الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نبوات عيسى
المعزي:
هذا، ولقد استكمل الأستاذ إبراهيم خليل أحمد حديثه قائلًا: إن ما يجب أن أعول عليه كل التعويل- فضلًا عن النبوءات التي جاءت في العهد القديم- هو ما قاله السيد المسيح، فنجد في إنجيل (يوحنا 14: 16-17) : " أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ". وحين نذهب إلى العهد القديم نجد أن الله هو إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. ما اسم الله
عندهم؟ إنه: يهوه. لقد صوروه على أنه إله دموي يظهر في ظواهر طبيعية ورعود وبرق ونيران. إله يحارب ويدمر ويحرق بالنيران. هذا هو الإله الذي عرفه بنو إسرائيل إلى أن ظهر المسيح عليه السلام. لقد أرد المسيح أن يخفف من هذه الصفات التي نسبوها لله سبحانه وتعالى، وكان اليهود أناسًا ماديين لم يرقوا بعد إلى الروحانية، فشاء أن يعبر لهم عن الإله الرحمن الرحيم بقوله:" قولوا أبانا الذي في السماوات ". فرمز إلى الله بالأب على اعتبار أن الوالد كله حنان وإشفاق ورعاية لأولاده ولمن يرعاهم. ونجد في إنجيل (يوحنا 14: 25-26) : " بهذا
كلمتكم وأنا عندكم. وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ولذكركم بكل ما قلته لكم ". كذلك نجد في إنجيل (يوحنا 15: 26-27) " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء ". وفي إنجيل (يوحنا 16: 7- 11) : " لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين ". وكذلك في إنجيل (يوحنا 16: 12- 14) : " إن لي أمورًا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني ".
روح الحق:
إن كل هذه النصوص تأتي من إنجيل يوحنا، ولنتناول الآن النص الأخير من عدد 12 إلى عدد 14 من (الإصحاح 16) فنرى أولًا أن التلاميذ ليسوا على. المستوى المطلوب لحمل مسؤولية الدعوة. إنه يقول:" إن لي أمورًا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن "، وذلك بالإضافة إلى قوله في إنجيل (يوحنا 16: 32) : " هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي ". من هذا نرى أن النبي الذي يأتي بعد المسيح قد وصفه بأنه روح الحق ومسؤوليته أن يرشدهم -أي سيرشد المسيحيين- إلى جميع الحق.
كذلك نجد المسيح عليه السلام يضع أصابعه في عيون المستشرقين الذين كفروا بنبوة محمد فيقول: " لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ". وهذا ما تحقق في الرسول عليه الصلاة والسلام الذي تلقى الوحي عن الروح القدس جبريل عليه السلام وهذا ما يقوله القرآن الكريم. {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . (1) .
وأما قوله: " ويخبركم بأمور آتية " فهذا يشير إلى عظمة الإسلام وعلو مصدره. إننا لو تصفحنا الإصحاحين الأول والثاني من سفر التكوين، ثم نرجع إلى القرآن الكريم وهو يحدثنا عن الإعجاز العلمي الذي ما كان يستطيعه ذلك النبي الأمي الذي عاش في بيئة أمية في القرن السابع الميلادي، بل ما كان يستطيعه أساطين العلم والحكمة من مختلف الأمم الراقية في ذلك الزمان، لأدركنا شيئًا من عظمة القرآن الكريم. لنقرأ ما يقوله القرآن الكريم عن كيفية خلق الإنسان في بطن أمه ومراحله المختلفة التي يمر بها كما تقول سورة المؤمنون {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً
(1) سورة النجم، الآيات 2، 3.
فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . (1) .
إن هذه الأطوار التي يتقلب فيها الإنسان في بطن أمه هي ما حققه العلم الحديث، وهي واحدة من البراهين على صدق هذا النبي الأمي.
ونجد في إنجيل (يوحنا 15: 26) : " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء ".
لقد درست- ولله الحمد- اللغة اليونانية وذلك لمعرفة حقيقة العهد الجديد، وكذلك درست اللغة العبرية لمعرفة حقيقة العهد القديم. فنجد في اللغة اليونانية أن كلمة " المعزي " المذكورة في إنجيل يوحنا هي باللغة اليونانية (بارقليط)، وهذه الكلمة لها أربع معان هي: المعزي- المحمد- المحمود- الماحي.
لقد استعمل كتبة لأناجيل كلمة المعزي، لماذا؟ إنهم يمكرون، {وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} . ليكن ما كتبوه وهي كلمة المعزي. لكنها تعني في الحقيقة: المواسي.
إن معنى هذا أن المسيح يقول إن الآتي بعدي سيكون معزيًّا للقلة المؤمنة لأن العقيدة قد انحرفت من الطريق السوي إلى طرق مختلفة. فكأن المعزي هو المواسي. ولسوف نرى من خلال حديثي عن المجامع كيف ظهرت هذه المسألة. إن المعزي الذي جاء بعد المسيح جاء ليواسي أهل التوحيد الذين يقولون " لا إله إلا الله " ومنهم آريوس.
(1) سورة المؤمنون الآيات 12، 13، 14.
ولو استخدم كتبة الأناجيل- بدل كلمة المعزي- كلمة المحمد أو المحمود لكان هذا اعترافًا صريحا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولو استخدموا كلمة الماحي لكان ذلك اعترافًا صريحًا أيضا بصدق نبوة محمد. لماذا؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لي خمسة أسماء (1) : أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا العاقب، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه» ، إن القرآن الكريم يقول في سورة الأعراف {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} . (2) .
حين مارست التبشير بين المسلمين، والحق أقول لكم إني فعلت هذا في سابق عهدي قبل أن يهديني الله إلى الإسلام فقد كنت أتودد إلى المسلمين وأتقرب إليهم وأقول لهم إن القرآن الكريم يبين أن النصارى أهل مودة وأنهم أهل رأفة وأهل رحمة، فلقد قال القرآن الكريم في سورة المائدة {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (3) إن أي إنسان مسلم واع سيقول: يا أخي؟ أنت لا تزال على نصرانيتك وتتكلم هكذا. يبدو أنك تلعب بالألفاظ. هل تؤمن حقًا بالقرآن؟
إن القرآن الكريم قال {أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} ، هو ذاته القرآن الذي قال {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} . قالها مرتين في الآيتين 17، 72 من سورة المائدة.
(1) أخرجه مالك في الموطأ 1 / 72، ومن طريقه البخاري في المناقب 4 / 162، عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.
(2)
سورة آل عمران، آية 157.
(3)
سورة المائدة، آية 82.