المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بولس حديثنا الآن عن بولس خاصة وقد علمنا لمحة عن فكر - مناظرة بين الإسلام والنصرانية

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌تمهيد

- ‌[أعلام الفكر الإسلامي المشاركون في هذا اللقاء الكبير]

- ‌ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌ الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

- ‌ اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب علي

- ‌كلمات الافتتاح للمشاركين

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: عوض الله صالح

- ‌كلمة تمهيدية للأستاذ الدكتور:محمد جميل غازي

- ‌كلمة السيد جيمس بخيتوكلمة السيد تيخا رمضان

- ‌كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور: محمد جميل غازي

- ‌[الجلسة الأولى المحاضر للجلسة الأولى اللواء أحمد عبد الوهاب علي]

- ‌ إنجيل مرقس:

- ‌ إنجيل متى:

- ‌ إنجيل لوقا:

- ‌ إنجيل يوحنا:

- ‌ مشكلة الاختلاف الكثير:

- ‌ مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها:

- ‌قضيّة الصَّلب

- ‌الجلسة الثانية

- ‌[كلمة افتتاحية الجلسة الثانية للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌كلمة جيمس بخيت:

- ‌كلمة الشيخ: طاهر أحمد طالبي الملحق الديني السعودي:

- ‌كلمة الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌تعقيب للدكتور محمد جميل غازي:

- ‌[آلام السيد المسيح]

- ‌ القبض:

- ‌ المحاكمة:

- ‌ الصلب

- ‌نهاية يهوذا الخائن

- ‌تنبؤات المسيح بآلامه

- ‌تنبؤات المسيح بنجَاته من القتل

- ‌الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب:

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي:

- ‌الجلسة الثالثة‌‌القيامةوالظهور

- ‌القيامة

- ‌الظهور

- ‌تعليق الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌بولس

- ‌دين المسيح كان التوحيد:

- ‌كلمة إلى المبشرين:

- ‌الجلسة الرابعة

- ‌[افتتاحية الجلسة الرابعة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌[مولد المسيح وحكمة الله في مولده]

- ‌[ابن الله تحليل وتحقيق]

- ‌المَسِيح نبي الله

- ‌إحياء الموتى

- ‌المسيح رسول الله

- ‌الأبوة والنبوة في الإنجيل

- ‌المسيح يدعو إلى التوحيد

- ‌الروح القدس

- ‌معجزات المسيح

- ‌مواجهة المسيح للكهنة

- ‌ مغفرة الخطايا

- ‌موقف المسيح من تقديس السبت

- ‌[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي]

- ‌الجلسة الخامسة

- ‌[افتتاحية الجلسة الخامسة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌جبال فاران:

- ‌نبوة حبقوق

- ‌نبوة داود

- ‌تعبير دانيال النبي لحلم نبوخذ نصر

- ‌نبوة أشعياء

- ‌مكة المكرمة:

- ‌نبوات عيسى

- ‌المجامع المسكونية

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي

- ‌تكملة حديث الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌الجلسة السادسة

- ‌حديث الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌المَسِيح. . الإله

- ‌ مقارنة بين المسيحية والمثراسية

- ‌[مواجهة القرآن الكريم للوثنيات التي تسربت إلى المسيحية

- ‌الصلب والفداء:

- ‌التفرقة العنصرية

- ‌حقيقة الكتاب المقدس، وحقيته:

- ‌صورة شوهاء لأنبياء الله ورسله في العهد القديم

- ‌حديث عن الإسلام

- ‌الإسلام دين الأنبياء جميعا

- ‌النبي الخاتم

- ‌دَعوَة المَسيح، دَعوَة خاصَّة

- ‌عموم الرسالة المحمدية

- ‌الصادق الأمين

- ‌المعجزات الحسية

- ‌الجهاد في الإسلام

- ‌الحرب في الأسفار المقدسة

- ‌الوثائق تتكلم

- ‌لغة الوثائق والأرقام

- ‌الاضطهاد المسيحي لليهود

- ‌[تعدد الزوجات وحكمته]

- ‌[مقاصد وأهداف تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌نظرات في الكتاب المقدس

- ‌النسخ

- ‌ الطلاق:

- ‌ المحرمات:

- ‌ السبت:

- ‌ الختان:

- ‌ نسخ جميع أحكام (العهد القديم) :

