الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحق أنه من رحمة الله سبحانه وتعالى بالناس، أن كل ما فعله المسيح من معجزات له سابقة فعلها الأنبياء قبله. فإذا كان قد أحيا أمواتا لا يزيد عددهم حسبما ترويه الأناجيل عن ثلاثة- فقد أحيا واحد من الأنبياء. قبله جيشا عظيما من الموتى، كما أحيا غيره أفرادا ماتوا حديثا أو بعد أن انقضى على موتهم مدة طويلة.
وبالنسبة للمباركة وتكثير الطعام التي مارسها المسيح، فإنها حدثت كذلك مع الأنبياء قبله.
وبالمثل كانت عملية شفاء المرضى التي مارسها الأنبياء السابقون.
إن هذا كله رحمة من الله بخلقه، حتى لا يضلوا في المسيح ويفتنوا به فيتخذونه إلها.
7-
المحاكمة:
لم تتفق الأناجيل على عدد المحاكمات، ونظرا لضيق الوقت فسوف نكتفي بالحديث عن محاكمتين فقط.
أ- المحاكمة الأولى: أمام مجمع اليهود:
يقول مرقس: " مضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة فاجتمع ومعه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة.
وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة وكان جالسا بين الخدام يستدفئ عند النار.
وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا. لأن كثيرين شهدوا عليه زورا ولم تتفق شهاداتهم. . ثم قام قوم
وشهدوا عليه زورا قائلين نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد. ولا بهذا كانت شهاداتهم تتفق.
فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلًا: أما تجيب بشيء. . ماذا يشهد به هؤلاء عليك.
أما هو فكان ساكتا ولم يجب بشيء.
فسأله رئيس الكهنة أيضا وقال له: أأنت المسيح ابن المبارك؟
فقال يسوع: أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء.
فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال: ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ وقد سمعتم التجاديف. ما رأيكم؟ . فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت. فابتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ولقولون له: تنبأ. وكان الخدام يلطمون " (53: 14-65) .
يقول نينهام: " ليس من السهل أن نتبين كيف نشأ هذا الجزء. ولقد كان السؤال حول قيمته التاريخية- ولا يزال- موضوعا يتعرض لمناقشات حيوية. ومن الواجب أن نعرض الأسباب الرئيسية للشك في قيمته التاريخية، ونناقشها باختصار كما يلي:
1-
يصف القديس مرقس المحاكمة على أنها حدثت أمام المجمع- أي السهندرين- وهو هيئة رسمية تتكون من واحد وسبعين عضوا يرأسها رئيس الكهنة وتمثل السلطة الشرعية العليا في إسرائيل.
ولما كانت لائحة السهندرين المذكورة في المشنا، تبين الخطوات التفصيلية التي يجب اتخاذها أمام تلك الهيئة، فإن المقارنة بين تلك الإجراءات وبين
ما يذكره القديس مرقس عن محاكمة يسوع، تكشف عن عدد من المتناقضات أغلبها جدير بالاعتبار.
2-
ولكن، هل كان من الممكن أن يجتمع أعضاء السهندرين، ولو حتى لعمل مثل تلك الإجراءات القضائية الرسمية التي تسبق المحاكمة في منتصف ليلة عيد الفصح، أو إذا اعتبرنا أن تقويم القديس مرقس لأسبوع الأحداث غير دقيق، فهل كان يمكن أن يجتمعوا في منتصف الليلة السابقة لعيد الفصح؟ إن محاكمة رسمية في مثل ذلك الوقت تبدو شيئا لا يمكن تصديقه، كما يشك أغلب العلماء تماما في عقد جلسة في مثل ذلك الوقت، ولو لعمل تحقيقات مبدئية " (1) .
المحاكمة الثانية أمام بيلاطس:
يقول مرقس: " وللوقت في الصباح الباكر تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله وأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس.
فسأله بيلاطس: أنت ملك اليهود؟ فأجاب وقال له: أنت تقول؟ وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيرا.
فسأله بيلاطس أيضا قائلًا أما تجيب بشيء؟ انظر كم يشهدون عليك.
فلم يجب يسوع أيضا بشيء حتى تعجب بيلاطس. وكان يطلق لهم في كل عيد أسيرا واحدا، من طلبوه. وكان المسمى باراباس موثقا مع رفقائه في الفتنة، الذين في الفتنة فعلوا قتلًا.
