المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي] - مناظرة بين الإسلام والنصرانية

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌تمهيد

- ‌[أعلام الفكر الإسلامي المشاركون في هذا اللقاء الكبير]

- ‌ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌ الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

- ‌ اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب علي

- ‌كلمات الافتتاح للمشاركين

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: عوض الله صالح

- ‌كلمة تمهيدية للأستاذ الدكتور:محمد جميل غازي

- ‌كلمة السيد جيمس بخيتوكلمة السيد تيخا رمضان

- ‌كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور: محمد جميل غازي

- ‌[الجلسة الأولى المحاضر للجلسة الأولى اللواء أحمد عبد الوهاب علي]

- ‌ إنجيل مرقس:

- ‌ إنجيل متى:

- ‌ إنجيل لوقا:

- ‌ إنجيل يوحنا:

- ‌ مشكلة الاختلاف الكثير:

- ‌ مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها:

- ‌قضيّة الصَّلب

- ‌الجلسة الثانية

- ‌[كلمة افتتاحية الجلسة الثانية للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌كلمة جيمس بخيت:

- ‌كلمة الشيخ: طاهر أحمد طالبي الملحق الديني السعودي:

- ‌كلمة الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌تعقيب للدكتور محمد جميل غازي:

- ‌[آلام السيد المسيح]

- ‌ القبض:

- ‌ المحاكمة:

- ‌ الصلب

- ‌نهاية يهوذا الخائن

- ‌تنبؤات المسيح بآلامه

- ‌تنبؤات المسيح بنجَاته من القتل

- ‌الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب:

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي:

- ‌الجلسة الثالثة‌‌القيامةوالظهور

- ‌القيامة

- ‌الظهور

- ‌تعليق الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌بولس

- ‌دين المسيح كان التوحيد:

- ‌كلمة إلى المبشرين:

- ‌الجلسة الرابعة

- ‌[افتتاحية الجلسة الرابعة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌[مولد المسيح وحكمة الله في مولده]

- ‌[ابن الله تحليل وتحقيق]

- ‌المَسِيح نبي الله

- ‌إحياء الموتى

- ‌المسيح رسول الله

- ‌الأبوة والنبوة في الإنجيل

- ‌المسيح يدعو إلى التوحيد

- ‌الروح القدس

- ‌معجزات المسيح

- ‌مواجهة المسيح للكهنة

- ‌ مغفرة الخطايا

- ‌موقف المسيح من تقديس السبت

- ‌[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي]

- ‌الجلسة الخامسة

- ‌[افتتاحية الجلسة الخامسة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌جبال فاران:

- ‌نبوة حبقوق

- ‌نبوة داود

- ‌تعبير دانيال النبي لحلم نبوخذ نصر

- ‌نبوة أشعياء

- ‌مكة المكرمة:

- ‌نبوات عيسى

- ‌المجامع المسكونية

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي

- ‌تكملة حديث الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌الجلسة السادسة

- ‌حديث الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌المَسِيح. . الإله

- ‌ مقارنة بين المسيحية والمثراسية

- ‌[مواجهة القرآن الكريم للوثنيات التي تسربت إلى المسيحية

- ‌الصلب والفداء:

- ‌التفرقة العنصرية

- ‌حقيقة الكتاب المقدس، وحقيته:

- ‌صورة شوهاء لأنبياء الله ورسله في العهد القديم

- ‌حديث عن الإسلام

- ‌الإسلام دين الأنبياء جميعا

- ‌النبي الخاتم

- ‌دَعوَة المَسيح، دَعوَة خاصَّة

- ‌عموم الرسالة المحمدية

- ‌الصادق الأمين

- ‌المعجزات الحسية

- ‌الجهاد في الإسلام

- ‌الحرب في الأسفار المقدسة

- ‌الوثائق تتكلم

- ‌لغة الوثائق والأرقام

- ‌الاضطهاد المسيحي لليهود

- ‌[تعدد الزوجات وحكمته]

