الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهاية يهوذا الخائن
لقد انفرد إنجيل متى -دون بقية الأناجيل - بالحديث عن نهاية يهوذا، كذلك تحدث سفر أعمال الرسل الذي سطره لوقا عن كيفية هلاكه. ولنرجع الآن إلى هذين المصدرين لنرى كيف هلك يهوذا، وما إذا كانا قد اتفقا في الحديث عن هذا الجزء الخطير، والذي له علاقة مؤكدة بقضية الصلب أم أنهما اختلفا كالعادة.
يقول متى: " حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِينَ ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلًا: قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا فقالوا ماذا علينا، أنت أبصر.
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه.
فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي هذا الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم.
حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب - 27: 3 - 10) .
ويقول جون فنتون: " إن متى يستخدم الفترة ما بين قرار السهندرين والمحاكمة أمام بيلاطس، في أخبار قرائه عن نهاية يهوذا. وعند هذه النقطة نجد أن متى لا يتبع مرقس الذي لم يورد أي ذكر ليهوذا بعد القبض على يسوع. ويذكر متى أن يهوذا غير رأيه بعد أن رأى يسوع قد دينَ، فأرجع النقود إلى أعضاء السهندرين واعترف لهم بجرمه. . ثم هو يضع النقود في خزينة الهيكل، ويمضي ليخنق نفسه.
ويقول رؤساء الكهنة إنه طالما كانت تلك النقود ثمنا لحياة، فلا يحل وضعها في خزينة الهيكل، ولهذا يشترون بها قطعة من الأرض مقبرة للغرباء. وهذا يحقق نبوءة يرجعها متى إلى أرميا (خطأ) ولكنها في الواقع من كتاب زكريا الذي لعب من قبل دورا هاما في رواية متى.
ولقد سجل لوقا موت يهوذا في (أعمال الرسل 1: 18) ، وتتفق روايته مع رواية متى في جزء منها، بينما تختلف في جزء آخر " (1) .
إننا قبل أن نذهب لمعرفة ما سجله لوقا عن موت يهوذا في سفر أعمال الرسل يخبرنا جون فنتون: أنه اتفق مع متى في جزء من الرواية، وخالفه في جزء آخر، كما أن متى أرجع قصة حقل الدم إلى نبوءة ظنها - خطأ - من سفر أرميا بينما هي لها شبيه في سفر زكريا.
وتقول رواية لوقا المشار إليها - في سفر أعمال الرسل: " في تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ. وكان عدة أسماء نحو مائة وعشرين. فقال أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقال بفم داود عن يهوذا. . فإن هذا اقتنى حقلًا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه، وصار ذلك معلوما عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دم؛ لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر "(1: 15 - 20) .
فعلى حسب رواية لوقا تجد - كما يقول جون فنتون: " أن يهوذا نفسه الذي يشتري الحقل ثم هو يموت هناك، ولهذا سمي ذلك الحقل حقل دم. إن هذا يعني: إما أن كلًا من متى ولوقا كان لديه مدخلًا مستقلًا لمثل تلك
(1) تفسير إنجيل متى: ص431.
القصص عن يهوذا، أو أن لوقا اختصر رواية متى وأدخل إليها بعض التغييرات " (1) .
وسواء أكان هذا أو ذاك، فإن هذا واحد من بين مئات الأدلة على أننا نتعامل مع كتب مؤلفة بكل معنى الكلمة، لا علاقة لها بوحي الله.
إن ما اتفق عليه متى ولوقا - وصمت عنه مرقس ويوحنا - هو أن يهوذا الخائن قد هلك في ظروف مريبة، لكن روايتهما اختلفت في ثلاثة عناصر هي:
الأول - يتعلق بكيفية موته، وفيها يروي متى أن يهوذا قد انتحر بخنق نفسه، بينما يروي لوقا أنه مات ميتة دموية، انشق فيها وسطه وانسكبت جميع أحشائه.
الثاني - ويتعلق بمشتري الحقل، فيروي متى أن رؤساء الكهنة هم الذين اشتروه، بينما يروي لوقا أن يهوذا كان هو الشاري.
الثالث - كذلك اختلفت روايتا متى ولوقا في سبب تسمية الحقل باسم: حقل دم، فرواية متى ترجع ذلك لكونه اشتري بنقود كانت ثمنا لبيع دم بريء، بينما يرد لوقا تلك التسمية إلى الميتة الدموية التي ماتها يهوذا.
إن ما يذكره متى ولوقا عن هلاك يهوذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو: أن يهوذا قد اختفى في فترة الاضطراب التي غشيت أحداث الصلب وملابساته.
(1) تفسير إنجيل متى: ص431.