الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعدد الزوجات وحكمته]
تعدد الزوجات
ومن الأسئلة المطروحة علي، والموجودة الآن بين يدي، سؤالان خاصان بتعدد الزوجات:
يتزوج المسلمون بأكثر من امرأة، فهل هناك آية في القرآن توضح ذلك؟
وما هي الأسباب التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج بأكثر من أربع؟
أما (تعدد الزوجات فمما لا شك فيه أن القرآن الكريم جاء بمشروعيته -كما في الآية الثالثة من سورة النساء- قال تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (1) .
وقد جاء متصلًا بموضوع هذه الآية من السورة نفسها، قوله: - {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (2) .
وتخريج الآيتين الذي يرشد إليه سياقهما، وسبب نزول الآية الثانية منهما، أنه لما قيل في الآية الأولى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} فهم منه أن العدل بين الزوجات واجب، وتبادر إلى النفوس أن العدل بإطلاقه -حتى في الميل القلبي- هو المراد من الآية، فتحرج بذلك المؤمنين، وحق لهم أن يتحرجوا، لأن العدل بهذا المعنى الذي تبادر إلى أذهانهم غير مستطاع، فجاءت الآية الثانية لترشد إلى العدل المطلوب في الآية الأولى، ولترفع الحرج الذي تصوروه!!
فنزل قوله تعالى {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (3) .
(1) سورة النساء، آية 3.
(2)
سورة النساء، آية 129.
(3)
سورة النساء، آية 129.
ومن هذا يتضح أن (تعدد الزوجات) مباح ما لم يخش المؤمن الجور في القسم بين زوجاته، فإن خافه، وجب عليه أن يخلص نفسه من الإثم فيقتصر على واحدة.
ويتضح -من الآيتين- أيضًا، أن إباحة التعدد لا تتوقف على شيء من وراء العدل، وعدم الخوف من الجور.
فلا يتوقف -مثلًا-:
على عقم المرأة، ولا مرضها مرضًا يمنع الرجل من التحصن، ولا على كثرة النساء كثرة يخشى منها على عفافهن، كما في الحروب وغيرها.
هذا، وقد وضعت الآية الكريمة (تعدد الزوجات) في موضع الأصل للتخلص من عدم القسط في اليتامى، ثم ذكرت الآية الاقتصار على الواحدة عند طروء الخوف من عدم العدل بين الزوجات!
فإذا كان المؤمن عادلًا في اليتيمات!
فهو أيضًا عادل بين الزوجات! !
حكمة التعدد (1) :
التعدد أثر لعامل جنسي جُعل في طبيعة الذكر والأنثى، ويقضي هذا العامل باستمرار قوة الرجل، واتساع مدى استعداده للمعاشرة، ويقضي في الوقت ذاته بطروء فترات -تنعدم فيها أو تقل- قابلية المرأة كفترات الحيض، والحمل، والوضع، والنفاس.
كذلك فإن أمد الاستعداد عند المرأة ينتهي ببلوغها سن اليأس الذي يكون في أكثر الحالات عند الستين.
(1) أشار المؤلف هنا إلى بعض الحكمة، ولم يُرد حصرها. (الناشر) .
وبهذا، تظل القوة الجنسية عند الرجل مهددة له في صحته أو في خلقه أو فيهما معًا.
ومن العلماء من يرى: أن التعدد أثر لسنة إلهية قضت بتفوق عدد النساء على أعداد الرجال، وفي الوقت ذاته قضت بقلَّة الرجال فجعلت الوفيات فيهم أكثر من الوفيات في النساء.
وإذا لم يكن من عوامل السنة الكونية سوى تلك الحروب التي تشن على الدوام غاراتها في أرجاء العالم لكفت في الدلالة على ما أشرنا إليه، فما بالنا إذا ضم إلى ظاهرة الحرب التي تَغتال الرجال، وتَجعل كثرة الأمم أطفالًا ونساء، ظاهرة التعرض لمآزق الحياة المرهقة، وبخاصة في طبقات العمال الذين يباشرون أعمالهم بين الحديد والنار، وفي أعماق البحار. . وفي غير ذلك من المجالات المرهقة التي لا يؤمن فيها الهلاك والموت لكان ذلك كافيًا! !