- ‌[مقاصد وأهداف تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌نظرات في الكتاب المقدس

- ‌النسخ

- ‌ الطلاق:

- ‌ المحرمات:

- ‌ السبت:

- ‌ الختان:

- ‌ نسخ جميع أحكام (العهد القديم) :

- ‌القرآن والكتب السوالف

- ‌الحواريون

- ‌الخمر

- ‌الخنزير

- ‌الروح القدوس

- ‌كلمة الله

- ‌المشركون والمسجد الحرام

- ‌ ما جاء في القرآن الكريم

- ‌ ما جاء في الحديث الشريف

- ‌كلمة الشيخ طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة اللواء إبراهيم أحمد عمر

- ‌كلمة فضيلة الشيخ محمد هاشم الهدية

- ‌كلمة السيد الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

الفصل: ‌[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي]

[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي]

ثم قال الدكتور محمد جميل غازي:

" بسم الله الرحمن الرحيم " وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين- أمرنا وأمركم إلى الله، ذلك أن الموضوع طويل والكلام فيه كثير، ولا تغطيه الليالي المتعاقبة ولا المحاضرات الكثيرة ولا المناقشات الطويلة، ولكننا نجتزئ بالبعض عن الكل وأريد أن أحدثكم عن قانون الإيمان المسيحي (1)، كيف نشأ هذا القانون وكيف تجمع عبر مجموعة المجامع المسكونية الكنسية. يقول نص قانون الإيمان:" المنبثق عن مجمع نيقية عام 325 م. " نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماوات والأرض ما يرى ما لا يرى. نؤمن برب واحد. . . يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للأب في الجوهر، الذي به كان كل شيء. هذا هو الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاص نفوسنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومريم العذراء وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس النبطي وتألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين أبيه وأيضا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات. الذي ليس لملكه انقضاء ".

ثم أضيفت إلى هذا القانون إضافة أخرى. منبثقة عن مجمع القسطنطينية عام 381 م: " نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء، وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي. آمين ". ثم أضيفت إضافة ثالثة حول تطويب

(1) يراجع في هذا الصدد الدراسة القيمة التي قام بها الأستاذ عبد الكريم الخطيب في كتابه: «المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن» .

ص: 204

العذراء منبثقة عن مجامع أفسس عام 431 م. تقول: " نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة لأنك ولدت لنا مخلص العالم كله. أتى وخلص نفوسنا ".

ثم أضيفت إضافة رابعة لتمجيد السيد المسيح: " المجد لك يا سيدنا ولملكنا المسيح فخر الرسل إكليل الشهداء تهليل الصديقين ثبات الكنائس غافر الخطايا ".

ثم إضافة أخرى للتبشير بالثالوث الأقدس: " نكرز ونبشر بالثالوث لاهوت واحد نسجد له ونمجده يا رب ارحم يا رب بارك. آمين ".

هذه هي قوانين الإيمان التي نريد أن نمر عليها لنعرف كيف لفقت هذه القوانين وكيف جمعت كلماتها من أسفارهم كما تجمع الكلمات المتقاطعة التي تنشر في الصحف.

إن تاريخ المسيحية: " يقول في سنة 325 م، اجتمع المؤتمر المسكوني في نيقية بأمر الملك قسطنطين الكبير. وكانت المسألة الأولى والوحيدة التي ناقشها المؤتمر هي طبيعة المسيح وذلك بعد أن قرر القس الإسكندري أريوس رأيه في المسيح وأنه مخلوق.

يقول سعيد البطريق أو ابن البطريق في كتابه التاريخي " نظم الجوهر " يروي مقاله أريوس هذا وما كان لها من آثار في إثارة الخلاف والفرقة بين المسيحيين وما انتهى إليه الرأي فيه وفي مقولته.