- ‌القرآن والكتب السوالف

- ‌الحواريون

- ‌الخمر

- ‌الخنزير

- ‌الروح القدوس

- ‌كلمة الله

- ‌المشركون والمسجد الحرام

- ‌ ما جاء في القرآن الكريم

- ‌ ما جاء في الحديث الشريف

- ‌كلمة الشيخ طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة اللواء إبراهيم أحمد عمر

- ‌كلمة فضيلة الشيخ محمد هاشم الهدية

- ‌كلمة السيد الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

الفصل: ‌ ‌بولس حديثنا الآن عن بولس خاصة وقد علمنا لمحة عن فكر

‌بولس

حديثنا الآن عن بولس خاصة وقد علمنا لمحة عن فكر بولس وفلسفته لفكرة الصليب والفداء، وهي مسيحيته التي قام يبشر بها وجاءت مخالفة لمسيحية المسيح الحقة التي اتسمت بالمحبة والوداعة، خلافا لذلك العنف الدموي الذي اعتنقه بولس في مسيحيته الصليبية. ولسوف نرى كيف دخل بولس في المسيحية وكيف كان نتاج أفكاره، خاصة وأن هناك قاعدة معروفة تقول: إنك لا تجني من الشوك العنب.

ولقد كان بولس - شاول - يهوديا واشتهر بعنفه في خصومته، بل بعدائه الشديد لأتباع المسيح ولم يكن له حظ من رؤية المسيح - ولو مرة واحدة - في حياته.

يقول سفر أعمال الرسل: " أما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن 3: 8 ".

" والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له " شاول "، فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو. . ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: يا رب لا تقم لهم هذه الحطية.

وإذ قال هذا رقد وقد كان شاول راضيا بقتله " (أعمال الرسل 7: 58 -60، 8: 1 -3) .

ثم أعلن بولس -فجأة - تحوله إلى المسيحية. . .

إن تاريخ الديانات يشهد لكثيرين كانوا من ألد أعدائها وأعداء النبي والرسول الذي جاء يدعو لها ثم يتحولون إليها ويصيرون من خير دعاتها. لكن القاعدة الهامة والخطيرة التي شذ فيها بولس هي أنه لم يلتزم بالتعاليم الموجودة في العقيدة الجديدة التي تحول إليها -وهي المسيحية - لكنه اختص بتعليم

ص: 151

انفرد به وطفق يبشر به، واستطاع بوسائله الخاصة ومهاراته أن ينحي كل التلاميذ جانبا ويتصدر الدعوة إلى المسيحية بعد أن اكتسح الآخرين. ولنرى الآن ماذا يقول سفر أعمال الرسل عن قصة تحول بولس إلى المسيحية. يقول الإصحاح التاسع: " أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلًا على تلاميذ الرب. فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناسا من الطريق رجالا ونساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم.

وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلًا له: شاول لماذا تضطهدني؟ فقال من أنت يا سيد. فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده. . فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد أن أفعل. فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل.

وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا - 9: 1 - 7 ".

لكن الله سبحانه وتعالى دائما يبين الحق رحمة بالناس ولهذا نجد الإصحاح الثاني والعشرين من سفر أعمال الرسل يحكي قصة تحول بولس إلى المسيحية على لسانه شخصيا فيقول: " حدثت لي وأنا ذاهب ومتقرب إلى دمشق. . أبرق حولي من السماء نور عظيم. فسقطت على الأرض وسمعت صوتا قائلا لي: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ فأجبت من أنت يا سيد. فقال أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده. والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا الصوت الذي كلمني -22: 6 -9 ".

من ذلك نتبين أن المسافرين: سمعوا الصوت ولم ينظروا النور حسب قول الإصحاح (9)، بينما ذكر الإصحاح (22) عكس ذلك تماما فقال: نظروا

ص: 152

النور ولم يسمعوا الصوت. . هذه بداية دخول بولس إلى المسيحية وهي قصة مشكوك فيها تماما. .

لقد دخل بولس المسيحية - وفق رواية خطؤها واضح تماما - ثم انطلق بتعليمه الخاص الذي أعلن فيه الاستغناء عن كل تعليم تلقاه تلاميذ المسيح من معلمهم بدعوى أنه تلقى تعليمه من المسيح مباشرة في تلك الرؤيا المزعومة.

