الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
-1-
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} . (3)
{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} . (5) .
(1) سورة آل عمران، آية 1-2.
(2)
سورة النساء، آية 1.
(3)
سورة الأحزاب، الآيتان 70-71.
(4)
سورة البقرة، آية 21.
(5)
سورة آل عمران، آية 138.
(6)
سورة آل عمران، آية 187.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} . (4) .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(1) سورة النساء، آية 170.
(2)
سورة النساء، آية 174.
(3)
سورة النساء، آية 108.
(4)
سورة الحج، آية 8.
(5)
سورة آل عمران، آية 64.
-2- إن الإسلام دين مفتوح النوافذ على النور والخير. . . .
وإن حقائقه واضحة، ومعقولة، وصريحة، وهادية، وإنسانية، وعالمية، وخالدة. . . .
ولهذا، فإن الإسلام، وإن الدعاة المسلمين ليرحبون بكل حوار هادئ هادف. . يدعى إليه، أو يقوم بينهم وبين من عداهم من أهل سائر الملل والنحل. . .!
إن الدعاة المسلمين يعتبرونها فرصة سانحة لعرض دعوتهم على القلوب والعقول والضمائر. . .
وهم يعتقدون اعتقادا صادقا، أن دعوتهم حينما تصادف آذانا واعية، وقلوبا مخلصة، وعقولا فاهمة. . . فإنها ستجد القبول والإيمان والإذعان! وهذا ما حدث ويحدث في هذا الزمان، وفي كل زمان!
لقاءات فكرية هنا وهناك، في الشرق والغرب، في الماضي والحاضر. . .!
تبدأ في جو من الغموض والشكوك والتوجس يحيط برؤوس الذين لا يعرفون الإسلام ولا يفقهونه. . .
ثم تنتهي بالإيمان وتقدير وإعجاب بعد أن يزول الضباب، وتمحى الجهالات، ويظهر الحق لكل ذي عينين. . .!
إننا ندعو - بني الإنسان - حيث كانوا من أرض الله أن يقيموا جسورا للتفاهم. . بينهم وبين العقيدة الإسلامية الصحيحة. . .
وعلى كل صاحب ملة ونحلة ألا يخاف ولا يجبن، فإنه في نهاية (اللقاءات العلمية المخلصة) لن يصح إلا الصحيح.
-3- كثيرة هي اللقاءات بين الإسلام والنصرانية، فكم من لقاءات تمت في الماضي، وكم من اللقاءات ينتظر أن تتم في المستقبل. . . ومن لقاءات الماضي نذكر بعضا منها مكتفين بما حدث في الماضي القريب.
1-
في شهر رجب سنة 1270هـ - أي منذ حوالي 130 عاما- عقدت مناظرة في مدينة كلكتا بالهند بين نفر من علماء المسلمين ومبشري النصرانية الذين درجوا على الطعن في الإسلام واستدراج الجهلة من عوام الناس.
وتحددت لها موضوعات خمسة هي: التحريف.
والنسخ.
والتثليث.
وحقيقة القرآن.
ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد استطاع علماء المسلمين - بتوفيق من الله- إظهار الحق بمجرد مناقشة الموضوعين الأولين وهما التحريف والنسخ.
وآنذاك لم يملك مناظروهم من علماء النصارى سوى الانسحاب، اعترافا بإخفاقهم.
وقد شاع خبر هذه المناظرة في العالم الإسلامي الذي كان أغلبه يئن آنذاك تحت سطوة حكم الدول النصرانية، وطلب كثير من المسلمين الاطلاع على
ما دار في تلك المناظرة مما دعا شيخ علماء المسلمين فيها وهو: رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي إلى إصدار كتابه النفيس " إظهار الحق " الذي لا يزال مرجعا فريدا في مجال المناظرة بين المسلمين والنصارى.