يقول ابن البطريق: قال بطريرك الإسكندرية لتلاميذه: إن المسيح لعن آريوس فأحذروا أن تقبلوا قوله. فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب فقلت له يا سيدي: من شق ثوبك؟ فقال لي: آريوس، فاحذروا أن تقبلوه أو أن يدخل معكم الكنيسة. فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان فجمع البطارقة والأساقفة فاجتمع في مدينة نيقية -بعد سنة وشهرين- ألفان وثمانية

ص: 205

وأربعون أسقفًا وكانوا مختلفي الآراء ومختلفي الأديان. فمنهم من يقول المسيح ومريم إلهان من دون الله وهم المريمانية. ومنهم من يقول إن المسيح من الآب بمنزلة شعلة نار تخلقت من شعلة نار فلم تنقص الأولى لإيقاد الثانية منها. وهي مقالة سيبارينون وأتباعه ومنهم من كان يقول: لم تحمل مريم لتسعة أشهر وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها وهي مقالة أيليان وأشياعه ومنهم من يقول إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم وإنه اصطفى ليكون مخلصًا للجوهر الإنسي صاحبته النعمة الإلهية فحلت فيه المحبة والمشيئة- فلذلك سمي ابن الله. ويقولون إن الله جوهر واحد

وأقنوم واحد ويسمونه بثلاثة أسماء ولا يؤمنون بالكلمة ولا بالروح القدس وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية وأشياعه وهم البولونيون. ومنهم من كان يقول بثلاثة آلهة: صالح وطالح وعدل. وهي مقالة مرقيون وأشياعه. ومنهم من كان يقول ربنا هو المسيح وتلك هي مقالة بولس الرسول ومقالة الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًا ".

ثم يقول ابن البطريق: فلما سمع قسطنطين الملك مقالاتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارًا وتقدم لهم بالإكرام والضيافة وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم ليظهر من معه الحق فيتبعه. فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًا على دين واحد ورأي واحد فناظروا بقية الأساقفة فأفلجوا عليهم حججهم وأظهروا الدين المستقيم.

أما أهم ما قرره هذا المجمع الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًا فهو أن المسيح ابن الله وأنه مساوٍ لله في الجوهر. ونريد الآن أن نعرف من أين جمعوا نصوص قانون الإيمان المسيحي فنجد أن عباراته جاءت كالآتي:

ص: 206

" نؤمن بإله واحد " جاءت من إنجيل (يوحنا 3: 17) .

" آب " من (الرسالة الأولى لأهل تسالونيكي 3: 11) .

" ضابط الكل " من (إنجيل متى 1: 9- 20) .

" خالق السماوات والأرض ما يرى وما لا يرى " من (متى 11: 25 وسفر الخروج 20: 11) .

" نؤمن برب واحد " من (العبرانيين 1: 8 والرؤيا 19: 16) .

" يسوع المسيح " من (العبرانيين 13: 8) .

" ابن الله الوحيد " من إنجيل (يوحنا 3: 16) .

" المولود من الآب قبل كل الدهور " من (ميخا 5: 2) .

" نور من نور " من (العبرانيين 1: 3) .

" إله الحق " من إنجيل (يوحنا 17: 5) .

" من إله حق " من إنجيل (يوحنا 17: 5) .

" مولود غير مخلوق " من إنجيل (يوحنا 26: 5) .

" مساو للآب في الجوهر " من إنجيل (يوحنا 10: 30) .

" الذي به كل شيء " من إنجيل (يوحنا 1: 3) .

" هذا هو الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاص نفوسنا " ليس له سند من نصوص العهد الجديد وإنما وضع بمعرفة المجمع.

" ونزل من السماء وتجسد " من إنجيل (يوحنا 1: 14 ومن العبرانيين 10: 5)" من الروح القدس ومريم العذراء " من إنجيل (لوقا 1: 35) .

" وتأنس " من إنجيل (يوحنا 8: 40) .

