الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مقاصد وأهداف تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم]
تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
يحلو لبعض الكتاب والمتحدثين الدينيين من غير المسلمين، أن يتهموا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأنه كان رجلًا شهوانيًا، بدليل أنه تزوج نحو من ثلاث عشرة زوجة، وتوفي عن تسع!!
وهم بهذا قد أسرفوا على أنفسهم وعلى الناس، وتجنوا -عن قصد وسوء نية- على الحق والحقيقة، والبحث العلمي المنصف!
لقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كاذب في دعواه للرسالة لأنه تزوج من نساء متعددات!
أما نحن فنؤكد، أن من أمارات صدقه، ودلائل نبوته زواجه صلى الله عليه وسلم من نساء متعددات! ذلك أن هؤلاء النسوة رضي الله عنهن روين حياته المنزلية وسيرته في بيته وبين أهله، فإذا بها أتقى سيرة، وأنقى سريرة!
إن هؤلاء (الضرائر) -إن صح هذا التعبير- قدمن لنا حياته الخاصة بكل وضوح، فما وجدنا فيها شائبة ولا عائبة!
وهكذا تواطأت حياته مع أهله، مع حياته بين الناس، على الصدق والأمانة والرحمة والتقوى والبر والإحسان!
إن كثيرًا من الناس -إلا من رحم ربك- يتخلقون بأخلاق المنافقين، ويتسمون بسماتهم، فهم يتظاهرون بالصدق والإصلاح والمروءة وهم في الواقع كاذبون مفسدون سفهاء ولكن لا يشعرون ولا يعلمون!
وهؤلاء المنافقون المتظاهرون المختفون وراء الأقنعة، لا يستطيعون أن يحتفظوا بهذا السمت المزور طويلًا. . . فتبدو ملامحهم واضحة، وبخاصة في بيوتهم، وبين زوجاتهم وأولادهم.! !
فإذا كان في بيته زوجة واحدة. . لا زوجات، فإنها سوف تخرج أخباره وأسراره، وتشيعها بين الناس!!
وانطلاقًا من هذا المعنى، نقول:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن في بيته زوجة واحدة. . بل كن زوجات كثيرات!!
فلو كان كاذبًا -حاشاه، وأعاذه الله- لظهرت بادرات كذبه، وبدرات لسانه بين هؤلاء الزوجات!
ولقامت كل واحدة منهن بإشاعة ذلك بين الجارات والقريبات. . وبين غير الجارات والقريبات!!
وبين أيدينا مصداق ذلك. . وهي حادثة ذكرها القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى: - {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} (1) .
إنه سر بسيط، أفضى به النبي صلى الله عليه وسلم إلى اثنتين من أفضل نسائه، هن (عائشة وحفصة) رضي الله عنهما! وأمرهما بكتمانه، ولكن الذي حدث أن السر ذاع وشاع وانتشر،. . وتناقلته الألسنة، والآذان. . . وامتلأت به كتب التفسير وغيرها فيما بعد!!
إن هذا يجعلنا نقرر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان طاهر السيرة والسريرة، في داخل بيته وخارجه على السواء!!
ثم نقول لهؤلاء الكتاب، ولهؤلاء المتحدثين الدينيين من غير المسلمين،
(1) سورة التحريم، آية 3.
إن تعدد النبي لزوجاته لم يكن سلوكًا شهوانيًّا، كما تتصورون، وتصوِّرون. . .!
ويكفي أن تعلموا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أولى نسائه، أمنا وأم المؤمنين (خديجة رضي الله عنها وهو شاب مكتمل في الخامسة والعشرين من عمره. . وكانت هي رضي الله عنها، في الأربعين من عمرها. . ولقد عاش معها نحوًا من ست وعشرين سنة!!
أي أنها ظلت معه حتى تجاوزت السادسة والستين!!
ولم يتزوج عليها في حياتها!
وظل وفيًا لها بعد مماتها، حتى إن عائشة رضي الله عنها كانت تغار منها، مع أنها لم تجتمع بها، ولم ترها. . .!
ولقد تجرأت مرة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقالت له:" وهل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها، - تعني نفسها -؟ ".
فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لها:
قالت: " فلم أذكرها بسوء بعدها أبدًا ".
وروى الشيخان «عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:
" ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها قط، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يبعثها في صدائق خديجة وربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد» .