ب- بناء على الرغبة التي أبداها بعض كبار رجال القانون والفكر في أوروبا عن طريق السفارة السعودية في باريس للاجتماع بالعلماء في المملكة العربية السعودية للتعمق في مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام، فقد نظمت وزارة العدل السعودية ثلاث ندوات لهذا الغرض في الرياض ابتداء من يوم الأربعاء 7 من صفر سنة 1392هـ، الموافق 22 من مارس سنة 1972 م.
وعلى أثر ذلك تعاقب خطباء الوفد الأوروبي وفي مقدمتهم السيد " الأستاذ ماك برايد " الأستاذ في جامعة دبلن، ووزير خارجية أيرلندا السابق، والرئيس السابق لاتحاد المجلس الأوروبي، والسكرتير العام سابقا في اللجنة التشريعية الدولية، فقال:" من هنا ومن هذا البلد الإسلامي يجب أن تعلن حقوق الإنسان، لا من غيره من البلدان، وإنه يجب على العلماء المسلمين أن يعلنوا هذه الحقائق المجهولة على الرأي العام العالمي والتي كان الجهل بها سببا لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين والحكم الإسلامي عن طريق إعلاء الإسلام والمسلمين ".
ج- في يونيه سنة 1976 م، عقد في جنيف بسويسرا مؤتمر بين المسلمين والنصارى دعا إليه مجلس الكنائس العالمي حول موضوع:" نظرة الأديان السماوية إلى الإنسان وإلى تطلعه نحو السلام ". وفي ذلك المؤتمر أبدى مجلس الكنائس العالمي أسفه الشديد، لأن الواقع أثبت أن إرساليات التبشير النصرانية في ديار المسلمين قد تسببت في إفساد الروابط بين المسلمين والنصارى، كما اعترف بأن تلك الإرساليات كان طابع نشاطاتها في خدمة الدول الأوروبية المستعمرة، وأنها كانت تستخدم التعليم وسيلة لإفساد عقائد المسلمين. وقد
تعهد الجانب النصراني في هذا المؤتمر بإيقاف جميع الخدمات التعليمية والصحية التي تستخدم لتنصير المسلمين.
د- في عام 1979 م، عقد في قرطبة بإسبانيا المؤتمر الثاني للمناظرة بين المسلمين والنصارى، وقد ألقى كلمة الافتتاح الكاردينال ترانكون رئيس أساقفة إسبانيا، فكان مما قاله: " إني كأسقف أود أن أنصح المؤمنين المسيحيين بنسيان الماضي، كما يريد المجمع البابوي منهم، وأن يعربوا عن احترامهم لنبي الإسلام. .
إن هذا شيء هام جدا بالنسبة للمسيحي، إذ كيف يستطيع أن يقدر الإسلام والمسلمين دون تقدير نبيهم والقيم التي بثها ولا يزال يبثها في حياة أتباعه؟
لن أحاول هنا تعداد قيم نبي الإسلام الرئيسية الدينية منها والإنسانية فليست هذه مهمتي، وسوف يلقيها عليكم الإخصائيون واللاهوتيون المسيحيون بالمؤتمر، غير أني أريد أن أبرز جانبين إيجابيين- ضمن جوانب أخرى عديدة - وهما إيمانه بتوحيد الله وانشغاله بالعدالة ".
وفي ذلك المؤتمر ألقى الدكتور يبحيل كروث بحثا عن " الجذور الاجتماعية والسياسية للصورة المزيفة التي كونتها المسيحية عن النبي محمد "، وقد جاء فيه قوله: " لا يوجد صاحب دعوة تعرض للتجريح والإهانة ظلما على مدى التاريخ مثل محمد. . ولقد سبق لي أن أكدت في مناسبة سابقة- وأظن أنني قد قررت ذلك عدة مرات- الاستحالة، من الوجهة التاريخية والنفسية، لفكرة النبي المزيف التي تنسب لمحمد ما لم نرفضها بالنسبة لإبراهيم وموسى وأصحاب النبوات الأخرى من العبرانيين، الذين اعتبروا أنبياء.