" وصلب على عهد بيلاطس النبطي " من إنجيل (يوحنا 19: 19) .

ص: 207

" وتألم " من (الرسالة الأولى لبطرس 1: 11) .

" وقبر " من أشعياء 53: 9 ومن متى 27: 60) .

" وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب "(من سفر الرؤيا 14: 14 ومن الرسالة الأولى لكورنثوس 15: 2) .

" وصعد إلى السماوات " من إنجيل (لوقا 24: 51) .

" وجلس عن يمين أبيه " من إنجيل (مرقس 16: 19) .

" وأيضا يأتي في مجده " من إنجيل (متى 25: 31) .

" ليدين الأحياء والأموات " من (العبرانيين 10: 30) .

" الذي ليس لملكه انقضاء " من إنجيل (لوقا 1: 33) .

هذا هو قانون الإيمان المسيحي الأول قبل تطويره. وأود أن أنبه إلى أن هذا التخريج ليس من عندنا ولكنه كما خرج عليه المؤتمرون قرارهم وقدموا به محمولا بين يدي هذه المذكرة الإيضاحية. وإذا جاوزت هذا التبرير وما فيه من تعسف وشطط بعيدين غريبين فإنك تجد أن الصورة التي رسمها القرار للألوهية ينقصها الوجه الثالث من وجوه التثليث وهو الروح القدس فالإيمان الذي يبشر به هذا القرار هو الإيمان بالآب والابن فقط، أما الروح القدس فهو ما دخل في تجسد الابن من مريم العذراء وهو في هذا الموضع قد يكون ملاك الرب أو جبريل أو كلمة الله أو الابن.

ونستطيع أن نتخذ من هذا القرار وثيقة تاريخية محققة للقول بأن التثليث المسيحي لم يكن معروفًا إلى سنة 325 من ميلاد المسيح ولم يعترف المؤتمر المنعقد في هذا العام بغير الآب والابن. كما نستطيع أن نقرر أيضا أنه إلى ذلك الحين لم يكن المسيح قد دخل ببنوته في شركة مع الله على هذا النحو الذي يجعل منه الله مندمجًا في أقنومية الآب والروح القدسي. وغاية ما كان يتصور

ص: 208

في هذه البنوة أنها فرع عن أصل وأنها إن دلت على الإله فلن تكون هي الإله. وفي هذا القرار إعلان صريح عن الله الآب أنه خالق للسماوات والأرض، أما الابن فلم يكن له في خلق السماوات والأرض أي دخل. ولكن المسيحية بعد هذا تدين بأن الله الآب لم يخلق شيئًا وإنما المسيح الابن هو الذي خلق كل شيء. فأقنوم الابن هو القائم بعملية الخلق كما انتهى إلى ذلك معتقد المسيحية بعد أن المسيحية إلى ما بعد منتصف القرن الرابع لم تكن قد استكملت حقيقتها فما زال موقف المسيح متأرجحا مضطرا بين الإله والإنسان. وإن الأمر ليحتاج إلى خطوة أو خطوات أخرى لسد هذه الفجوة العميقة التي تتذبذب فيها شخصية المسيح متأرجحة مضطربة بين الإله والإنسان.

وليس يقوم لهذا الأمر إلا مجمع مقدس يسوي ألوان هذه الصورة المهزوزة ويحدد ملامحها وهذا ما قد كان فعلًا؟ ففي سنة 381 م، أمر الملك تاودسيوس الكبير بعقد مجمع مقدس في مدينة القسطنطينية للنظر في مقولة مقدونيوس بطريرك القسطنظينية التي كان ينادي بها في محيط كنيسته ويذيعها في أتباعه وهي أن الروح القدس مخلوق كسائر المخلوقات. وواضح من هذا أن أمر الروح القدس لم يكن قد استقر بعد كوجه من وجوه الله وأقنومًا من أقانيمه متساويًا مع الآب والابن في الرتبة، وقد اجتمع في هذا المؤتمر مائة وخمسون أسقفًا يمثلون جميع الهيئات المسيحية. وكان من بينهم تيموثاوس بطريرك الإسكندرية الذي أسندت إليه رئاسة الجميع.

