الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (1)
الحواريون
يقول السؤال المطروح عليَّ: هل يؤمن المسلمون برسل المسيح الذين اختارهم، وأوكل إليهم مهمة التبشير لجميع الأمم كما ذُكِر في الإنجيل؟
ونقول في الإجابة:
يزعم النصارى أن الحواريون رسل من رسل اللَّه، وأنهم سلموا إليهم التوراة والإنجيل، وأن لهم معجزات. . . .!
وكونهم " رسل الله "! فهذا مبني على كون المسيح هو الله، فإنهم رسل الله!
يقول شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في كتابه القيم: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)(2)
" وهذا الأصل باطل، ولكن في طرق المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن فنمنعهم في هذا المقام، ونطالبهم بالدليل على أنهم رسل الله، وليس لهم على ذلك دليل: فإنه لا يثبت أنهم رسل الله إن لم يثبت أن المسيح هو الله، وإثباتهم أن المسيح هو الله، إما أن يكون بالعقل أو بالسمع- يعني الدليل النقلي- والعقل لا يثبت ذلك بل يحيله، وهم لا يدعون ثبوت ذلك بالعقل.
(1) سورة التوبة، الآيات 30-35.
(2)
1 / 357.
بل غاية ما يدعون إثبات إمكانه بالعقل لا إثبات وجوده مع أن ذلك أيضًا باطل.
وإنما يدعون ثبوت وجوده بالسمع.
ولكن يقال لهم في هذا المقام: أنتم لا يمكنكم إثبات كون المسيح هو الله إلا بهذه الكتب، ولا يمكنكم تصحيح هذه الكتب إلا بإثبات أن الحواريين رسل الله معصومون، ولا يمكنكم إثبات أنهم رسل الله إلا بإثبات أن المسيح هو الله فصار ذلك دورًا ممتنعًا.
فإنه لا تعلم إلهية المسيح إلا بثبوت هذه الكتب.
ولا تثبت هذه الكتب إلا بثبوت أنهم رسل الله.
ولا يثبت ذلك إلا بثبوت أنه الله.
فصار ثبوت إلهيته متوقفًا على ثبوت إلهيته.
وثبوت كونهم رسل الله متوقفًا على كونهم رسل الله، فصار ذلك دورًا ممتنعًا ".
ثم يقول رحمه الله مفندًا لمزاعم القوم؛ إذ يقولون: إن هؤلاء الحواريين جرت على أيديهم معجزات، فهم لهذا يعتبرون رسلًا!
" وقد يدعون عصمة الحواريين، وعصمة أهل المجامع بعد الحواريين. فيزعمون أن الحواريين أو هؤلاء جرت على أيديهم خوارق، وقد يذكرون أن منهم من جرى إحياء الميت على يديه، وهذا إذا كان صحيحًا- مع أن صاحبه لم يذكر أنه نبي- لا يدل على عصمته.
فإن أولياء الله من الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان، وسائر أولياء الله من هذه الأمة وغيرها، لهم من خوارق العادات ما يطول وصفه، وليس فيهم معصوم، يجب قبول كل ما يقول، بل يجوز الغلط على كل واحد منهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الأنبياء عليهم السلام.
ولهذا أوجب الله الإيمان بكل ما أوتيه الأنبياء، ولم يوجب الإيمان بكل ما يقوله كل ولي ".
ثم يقول:
" فإذا كان المسلمون يقولون عن الحواريين إنهم ليسوا بمعصومين، فإنهم يقولون ذلك فيمن هو عندهم أفضل من الحواريين كأبي بكر وعمر.
وإن كانوا يقولون عن المسيح إنه عبد مخلوق مربوب ليس بإله فإنهم يقولون ذلك فيمن هو عندهم أفضل من المسيح كمحمد وإبراهيم عليهما أفضل الصلاة والسلام ".
إننا نؤمن أن الحواريين، هم صحابة المسيح ورسله، وأنهم بمنزلة رسل موسى ورسل إبراهيم ورسل محمد عليهم السلام، الذين يوجهونهم برسائلهم إلى الآفاق لنشر الدعوة أو تعليم الدين.
أما النصارى؛ فإنهم يرون في الحوارين أنهم رسل الله. . . يعنون المسيح!!
ولقد ورد ذكر الحواريين في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، قال تعالى:
(1) سورة البقرة، آية 136.
(2)
سورة آل عمران، آية 52.
وقال تعالى: -
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} (1)
فإن قال قائل، وهذه الآيات التي جاءت في سورة (يس) وتتحدث عن أخبار (رسل المسيح) إِلى أهل أنطاكية، ألا يدل ذلك على أنهم رسل الله؟ نقول: أما الآيات التي وردت في سورة (يس) فهي قوله تعالى: -
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} {قَالُوا}
(1) سورة المائدة، الآيات 111-115.