فهو يقول: " لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته، أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحما ودما ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل (التلاميذ) الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضا إلى دمشق. ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوما. ولكني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب. والذي أكتب به إليكم هو ذا قدام الله إني لست أكذب فيه - غلاطية وهكذا بدأ بولس الدعوة إلى المسيحية وفق مفهومه الخاص لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتعرف بتلاميذ المسيح الذين أسسوا الكنيسة الأم في أورشليم والذين كانوا المرجع في كل ما يتعلق بالمسيحية والدعوة إليها.

ثم يقول بولس: " بعد أربعة عشر سنة صعدت إلى أورشليم مع برنابا آخذا معي تيطس أيضا. وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلًا. فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا على بشيء بل بالعكس إذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان "(غلاطية من ذلك يتضح: 2: 1 -8) .

من ذلك يتضح:

ص: 153

1 -

أن قصة دخول بولس في المسيحية مشكوك فيها ولا يمكن الاعتماد عليها لما فيها من تناقضات صارخة.

2 -

لم يعرف بولس عن المسيحية سوى الصلب وسفك الدم وأن هذا شيء أختص به. وأما غير ذلك من تعاليم المسيح فقد أهمله تماما فهو يقول: " أعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به إنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح "(غلاطية 1: 11 -12) .

" لأني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا " - (1) كورنثوس: 2: 2) .

لقد بحث العلماء فكر بولس والتيارات التي أثرت فيه. وفي هذا يقول تشارلز دود:

" لقد أوضحنا سلفا أن فكرة الكمنولث العالمي كانت شائعة في العالم الوثني وكانت روما في تأثرها بالمثل العالية للرواقيين - الذين قدموا في أيام بولس رئيسا لوزراء الإمبراطورية، وفي القرن التالي له اعتلى أحدهم عرش الإمبراطورية - فحاول تأسيس ذلك الكمنولث. ولقد تأثر بولس كأحد المواطنين الرومان بهذه الأفكار "(1) .

لقد فكر بولس في انشاء كمنولث مسيحي يقوم على اسم واحد وعلامة واحدة هما المسيح والصليب. ولا مانع أن تكون فيه أفكار وديانات مختلفة. . ليكن ما يكون. . إن بولس يعترف في رسائله بأنه لم يتحرز عن استخدام كل الوسائل لكسب أكبر عدد من الأتباع فهو يقول: " إذ كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين. فصرت لليهود كيهودي لأربح

ص: 154

اليهود. وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. . صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوما. وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه " (كورنثوس 9: 19 - 23) .

وهكذا نجد بولس قد عرض المسيحية على أصحاب العقائد المختلفة بالصورة التي ترضي كلًا منهم وترتب على ذلك أنهم دخلوا الديانة الجديدة بعقائدهم وأفكارهم القديمة وكان لهذا - ولا يزال - أثره الخطير في المسيحية.

ولقد عرفنا من قبل أن برنابا هو الذي قدم بولس إلى التلاميذ لكن الذي حدث بعد ذلك أن أزاح بولس برنابا من تصدر الدعوة إلى المسيحية.

يقول سفر أعمال الرسل: " فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر "(15: 39) . ولم يلبث بولس أن تشاجر مع بطرس - رئيس التلاميذ - ونحاه أيضا فهو يقول: " لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة " غلاطية 2: 11) .

ومن المؤكد أن بولس لم يعلم قدر بطرس الذي أعطاه المسيح التفويض أن يحل ويربط كما يشاء والذي عينه راعيا لتلاميذه. . .

ولا داعي للحديث عن رسائل بولس فهي رسائل شخصية بحتة يقول في بعضها: ليس عندي أمر من الرب ولكني أعطى رأيا (اكو: 7: 25) 0 أو يقول: أظن أني أنا أيضا عندي روح الله (أكو 7: 40) . أو يقول: لست أقول على سبيل الأمر بل أعطي رأيا (أكو 7: 6) . وهكذا من مثل هذه الأمور الظنية التي لا تصلح إطلاقا لبناء عقيدة.

كذلك تنتهي رسائله بالحديث عن السلام وبث القبُلات المقدسة للرجال والنساء على السواء مثل قوله:

ص: 155

سلموا على تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب. . (رومية 16: 12) .

سلموا على برسيس المحبولة التي تعبت كثيرا في الرب. . (رومية 16 -12) .