وقد انتهى المؤتمر بإدانة مقدونيوس ومن كان على رأيه من الأساقفة ثم خرج المجمع بالمصادقة على قرار نيقية ثم إضافة نص جديد كالآتي مع بيان نصوص الكتاب المقدس التي رجعوا إليها:

ص: 209

" نعم نؤمن بالروح القدس " إنجيل (يوحنا 14: 26) .

" الرب " الرسالة الثانية إلى كورنثوس 2: 17-18) .

" المحيي "(رومية 8: 11) .

" المنبثق من الآب " إنجيل (يوحنا 15: 16) .

" نسجد له ونمجده مع الآب والابن " إنجيل (متى 18: 19- 20) . " الناطق في الأنبياء "(الرسالة الأولى لبطرس 1: 11، 2 بط 1: 21) .

" وبكنيسة " إنجيل (متى 16: 18) .

" واحدة "(رومية 13: 5) .

" مقدسة "(أفسس 5: 25، 26) .

" جامعة " إنجيل (يوحنا 11: 52) .

" رسولية "(أفسس 5: 3) .

" ونعترف بمعمودية واحدة "(أفسس د: 5) .

" لمغفرة الخطايا "(عبرانيين 8: 13، 9: 22) .

" وننتظر قيامة الأموات " الرسالة الأولى لكورنثوس 15: 21) .

" وحياة الدهر الآتي. آمين " إنجيل (لوقا 18: 30) ".

وقد جمع هذا النص كسابقه من أشتات ملفقة من الأناجيل والرسائل ومنتزعة من مواطنها انتزاعا في غير رفق أو تلطف لتلتقي هنا على غير إلف أو تعارف وفي هذا النص يظهر الوجه الثالث للثالوث المقدس. ثم تبدأ المسيحية النظر في الإله ذي الأقانيم الثلاثة نظرًا فلسفيًا لاهوتيًا تختلط فيه الفلسفة باللاهوت ويمتزج فيه الواقع بالخيال ويعمل العقل المسيحي في جد وبراعة في نسج ملحمة من أبرع الملاحم الأسطورية التي تصل السماء بالأرض وتخلط الله بالإنسان، ولكن القصة لم تتم فصولا بعد.

ص: 210

فما زال هناك فجوات تنتظر من المجامع المقدسة أن تملأها بتلك الكلمات التي تلتقطها من شتيت الصفحات في الأناجيل والرسائل.

ففي سنة 431 م، أعلن نسطور بطريك القسطنطينية قوله: إن العذراء لم تلد متأنسا بل ولدت إنسانًا عاديًا ساذجا ثم حل فيه الإله بإرادته لا بالاتحاد فهو لهذا ذو طبيعتين وأقنومين. وقد انقسم المسيحيون إزاء هذا الرأي فكان بعضهم في جانب نسطور وكان البعض الآخر في الجانب المخالف له على حين وقف كثيرون موقف الحياد بين الحيرة والتردد. ومن أجل هذا دعا الملك تاودوس الصغير ملك القسطنطينية إلى عقد المجمع المقدس فحضره نحو مائتي أسقف وبعد مناقشات طويلة انتهى الرأي إلى القول بتجسد الكلمة واتحاد الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة. والذي يلفت النظر في مقررات هذا المؤتمر أنها لم تخرج مخرج المقررات التي صدرت في المجمعين السابقين حيث لم تكن في صورة دعوة إلى إيمان بحقيقة جديدة وإنما جعلت هذه المقررات مقدمة لقانون الإيمان. وكأن المؤتمرين قدروا الخطر الناجم عن تبدل صورة العقيدة وما يدخل في قلوب الناس وعقولهم من هذه الإضافات التي تحدث كلما حدثت أحداث وبرزت آراء فذلك من شأنه أن يجعل الناس يتهمون المقولات التي تلقى إليهم من جهة الدين ويتشككون في إضافتها إلى السماء حيث لا تبديل لكلمات

