المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجهاد في الإسلام - مناظرة بين الإسلام والنصرانية

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌تمهيد

- ‌[أعلام الفكر الإسلامي المشاركون في هذا اللقاء الكبير]

- ‌ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌ الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

- ‌ اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب علي

- ‌كلمات الافتتاح للمشاركين

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: عوض الله صالح

- ‌كلمة تمهيدية للأستاذ الدكتور:محمد جميل غازي

- ‌كلمة السيد جيمس بخيتوكلمة السيد تيخا رمضان

- ‌كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور: محمد جميل غازي

- ‌[الجلسة الأولى المحاضر للجلسة الأولى اللواء أحمد عبد الوهاب علي]

- ‌ إنجيل مرقس:

- ‌ إنجيل متى:

- ‌ إنجيل لوقا:

- ‌ إنجيل يوحنا:

- ‌ مشكلة الاختلاف الكثير:

- ‌ مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها:

- ‌قضيّة الصَّلب

- ‌الجلسة الثانية

- ‌[كلمة افتتاحية الجلسة الثانية للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌كلمة جيمس بخيت:

- ‌كلمة الشيخ: طاهر أحمد طالبي الملحق الديني السعودي:

- ‌كلمة الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌تعقيب للدكتور محمد جميل غازي:

- ‌[آلام السيد المسيح]

- ‌ القبض:

- ‌ المحاكمة:

- ‌ الصلب

- ‌نهاية يهوذا الخائن

- ‌تنبؤات المسيح بآلامه

- ‌تنبؤات المسيح بنجَاته من القتل

- ‌الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب:

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي:

- ‌الجلسة الثالثة‌‌القيامةوالظهور

- ‌القيامة

- ‌الظهور

- ‌تعليق الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌بولس

- ‌دين المسيح كان التوحيد:

- ‌كلمة إلى المبشرين:

- ‌الجلسة الرابعة

- ‌[افتتاحية الجلسة الرابعة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌[مولد المسيح وحكمة الله في مولده]

- ‌[ابن الله تحليل وتحقيق]

- ‌المَسِيح نبي الله

- ‌إحياء الموتى

- ‌المسيح رسول الله

- ‌الأبوة والنبوة في الإنجيل

- ‌المسيح يدعو إلى التوحيد

- ‌الروح القدس

- ‌معجزات المسيح

- ‌مواجهة المسيح للكهنة

- ‌ مغفرة الخطايا

- ‌موقف المسيح من تقديس السبت

- ‌[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي]

- ‌الجلسة الخامسة

- ‌[افتتاحية الجلسة الخامسة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌جبال فاران:

- ‌نبوة حبقوق

- ‌نبوة داود

- ‌تعبير دانيال النبي لحلم نبوخذ نصر

- ‌نبوة أشعياء

- ‌مكة المكرمة:

- ‌نبوات عيسى

- ‌المجامع المسكونية

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي

- ‌تكملة حديث الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌الجلسة السادسة

- ‌حديث الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌المَسِيح. . الإله

- ‌ مقارنة بين المسيحية والمثراسية

- ‌[مواجهة القرآن الكريم للوثنيات التي تسربت إلى المسيحية

- ‌الصلب والفداء:

- ‌التفرقة العنصرية

- ‌حقيقة الكتاب المقدس، وحقيته:

- ‌صورة شوهاء لأنبياء الله ورسله في العهد القديم

- ‌حديث عن الإسلام

- ‌الإسلام دين الأنبياء جميعا

- ‌النبي الخاتم

- ‌دَعوَة المَسيح، دَعوَة خاصَّة

- ‌عموم الرسالة المحمدية

- ‌الصادق الأمين

- ‌المعجزات الحسية

- ‌الجهاد في الإسلام

- ‌الحرب في الأسفار المقدسة

- ‌الوثائق تتكلم

- ‌لغة الوثائق والأرقام

- ‌الاضطهاد المسيحي لليهود

- ‌[تعدد الزوجات وحكمته]

- ‌[مقاصد وأهداف تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌نظرات في الكتاب المقدس

- ‌النسخ

- ‌ الطلاق:

- ‌ المحرمات:

- ‌ السبت:

- ‌ الختان:

- ‌ نسخ جميع أحكام (العهد القديم) :

