الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إني أخاف على عقلها
وخرجت صفية بنت عبد المطلب (1)(عمة رسول الله وشقيقة حمزة الشهيد) تطلب أخاها، وقد بلغها ما نزل به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم حبها العظيم لشقيقها حمزة رضي الله عنه، ولذلك خشى على عقلها أن يزول إن هي رأت ما بجثة أخيها من التشوية الفظيع والمثلة الشنيعة، فطلب من ابنها (الزبير بن العوام) أن يعمل على إرجاعها إلى المدينة، لئلا ترى ما حل بأخيها.
فالتقى بها ابنها الزبير، وقال لها
…
يا أمه .. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمرك أن ترجعي.
فقالت .. ولم؟ ؟ وقد بلغني أنه مثّل بأخي؟ وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى، فرجع الزبير فأخبره بما قالت صفية، فقال خل سبيلها، فاتجهت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآها قال .. إني أخاف على عقلها (2)(لما يعلم من حبها الشديد لشقيقها حمزة)، فلما جاءته صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدرها (وهي عمته) ودعا لنا فاسترجعت وبكت.
وكان ابنها الزبير بن العوام يحاول الحيلولة بينها وبين رؤية أخيها، رحمة بها، لأنها قد كبرت وأسنت ولكنها قالت، لا أرجع حتى أنظر إليه،
(1) تقدمت ترجمتها رضي الله عنها في أول هذا الكتاب.
(2)
السيرة الحلبية ج 2 ص 40 ط الحلبي عام 1349 هـ.
فلما سمح لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى جثمان أخيها حمزة، رأت منظرًا مريعًا تتفتت له الأكباد، رأت أخاها الشاب اليافع البطل معفرًا بالتراب، قد فتحت يد الحقد الوثني بطنه وجدعت أنفه وأذنه، ففاضت عيناه بالدموع، فبكت وأبكت، واستغفرت لأخيها (في هدوء المؤمن وثبات المسلم) ثم انصرفت، وكان صلى الله عليه وسلم يبكي لبكائها.
قال ابن مسعود: ما رأينا رسول الله عينة باكيًا أشد من بكائه على حمزة رضي الله عنه وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق (أي شهق) حتى بالغ به الغشي (1).
ك يف دفن المسلمون قتلاهم?
ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء، وجاء في السيرة النبوية لابن هشام (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحمزة بن عبد المطلب فسجى ببردة، ثم صلى عليه فكبر عليه سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى فيضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة.
ولكن الصحيح الذي عليه أهل العلم من الفقهاء والمفسرين وأهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهيد معركة أبدًا، لا في أحد ولا في غيرها من المعارك، وإنما كان يأمر بدفن الشهداء بثياب المعركة (دونما غسل أو صلاة).
(1) السيرة الحلبية ج 2 ص 40.
(2)
السيرة الحلبية ج 2 ص 97.