الله. نقول إن المؤتمرين قدروا هذا كله فلم يجعلوا لمقرراتهم شيئًا جديدًا يدخل في مجال العقيدة وإنما جعلوه مقدمة إلى العقيدة ومدخلًا إلى الإيمان. وقد حملت هذه المقدمة ثلاث مقولات عن العذراء والمسيح والثالوث وها هي ذي كما صدرت في المجمع:

تطويب العذراء: " نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة لأنك ولدت لنا مخلص العالم كله أتى وخلص نفوسنا ".

إن هذه الكلمات القصيرة لها مصدرها؛ فقولهم:

ص: 211

" نعظمك " تأتي من إنجيل (لوقا 1: 48) .

" يا أم النور الحقيقي " من إنجيل (لوقا 1: 43) ومن إنجيل (يوحنا 1: 8-10) .

" ونمجدك " من (المزمور 91: 15) .

" أيتها العذراء القديسة " من (أشعياء 7: 14 ولوقا 1: 37) .

" لأنك ولدت لنا مخلص العالم كله " من (لوقا 3: 11) .

" أتى وخلص نفوسنا " من (لوقا 19: 10) .

تمجيد السيد المسيح: " المجد لك يا سيدنا ولملكنا المسيح فخر الرسل إكليل الشهداء تهليل الصديقين ثبات الكنائس غافر الخطايا ". هذه الكلمات أيضا لها مراجعها؛ فكلمات:

" المجد لك يا سيدنا " تأتي من (أشعيا 43: 8) .

" لملكنا المسيح " من (لوقا 1: 33) .

" فخر الرسل " من (غلاطية 6: 14) .

" إكليل الشهداء " من (أشعياء 38: 5) .

" تهليل الصديقين " من إنجيل (يوحنا 8: 56) .

" ثبات الكنائس " من إنجيل (يوحنا 15: 34) .

" غافر الخطيا " من إنجيل (متى 9: 3) .

التبشير بالثالوث الأقدس: " نكرز ونبشر بالثالوث الأقدس لاهوت واحد نسجد له ونمجده. يا رب ارحم يا رب ارحم يا رب بارك. آمين ". فهذه الكلمات لها انتماؤها؛ فعبارة:

" نكرز ونبشر " تأتي من (الرسالة إلى العبرانيين 10: 43) .

" بالثالوث الأقدس " من (متى 28: 19) .

ص: 212

" لاهوت واحد " من (يوحنا 5: 7) .

" نسجد له ونمجده " من (متى 4: 10) .

" يا رب ارحم يا رب ارحم " من (المزمور 33: 1) .

" يا رب بارك. آمين " من (لوقا 53: 24) .

ومن هنا نرى أنه فضلًا عن أن قانون الإيمان تطور عبر المجامع كما رأيتم فهو في الوقت نفسه ملفق من كلمات مفردة بعضها من أسفار العهد القديم ولعضها من أسفار العهد الجديد فهي كلها تلفيقات مأخوذة من أشتات متنافرة.

تعليق اللواء أحمد عبد الوهاب:

والآن أترك التعليق للسيد اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب، الذي قال:

لي تعليق بسيط يتلخص فيِ بيان أن آريوس الذي قال إن المسيح مخلوق وأنه أقل من الله في الجوهر ابتداء من عام 313 م فصاعدًا لم يكن هو أول من قال بهذا القول واعتقده، ولكن قال هذا المسيحيون الأوائل أيضا وهو أن المسيح إنسان مخلوق. لقد كانت تلك هي عقيدة الغالبية العظمى من المسيحيين الأوائل. كذلك فإن وصف المسيح بأنه (عبد الله) لا يزال موجودًا إلى الآن في أسفار العهد الجديد، ولكن للأسف فإن الطبعات العربية تذكرها بصورة مستترة حتى لا يتبينه القارئ العربي. فقد وصف المسيح في الأسفار بأنه نبي، ورسول، وأنه ابن الإنسان- أي ابن آدم - وكان هذا هو الاسم المحبب إليه. ولقد وصف في هذه الأسفار كذلك بأنه عبد، ولكن للأسف فإنهم لم يستخدموا هذه الكلمة وإنما استخدموا كلمة مرادفة لها بصورة مستترة. فنقرأ في إنجيل متى - وهو مشهور بأنه أكثر كتبة الأناجيل استشهادًا بأسفار العهد القديم بدعوى أنها تنبؤات سبق القول بها وكان من نتيجة التكالب على هذا العمل أن أصبح العلماء مقتنعين بعد دراساتهم الطويلة، أن متى

ص: 213

أشار إلى تنبؤات ليس لها وجود في أسفار العهد القديم ولا يعلم لها أصل. ولكن يهمني هنا أن أبين كيف اصطاد كاتب

إنجيل متى نبوءة من العهد القديم، ولكن عندما أدرجت في العهد الجديد، في إنجيل متى، فقد حدث فيها تحوير ملحوظ حتى لا يتبينه القارئ العربي.

ماذا يقول متى؟

إنه يقول في (الإصحاح 12: 15- 21) : " تبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعًا وأوصاهم أن لا يظهروه؛ لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي القائل: هو ذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سرت به نفسي، أضع روجي عليه فيخبر الأمم بالحق. لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق إلى النصرة، وعلى اسمه يكون رجاء الأمم ".

لكن نبوءة أشعياء - التي اقتبس منها متى أغلب هذه الكلمات- نجدها تقول في (الإصحاح 42: 1- 4) ما نصه: " هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم، لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ، يخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعته ".

لكن هؤلاء السادة الذين أؤتمنوا على كتاب الله بم يراعوا تلك الأمانة، ذلك أن أول كلمات سفر أشعياء هذه تقول:" هو ذا عبدي الذي أعضده " لكنهم نقلوها في أسفار العهد الجديد لتكون " هو ذا فتاي الذي اخترته ". لقد عمدوا إلى وضع كلمة " فتى " في أسفار العهد الجديد بدلا من نظيرتها كلمة " عبد " الموجودة في أسفار العهد القديم حتى يبتعد القارئ العربي عن فكرة أن

ص: 214

المسيح عبد الله، ولو أن الاستعمال اللغوي لكلمة (فتى) بالعربية تعني " عبدًا " كما في سورة يوسف في قوله {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} وقوله {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} . (1) فكلمة الفتى تعني العبد.

وإذًا نقرر أن الإنجيل الموجود حاليا يعترف بأن المسيح هو عبد الله.

كذلك وصف تلاميذ المسيح وعلى رأسهم بطرس ويوحنا المسيح بأنه " فتى الله " أي " عبد الله ". فقد جاء في (سفر أعمال الرسل 3: 15)" إن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إله آبائنا مجد فتاه يسوع ". ولو كتبت هذه " مجد عبده يسوع " فإنها تنبه عقل القارئ العربي إلى حقيقة أن المسيح هو عبد الله. ولو رجعنا إلى الترجمة الإنجليزية للكتاب المقدس لوجدنا أنها موجودة في سفر أشعياء، وفي إنجيل متى، وفي سفر أعمال الرسل بصيغة واحدة لتعطي هذا المعنى وهي Thy Servant أي " عبدك ". والخلاصة أن المسيح ذكر في أسفار العهد الجديد بأنه عبد الله.

وبهذا اختتمت هذه الجلسة الرابعة على أن يعقبها في الغد الجلسة الخامسة إن شاء الله.

(1) سورة يوسف الآيات 30، 62.

ص: 215