- ‌القرآن والكتب السوالف

- ‌الحواريون

- ‌الخمر

- ‌الخنزير

- ‌الروح القدوس

- ‌كلمة الله

- ‌المشركون والمسجد الحرام

- ‌ ما جاء في القرآن الكريم

- ‌ ما جاء في الحديث الشريف

- ‌كلمة الشيخ طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة اللواء إبراهيم أحمد عمر

- ‌كلمة فضيلة الشيخ محمد هاشم الهدية

- ‌كلمة السيد الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

الفصل: ‌الجهاد في الإسلام

‌الجهاد في الإسلام

و. . . بين يدي سؤال عن السيف، وانتشار الإسلام بالسيف، وهو سؤال مكرور ومعاد. . . وليست هذه أول مرة يثار فيها، ولن تكون آخر مرة!!

وليست هذه أول مرة يجاب فيها على هذا السؤال، ولن تكون آخر مرة!! لأن قائمة (النحل الفاسدة) قائمة محفوظة، تلقى إِلقاء بدون وعي ولا بصيرة!

وكأن الله سبحانه وتعالى أراد. . لرجال الكهنوت أن يحتفظوا بقائمة الاتهامات هذه. . . وأن ينشروها بين أتباعهم. . . ومن يريدون إيقاعهم في شباكهم وشراكهم. . .!

لتكون هذه القائمة. . . كما أرادوا لها أن تكون! . . . صدًّا عن سبيل الله، وصرفًا للناس عن دين الهدى والحق. . .!

ولكنها تصبح إمارة هدى، وإشارة براءة، وبشارة حق، كما أراد الله لها أن تكون. .! وفرق كبير وهائل. . . بين ما يريده الله. . . وما يريده الطغاه!

لقد أمر الله المسلمين بأن يجادلوا الناس جميعًا بالتي هي أحسن سواء أكانوا من أهل الكتاب، كما قال تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (1) .

أم كانوا من غيرهم، كما قال تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}

(1) سورة العنكبوت، 46.

ص: 332

{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (1) .

وهذه الآيات وأمثالها، لا تناقض ما جاء في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (2) .

فالجمع بين (الجدال) و (الجهاد) وهو أسلوب الإسلام ومنهجه، ولكل منهما موضعه، إذ إن كلًّا منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر، وإن استعمالهما جميعًا أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق.

فمن كان من أهل الذمة والعهد والمستأمن منهم لا يجاهد بالقتال، فهو داخل ضمن أمر الله بدعوته ومجادلته بالتي هي أحسن، وليس داخلًا فيمن أمر الله بقتاله.

ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في خطبته عند وفاته:

" وأوصي الخليفة من بعدي بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يوفي لهم بعهدهم، وإن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم ".

وهذا امتثال لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه من حقه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة» رواه أبو داود.

(1) سورة النساء، آية 128.

(2)

سورة النساء، آية 77.

ص: 333

قال أبو عبيد، في (كتاب الأموال) عن ابن الزبير:

«كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم، وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يفتن عنها، وعليه الجزية» .

وأما الظالمون الذين قال الله فيهم {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (1) .

فهؤلاء لم نؤمر بجهادهم بالتي هي أحسن، لأن الظالم ليس بذي علم ولا دين ولا حق، ولهذا كان مستحقًّا للقتال.

وأما المستجير المستأمن -وهو من أهل الحرب- فقد أمر الله تعالى بإجارته حتى تقوم حجة الله عليه، ثم يبلغ مأمنه، قال تعالي: - {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (2) .

والحرب الإسلامية، دفعت إليها الرحمة، وأظلتها الرحمة، وأنهتها الرحمة. . وإذا كان من الرحمة بجسم الإنسان أن تقطع بعض إجزائه الفاسدة حتى لا يسري الفساد ولا يستشري، فإن من الرحمة بالناس جميعًا أن تبتر عناصر الفساد من الطغاة والظالمين والمستبدين، حتى يعيش سائر الناس آمنين مطمئنين، لا يهدد حياتهم خوف ولا ظلم ولا اضطهاد.

والباعث على الحرب الإسلامية، كما جاء في القرآن الكريم، رد العدوان، وصد الطغيان، قال تعالي: -

(1) سورة العنكبوت، آية 46.

(2)

سورة التوبة، 6.

ص: 334

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (1) .