(2)
سورة الصف، آية 14.
{طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ} {إِنِّي
إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (1)
يقول ابن تيمية رحمه الله:
" والرسل المذكورون في سورة يس ليسوا هم الحواريين، ولا كانوا رسلًا للمسيح، بل كان هذا الإرسال قبل المسيح، وأهل القرية كذبوا أولئك الرسل فأهلكهم الله، كما قال تعالى:
{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} (2)
والرسل المذكورون في السورة هم ثلاثة، وكان في القرية رجل آمن بهم، وهذه -وإن كانت أنطاكية- فكان هذا الإرسال قبل المسيح، والمسيح عليه السلام ذهب إلى أنطاكية اثنان من أصحابه بعد رفعه إلى السماء، ولم يعززوا بثالث، ولا كان حبيب النجار موجودًا إِذ ذاك، وآمن أهل أنطاكية بالمسيح عليه السلام، وهي أول مدينة آمنت به ".
(1) سورة يس، الآيات 13-32.
(2)
سورة يس، الآيتان 28، 29.
وقبل أن ننهي هذا الفصل من فصول المناظرة، أحب أن أقلب صفحات أسفار العهد الجديد لأستخرج منها صورة هؤلاء الحواريين الذين يقال عنهم إنهم رسل وإنهم معصومون.
- " وأما أسماء الاثني عشر رسولًا فهي هذه: الأول: سمعان؛ الذي يقال له بطرس، وأندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفي، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوي، ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه "(إنجيل متى 10: 2-4) .
- " وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس "(متى 23: 16) .
- " ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جائيًا له، قائلًا: يا سيد ارحم ابني فإنه يصرع ويتألم شديدًا، ويقع كثيرًا في النار وكثيرًا في الماء، وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه، فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي، إلى متى أكون معكم. إلى متى أحتملكم قدموه إلي ههنا، فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشفي الغلام من تلك الساعة، ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد، وقالوا: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم "(إنجيل متى 17: 14- 20) .
- " فأجاب بطرس وقال له: وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا، قال له يسوع: الحق أقول لك إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات "(متى 26: 33- 34) .
وتؤكد الأناجيل- كما ذكرنا من قبل- أن يهوذا الأسخريوطي واحد من الحواريين الرسل. . . بل إنه كان من المقدمين فيهم لأنه كان أمين المال. . . وهو الذي تآمر على المسيح مع شيوخ اليهود في نظير ثلاثين من الفضة!!!
وهنا سؤال عارض:
- هل كان يهوذا يعرف أو يعتقد أن المسيح الذي باعه بثلاثين من الفضة هو ابن الله كما يزعمون؟
وهل كان بطرس رئيس التلاميذ، الذي أنكر المسيح ثلاث مرات حسب روايات الأناجيل وتبرأ منه يعتقد أنه ابن الله كما يدعون؟
إن كانا يعلمان أو يعتقدان ذلك فكيف أسلمه الأول وأنكره الثاني؟
وإن لم يكونا يعلمان- مع أن بطرس رئيس التلاميذ- فكيف ألَّهوه بعد ذلك، وقالوا: المسيح ابن الله؟
إن الأناجيل تصر على أن يهوذا كان خائنًا.
" حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعي يهوذا الأسخريوطي إلى رؤساء الكهنة. وقال: ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم، فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه "(إنجيل متى 26: 14- 16) .
وتعطينا الأناجيل- أيضًا- صورة عن ابني زبدي، فقد أحضرا أمهما لتسأل المسيح أن يكون أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله في ملكوت الله.
" حينئذ تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئًا، فقال لها: ماذا تريدين؟ قالت له: قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال: لستما تعلمان ما تطلبان، أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا. قالا له: نستطيع. فقال لهما أما كأسي فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان، وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم من أبي. فلما سمع العشرة اغتاظوا من أجل الأخوين "(متى 20: 20- 24) .
بل إن جميع التلاميذ كانوا يبحثون عن المنفعة الشخصية، فها هو ذا بطرس زعيمهم يتحدث بالنيابة عنهم إلى المسيح، ويقول عنه الإنجيل:
" فأجاب بطرس حينئذ وقال له: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا، فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تَبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًّا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر "(إنجيل متى 19: 27-29) .
اثنا عشر كرسيًّا. . . بعدد الرسل الاثني عشر. . . .!
أنسي كتبة الأناجيل. . أن يسقطوا (يهوذا) الخائن. . . من حكاية (الكراسي) !
إذًا (فيهوذا الأسخريوطي) ما زال محتفظًا بكرسيه. . رغم كل شيء!!