الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جبال فاران:
بعد ذلك ننتقل إلى نص آخر من نصوص التوراة حيث نجد في (سفر التثنية 33: 1-2) ما يقوله موسى: " وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال: جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم " فحينما نتأمل فإننا نتأمل أولا الأماكن المقدسة وما تعنيه، فنجد سيناء هي المكان الأول وسعير هي المكان الثاني وأما المكان الثالث فهو فاران أو جبل فاران. إن سيناء تشير إلى المكان الذي فيه موسى (التوراة خروج 24: 16-18) وأما سعير فإنها تعني أرض فلسطين التي سكنها عيسو أخو يعقوب أي أخو إسرائيل (تكوين 36: 8) والغريب أن التوراة تقضي بأن البكر هو الذي يرث باسم أبيه لقد كان عيسو هو البكر وأما يعقوب فكان الابن التالي له، لكن بأضحوكة صنعها يعقوب مع أبيه إسحاق نجده قد سرق حق
البكورية من أخيه عيسو (تكوين 27) . لقد كان عيسو هذا- الذي أسدل عليه ستار كثيف- يسكن حسبما يقول (سفر التكوين 36: 8) : " فسكن عيسو في جبل سعير ". وعيسو هو أدوم. وكذلك جاء في (سفر التكوين. 32: 2) : " وأرسل يعقوب رسلًا قدامه إلى عيسو أخيه إلى أرض سعير بلاد أدوم
". وعلى ذلك تكون سعير هي أرض فلسطين التي وطئتها أقدام الأنبياء من ذرية يعقوب الذي أخذ حق البكورية من أخيه عيسو - وكان منهم السيد المسيح.
والآن نأتي إلى أرض فاران. من العجب العجاب- أيها الإخوة- أن الله سبحانه وتعالى وعد إبراهيم بالأرض من النيل إلى الفرات كما جاء في (سفر التكوين 15: 18- 19) : " في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات. القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين ". هؤلاء هم شعوب هذه الأرض الذين سيطردهم الله ويسكنها نسل إبراهيم. إن هذا الوعد الذي أعطي لسيدنا إبراهيم عليه السلام ولم يكن له ولد آنذاك، ولكن المرأة هي المرأة تشتاق إلى الأرض وإلى استثمار الأرض، فجاءت سارة امرأة إبراهيم عليه السلام وكانت عاقرًا لم تلد فطلبت من زوجها إبراهيم أن يدخل على سيدة كريمة في بيتها هي هاجر لعل الله سبحانه يعطيها نسلًا. فتزوجها وأنجب منها إسماعيل وكان قرة عين لإبراهيم ولهاجر ولسارة أيضا. وفي هذا يقول (سفر التكوين 16: 1- 4) : " وأما ساراي امرأة إبرام فلم تلد له وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر فقالت ساراي لإبرام هو ذا الرب أمسكني عن الولادة ادخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين.
فسمع إبرام لقول ساراي فأخذت ساراي امرأة
إبرام هاجر المصرية (1) جاريتها من بعد عشر سنين لإقامة إبرام في أرض كنعان وأعطتها لإبرام رجلها زوجة له فدخل على هاجر فحبلت ".
بهذا أعطي إبراهيم الولد وكان هو إسماعيل الذي سيرث نسله الأرض من النيل إلى الفرات. بعد ذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يزيد إبراهيم فيعطيه إسحاق بعد أن بلغ عمر إسماعيل 14 سنة، وهناك بدأت الغيرة تدب في قلب سارة وبدأت تؤثر ابنها إسحاق على إسماعيل وبدأت تطلب من إبراهيم أن يعزل هاجر وابنها عن المشاركة في البيت. تقول التوراة في (سفر التكوين 21: 9- 13) : " ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق. فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم لسبب ابنه، فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. وفي كل ما تقول لك سارة اسمع قولها. لأنه بإسحاق يدعى لك نسل. وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك ".
من هنا يتبين لنا مقدار قبح الكلام الذي قالته سارة عن إسماعيل وأمه والذي قبح تمامًا في عيني إبراهيم، ولكنه اضطر أن يأخذ زوجه هاجر وابنهما إسماعيل ويذهب ليسكنهما في القفر. كما قال القرآن الكريم على لسان إبراهيم حين دعاه {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} . (2) وتقول التوراة إن إسماعيل سكن في برية فاران، إذ يقول (سفر التكوين 21: 17- 21) : " سمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها ما لك يا هاجر لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت
(1) للجارية مدلول للسيدة التي نتعارف عليها بين الأوساط الراقية الوصيفة وهي غير الأمة التي ملك اليمين.
(2)
سورة إبراهيم، آية 37.
الغلام حيث هو. قومي احملي الغلام وشدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء. فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ".
ومن هنا نرى أن الجزء الثالث الذي تكلم عنه موسى عليه السلام إذ قال: " وتلألأ من جبل فاران " إنما هو إشارة إلى إسماعيل عليه السلام والنبي الخاتم الذي يأتي من نسله، والذي تأكدت فيه الوعود الإلهية كما في (سفر التكوين 21: 13) : " وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك "، وفي (سفر التكوين 17: 20) : " وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًّا. اثني عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة ".
من تحريفات بولس:
ولكن تمر الأيام ويأتي المسيح مولودًا من عذراء ثم يبلغ رسالته ولكن يندس في دعوته أناس ما كانوا على صلة بالمسيح ومن هؤلاء شاول الذي هو بولس. لقد كان شاول يمثل الحقد الأسود بين المسيحية وبين أتباع محمد الذي يأتي من نسل إسماعيل عليه السلام. إنه يقول في (رسالة غلاطية 4: 30- 31) : " لكن ماذا يقول الكتاب. اطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة. إذًا أيها الإخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة ".
من هنا نرى أن الحرب بين الصليبيين وبين المسلمين سجال من وقت أن كتب بولس رسالته إلى أهل غلاطية. فهم يعتقدون أنهم من نسل إسحاق عليه السلام ولهذا النسب إلى إسحاق فعلى رأيهم تكون لهم المواعيد ولهم الشريعة ولهم الملك. ولكن عندما نسير في استقراء النبوات سنرى أن هذا الكلام سيضرب به عرض الحائط.