وقاتلوا المسلمين يوم أحد تحت قيادة زعيمهم أبي عامر .. ومن المفارقات العجيبة، أن لهذا الخائن (أبي عامر) ابنًا شابًّا اسمه حنظلة، كان مثلًا رائعًا في قوة الإيمان ومتانة اليقين والولاء النبيه ودينه الإسلام، فقد صادفت ليلة المعركة زفاف هذا الشاب المؤمن الذي دخل بزوجته الأولى تلك الليلة، ولكنه في الصباح عندما سمع صوت الجهاد تركها وحمل سيفه والتحق برسول الله صلى الله عليه وسلم على عجل، وقاتل معه قتال الأبطال حتى قتل، وحنظلة بن أبي عامر هذا هو المسمى غسيل الملائكة، لأنه خاض المعركة وهو جنب، إذ خرج إليها قبل أن يغتسل، استعجالًا منه لئلا يفوته الجهاد، فغسلته الملائكة كما جاء في الحديث الشريف، وكما سنفصله فيما يأتي إن شاء الله.