الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكره لوقا عما جاء في نظيره في إنجيل متى وفي أسفار العهد القديم ". وهذه واحدة من مشاكل الأناجيل التي سوف نبحثها فيما بعد.
4-
إنجيل يوحنا:
" لقد كان من المعتقد لفترة طويلة أن يوحنا كان على بينة من وجود الأناجيل الثلاثة المتشابهة، وأنه قد كتب ليكملهم أو ليصحههم في حالة أو حالتين. فقد جرى القول بأن حادثة تطهير الهيكل- على سبيل المثال- قد وضعها يوحنا عمدا في بداية دعوة يسوع، لأنه حسبما تذكرها يوحنا الذي تقدمت به السنون كان ذلك موضعها.
كذلك فإنه صحح تاريخ الصلب، حيث وضعه عشية الفصح في اليوم الذي تذبح فيه خراف الفصح. ومن ناحية أخرى فإن لقب: ابن الإنسان (الذي كان يطلقه المسيح على نفسه ويفضله كثيرا على الألقاب الأخرى) والي لم يستخدمه بولس قط، قد أبقى عليه يوحنا. .
لقد كان يوحنا مسيحيا ولجانب ذلك فإنه كان هللينيا، ومن المحتمل ألا يكون يهوديا ولكنه شرقي أو إغريقي. .
ومن المحتمل أن يكون إنجيل يوحنا قد كتب في أنطاكية أو أفسس أو الإسكندرية أو حتى روما، فإن كلا من هذه المدن كانت مركزا عالميا للدعاية العقائدية في القرنين الأول والثاني من الميلاد، كما كانت على اتصال ببعضها " (1) .
ويقول جون مارش في مقدمته لتفسير إنجيل يوحنا تحت عنوان: " استحالة التوكيد ":
" حين نأتي لمناقشة المشاكل الهامة والمعقدة التي تتعلق بالإنجيل الرابع
(1) فريدريك جرانت: ص 156، 166، 174، 178.
وإنجيله، نجد أنه من المناسب والمفيد أن نعترف مقدما بأنه لا توجد مشكلة للتعريف (بالإنجيل وكاتبه) يمكن إيجاد حل لها.
من كان يوحنا هذا الذي قيل إنه المؤلف؟ أين عاش؟ لمن من الجمهور كان يكتب إنجيله؟ أي المصادر كان يعتمد عليها؟ متى كتب مصنفه؟ . .
حول كل هذه الأسئلة وحول كثير غيرها توجد أحكام متباينة، أحيانا تقرر تأكيدات قوية ومع ذلك فإن أيا منها لا يرقى إلى مرتبة اليقين. . .
(ثم يختتم جون مارش مقدمته بقوله) :
وبعد أن نفرغ كل ما في جعبتنا نجد أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل تحقيق أي شيء أكثر من الاحتمال حول مشاكل إنجيل يوحنا.
ويعتقد كاتب هذه السطور (جون مارش) أنه ليس من المستحيل الاعتقاد أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس، وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة، فقام عندئذ بتسجيل شكل جديد لقصة يسوع اختص بها طائفته التي كانت تعتبر نفسها عالمية، كما كانت متأثرة بوجود تلاميذ يوحنا المعمدان " (1) .
مشاكل إنجيل يوحنا:
تقول دائرة المعارف الأمريكية: " يوجد ذلك التضارب الصارخ بينه وبين الأناجيل المتشابهة، فهذه الأخيرة تسير حسب رواية مرقس للتسلسل التاريخي للأحداث فتجعل منطقة الجليل هي المحل الرئيسي لرسالة يسوع، بينما يقرر إنجيل يوحنا أن ولاية اليهودية كانت المركز الرئيسي.
(1) جون مارش: ص20، 80.
وهناك مشكلة الإصحاح الأخير (رقم 21) من الإنجيل: إن القارئ العادي يستطيع أن يرى أن الإنجيل ينتهي بانسجام تام بانتهاء الإصحاح العشرين الذي يقول: وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله. . إن هذا الإعلان يبين بوضوح الغرض الذي كتب من أجله هذا الكتاب.