ولما توفيت خديجة رضي الله عنها، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعدد أزواجه. ولنا أن نسأل: في أي فترة من سني حياته صلى الله عليه وسلم كان ذلك التعدد؟
وعلينا أن نجيب: إن الفترة التي عدد فيها النبي صلى الله عليه وسلم الزوجات، هي -باعتراف الموافق والمخالف- أكثر فترات عمره صلى الله عليه وسلم، عملًا وتضحية وجهادًا وتعليمًا وأعباء!
ثم. . أية شهوانية، في رجل بعيد عن الدنيا وزينتها، ويريد الله لزوجاته -أيضًا- أن يكن بعيدات عن الدنيا وزينتها، إذ يقول الله له، لكي يبلغهن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (1) .
إن الرجل الشهواني يريد لزوجته، أو زوجاته، أن يتزيَّن بأبدع الحلي، وأروع الحلل!!
كذلك فإن الدارس المنصف لأسباب ذلك التعدد يجد أن له مقاصد وأهدافًا جليلة ونبيلة!!
منها: أن زوجة لبعض أصحابه الذين جاهدوا معه قد مات زوجها حال الهجرة وأن أهلها ما زالوا على الشرك، فإما أن تعود إليهم فتتعرض للعذاب والفتنة، وإما أن تترك بلا زوج يحميها، ويقف إلى جانبها لمواجهة ظروف الحياة لأنها غير مرغوب فيها لسنها، أو لقلة جمالها.
ومنها: أن يكون الهدف ربط العلاقات وتوطيدها مع من يعينه على تبليغ الدعوة. . . فيؤكد معه رباط الإيمان برباط المصاهرة. . ولم يكن صلى الله عليه وسلم في
(1) سورة الأحزاب، الآيتان 28، 29.
هذه الحالة هو الذي يأخذ دائمًا، فقد يعطي، فإذا كان قد تزوج بابنتي صاحبيه أبي بكر وعمر، فلقد زوج عثمان وعليًّا بابنتيه (. . بل إنه زوج عثمان باثنتين هما: رقية، وأم كلثوم، واحدة بعد الأخرى. . فلما ماتت الثانية، قال له:«لو كان عندنا ثالثة لزوجناك» !
- ومنها: أن يكون الهدف استنقاذها من الرق، أو استنقاذ أهلها وذويها.
- ومنها: بيان الأحكام الشرعية، وتطبيقها عمليًّا، ليكون أسوة للناس في محاربة الجاهلية وعاداتها.
- ومنها: النقل عنه صلى الله عليه وسلم، والتبليغ، وتعليم المسلمات أمور دينهن، وبخاصة هذه الأمور التي يستحيي النبي صلى الله عليه وسلم من تعليمها لهن. إلى غير ذلك من الأمور.
وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل، نعرضه حينما نتعرض لبيان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين واحدة واحدة.
1-
خديجة:
- أول زوجاته صلى الله عليه وسلم.
- بقي معها نحوًا من ست وعشرين سنة - كما أسلفنا-. - كان له منها أولاده الستة، القاسم، والطيب، وقد ماتا قبل البعثة، ورقية، وأم كلثوم، وزينب، وفاطمة، ومتن قبله إلا فاطمة فقد ماتت بعده بستة أشهر.
- ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم في حياتها غيرها -كما ذكرنا-.
2-
سودة بنت زمعة: - تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وقبل الهجرة.
- كانت في مثل سن خديجة، أي في السادسة والستين من عمرها، ولم تكن في جمال خديجة.
- وكانت قد أسلمت مع زوجها، وهاجرا إلى الحبشة فرارًا من أذى الجاهليين من قريش، ومات بعد أن عادا.
- وكان أهلها لا يزالون على الشرك، فإذا عادت إليهم فتنوها في دينها، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم حماية لدينها من الفتنة.
3-
عائشة بنت أبي بكر الصديق:
- كانت في نحو التاسعة من عمرها، فما كانت تشتهى لأنها كانت ضاوية، ولم يدخل بها إلا بعد الهجرة.
فما كان زواجه منها لشهوة يبتغيها، وإنما كان لتوثيق صحبته بالصديق رضي الله عنه!
- وكانت جميع زوجاته الطاهرات ثيبات (أرامل) فيما عدا عائشة رضي الله عنها فإنها البكر الوحيدة.
- مع أنه هو القائل لجابر بن عبد الله، حينما جاءه وعلى وجهه أثر الطيب والنعمة:
4-
حفصة بنت عمر الفاروق: - تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، وكانت زوجًا لخنيس بن حذاقة، مات عنها مؤمنًا.