إنه لم يحدث أن قال نبي منهم بصورة بينة وقاطعة أن عالم النبوة قد
أغلق. . وفيما يتعلق بالشعب اليهودي فإن عالم النبوة ما يزال مفتوحا، ماداموا ينتظرون المسيح المخلص.
أما فيما يتعلق بالحركة المسيحية فإنه لا يوجد أي تأكيد قطعي يدل على انتهاء عالم النبوة ".
-4- ثم كان لقاء الخرطوم. . لقاء العائدين إلى الله بعد أن بحثوا عن الحق زمنا طويلًا وساروا في سراديب ودهاليز لا أول لها ولا آخر. . .
لعل فيه درسا للمبشرين بالكف عن إفساد عقائد المسلمين فإن الحق دائما غلاب.
لماذا كان المؤتمر؟
إن كثرة من أبنائنا العرب يقضون إجازاتهم في العواصم الأوروبية يدفعهم إلى ذلك قبل كل شيء رغبتهم في إتقان اللغات الأوروبية وهم لذلك يلتحقون أول ما يهبطون إلى البلد الذي يقصدونه بالمدارس الليلية والحرة، ويجدون في مكتباتها الكثير عن الإسلام، والكثير من تشويهه والطعن عليه.
ثم إن كثيرا من البلاد العربية الإسلامية قد وقعت زمنا طويلا تحت وطأة الاستعمار الصليبي، وما تزال تعتمد عليهم في مختلف مرافقها، وتنظر إليهم نظرة إكبار وتقدير، وتندفع بغير شعور منها، وبشعور أيضا إلى تقليدهم وتصغي باهتمام إلى آرائهم.
كل ذلك يمهد الطريق لكتب الغرب وآراء الغرب كي تنتشر بيننا.
وشيء آخر ذو أهمية.
إن كتب السيرة النبوية، وكتب التاريخ العربي، ما يزال أسلوبها صعبا على طلاب ودارسي الثقافة الإسلامية الناشئين، فقلما نجد من يرجع إلى سيرة
ابن هشام، أو السيرة الحلبية، أو نهاية الأرب، أو طبقات ابن سعد. . . بله تاريخ الطبري، والذهبي، وابن الأثير ونحوها. فربما وجدوا قراءة ما كتب المستشرقون أيسر وأجدى.
وهناك كتب كثيرة عن السيرة النبوية العطرة أخرجها كتاب معاصرون.
ولكن كثيرا من الكتب قد اهتم مؤلفوها بسرد حوادث السيرة، وتبسيطها، وقليلا منهم تعرض في مواقف قصيرة لآراء المستشرقين.
وأشهر الكتب التي أخرجت في العصر الحاضر عن السيرة النبوية هو كتاب " حياة محمد " للدكتور محمد حسين هيكل.
وقد عرض فيه لآراء المستشرقين أو لبعض آرائهم بوجه عام وخص بالذكر والأهمية اميل درمنجم المستشرق الفرنسي.
وقد يفهم من كلام الدكتور هيكل أن اميل درمنجم مسالم للإسلام.
خطورة الغزو الفكري:
إذن فقد عمت الترجمات، وشاع بين أبناء الإسلام ما كنا نحذر أن يشيع وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مؤشر خطير في الغزو الفكري عن فريق الاستشراق " البحث العلمي "، وعن طريق التبشير (الدعوة الدينية، استشرى مما ضايق الغيورين على الإسلام. فتعاونوا على دفع هذا الهجوم ودحض الافتراءات عن الإسلام ولكنهم قليل مضطهدون.
نصيحة مهتد للإسلام إلى بني قومه:
وإنه لمن الخير أن نقدم ما كتبه المسلم الفرنسي " ناصر الدين " في كتابه القيم (الشرق كما يراه الغرب) حيث قال: لقد أصاب الدكتور " سنوك هرغرنجه " في قوله: " إن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية
مقضي عليها بالعقم إذا سخرت لأية نظرية أو رأي سابق ".
