المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الروح القدوس في الأسئلة المقدمة سؤال عن (الروح القدس) وما جاء - مناظرة بين الإسلام والنصرانية

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌تمهيد

- ‌[أعلام الفكر الإسلامي المشاركون في هذا اللقاء الكبير]

- ‌ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌ الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

- ‌ اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب علي

- ‌كلمات الافتتاح للمشاركين

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة فضيلة الشيخ: عوض الله صالح

- ‌كلمة تمهيدية للأستاذ الدكتور:محمد جميل غازي

- ‌كلمة السيد جيمس بخيتوكلمة السيد تيخا رمضان

- ‌كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور: محمد جميل غازي

- ‌[الجلسة الأولى المحاضر للجلسة الأولى اللواء أحمد عبد الوهاب علي]

- ‌ إنجيل مرقس:

- ‌ إنجيل متى:

- ‌ إنجيل لوقا:

- ‌ إنجيل يوحنا:

- ‌ مشكلة الاختلاف الكثير:

- ‌ مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها:

- ‌قضيّة الصَّلب

- ‌الجلسة الثانية

- ‌[كلمة افتتاحية الجلسة الثانية للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌كلمة جيمس بخيت:

- ‌كلمة الشيخ: طاهر أحمد طالبي الملحق الديني السعودي:

- ‌كلمة الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌تعقيب للدكتور محمد جميل غازي:

- ‌[آلام السيد المسيح]

- ‌ القبض:

- ‌ المحاكمة:

- ‌ الصلب

- ‌نهاية يهوذا الخائن

- ‌تنبؤات المسيح بآلامه

- ‌تنبؤات المسيح بنجَاته من القتل

- ‌الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب:

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي:

- ‌الجلسة الثالثة‌‌القيامةوالظهور

- ‌القيامة

- ‌الظهور

- ‌تعليق الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌بولس

- ‌دين المسيح كان التوحيد:

- ‌كلمة إلى المبشرين:

- ‌الجلسة الرابعة

- ‌[افتتاحية الجلسة الرابعة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌[مولد المسيح وحكمة الله في مولده]

- ‌[ابن الله تحليل وتحقيق]

- ‌المَسِيح نبي الله

- ‌إحياء الموتى

- ‌المسيح رسول الله

- ‌الأبوة والنبوة في الإنجيل

- ‌المسيح يدعو إلى التوحيد

- ‌الروح القدس

- ‌معجزات المسيح

- ‌مواجهة المسيح للكهنة

- ‌ مغفرة الخطايا

- ‌موقف المسيح من تقديس السبت

- ‌[تعقيب الدكتور محمد جميل غازي]

- ‌الجلسة الخامسة

- ‌[افتتاحية الجلسة الخامسة للدكتور محمد جميل غازي]

- ‌جبال فاران:

- ‌نبوة حبقوق

- ‌نبوة داود

- ‌تعبير دانيال النبي لحلم نبوخذ نصر

- ‌نبوة أشعياء

- ‌مكة المكرمة:

- ‌نبوات عيسى

- ‌المجامع المسكونية

- ‌تعقيب الدكتور محمد جميل غازي

- ‌تكملة حديث الأستاذ إبراهيم خليل أحمد:

- ‌الجلسة السادسة

- ‌حديث الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي

- ‌المَسِيح. . الإله

- ‌ مقارنة بين المسيحية والمثراسية

- ‌[مواجهة القرآن الكريم للوثنيات التي تسربت إلى المسيحية

- ‌الصلب والفداء:

- ‌التفرقة العنصرية

- ‌حقيقة الكتاب المقدس، وحقيته:

- ‌صورة شوهاء لأنبياء الله ورسله في العهد القديم

- ‌حديث عن الإسلام

- ‌الإسلام دين الأنبياء جميعا

- ‌النبي الخاتم

- ‌دَعوَة المَسيح، دَعوَة خاصَّة

- ‌عموم الرسالة المحمدية

- ‌الصادق الأمين

- ‌المعجزات الحسية

- ‌الجهاد في الإسلام

- ‌الحرب في الأسفار المقدسة

- ‌الوثائق تتكلم

- ‌لغة الوثائق والأرقام

- ‌الاضطهاد المسيحي لليهود

- ‌[تعدد الزوجات وحكمته]