بعد ذلك يأتي الإصحاح الأخير (رقم 21) الذي يخبرنا أن يسوع ظهر كرب أقيم من الأموات لخمسة تلاميذ. . وأنه قال لبطرس: ارع خرافي. . وكذلك تعليق مبهم يقول: هذا هو التلميذ الذي جاء عن طريق الجماعة التي تشير إلى نفسها بكلمة: نحن (نعلم) . . وفي حقيقة الأمر فإن هؤلاء يصعب تحديدهم " (1) .
ولقد ظهر شيء من التآلف بين إنجيلي لوقا ويوحنا مما ساعد على ظهور نظرية تقول بأن يوحنا استخدم إنجيل لوقا كأحد مصادره. إلا أن هذه النظرية تجد معارضة بسبب الاختلاف الواضح بين الإنجيلين في المواضع المشتركة بينهما:
" فكلا الإنجيلين يتحدث عن بطرس وصيد السمك بمعجزة، لكن أحدهما (لوقا) يضع القصة مبكرا في رسالة يسوع في الجليل، أما الآخر (يوحنا) فيضعها بعد قيامه من الأموات "(لوقا 5: 1- 11، يوحنا 21: 1-14) .
وكلاهما يتحدث بلغة مشتركة عن كيفية مسح يسوع (بالطيب) من امرأة. لكنها في أحدهما (لوقا) كانت زانية في بيت فريسي، بينما هي في
(1) دائرة المعارف الأمريكية: ج16- ص 159.
الآخر (يوحنا) كانت امرأة صديقة ليسوع، وأن ذلك حدث في بيتها.
(لوقا 7: 36- 38، يوحنا 12: 1- 8)(1) .
أما بعد. . فإن النتيجة التي لا مفر من التسليم بها كما بينتها هذه الخلاصة لأبحاث علماء النصرانية تقول بحق:
إِن الأناجيل القانونية ما هي إلا كتب مؤلفة- بكل معنى الكلمة- وهي تبعا لذلك معرضة للصواب والخطأ. ولا يمكن الادعاء ولو للحظة واحدة أنها كتبت بإلهام.
لقد كتبها أناس مجهولون، في أماكن غير معلومة، وفي تواريخ غير مؤكدة. والشيء المؤكد- الذي يلحظه القارئ البسيط كما يلحظه القارئ المدقق- أن هذه الأناجيل مختلفة غير متآلفة، بل إنها متناقضة مع نفسها ومع حقائق العالم الخارجي (حيث فشلت التنبؤات بنهاية العالم) كما رأينا وكما سنرى فيما بعد.
إن هذا القول قد يضايق النصراني العادي، بل إنه قد يصدمه ولكن بالنسبة للعالم النصراني المدقق فقد أصبح القول بوجود أخطاء في أسفار الكتاب المقدس حقيقة مسلما بها.
إن الكنيسة الكاثوليكية كانت تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام، كما يقول موريس بوكاي التي تأكد القول بها في مجمع الفاتيكان الذي عقد عام 69- 1870 م، والذي تقرر فيه " أن الكتب القانونية لكل من العهدين القديم والجديد قد كتبت بإلهام من الروح القدس وأعطيت هكذا للكنيسة ".
لكنها عادت الآن- بعد نحو قرن من الزمان- لتواجه الحقائق وتعترف بها. فلقد بحث المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان (62- 1965 م) المشكلة
(1) جورج كيرد: ص20.
التي تتعلق بوجود أخطاء في بعض نصوص أسفار العهد القديم، وقدمت له خمس صيغ مقترحة استغرق بحثها ثلاث سنوات من الجدل والمناقشة. وأخيرا تم قبول صيغة حظيت بالأغلبية الساحقة، إذ صوت إلى جانبها 2344 ضد 6، وقد أدرجت في الوثيقة المسكونية الرابعة عن التنزيل فقرة تختص بالعهد القديم (الفصل الرابع، ص 53) تقول:
" بالنظر إلى الوضع الإنساني السابق على الخلاص الذي وضعه المسيح تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله ومن هو الإنسان. .