فصرخ الجميع وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائما يفعل لهم.
فأجابهم بيلاطس قائلًا: أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟ لأنه عرف أن
(1) تفسير إنجيل مرقس: ص398-401.
رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسدا. فهيج رؤساء الكهنة الجميع لكي يطلق لهم بالحري باراباس.
فأجاب بيلاطس أيضا وقال لهم: فماذا تريدون أن أفعل بالذي تدعونه ملك اليهود؟ فصرخوا أيضا: اصلبه. فقال لهم بيلاطس: وأي شر عمل؟ فازدادوا جدا صراخا: اصلبه.
فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجميع ما يرضيهم أطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليصلب " (15: 1-15) .
يقول نينهام " " رغم أن المحاكمة تعرض لنا باعتبارها وقعت في العراء- فإن رواية القديس مرقس لا يمكن اعتبارها بأية حال تقريرا لشاهد عيان، وفي الواقع إنها ليست تقريرا على الإطلاق.
إننا لم نخطر كيف علم بيلاطس بالتهمة (وفي العدد 2 نجده قد عرفها من قبل) ولماذا لم يرد ذكر لحكم رسمي (على عكس لوقا الذي يقول: فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم-23: 24) .
وبالنسبة لما قيل عن عادة إطلاق أحد المسجونين- فإن وجهة نظر أغلب العلماء تقرر أنه: لا يعرف شيئا عن مثل هذه العادة كما وصفت هنا. إن القول بأن عادة الحكام الرومان جرت على إطلاق أحد المسجونين في عيد الفصح، وأن الجماهير هي التي كانت تحدد اسمه بصرف النظر عن جريمته، إنما هو قول لا يسنده أي دليل على الإطلاق، بل إنه يخالف ما نعلمه عن روح الحكم الروماني لفلسطين وأسلوبه في معاملة أهلها.
على أن محتويات الحوار بين بيلاطس والجمهور تعتبر من المشاكل أيضا، فيبدو منها أن بيلاطس قد وُوجِه مقدما بالاختيار بين مجرمين أدينا، بحيث إذا أطلق سراح أحدهما لوجب عليه إعدام الآخر، وفي نهاية الفقرة التالية (الأعداد 2- 5) نجد أن يسوع لم يدن. وحسبما تذكره القصة لا نجد مبررا
يمنع بيلاطس من تبرئة يسوع إذا كان قد اعتقد في براءته وإصدار عفو كذلك عن باراباس. ونجد في رواية القديس متى لهذه القصة أن اسم ذلك المتمرد قد ذكر مرتين (في 27: 16، 17) في أغلب النسخ على أنه: يسوع باراباس، والاعتقاد الشائع أن ذلك كان القراءة الأصلية.
إن حذف كلمة يسوع من النسخ المتداولة بيننا يمكن شرحه ببساطة على أساس أنه بالرغم من أن اسم يسوع كان شائعا في أيام المسيح. . فلم يلبث المسيحيون أن اعتبروه اسما مقدسا يرقي عن الاستخدام العادي، وأن اطلاقه على أحد المجرمين يعتبر مهينا " (1) .
ولقد أضاف متى إلى رواية مرقس قصتين: إحداهما تحكي نهاية يهوذا، وهذا الموضوع سوف نتعرض له في حينه، وأما الأخرى فهي الحديث عن حلم زوجة بيلاطس. كذلك بين متى أن بيلاطس أعلن براءته من دم المصلوب بطريقة قاطعة فهو يقول: " فقال الوالي وأي شر عمل؟ فكانوا يزدادون صراخا ليصلب. فلما رأى بيلاطس أن لا ينفع شيئا بل بالحرى يحدث شغب أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلًا إني بريء من دم هذا البار، أبصروا أنتم. فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا.
حينئذ أطلق لهم باراباس. وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب " (27: 23- 26) .
لكن العلماء يشكون في حادث غسل يد بيلاطس - كما يقول جون فنتون - باعتبار أن " عملية غسل اليد لتكون دليلًا على البراءة إنما هي عادة يهودية أكثر منها رومانية، إذ يقول سفر التثنية: يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من المدينة أيديهم، ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم.
(1) تفسير إنجيل مرقس: ص411-416.