- ‌[مقاصد وأهداف تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌نظرات في الكتاب المقدس

- ‌النسخ

- ‌ الطلاق:

- ‌ المحرمات:

- ‌ السبت:

- ‌ الختان:

- ‌ نسخ جميع أحكام (العهد القديم) :

- ‌القرآن والكتب السوالف

- ‌الحواريون

- ‌الخمر

- ‌الخنزير

- ‌الروح القدوس

- ‌كلمة الله

- ‌المشركون والمسجد الحرام

- ‌ ما جاء في القرآن الكريم

- ‌ ما جاء في الحديث الشريف

- ‌كلمة الشيخ طاهر أحمد طالبي

- ‌كلمة اللواء إبراهيم أحمد عمر

- ‌كلمة فضيلة الشيخ محمد هاشم الهدية

- ‌كلمة السيد الأستاذ إبراهيم خليل أحمد

الفصل: ‌ ‌الروح القدوس في الأسئلة المقدمة سؤال عن (الروح القدس) وما جاء

‌الروح القدوس

في الأسئلة المقدمة سؤال عن (الروح القدس) وما جاء في القرآن الكريم والتأييد، ويراد بها الملك.

والمضاف إلى الله تعالى نوعان:

فإن المضاف: إما أن يكون صفة لا تقوم بنفسها كالعلم والقدرة والكلام والحياة. وإما أن يكون عينًا قائمة بنفسها.

فالأول: إضافة صفة، كقوله:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (1)

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (2)

وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (3)

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، حديث الاستخارة:

" إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم. . الحديث "(4) .

والثاني: إضافة عين، كقوله تعالى:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} (5)

وقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} (6)

(1) سورة البقرة، آية 255.

(2)

سورة الذاريات، آية 58.

(3)

سورة فصلت، آية 15.

(4)

حديث الاستخارة: «إذا هم أحدكم بالأمر. .» أخرجه البخاري في التهجد 25، وأصحاب السنن، وأحمد في المسند 3 / 344.

(5)

سورة الحج، آية 26.

(6)

سورة الشمس، آية 13.

ص: 438

وقوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (1)

فالمضاف في النوع الأول: صفة الله قائمة به ليست مخلوقًا له بائنًا عنه.

والمضاف في النوع الثاني: مملوك لله مخلوق له بائن عنه، لكنه مفضل مشرف لما خصه الله به من الصفات التي اقتضت إضافته إلى الله تبارك وتعالى.

كما خص ناقة صالح عليه السلام من بين النوق. وكما خص بيته بمكة من بين البيوت، وكما خص عباده الصالحين من بين الخلق.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} (2)

وهذا الروح وصفه الله بأنه تمثل لها بشرًا سويًّا، وأنها استعاذت بالله منه إن كان تقيًّا، وإنه قال لها {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ}

وهذا كله يدل على أنها عين قائمة بذاتها.

وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أنه نفخ في مريم من روحه، قال تعالى:{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} (3)

{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (4)

كما ذكر الله تعالى تأييده لعيسى عليه السلام بروح القدس في عدة مواضع:

فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (5)

(1) سورة الإنسان، آية 6.

(2)

سورة مريم، آية 17.

(3)

سورة الأنبياء، آية 91.

(4)

سورة التحريم، آية 12.

(5)

سورة البقرة، آية 87.

ص: 439

وقال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (1)

وقال تعالى: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} (2)

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قال ذلك عن عيسى عليه السلام، فلقد قاله عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعن القرآن الذي أنزل عليه.

قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (3)

وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (4)

وقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (5)

فروح القدس الذي نزل بالقرآن من الله، هو الروح أمين، وهو جبريل عليه السلام.

(1) سورة البقرة، آية 253.

(2)

سورة المائدة، آية 110.

(3)

سورة النحل، الآيتان 100، 101.

(4)

سورة الشعراء، الآيات 192-194.

(5)

سورة البقرة، آية 97.

ص: 440

بقي أن نقول: إن قوله تعالى: {فنفخنا فيها من روحنا} (1) هو نظير قوله تعالى عن آدم عليه السلام: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (2)

وقد شبه الله المسيح بآدم في قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3)

أضغاث أحلام:

هذا ما جاء في القرآن الكريم (ومفرداته) عن الروح القدس. . .!

