الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفارقات العجيبة
ومن عجائب المفارقات أن رجلًا من بني عبد الأشهل يقال له الأصيرم، كان شديد النفور من الإسلام، وكان يعيب قومه على اتباع محمد، وظل مشركًا غير مقتنع برسالة النبي، حتى كان يوم أُحد، إذ أدركته هداية الله فحمل سلاحه صبيحة ذلك اليوم العظيم واتجه إلى المعركة (دون أن يعلم أحد بحقيقة أمره) فقاتل في جانب النبي قتالًا مريرًا حتى أثبتته الجراحة فمات ودخل الجنة دون أن يصلي أو يصوم.
وذكر ابن برهان الدين في السيرة الحلبية أن الأصيرم (واسمه عمر ابن ثابت بن وقش) كان يأبى الإسلام على قومه بني عبد الأشهل، فلما كان يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أُحد جاء إلى المدينة فسأل عن قومه فقيل له بأُحدُ، فبدا له في الإسلام (أي رغب فيه فأسلم) ثم أخذ سيفه ورمحه ولأمته واتجه نحو أُحدُ.
وذكر ابن كثير في تاريخه أن الصيرم كان يأبى الإسلام على قومه حتى يوم أحد حيث بدا له فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل في عُرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة، قال فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا والله إن هذا للأصيرم ما جاء به؟ ؟ لقد تركناه وإنه لمنكر هذا الحديث (يعني الإسلام) فسألوه، فقالوا ما جاء بك ياعمرو؟ ؟ أحدب على قومك أو رغبة في الإسلام؟ فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله ورسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي وغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلت حتى أصابني ما أصابني، فلم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (إنه لمن أهل الجنة)، فكان أبو هريرة
يقول (في حق الأصيرم هذا) حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل.
وعلى هذين النقيضين (الأصيرم وقزمان) ينطبق قول النبي صلى الله عليه وسلم، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
فقزمان كان (فيما يبدو للناس مسلمًا) حيث قاتل في جانب النبي يوم أُحد قتال الأبطال فكان الناس يظنونه من أهل الجنة مات شهيدًا على عقيدة الإسلام وفي سبيلها، بينما هو في الحقيقة عكس ذلك لم يقاتل على دين وإنما قاتل حمية ودفاعًا عن أحساب قومه فحسب، فظهرت حقيقته عندما أشرف على الموت، إذ اعترف بأنه لم يقاتل من أجل الإسلام وإنما قاتل قتالًا وطنيًا مجردًا فاستحق بذلك النار لأنه قاتل على غير عقيدة دينية.
وهذا هو (دائمًا وأبدًا) مصير كل قتيل من المنتسبين إلى الإسلام يُخرج أثناء قتاله (من حسابه) عقيدة الإسلام فيرفض القتال باسمها وتحت لوائها، ولا يتحرج من التشنيع على الذين يدعون إلى أنه من الضروري ربط كل كفاح أو جهاد في الوطن الإسلامي بعقيدة الإسلام .. نعم إن كل منتسب إلى الإسلام هذا شأنه فإن مصيره إلى النار حتى وإن قتل بسلاح أعداء الإسلام، لأنه لا فرق بينه وبين هؤلاء الأعداء ما دام أنه على هذه الدرجة من رفض عقيدة الإسلام ومحاربة الداعين إليها ومقاومة المنادين بالجهاد في سبيلها وتحت رايتها.
أما الأُصيرم، فقد كان على العكس - فيما يبدو للناس - مشركًا، فقاتل في جانب النبي دون أن يعلم أحد حقيقة أمرة حتى ساعة وفاته، فكان الناس يظنونه مشركًا، قاتل مع أهل المدينة دفاعًا عن أحساب قومه فحسب، بينما هو في الحقيقة مسلم قاتل على الإسلام وفي سبيله، وظهرت حقيقته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فاستحق بذلك الجنة لأنه قاتل حتى قتل، على عقيدة دينية يرضاها الله ورسوله.
وهكذا فإنه كثير ما يكون ظاهر الأمر خلافًا لباطنه، نسأل الله تعالى أن يختم لنا جميعًا بالحسنى وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه إنه على كل شيء قدير.