أوروبا. . والتعدد:
لقد عرف علماء أوروبا واعترفوا بحكم التعدد ومحاسنه -ونحن نذكر شيئًا من ذلك- لا لكي يزيدنا إيمانًا، فنحن نؤمن بكلام ربنا، وبسنة نبينا. . .
وإنما نذكر ذلك للآخرين الذين يسرهم أن يكون الكلام والفكر غربيًّا. . . أوروبيًّا!!
لقد اكتشف مفكرو الغرب أن هناك علاقة بين منع تعدد الزوجات وارتفاع نسبة اللقطاء والموؤدين.
ففي المؤتمر الذي عقدته الحكومة الفرنسية سنة 1901 م، للبحث عن خير الطرق لمقاومة انتشار البغاء - جاء قولهم:
" إن عدد الأولاد اللقطاء المجموعين في ملاجئ مقاطعة " السين " وحدها، وجار تربيتهم فيها على نفقة المقاطعة بلغ50.000 لقيط وأن بعض القوام على هذه الملاجئ يفحشون بالبنات اللاتي تحت ولايتهم، وأن نفس اللقطاء يفحشون بعضهم ببعض ولا زاجر يزجرهم ".
وكتبت كاتبة إنجليزية في هذا الشأن: " لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإنني كامرأة أنظر إلى هاتيك البنات، وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنًا، وماذا يفيدهن بثي وحزني وتوجعي وإن شاركني فيه الناس جميعًا ".
هذا هو الداء. . .!
عرضه الفرنسيون. . .!
وتحدثت عنه الإنجليزيات. . .!
فأين الدواء؟
تقول الكاتبة الإنجليزية: " ولله در العالم الفاضل " تومس " فإنه رأى الداء ووصف الدواء، وهو الإباحة للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة، وبهذا الأسلوب يزول البلاء، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بواحدة، وهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، ولو كان تعدد الزوجات مباحًا لما نزل بنا هذا البلاء ".
والذي ذكره المؤتمرون الفرنسيون، وذكرته هذه الكاتبة الإنجليزية سبق إليه القرآن الكريم، حينما شرع التعدد ووسع فيه.
ثم طالب الرجال بالزواج منعًا للانحراف والانحلال، فقال تعالى: - {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1) .
وقال تعالى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (2) .
فالسفاح والمخادنة هما رأس الوباء والبلاء الذي حل بالأمم الغربية، ولم تجد له علاجًا في دينها وتشريعها، فراحت تلتمس علاجه في ديننا وتشريعنا!
في الشرق المسلم:
هذا حال الغرب شرحناه. . .
أما حال الشرق، فهذه واحدة من دوله. . . تركيا. . . ماذا جرى لها؟ ؟ وماذا حدث فيها؟
لقد هجرت الإسلام هجرًا غير جميل، وولت وجهها إلى أوروبا تلتمس منهم التشريع، وتقتبس منهم التقدم والحضارة. . فاتخذت لنفسها قانونًا مدنيًّا يمنع تعدد الزوجات. . .
كان ذلك سنة 1926 م. . .
ثم مضت ثماني سنوات. . . وتكاثرت الولادات السرية، والزوجات والعرفيات، والموؤدات من الأطفال.
وانظر ما جاء في العدد 556 من مجلة آخر ساعة المصرية الصادرة في 3 من يونيو سنة 1945 م، للكاتب المصري المعروف محمد التابعي وكان مقيمًا آن ذاك في تركيا.
(1) سورة النساء، آية 24.
(2)
سورة النساء، آية 25.
إننا في حاجة إلى تعدد الزوجات. . .!
ولسنا في حاجة إلى منع التعدد، أو مهاجمته!
لقد واجه القرآن الكريم قضية التعدد مواجهة منطقية إنسانية إصلاحية. . صريحة وواضحة!
فكيف واجهت الكنيسة القضية نفسها؟
لقد كان التعدد مباحًا في (أوروبا المسيحية) حتى عهد شارلمان الذي كان متزوجًا بأكثر من امرأة واحدة. . ثم أشار القساوسة على المتزوجين بأكثر من واحدة أن يختاروا لهم واحدة من بينهن يطلق عليها (زوجة) ويطلق على غيرها اسم (خدينة) .
وهكذا قالت الكنيسة كلمتها. . . بطريقتها!!