أما ما جاء في (الكتاب المقدس) عن هذه المفردة ذاتها. . .! فإن بولس يقرر كيفية تدوين التوراة والإنجيل إذ يقول: " كل الكتاب هو موحى به من الله "(الرسالة الثانية إلى تيموثاوس، 3: 16)، وعندما نتتبع كيفية هذا الإيحاء نجده -عنده- وقوع الإنسان في غيبوبة (فيقرر لوقا في سفر " أعمال الرسل " وقوع بولس في غيبولة قائلًا) :" وحدث لي بعد ما رجعت إلى أورشليم وكنت أصلي في الهيكل أني حصلت في غيبوبة فرأيته قائلًا. . . . اذهب فإني أرسلك إلى الأمم بعيدا "(أعمال الرسل 17: 22- 21) .

وشق بولس طريقه بإنجيل يغاير إنجيل المسيح قائلًا: " صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين "(غلاطية 2: 2) .

ويستهين بتلاميذ المسيح قائلًا: " وأما المعتبرون أنهم بشيء مهما كانوا لا فرق عندي الله لا يأخذ بوجه إنسان. فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا عليَّ بشيء. بل بالعكس إذ رأوا أني اؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على

(1) سورة الأنبياء، آية 91.

(2)

سورة الحجر، آية 29.

(3)

سورة آل عمران، آية 59.

ص: 441

إنجيل الختان. فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيَّ أيضًا للأمم. فإذا علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني، وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان (غلاطية 6: 2-10) .

وهكذا سلخ بولس رسالة المسيح من أصالتها المؤسسة على التوراة والمتممة لها كما قال السيد المسيح: " ما جئت لأنقض بل لأكمل "(متى 17: 5) إلى نصرانية تستمد أصولها من الفلسفات الإغريقية.

" والأعجب من ذلك أن بطرس يقرر حقيقة تدوين الأسفار المقدسة بقوله: " لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (رسالة بطرس الثانية 1: 21) .

وبالبحث لاستجلاء كيفية تلقي بطرس للوحي، يقول لوقا عن بطرس:

" صعد بطرس إلى السطح ليصلي نحو الساعة السادسة فجاع كثيرًا واشتهى أن يأكل، وبينما هم يهيئون له وقعت عليه غيبة "(أعمال الرسل 10: 9، 10) .

فماذا نجم عن هذه الغيبوبة: (يقرر لوقا قائلًا: " وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس " (أعمال الرسل 10: 28) .

ومن العجيب أن بطرس لما رأى إيمان الأمم بالمسيح نبيًّا رسولًا، وحلول موهبة الروح القدس عليهم " أمر أن يعتمدوا باسم الرب " (أعمال الرسل 10: 48)

وهذا فيلبس واحد من التلاميذ كان يعمد باسم الرب: " ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح اعتمدوا "(أعمال الرسل 8: 12) .

لقد كانت الدعوة: التبشير بالأمور المختصة بملكوت الله وهي في الحقيقة التبشير بالإسلام دين الله الذي ارتضاه الله للإنسانية كافة.

ص: 442

من هنا نرى التناقض البارز في وجهة نظر بولس الذي قال: " ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا "(1 كو 1: 23) فمتى كان المسيح مصلوبًا؟ وهذا ما سندحضه بالحجة البالغة.

ولنترك بولس وبطرس في تناقضاتهما ونتساءل ما هي الحقيقة القانونية للأناجيل. أهو موحى به من الله؟ أم هو من إعداد تلاميذ المسيح؟ يجيب عن هذا التساؤل لوقا قائلًا:

" إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا منذ البدء كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخُدَّامًا للكلمة، رأيت أنا أيضًا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علّمت به "(لوقا 1: 1- 4) ويقر يوحنا قائلًا: " وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب "(يوحنا 30: 20)

فالأناجيل تؤكد نجاة السيد المسيح من الصلب فالموت. وهنا نقف هنيهة لنتساءل: ألا يمكن اعتبار قول بولس " ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا " واحدةً من (غيبوبياته) .

يقول يوحنا في إنجيله: " فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم من تطلبون أجابوه يسوع الناصري. قال لهم يسوع أنا هو. وكان يهوذا مسلّمه أيضًا واقفًا معهم. فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض "(18: 4- 6) .

