الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[آلام السيد المسيح]
بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ في هذه الجلسة باستكمال عناصر قضية الصلب. وكنا قد انتهينا. بالأمس عند مناقشة تهمة الخيانة، ورأينا أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير حسب رواية لوقا - لكنه حسب رواية يوحنا دخل يهوذا بعد أن أعطاه المسيح اللقمة أثناء العشاء الأخير فخرج ليتآمر عليه.
ونبدأ الآن بعنصر معروف تحت عنوان: المعاناة في الحديقة أو آلام المسيح ومتاعبه في الحديقة. وسوف نقرأ النص، ودائما أبدأ بإنجيل مرقس باعتباره أقدم الأناجيل، ولكن أرجو أن نركز ونحن نسمع النص الذي يصف هذه الفترة الهامة والحاسمة من حياة المسيح، عما إذا كانت الصورة التي رسمها كتبة الأناجيل للمسيح هنا تبين أنه جاء ليبذل دمه فدية عن كثيرين، ومن ثم كان الصلب وسفك دمه هدفا رئيسيا لرسالته، كما يقولون، أم أن المسيح فوجئ بقوة الظلم تكاد تطبق عليه، وأن حياته باتت مهددة بالخطر بشكل لم يكن يتوقعه، ولذلك أصابته حالة من الرعب القاتل كان يود في كل لحظة من لحظاتها أن ينجو من الخطر وينقذ نفسه من الموت.
5-
آلام المسيح (1) :
ويقول مرقس: " وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني، فقال لتلاميذه: اجلسوا هاهنا حتى أصلي.
ثم أخذ معه بطرس ويعقوب وابتدأ يدهش ويكتئب. وقال لهم: نفسي حزينة جدا حتى الموت. امكثوا هاهنا واسهروا.
ثم تقدم قليلا وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن
(1) هذا الرقم (5) تابع للموضوعات الأربعة التي سبقت في الجلسة السابقة.
أمكن وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك. فاجز عني هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا، بل ما تريد أنت.
ثم جاء ووجدهم نياما. فقال لبطرس يا سمعان أنت نائم. أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة؟ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف. ومضى أيضا وصلى قائلًا ذلك الكلام بعينه. ثم رجع ووجدهم نياما إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم جاء ثالثة وقال لهم: الآن استريحوا، يكفي، قد أتت الساعة، هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة، قوموا لنذهب، هو ذا الذي يسلمني قد اقترب " (14-32-42) .
إن أبسط تعليق على هذا الكلام هو أنه واضح تماما أن المسيح لم يكن يتوقع هذه المفاجأة المذهلة وهي أن أعداءه سيقتنصونه، وطبعا هو يعلم أنهم عندما يمسكونه فلسوف يقتلونه. ولذلك كان يصلي في كل وقت لكي تعبر عنه هذه الساعة أو هذه المحنة أو هذه الكأس، حتى ينجو.
إذن نستطيع أن نقرر- مبدئيا- بأن أي قول يقول أنه جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين، أو أن سفك دمه كان ضروريا للتكفير عن خطيئة آدم أو خطايا البشر، كل ذلك لا يمكن قبوله.
وإذا كان عصيان آدم، يكون تكفيره بقتل ابن الإله غصبا عن ابن الإله نفسه، فهذه كارثة أكبر؟ لأن الخطيئة تتضاعف تماما بهذه الصورة.
بعد ذلك نذهب لمعرفة آراء العلماء ومفسرو الأناجيل.
يقول دنيس نينهام: " لقد انقسمت الآراء بعنف حول القيمة التاريخية لهذا الجزء وجرى تساؤل عما إذا كان يعتبر في الحقيقة جزءا من المصدر الذي روى عنه القديس مرقس.
ويؤكد آخرون أنه لم يكن في مقدور أحد أن يكون شاهدا لأغلب الحوادث المذكورة هنا، كما لم يكن في مقدوره أن يعلم ماهية الصلاة التي صلاها يسوع وحيدا. ولذلك فإنهم يعتبرون أن الصلاة النموذجية (في العدد 36) وتكرارها ثلاث مرات إنما هي شيء مصطنع مثل القول بإنكار بطرس ثلاث مرات.
إن القرار الموثوق منه (حول حقيقة ما جرى في الحديقة) مستحيل (1) .
أما رواية لوقا عن آلام المسيح فنجد فيها ما يجعلنا نعرضها- إذ أنها تقول: " وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون وتبعه أيضا تلاميذه، ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة.
وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلًا: يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك. وظهر له ملاك من السماء يقويه. وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياما من الحزن، فقال لهم: لماذا أنتم نيام قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة " (22: 39-46) .
ويقول جورج كيرد في تفسيره لهذه الفقرات: " حسب رواية مرقس (الذي كان مصدرا للوقا) نجد أن يسوع بدأ يكتنفه الآن الفزع والذهول وقد تحدث إلى تلاميذه عن الحزن الذي صحب استنزاف حياته وتلاشيها. ولما كان غير قادر على رفقة أعز أصحابه (تلاميذه) فإنه قضى الليل في تشنجات متتالية من صلاة المكروب. ولكن رواية لوقا المختصرة (بالنسبة لرواية مرقس) تعطينا بقدر الإمكان انطباعا أقوى من حالة الاضطراب التي حلت بيسوع. فلقد أخبرنا أن
(1) تفسير إنجيل مرقس: ص389-390.
يسوع هو الذي انتزع نفسه بعيدا عن أصحابه، وأنه كان في ألم مبرح، وأن عرقه صار مثل قطرات الدم.
وعندما نتذكر الشجاعة والثبات التي واجه بها الموت رجال آخرون شجعان بكل أشكاله البربرية وما كان يصحب ذلك من تعذيب مفرط، فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن ماهية الكأس التي كان يسوع يرجو الله- في صلاته- أن يجيزها عنه. إن صلاة يسوع ترينا أن عذاب الشك كان أحد عناصر محنته المعقدة.
فلكم تنبأ بآلامه لكنه الآن عشية حدوثها نجده ينكص على عقبيه.
هذا- ولما كانت بعض المراجع القديمة تحذف العددين 43، 44 اللذين يقولان:(وظهر له ملاك من السماء يقويه. وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض) ، ورغم وجودهما في أغلب النسخ وإلمام علماء المسيحية في القرن الثاني بهما " فإن هذا الحذف يمكن إرجاع سببه (كما يقول جورج كيرد) إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا، وقد اكتنفها الضعف البشري، كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة "(1) .
فإذا سلمنا بأن هذا هو حقيقة ما حدث للمسيح في الحديقة فإن هذا يعني بوضوح أنه لم يكن يتوقع القتل إطلاقا. وبالنسبة لعذاب الشك الذي أصابه فيمكن إرجاعه إلى أنه لا بد وقد اطمأن مسبقا إلى أن أعداءه لن يتمكنوا من اصطياده- وهو ما سوف نعود إلى الحديث عنه بشيء من التفصيل تحت عنوان: " تنبؤات المسيح بنجاته من القتل " - أما وقد رأى أعداءه على وشك اصطياده، فهناك أصابه عذاب الشك فيما إذا كان سينجو حقا أم أنهم سيقضون عليه.
(1) تفسير إنجيل لوقا: ص243.