الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَعوَة المَسيح، دَعوَة خاصَّة
لقد كانت دعوة المسيح خاصة ببني إسرائيل، وقد صرح بأنه لم يبعث إلا ليرعى خراف بني إسرائيل الضالة:" لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة "(متى 15: 24) .
ولهذا اقتصرت رسالته على قراهم وأرضهم والمنتسبين إليهم، ولما جاءته امرأة كنعانية تستعطفه، وتطلب إليه أن يدعو لابنتها المريضة، قال لها العبارات التي نقلناها آنفًا:
" ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب "(متى 15: 26) .
وفي القرآن الكريم، آيات تدل على أن عيسى عليه السلام كان رسولًا إلى بني إسرائيل، منها قوله تعالى {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (1) . .
(1) سورة آل عمران، الآيات 45-51.
- ومن الأمور التي جعلت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة: (حفظ الله سبحانه وتعالى للقرآن الكريم من التغيير والتبديل والتحريف) .
والقرآن الكريم بهذه الخاصية الفريدة يخالف غيره من الكتب المنزلة، حتى أقربها عهدًا (كالإنجيل) .
وقد أحسن العالم المستشرق المهتدي (آيتين دينيه) الفرنسي، في وصف هذه الأناجيل التي يطلق عليها (العهد الجديد) وتحديد قيمتها العلمية والتاريخية، يقول بكل تدقيق وتحقيق:
" أما أن الله سبحانه قد أوحى الإنجيل إلى عيسى بلغته ولغة قومه، فالذي لا شك فيه، أن هذا الإنجيل قد ضاع واندثر، ولم يبق له أثر أو أنه أبيد "(3) . .
أيها الناس. . . . اسمحوا لي أن أقول لكم بصراحة: إنه من السهل أن يذهب من يريد إلى المطبعة، ومعه نسخة محرفة من الإنجيل، فيطبعها ثم ينشرها في الأسواق.
(1) سورة الصف، 14.
(2)
سورة الصف، آية14.
(3)
أضواء على المسيحية للأستاذ متولي يوسف شلبي، ص52، 53 (الدار الكويتية) .
إن أحدًا لن يثور على هذا العمل. . . بل ستتلقاها الدوائر المسيحية بقبول، وستصبح بعد قليل مرجعًا تستقي منه العقيدة المسيحية. . .!
إن هذا الكلام الذي أقوله. . . ليس وليد الخيال المجنح. . . بل هو ما حدث فعلًا. . . واقرأوا هذه القصة-. . .
لقد قامت (دار النشر اليهودية) بالقدس بإصدار طبعة محرفة لأسفار العهد الجديد عام 1970 م، وقامت بترجمتها بمختلف لغات العالم، ومن بينها اللغة الإنجليزية، التي كانت تقوم على توزيعها، وكالة (ريد) بلندن، وقد جاء في مقدمة هذه الترجمة المحرفة لأسفار العهد الجديد ما يلي:
" إن هذه الترجمة اليهودية والمعتمدة للعهد الجديد يمكن وصفها بأنها العهد الجديد خاليًا من معاداة السامية-
إن التعديلات التي أدخلت هنا على ترجمة عام 1611 (الإنجليزية المعتمدة إلى الآن) يمكن إثباتها من المصادر الأولى، وقد اختيرت جميعها لهدف واحد هو: التخلص- بقدر ما تسمح به الحقيقة- مما تحتويه تلك الترجمة النكدة، والتي تهدف إلى بذر العداوة بين المسيحيين واليهود.
إن تعاليم العهد الجديد الحقيقي تتضمن المحبة بدلا من تلك الكراهية القاتلة، وعلى هذا الأساس، فإن هذه الترجمة اليهودية يحق لنا أن نقول بأنها الترجمة المسيحية الصادقة، وفيما عدا ذلك من تعديلات، فإن نصوص هذه الترجمة تبقى كما هي في ترجمة عام 1611 م.
إن هذه الترجمة تمثل إعلانًا تأخر كثيرًا عن موعده للتقارب بين المسيحية واليهودية ".
سبحان الله. . .
لقد قام اليهود بتحريف العهد الجديد -أسفار المسيحية- لتنقيتها مما يسيء إليهم حتى تسود المحبة بينهم وبين المسيحيين. . .
فماذا كان رد الفعل عند المسيحيين إزاء هذا العمل الخطير؟
لا شيء. . . أيها السادة. . . لا شيء!
لقد صمت المسيحيون تمامًا. . . وكأن الأمر لا يعنيهم في قليل ولا كثير. . .!
فلم يتحرك واحد منهم على الإطلاق. . . سواء من الكنسيين، أو الكتاب والمفكرين! بل إن الذي نبه إلى ذلك العبث اليهودي بالأسفار المسيحية إنما هم الكتاب الإسلاميون!