وهنا نتساءل في تعقل وتدبر: ما الذي أفزعهم، إذ رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض وهم مسلحون وهو أعزل؟ لا بد أن تكون ظاهرة كونية قذفت في قلوبهم الرعب. فلو أضفنا قرينة واردة في إنجيل لوقا بشأن مولد المسيح قائلة: " وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على

ص: 443

رعيتهم. وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك: لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، إنه وُلِد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب " (إنجيل لوقا 8: 2- 11) .

فلنأخذ القرينة الواردة في العدد التاسع من الإصحاح الثاني من إنجيل لوقا التي تقول:

" وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيما " ولنضعها بعد قول السيد المسيح: " إني أنا هو " من العدد السادس من الإصحاح الثامن عشر من إنجيل يوحنا ولنكتب النص بعد إضافة المحذوف: " فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم من تطلبون أجابوه يسوع الناصري قال لهم يسوع أنا هو. وكان يهوذا مسلّمه أيضًا واقفًا معهم فلما قال لهم إني أنا هو إذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيمًا فرجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض "(إنجيل يوحنا 4: 18- 6) و (إنجيل لوقا 9: 2) .

في هذه اللحظات اقتاده الروح القدس إلى مكان آمن كما سبق أن اقتاده في البرية حسب رواية لوقا قائلًا: " أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح فيِ البرية "(إنجيل لوقا 4: 1) .

وإليكم الأدلة الدامغة على نجاة السيد المسيح فيروي لوقا هذيان المقبوض عليه:

" ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه إِلى مجمعهم قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا. فقال لهم إن قلت لكم لا

ص: 444

تصدقون، وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني. منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسًا عن يمين قوة الله " (لوقا 66: 22- 69) .

ودليل آخر صرخات المصلوب حسب رواية متى:

" ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: إيلي إيلي لما شبقتني؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟ "(متى 46: 27) .

بينما السيد المسيح كان مطمئنًا إلى عون الله إذ قال:

" والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه "(إنجيل يوحنا 29: 8) .

برهان آخر حيث تنبأ السيد المسيح عن تخلي تلاميذه عنه وهروبهم عند الشدة:

" هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته. وتتركونني وحدي وأنا لست وحدي لأن الآب معي "(إنجيل يوحنا 16: 32) .

ويروي متى حادثة هروب التلاميذ قائلًا:

" حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا "(متى 56: 26) .

هل لاحظتم في رواية يوحنا ما قاله؟

" فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه "(إنجيل يوحنا 4: 18) .

ا- لقد أعلمه الله بنوايا مسلّمه حيث قال:

" إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلّم ابن الإنسان كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد، فأجاب وقال: هل أنا هو يا سيدي قال له أنت قلت "(متى 25: 26) .

ص: 445

2-

تحدى اليهود الذين تآمروا على قتله قائلا:

(أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خدامًا ليمسكوه فقال لهم يسوع أنا معكم زمانًا يسيرًا بعد ثم أمضي إلى الذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، (إنجيل يوحنا 7: 32- 34) .

وقال السيد المسيح مؤكدًا قوله قائلًا:

" قال لهم يسوع أيضًا أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم. حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال اليهود ألعلّه يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا "(إنجيل يوحنا 8: 31-32)

ويؤكد هذا القول لتلاميذه قائلًا:

" يا أولادي أنا معكم زمانًا قليلًا بعد. ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا "(إنجيل يوحنا 33: 13) .

هذا هو السيد المسيح الذي رفعه الله إليه، وحمدًا لله أنه في قرآنه الكريم حسم هذه القضية بقوله سبحانه وتعالى:{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (1)

إذن فقضية الصلب قضية باطلة، وكل ما بني على باطل فهو باطل.

فماذا يقول (بولس) الذي يكرز بالمسيح مصلوبا؟

ما أصدق قول تولستوي الذي أنكر تأليه السيد المسيح، والذي رأى أن بولس لم يفهم تعاليم السيد المسيح بل طمسها، وانحرف بها. فبعد أن كانت امتدادًا لشريعة الله التي أنزلها الله على عبده ونبيه موسى. أصبحت تعاليم

(1) سورة النساء، آية 157، 158.

ص: 446

هيلينية ممتدة في عمق فلسفة الإغريق (وقرر أن الأقوال الواردة في العهد القديم عن السيد المسيح لا تدل على أنه هو الله ولا هو ابن الله حقيقة. كما أعلن تولستوي بجرأة أن كتاب العهد الجديد قد حرّف وعراه التغيير والتبديل.