وقال تَعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (2) .

وقال تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (3) .

وقد بين سبحانه وتعالى أن معاملة المعتدين إنما تكون على قدر اعتدائهم، فقال تعالى: - {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (4) .

ومن هذه النصوص وغيرها -وهو كثير- نرى أن ابتداء الاعتداء كان من المشركين، وكان اعتداء على الحرية الدينية، ومحاولات متكررة، وبشتى الأساليب لفتنة المؤمنين في عقيدتهم، وصرفهم عن دينهم، وصدهم عن سبيل ربهم.

كذلك نستبين من هذه النصوص وغيرها -وهو كثير- أن المسلمين لما طولبوا وخوطبوا برد العدوان، طولبوا وخوطبوا -أيضًا- بأمرين هامين هما:

(1) سورة الحج، آية 39.

(2)

سورة البقرة، آية 190.

(3)

سورة البقرة، آية 193.

(4)

سورة البقرة، آية 194.

ص: 335

1-

عدم الاعتداء {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 30 والاعتداء هنا، هو أن يقاتلوا من لم يبدأهم بقتال، ومن لم يضع العقبات والعراقيل في سبيل تقدم الدعوة الإسلامية الهادية.

2-

والتقوى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (1) . والتقوى -هنا- هي الالتزام بالفضيلة، فلا يجرفهم تيار العداوة إلى التشبه بأعدائهم فيما يفعلون، من العدوان على الأعراض، والتمثيل بالقتلى. . . وما إلى ذلك من أسلوب شركي جاهلي إرهابي خبيث.

ثم. . . إن الذين يراجعون (السيرة النبوية) وما جرى للمسلمين من اضطهاد وتعذيب، وفتنة وتشريد، يعلمون أن الباعث على (الحرب الإسلامية) إنما هو رد العدوان، وإيقاف المد الهمجي الرهيب للظلم والطغيان، {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (2) . هذا هو مجمل الحديث عن القتال في شبه الجزيرة العربية، وهذه هي باختصار شديد ومفيد، أسبابه ودوافعه!

لقد تجمع الشرك بكل قدراته، وجحافله، وألقى بأفلاذ أكباده، ليضرب الإسلام في معقله، وبين أنصاره من أهل (المدينة) !!

فنزل قول الله تعالى: - {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (3) . .

تلك كانت حال (الحروب الإسلامية) داخل الجزيرة!

أما حال هذه الحروب خارج الجزيرة: -

(1) سورة البقرة، آية 194.

(2)

البقرة، آية 193.

(3)

سورة التوبة، آية 36.

ص: 336

فلقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم كتبه ورسله إلى الملوك والرؤساء، إلى هرقل، وإلى المقوقس، وإلى كسرى. . وإلى غيرهم. . بل وإلى أمراء بعض البلاد العربية النائية. . .

فما كان جواب أكثرهم إلا الإساءة، سواء أكانت إساءة قولية أم فعلية!!

ومن تتبع صفحات التاريخ، نرى أن الباعث على (الحرب الإسلامية) إنما هو دفع الأذى، وتمكين الدعوة، ومقاومة الشر، ومكافحة الطغيان. . . ولم يكن ثمة إكراه على دين، أو قهر على إيمان، قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) . .

وقال تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (2) . .

ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكره أحدًا على الدين بل ثبت عكس ذلك، وهو، أن بعض الأنصار أراد أن يكره ولده على الإسلام فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

ويقول تعالى: - {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (3) . .

(1) سورة البقرة، آية 256.

(2)

سورة يونس، آية 99.

(3)

سورة التوبة، آية 6.

ص: 337

وهنا نتوقف لنستعرض بعض النصوص التي تلقي الضوء على أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم ووصاياه في الحرب، سواء أكان ذلك في وقت الإعداد لها أم في وقت مباشرتها أم في أعقابها.

1-

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو المؤمنين إلى عدم تمني لقاء العدو، فكان يقول:

«لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاصبروا» (1) .

2-

ولقد كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على منع القتال حتى بعد أخذ الأهبة له، فهو يقول لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن قائدًا:

«لا تقاتلوهم حتى تدعوهم، فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يبدأوكم، فإن بدأوكم فلا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم قتيلًا، ثم أروهم ذلك، وتولوا لهم: هل إلى خير من هذا من سبيل، فلأن يهدي الله على يديك رجلًا واحدًا خير مما طلعت عليه الشمس وغربت» .