سلموا بعضكم على بعض بقبُلة مقدسة. . (رومية 16: 16) .

إن مسيحية بولس تقوم أساسا على فكرة الإله المخلص المقتول، ولقد كانت الديانات التي شاعت في العالم الروماني في ذلك الوقت مثل ديانات إيزيس وميثرا وسيبل تقوم على نفس هذه الفكرة. ولهذا يقول مؤرخو الديانات إن التشابه ملحوظ بين المسيحية وتلك الديانات.

يقول: هربرت فيشر في كتابه " تاريخ أوروبا ": " استدار العالم الروماني بشغف زائد إلى عبادات الشرق الملتهبة مثل عبادات إيزيس وسيرابيس وميثرا. . إن عباد إيزيس المصرية وسيبل الفريجية وميثرا الفارسي اشتركوا في معتقدات كثيرة وجدت في النظام المسيحي.

لقد اعتقدوا في اتحاد سري مقدس مع الكائن الإلهي إما عن طريق اقتران خلال الشعائر أو بطريقة أبسط عن طريق أكل لحم الإله في احتفال طقسي. . لقد كان الإله الذي يموت بين العويل والمراثي بيد أنه يقوم ثانية وسط صيحات الترحيب والسرور، من الملامح الرئيسية في هذه العبادات الشرقية الغامضة. .

إن عبادة إيزيس قد نظمت بطريقة تماثل تماما ما في الكنيسة الكاثوليكية.

لقد كان هناك تنظيم كهنوتي مماثل مكون من البابا مع القسس والرهبان والمغنين وخدم الكنيسة. وكانت صورة السيدة ترصع بجواهر حقيقية أو مزيفة وكانت زينتها تعمل كل يوم كما كانت صلاة الصبح وأغاني المساء تغنى في معابدها الرئيسية. وكان الكهنة حليقي الرؤوس ويلبسون ملابس كهنوتية بيضاء من الكتان.

ص: 156

إن التحول من الوثنية إلى المسيحية لم يكن يعني الدخول في جو غريب كلية، أو ممارسة ثورة فجائية. لقد كانت عملية التحول تتم بلطف. . وكانت طقوس العقيدة الجديدة استرجاعا للأسرار القديمة.

فقد كانت عقيدة الوسيط مألوفة في معتقدات الفرس وأتباع الأفلاطونية الحديثة وكانت فكرة التثليث معتقدا دينيا شائعا تنبع أساسا مما تعارفوا عليه من أن العدد ثلاثة هو العدد الكامل " (1) .

ويقول أرنست كيللت في كتابه " مختصر تاريخ الديانات ": إن أوجه التشابه المحيرة بين شعيرة التعميد (المسيحية) - على سبيل المثال - وبين طقوس التطهير في ديانة أتيس وأدونيس لتصدم كل دارس. لقد أظهرت الديانة المسيحية قدرة ملحوظة في جميع العصور على الأخذ لنفسها ما يناسبها من الديانات الأخرى.

ولسوف أعطي هنا ملخصا لأسطورة أتيس وطقوس عبادته لأن هذا لم يؤثر فقط بعمق في المسيحية بل لأنه كان منتشرا في أغلب الإمبراطورية الرومانية. لقد حدثت قيامة أتيس في يوم الخامس والعشرين من مارس بدء الربيع وهو نفس اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات حسب أقوال كثير من المسيحيين. . كذلك فإن التشابه بين الطقوس السرية لديانة ميثرا والمسيحية مذهلة. إن المثرية لها طقوسها المتعلقة بالعشاء الرباني ومن الصعب التفريق بينها ولين ما في عقيدتنا المسيحية، ولها احتفالات تماثل احتفالات عيد الميلاد ولها عيد القيامة " (2) .

(1) من كتاب: «تاريخ أوروبا» ، ص102 - 115.

(2)

من كتاب: «مختصر تاريخ الديانات» ، ص130 - 262.

ص: 157

تعقيب الدكتور محمد جميل غازي:

هذا ولقد عقب الدكتور محمد جميل غازي بقوله: إن المسألة أصبحت من الوضوح بحيث لا بد من الإقرار بأن تسمى الديانة المسيحية الديانة البوليسية. فهي تنسب بحق لبولس وليس للمسيح عليه السلام. كذلك من المفيد معرفة أن الفاتيكان يعترف بموقف بولس من المسيحية وعدم حرصه عليها. فقد جاء في كتاب نشره الفاتيكان سنة 1968 م بعنوان: " المسيحية عقيدة وعمل " ما يلي في صفحة (50) :

" كان القديس بولس منذ بدء المسيحية ينصح لحديثي الإيمان أن يحتفظوا بما كانوا عليه من أحوال قبل إيمانهم بيسوع ".