وهذه حقيقة يجمل بمستشرقي وبمبشري العصر جميعا أن يضعوها نصب أعينهم، فإنها تشفيهم من داء الأحكام السابقة التي تكلفهم من الجهود ما يجاوز حد الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شك خاطئة، فقد يحتاجون في تأييد رأي من الآراء إلى هدم بعض الأخبار وليس هذا بالأمر الهين، ثم إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا، وهذا أمر لا ريب مستحيل.
الرجوع إلى الحق فضيلة:
يحتاج المستشرق والمبشر في القرن العشرين إلى معرفة كثير من العوامل الجوهرية، كالزمن والبيئة، والإقليم، والعادات، والحاجات والمطامح والميول والأحقاد. . إلخ. . لا سيما إدراك تلك القوى الباطنة التي لا تقع تحت مقاييس العقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات.
وفي نهاية الكتاب الذي ألفه ناصر الدين عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال عن:
وثبة الإسلام:
قال ش. شرفيس في كتابه " بونابرت والإسلام ". . (عندما رفع الله إليه مؤسس الإسلام العبقري كان هذا الدين القويم قد تم تنظيمه نهائيا، وبكل دقة، حتى في أقل تفاصيله شأنا. . .
وكانت جنود الله قد أخضعت بلاد العرب كلها، وبدأت في مهاجمة امبراطورية القياصرة الضخمة بالشام.
وقد أثار القلق الطبيعي المؤقت، عقب موت القائد الملهم بعض الفتن العارضة، إلا أن الإسلام كان قد بلغ من تماسك بنائه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا.
ففي أقل من مائة عام، ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد، وقد اندفعوا- لأول مرة في تاريخهم- خارج حدود جزيرتهم المحرومة من مواهب النعم أن يستولوا على أغلب بقاع العالم المتحضر القديم، من الهند إلى الأندلس ".
وقد شغلت -في قوة- هذه القصة المجيدة تفكير أعظم عباقرة عصرنا هذا- أعنى نابليون بونابرت - الذي كان ينظر دائما إلى الإسلام باهتمام ومودة، فيقول عن نفسه في إحدى خطبه المشهورة بمصر، أنه " مسلم موحد ".
وقال لاس كازاس في كتابه " مذكرات سانت هيلين "، ج3، صفحة 183:
" ويذكر الإسلام في أواخر أيامه، فيرى أننا إذا طرحنا جانبا الظروف العرضية التي تأتي بالعجائب، فلا بد أن يكون في نشأة الإسلام سر لا نعلمه، وأن هناك علة أولى مجهولة، جعلت الإسلام ينتصر بشكل عجيب على النصرانية، وربما كانت هذه العلة المجهولة أن هؤلاء القوم، الذين وثبوا فجأة من أعماق الصحارى قد صهرتهم -قبل ذلك- حروب داخلية عنيفة طويلة، تكونت خلالها أخلاق قوية، ومواهب عبقرية، وحماس لا يقهر أو ريما كانت هذه العلة شيئا آخر من هذا القبيل ".
ومن هذا المنطلق كان لقاؤنا بالخرطوم في الفترة من 23 / 1 / 1401هـ، إلى 29 / 1 / 1401هـ، الموافق 1 / 12 / 1980، إلى 7 / 12 / 1980م، مع قادة الفكر النصراني وقادة الفكر الإسلامي وكان رجاؤنا أن يعي كل من المسلمين والمسيحيين على السواء هذه العبر ليضعوا المستشرقين والمبشرين في مكانهم الطبيعي وحجمهم الطبيعي.
وإزاء هذا لا ينبغي أن نتجاهل التيارات المعادية للإسلام ومن ورائها الغزو الفكري الصليبي والصهيوني والشيوعي تحت ستار الحضارة الحديثة الذي