لقد أثاروا موضوع تحريف الأناجيل، وبقية أسفار العهد الجديد في مؤتمرات إسلامية مسيحية عقدت في قرطبة وطرابلس والقاهرة. . وكان موقف رجال الدين المسيحي هو الصمت التام، والاكتفاء بالنظر في وجوه العلماء المسلمين وفي أيديهم النسخة المحرفة، تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت. . .!
ألا. . . شتان ما بين موقف المسيحيين من كتبهم المقدسة. . . وبين موقف المسلمين من القرآن الكريم.
أما القرآن الكريم، فشأنه يختلف عن شأن جميع الكتب السماوية كل الاختلاف، فقد تكفل الله بحفظه وسلامته من كل تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقص، قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) . .
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (2) . .
(1) سورة الحجر، آية 9.
(2)
فصلت، الآيتان 41-42.
{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (1) . .
وقد اتفقت كلمة المستشرقين، وعلماء الغرب المحققين، على أن القرآن الكريم محفوظ في السطور والصدور، وأنه لم تحذف منه كلمة، ولم تزد عليه كلمة.
ومن هؤلاء (السير وليم ميور) في كتابه: (حياة محمد) وقد عرف (وليم) هذا بتحامله على الإسلام، وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال:
" لم يمض على وفاة محمد ربع قرن حتى نشأت منازعات عنيفة، وقامت طوائف، وقد ذهب عثمان ضحية هذه الفتن، ولا تزال هذه الخلافات قائمة، ولكن القرآن ظل كتاب هذه الطوائف الوحيد، إذ أن اعتماد هذه الطوائف جميعًا على هذا الكتاب تلاوة، برهان ساطع على أن الكتاب الذي بين أيدينا اليوم، هو الصحيفة التي أمر الخليفة المظلوم بجمعها وكتابتها، فلعله هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظًا من التحريف طيلة ألف ومائتي سنة ".
ومنهم (وهيري) في تفسيره للقرآن قال:
" إن القرآن أبعد الصحف القديمة بالإطلاق عن الخلط والإلحاق وأكثرها صحة وأصالة "(2) . .
ومنهم (يامر) مترجم القرآن المعروف إلى اللغة الإنجليزية، جاء في كتابه:
" لم يزل نص القرآن الذي رتبه عثمان على الصحيفة المتلقاة بالقبول، المعتمد عليها عند المسلمين "
(1) سورة القيامة، الآيات 16-19.
(2)
جـ1، ص349.
ومنهم (بن بول) الذي يقول:
إن أكبر ما يمتاز به القرآن أنه لم يتطرق شك إلى أصالته، إن كل حرف نقرأه اليوم نستطيع أن نثق بأنه لم يقبل أي تغيير منذ ثلاثة عشر قرنًا ".
فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوبة بكل أمانة وتحقيق، والقرآن الكريم الذي تواطأت الصدور والسطور على حفظه ونقله، كل أولئك يعتبر أمارة صادقة على حتم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم للنبوات!
إن الزمان والمكان. . . وكل الظروف والملابسات. . إن كل أولئك كان مهيأ لاستقبال آخر نبوة!
لقد كانت نبوة فاتحة لعصر العلم، والعقل والطموح الإنساني لاكتشاف الكون، واستكناه أسراره!
لهذا كانت رسالة دافعة لا معوقة. . . كانت رسالة تفسح مجال العقل إلى منتهاه، وتدفع العلم إلى مداه، وترفع الإنسان إلى مدارج رشده وهداه تقواه! . ولقد ذكر القرآن الكريم -بأوضح بيان وأجلى برهان- أن محمدًا خاتم النبيين.
قال تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1) . .
كذلك رويت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى.
قال- صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي، خلف نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء» (رواه البخاري ومسلم) .
(1) سورة الأحزاب، آية 40.
وقال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» (رواه البخاري ومسلم) .
وقال: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» (رواه مسلم والترمذي وابن ماجه) .
وقال: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي» (رواه أحمد والترمذي) .
وقال: «أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» (رواه البخاري ومسلم) .
ولقد صرح القرآن الكريم بأن هذا الدين قد بلغ طوره الأخير من الكمال والوفاء بحاجات البشر، والصلاحية للبقاء والاستمرار فقال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) . .
وقد نزلت هذه الآية يوم عرفة، في حجة الوداع، سنة عشر للهجرة، ولم ينزل بعدها -كما تقول أكثر الآثار- حلال ولا حرام، ولم يعش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا اليوم إلا إحدى وثمانين ليلة.
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الوداع التي استمع إليها أكثر من مائة ألف إنسان، وحفظوها:
(1) سورة المائدة، آية 3.