- وكان زواجه بها لتوثيق الصحبة بأبيها رضي الله عنه، فقد كان له الوزير الثاني. - وما أحاط بزواجه صلى الله عليه وسلم بها، يدل على أن مودته صلى الله عليه وسلم هي التي دفعت إلى هذا الزواج:
ذلك أن عثمان رضي الله عنه لما ماتت زوجته رقية -وغزوة بدر قائمة- رغب عمر رضي الله عنه في أن يزوجها من عثمان رضي الله عنه، فعرض عليه، فسكت عثمان. فشكا عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«سيتزوجها من هو خير من عثمان، وسيتزوج عثمان من هي خير من حفصة» .
فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، وتزوج عثمان أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم!
ومن هنا ترى: أن زواجه صلى الله عليه وسلم منها كان ربطًا للمودة، وإرضاء للقلوب.
5-
أم حبيبة (رملة) بنت أبي سفيان:
-تزوجها صلى الله عليه وسلم والحرب قائمة بينه وبين المشركين بقيادة أبيها، أبي سفيان.
- كانت قد سافرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة، ولكنه تنصر، وخرج عن الإسلام، فكانت بين أمرين، إما أن ترجع إلى أبيها زعيم المشركين -آنئذ- فتفتن في دينها، وإما أن تعود إلى المدينة ولا مأوى لها. فآواها النبي صلى الله عليه وسلم بزواجه منها.
- إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى الحبشة فخطبها له صلى الله عليه وسلم. ودفع النجاشي صداقها، وهو أربعمائة دينار، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. - وبهذا الزواج أصاب النبي صلى الله عليه وسلم هدفين:
أحدهما: أنه وقاها من الشرك وأن تفتن في دينها.
الثاني: أنه أصهر إلى أبي سفيان الذي سره ذلك، وقال: نعم الفحل لا يجدع أنفه -يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم.
6-
زينب بنت خزيمة:
- كانت قد بلغت الستين من عمرها حينما تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم تعمر عنده سوى عامين.
- وكان يقال لها أم المساكين.
- قتل زوجها يوم أحد، وكان الزواج بها إيواءًا لها، وتشجيعًا لها على إعانة المساكين.
7-
زينب بنت جحش: - وكانت زوجًا لزيد بن حارثة.
- وقد تزوجته على أنه ابن محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبناه وأطلق عليه ذلك الاسم.
- فلما نزل قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (1) .
«تململت ببقائها مع زيد. . وتململ هو من كبريائها، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في طلاقها، فقال له: اتق الله، وأمسك عليك زوجك» ، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها بعد أن طلقها زيد، ولكنه أخفى ذلك، وخشي مقالة الناس أن يقولوا تزوج محمد زوجه ابنه! - فقال الله تعالى: - {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ}
(1) سورة الأحزاب، الآيتان 4، 5.
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (1) .
فهذه الآيات تعرض أمر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها بعد أن قضى زيد منها وطرًا - وهي تدل على أمور منها:
- أن عادة الجاهلية أن الابن المتبنى يعتبر ابنًا من كل الوجوه، فألغى الله تلك العادة، وقال {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} .
-كذلك اقتضت حكمة الله أن يبطل هذه العادة الجاهلية التي تدخل في الأسرة من ليس منها، فتفسد العلاقات الأسرية. وأن يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم تأكيدًا لهذا الإبطال إذ يتزوج زوجة دعيه بعد أن يطلقها كما قال تعالى: - {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} .
- كما دلت الآيات على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن أبًا لأحد من رجال العرب.
- كذلك فإن الزواج من زينب كان بأمر الله سبحانه وتعالى، وليس برغبة
(1) سورة الأحزاب، الآيات 36-40.
النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك يُؤثر عن زينب رضي الله عنها قولها:" زوجكن آباؤكن وزوجني ربي ".
قال تعالى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} .
8-
أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة:
- وهي مخزومية، وقد مات عنها زوجها أبو سلمة، وهو عبد الله بن عبد الأسد.
- وعند موت زوجها توفي عنها وهي شابة طلب إليها أن تتزوج من بعده، ودعا لها مخلصًا أن يتزوجها من هو خير منه.
- وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنها ذات عيال، يحتاجون إلى من يرعاهم.
- وكانت هي وزوجها مهاجرين، فانقطعت عن ذويها.
9-
جويرية بنت الحارث:
- يقول ابن هشام - في زواجها:
- ولقد كان الأسرى من قومها نحو مائة فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من أبيها، وكانت قد أسلمت، أطلق كل من كان في يده أحد من الأسرى أسراه، وقال: كيف نسترق أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعتق بزواجه صلى الله عليه وسلم منها أهل مائة من بيوت بني المصطلق.
وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في ذلك: " ما كانت امرأة أبرك على قومها من جويرية، لقد عتق بها مائة بيت من بيوت قومها ".
- فما كان الزواج للشهوة، لكن كان للحرية والعتق.
10-
صفية بنت حيي بن أخطب:
- وعرض الفتاتين ليزوجهما بعض أصحابه، فتزوجت أختها وبقيت هي فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، مواساة، وبرًا، ورحمة.
11-
ميمونة بنت الحارث:
- وقد اختارها زوجًا له العباس بن عبد المطلب، لتوثيق ما بينه صلى الله عليه وسلم، وبين القبائل العربية، وقد أصدقها العباس رضي الله عنه من ماله أربعمائة درهم.
- ويروى أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أنها لما علمت بخطبة النبي لها، قالت:" البعير وما عليه لله ورسوله ".
هؤلاء هن زوجاته اللائي دخل بهن، وهن اللائي يطلق عليهن (أمهات المؤمنين) حيث يقول الله تعالى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (2) .
وقال في منع زواجهن من بعده: - {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} (3) .
ويقول الرواة:
- إن عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة.
- دخل بإحدى عشرة فهن أمهات المؤمنين.
- ومات عن تسع، إذ ماتت في حياته خديجة، وزينب أم المساكين.
- وتزوج باثنتين لم يدخل بهما، وهما:
أسماء بنت النعمان الكِنْدية.
أميمة بنت النعمان بن شرحبيل.
(1) سورة الأحزاب، آية 50.
(2)
سورة الأحزاب، آية 6.
(3)
سورة الأحزاب، آية 52.
هذا هو العدد الذي أحله الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، والذي تحققت به كل المقاصد الاجتماعية والتعليمية والتشريعية التي تتعلق بالدعوة.
ولقد قال الله تعالى في ذلك: - {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (1) .
وهذا النص يشير إلى:
- منع التعدد بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا العدد.
- وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجى من يشاء منهن ويؤوي إليه من يشاء.
كذلك فإن القرآن الكريم يشير إلى أن هذا التعدد بهذا القدر خاص به صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: - {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (2) .
لقد كانت نساء النبي أمهات المؤمنين مدارس لتعليم العلم وإشاعة الخير.
- أما قيامهن بتعليم العلم، فلقد كان الكثيرات من النساء يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن كأحكام الحيض والنفاس والجنابة، والأمور الزوجية، وغيرها من الأحكام. وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تهم بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض هذه الأمور. . .
كما كان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم الحياء، فكان كما حدثت عنه دواوين السنَّة:«أشد حياء من العذراء في خدرها» .
(1) سورة الأحزاب، الآيتان 51، 52.
(2)
سورة الأحزاب، أية 50.
فما كان-صلى الله كليه وسلم- يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من قبل النساء بصراحة ووضوح، وإنما كان يكني في بعض الأحيان!
وربما لا تفهم المرأة السائلة مراده صلى الله عليه وسلم من كناياته.
«تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية غسلها من الحيض، فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل، ثم قال لها: " خذي قرصة ممسكة- أي: قطعة من القطن بها أثر الطيب فتطهري بها "، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: " تطهري بها " قالت: كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ قالت عائشة: فاجتذبتها من يدها، فقلت: ضعيها في مكان كذا وكذا وتتبعي بها أثر الدم!» ولعله من فضول القول أن نقول إن كثيرًا من الأحكام الخاصة بالمرأة رويت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه قال:
" ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا ".
وقال مسروق:
" رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض ".
وقال عروة بن الزبير:
" ما رأيت امرأة أعلم بطب ولا فقه ولا شعر من عائشة ".
ولا عجب فهذه كتب الحديث تشهد بعلمها الغزير، وعقلها الكبير، فلم يرو في الصحيح عن أحد من الرجال أكثر مما روي عنها إلا ما روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
ولعل من معاني الأمر الإلهي بألا يتزوجن من بعده صلى الله عليه وسلم {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} ليتفرغن لتعليم النساء أحكام الدين وفضائله وآدابه. . . ولنقل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وبين أهله.
وأما قيامهن رضي الله عنهن بإشاعة الخير:
فلقد كن قدوة للنساء في العفة والطهارة والطاعة وحسن الخلق.
وإن الله سبحانه وتعالى تعهد نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالإرشاد والتأديب، لأنهن الأسوة والقدوة، قال تعالى: - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (1) .
(1) سورة الأحزاب، الآيات 28-34.