بقي أن نطرح هذا السؤال الأخير:

من هو الروح القدس؟

ونجيب عليه من النصوص الكتابِيَّة:

يقول لوقا في إنجيله بشأن مريم العذراء:

" وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المنعم عليها. الرب معك. مباركة أنت في النساء "(لوقا 1: 26- 28) .

ويقول لوقا في إنجيله بشأن يحيى بن زكريا:

" فقال له الملاك: لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنًا وتسميه يوحنا. ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته لأنه يكون عظيمًا أمام الرب وخمرًا ومسكرًا لا يشرب ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس "(لوقا 1: 13- 15) .

ويقول لوقا في إنجيله بشأن حمل السيدة العذراء:

" فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا فأجاب وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك. . . "(لوقا 1: 34، 35) .

ص: 447

ويقول لوقا في إنجيله بشأن العمل والولادة بإرادة الله وأمره فلا يستحيل على الله شيء:

" وهو ذا أليصابات نسيبتك هي أيضًا حبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا. لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله "(لوقا 1: 36، 37) .

وفي العهد القديم

ارميا يمتلئ بالروح القدس في بطن أمه:

" فكانت كلمة الرب إليّ قائلًا: قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيًّا للشعوب "(ارميا 1: 4) قدستك أي تمتلئ بالروح القدس.

الروح القدس يهدي بني إسرائيل إلى أرض كنعان:

" ها أنا أرسل ملاكًا أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه. لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه "(خروج 23: 20، 21) .

في هذا المعنى (لا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه) قال السيد المسيح:

(1)

" أقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس. وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي "(إنجيل متى 12: 31، 32)

ص: 448

(2)

ويروي لوقا مقالة السيد المسح قائلًا:

" كل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من جدّف على الروح القدس فلا يغفر له ومتى قدّموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون. لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تَقولوه "(لوقا 10: 12- 12) .

(3)

ويروي متى في إنجيله مقالة السيد المسيح عن الروح القدس بأنه روح منبثق من الله:

" فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم) (متى 10: 19، 20) .

والسيد المسيح عليه السلام كان موصول الصلة بالسماء من المهد إلى صعوده إلى السماء:

(1)

بشارة الروح القدس بمولده:

" قال لهم الملاك: لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب "(لوقا 2: 10، 11) .

(2)

نزول الروح القدس عليه عند المعمودية:

" ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضًا. وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة "(لوقا 3: 21، 22) .

ص: 449

(3)

اقتياد الروح القدس له في البرية أثناء تجربة إبليس له:

" أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية "(لوقا 4: 1) .

(4)

الروح القدس يقوي المسيح أثناء الصلاة في بستان جشيماني:

" وجثا على ركبتيه وصلى قائلًا يا أبتاه إن شئت أن تعبر عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك وظهر له ملاك من السماء يقويه "(لوقا 22: 41- 43) .

والسيد المسيح يعد تلاميذه بحلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين:

" لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض "(أعمال الرسل 1: 8) .

والروح القدس يسكن قلب الإنسان المؤمن الورع مما يزيده طمأنينةً وسلامًا.

فهذا داود نبي الله يتضرع إلى الله أن يثبت الروح القدس في قلبه قائلًا:

" قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدد في داخلي. لا تطرحني من قدّام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني "(مزمور 51: 10، 11) .

ص: 450

وهذا شاول يتحول إلى إنسان آخر بمجرد مسحه وحلول الروح القدس عليه:

" فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصبَّ على رأسه وقبّله وقال أليس لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا "(صموئيل الأول 10: 1) .

" وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلبًا آخر. . . فحل عليه روح الله فتنبأ في وسطهم "(صموئيل الأول 10: 9، 10) .

شاول ينصرف عنه الروح القدس لأنه عصا ربه:

" وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح رديء من قبل الرب "(صموئيل الأول 16: 14) .

من هذا يتبين أن السيد المسيح إنسان وعبد من عباد الله، وأن الروح القدس ملك من الملائكة وأن الله- جلّت قدرته- ليس كمثله شيء.

وصدق الله العظيم إذ يقول:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1)

(1) سورة الشورى، آية 51.

ص: 451