3-

ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف دعوته وحربه: «أنا نبي الرحمة، وأنا نبي الملحمة» .

والرحمة والملحمة متلازمتان في حروب النبي صلى الله عليه وسلم. . .!

فالرحمة الحقيقية إنما تكون في قطع أصول الفساد، وإيقاف انتشار الجريمة والشر.

4-

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي جنده بتأليف القلوب، لا بإتلاف النفوس، فهو يقول:«تألفوا الناس، وتأنوا بهم، ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من أهل مدر أو وبر أن تأتوني بهم مسلمين، أحب إلي من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم» .

(1) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في الجهاد 32- 112، 156، ومسلم في الجهاد 19 / 20، وأبو داود في الجهاد 89.

ص: 338

5-

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي جيشه المحارب بألا يقوم بإتلاف زرع أو قطع شجر، أو قتل الضعاف من الذرية والنساء والرجال الذين ليس لهم رأي في الحرب، ولم يشتركوا فيها من قريب أو بعيد، ومن ذلك قوله:«سيروا بسم الله، في سبيل الله، وقاتلوا أعداء الله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا» .

ويقول عليه الصلاة والسلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه:

«لا تقتل ذرية ولا عسيفًا: أي عاملًا» .

6-

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشدد في المنع من قتل الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا يحاربون، وليس لهم رأي في الحرب.

فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على القتلى، فرأى امرأة مقتولة، فقال:«ما كانت هذه لتقاتل» .

وقال: «ما بال أقوام تجاوز بهم القتل حتى قتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية» .

7-

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة -ولو فعلها المشركون مع المسلمين- قال:

«إياكم والمثلة» .

8-

ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى المشركين، ولم يترك جثثهم نهبًا لوحوش الأرض، وسباع الطير، إذ «أمر صلى الله عليه وسلم بوضع جثث القتلى من قريش في (القليب) وهي بئر جافة» .

كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الإجهاز على الجرحى.

9-

وكانت حرب النبي صلى الله عليه وسلم تنتهي بأحد أمور ثلاثة:

ص: 339

أولها - (الموادعة) ، قال تعالى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (1) . .

وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (2) . .

ثانيها - (الصلح وإنهاء الحرب) ويكون هذا الصلح على أساس العدالة والوفاء. ولأنه صلح منه للحرب بعد وقوعها، لذا لزم أن يكون مقرونًا بإعلان الإسلام في ربوع الديار التي كان النصر فيها للمؤمنين.

وثالثها - (النصر المبين) ويكون بإعلاء كلمة الله، كما قال تعالى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (3) . .

10-

وكان موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أعدائه المنهزمين موقفًا كريمًا للغاية.

ونضرب مثلًا واحدًا لهذا المعنى الإنساني النبيل:

لقد كانت آخر حرب للنبي صلى الله عليه وسلم مع قريش هي التي انتهت بفتح مكة للإسلام والمسلمين. . .!

ثم. . . ماذا؟

ثم التقى النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء الذين آذوه وعادوه واضطهدوا أصحابه، وساؤهم سوء العذاب. . . حتى إن منهم من مات تحت وطأة العذاب، وضراوة الفتنة. .

(1) سورة الأنفال، آية 61.

(2)

سورة البقرة، آية 208.

(3)

سورة الحج، آية 41.

ص: 340

فماذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم؟

وماذا قالوا له؟

«قال لهم: " ما تظنون أني فاعل بكم "؟

قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم!!

فقال لهم: " لا أقول لكم إلا ما قاله أخي يوسف {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (1) . .

اذهبوا فأنتم الطلقاء» (2) !!!

11-

وموقفه صلى الله عليه وسلم من الأسرى، موقف كريم رحيم، وهو أعرف من أن يعرف- فهو الذي يقول:«استوصوا بالأسرى خيرًا» .

ولقد قام صحابته رضوان الله عليهم بما أمرهم به خير قيام، حتى أثنى الله عليهم بقوله {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (3) . .

(1) سورة يوسف، آية 92.

(2)

أخرجه البخاري في المغازي 3 / 345، وأحمد في المسند 3 / 190-286.

(3)

سورة الإنسان، آية 8.

ص: 341