إن هذا الإقرار الخطير يتفق وكل ما قاله اللواء أحمد عبد الوهاب عن بولس والمسيحية. والآن أقدم الأستاذ إبراهيم خليل أحمد ليقول لنا شيئا عن فطيرة القربان والعشاء الرباني الذي كان معمولا به في الديانات الوثنية القديمة.

إضافات للأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

وهنا قال الأستاذ إبراهيم خليل أحمد: جاء في إنجيل (لوقا إصحاح 22)(وفي الأناجيل الأخرى أيضا) ما نصه: " ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر رسولا معه. وقال شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله. ثم تناول كأسا وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم لأني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله. وأخذ خبزا وشكر وكسر وأعطاهم

ص: 158

قائلًا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري. وكذلك الكأس أيضا بعد العشاء قائلًا هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم. ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة. وابن الإنسان ماض كما هو محتوم. ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه " (لوقا 22: 14 -22) .

من الملاحظ أن الأيام الأخيرة من حياة المسيح كانت مزدحمة بالقلق والرعب وكان المسيح حقيقة في أيامة الأخيرة ثابتا لكل الضغوط دون أن يتأثر بتلك القلاقل لأنه كان واثقا تمام الثقة أن الله سبحانه وتعالى سوف ينجيه.

لكن عندما نأتي حقيقة لتفسير هذا الكلام. فإني أقول في صراحة متناهية: من هو المصدر الأساسي لهذا النص؟ إن هناك نصا في سفر أعمال الرسل يمنع الدم:

" بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم "(20: 15) .

فإذا كان ينهى عما ذبح للأصنام والدم فكيف يقال: " هو ذا دمي. . اشربوه ".

إن هذه وثنية منقولة من وثنية العبادات التي كانت متفشية في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت. إن مصدر هذا النص أو إيحاءه إنما يرجع إلى تلك الوثنية المتفشية مثل المثرية الفارسية وكان من طقوسها العشاء الرباني، وكان منها يوم 25 ديسمبر يوم الميلاد ويوم الأحد يوم الراحة. . كل هذه وثنية فارسية في عبادة ميثرا ثم غيرت اللافتة من ميثرا إلى المسيح. أما أن نؤمن بشريعة موسى التي تمنع الإنسان المؤمن عن الدم وبذلك تكون هذه العادة باطلة. . لأنه لا يعقل أن يقول المسيح " كلوا جسدي هذا واشربوا دمي هذا. . . " لسبب

ص: 159

هو أن المسيح تحدى اليهود قائلا: " ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ". فهو يتحداهم ويؤكد عجزهم عن الوصول إلى المسيح بدليل قوله في إنجيل (يوحنا إصحاح 8 عدد 28) :

" فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئا من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه ".

إن قصة الصلب منقوضة من أساسها تماما. .

كذلك فإن الذي صلب هو شبيه بابن الإنسان إذ يقول إنجيل يوحنا على لسان المسيح إصحاح 3 عدد 14: " وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان ".

وكانت الحية التي رفعها موسى شبيهة بالحية الحقيقية. فبالمقارنة نقول: كما رفع موسى شبيه الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع شبيه ابن الإنسان.

وعلى هذا الأساس نقول إن النص الذي يتكلم عن أكل جسد المسيح وشرب دمه إنما هو نص مقتبس من المصادر الوثنية المتفشية في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت. لقد كان المسيح آمنا على نفسه وبالتالي كان جسده سليما ودمه سليما.

وأنا - كقسيس سابق - لا أقدر أن أتصور أن كسر لقمة وإعطائها لأخ - في العقيدة - يضعها تحت أسنانه تتحول إلى جسد المسيح، ويشعر أن لحما تحت أسنانه. .!

ما أريد قوله هو بيان كيف استطاع بولس إفساد المسيحية. لقد قال المسيح: " ما جئت لأنقض شريعة موسى " وتجد في سفر التكوين إصحاح 17 عدد 9 في حديث الله سبحانه وتعالى لأبينا إبراهيم: " وقال الله لإبراهيم

ص: 160

وأما أنت فتحفظ عهدي. أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يختن منكم كل ذكر. فتختنون في لحم غرلتكم. فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. . وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي ". (17: 9 -14) .

ونجد أن إبراهيم حين ختن كان عمره 100 سنة تقريبا وكان ابنه البكر إسماعيل عمره 14 سنة، فهذا إبراهيم بقدره الجليل وابنه إسماعيل وبقية الخدم والعبيد اختتنوا جميعا. فكيف يأتي بولس بعد هذا ليبطل الختان؟ لقد كان بولس إنسانا مشكوكا فيه من التلاميذ والرسل لولا برنابا الذي تحنن عليه وقدمه لهم لكنهم جميعا كانوا يخافونه.

وكان بولس من الصنف الوصولي الذي يطمع في الوصول إلى القمة حتى إذا ما وصل فإنه يتخلص من كل من خلفه.

لقد أراد بولس أن يخرج بالرسالة من اليهودية إلى الأمم علما بأن المسيح لم يأمر بهذا لأن الرسالة كانت محدودة في بني إسرائيل.

ولما كانت الأمم غير مختتنة فإنه لجأ إلى أول مجمع هاجم فيه الختان وقال إن الختان ختان القلب، كمن يقول للمسلم إنك تستطيع دخول الصلاة بلا وضوء. فهذا إفساد للصلاة إذ قد هدم الأساس التي يجب السير عليها لإقامة الصلاة.

وقد استطاع التأثير على الحاضرين، فنقرأ في سفر أعمال الرسل إصحاح 15 عدد 22: " حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا يهوذا الملقب برسابا وسيلا رجلين

ص: 161

متقدمين في الإخوة. وكتبوا بأيديهم هكذا. الرسل والمشايخ والإخوة يهدون سلاما إلى الإخوة الذين من الأمم في أنطاكية وسورية وكيليكية. إذ قد سمعنا أن أناسا خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال مقلبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس. الذين نحن لم نأمرهم. رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبينا برنابا ويولس، رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح. فقد أرسلنا يهوذا وسيلا وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها. لأنه قد رأى الروح القدس ونحن لا نضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة. أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون. كونوا معافين " (15: 22 -29) .

هكذا صار الروح القدس لعبة في أفواههم فقد أمرهم ألا يختتنوا. . بهذا حطم بولس شريعة موسى تحطيما كبيرا. .

وبالنسبة للطلاق نجد شريعة موسى تسمح بالطلاق كما في سفر التثنية، لكن بولس يعمل على إشاعة الفاحشة بين الناس. فإذا كانت امرأة على خلاف مع زوجها فإنه يأمرها بعدم الطلاق. وهكذا وجد فساد في المجتمع حيث تضطر الزوجة إلى سلوك خفي مشين. وأريد أن أسأل الآن:

لماذا رفضت الكنيسة إنجيل برنابا؟ . .

لأن برنابا في إنجيله بين بقوة ووضوح كيف أفسد بولس المسيحية وحولها إلى نصرانية يونانية، ومن عقيدة تؤمن بالتوحيد وهو أن الله واحد أحد، إلى عبادة ابن الله على شاكلة أوزوريس وإيزيس وحورس.

وأكتفي بهذا القدر الآن وأترك الأخ يكمل حديثه.

ص: 162

وقد عاد اللواء أحمد عبد الوهاب ليكمل حديثه قائلًا:

" اعترافات بولس بخطاياه "!

وأخيرا نختتم الحديث عن بولس بنقل اعترافه بخطاياه الجسدية التي عجز عن الفكاك منها والتي جعلته واحدا من سبايا الخطيئة. ولقد أثبت باعترافه هذا - دون أن يدري - أن الزعم بصلب المسيح وقتله، الذي عاش بولس يفلسفه ويدعو له، قد ذهب سدى. فلا زال بولس باعترافه عبدا للخطيئة، وثمنها عنده موته الأبدي. إن بولس يقول:

" فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطيئة. لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فأنا أفعل. . فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطيئة ساكنة فيً. فإني أعلم أنه ليس ساكن في أي في جسدي شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لمست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطيئة الساكنة في. إذا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي. فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. ولكني أرى ناموسا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت؟ . . "(رومية 7: 14 -24) .

ص: 163