غير أن هذه الكتب تحتوي على شوائب وشيء من البطلان ".
(نقلا عن الطبيب الفرنسي الكاثوليكي (1) موريس بوكاي من كتابه:
La Biblie، Le Coran et la Science.
وقد نشرت دار المعارف بالقاهرة ترجمته العربية تحت عنوان: " دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ". وهذه الفقرة منقولة عن الطبعة الأولى (2) .
إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كم من المؤمنين بقداسة هذه الأسفار واعتبارها تعليما إلهيا موحى به من الله، يعلم هذا الذي قررته الكنيسة بشأنها، وما تحتويه من شوائب وبطلان؟
وما لنا نذهب بعيدا ولدينا الكتاب المقدس- طبعة الكاثوليك 1960 م- وهو يقدم لأسفار موسى الخمسة (التوراة) بقوله: " كثير من علامات التقدم تظهر في روايات هذا الكتاب وشرائعه مما حمل المفسرين كاثوليك وغيرهم على التنقيب عن أصل هذه الأسفار الأدبي. فما من عالم كاثوليكي في عصرنا
(1) يوم أن كان كاثوليكيا ولكنه أسلم.
(2)
ص59-60.
يعتقد أن موسى ذاته قد كتب كل البانتاتيك (الأسفار الخمسة) منذ قصة الخلق إلى قصة موته. كما أنه لا يكفي أن يقال إن موسى أشرف على وضع النص الملهم الذي دونه كتبة عديدون في غضون أربعين سنة.
كذلك يقول الكتاب المقدس في تقديمه لسفر راعوث: " من المحتمل أن يكون الكاتب قد استعان في البدء بذكريات تقليدية غير واضحة الظروف تماما، ثم أضاف إليها عددا من التفاصيل ليجعل الرواية أكثر حياة ويعطيها قيمة أدبية "!!
وها هي كتب التبشير التي تورع هنا بين المسلمين تعترف بتسرب أخطاء خطيرة إلى أسفار العهد الجديد. لقد جاء في كتاب: " هل الكتاب المقدس حقا كلمة الله؟ " في ص 160، ما يلي:
" بمقارنة أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة باعتناء يتمكن العلماء من اقتلاع أية أخطاء ربما تسللت إليها. مثالا على ذلك الإدخال الزائف في رسالة يوحنا الأولى، الإصحاح الخامس. فالجزء الأخير من العدد 7، والجزء الأول من العدد 8، يقول حسب الترجمة البروتستنتية العربية، طبع الأمريكان في بيروت- ونقرأ في الترجمة اليسوعية العربية شيئا مماثلًا: في السماء. . . الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة (الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة في واحد) .
ولكن طوال القرون الثلاثة عشر الأولى للميلاد لم تشتمل أية مخطوطات يونانية على هذه الكلمات. وترجمة " حريصا " العربية تحذف هذه الكلمات كليا من المتن. والترجمة البروتستنتية العربية ذات الشواهد تضعها بين هلالين موضحة في المقدمة أنه ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها ".
أعتقد أن أبسط تعليق هو التذكرة فقط بأن هذا النص الخطير الذي أدخل ابتداء من القرن الثالث عشر، والذي يقتبس منه فكرة التثليث، لم يكن له وجود طوال القرون السابقة. وهذا شيء لا يمكن اعتباره تحريفا بسيطا، بل إنه تحريف خطير، لأنه يمس أساس العقيدة. وهكذا نجد أن نصوصا وأفكارا تتسرب إلى الكتابات التي اعتبرت مقدسة عبر القرون، فكل ما يتعلق بتثليث أو ثالوث، ما من شك في أنه دخيل على مسيحية المسيح الحقة التي لا تزال لها بقايا في الأناجيل الموجودة حاليا.
ويكفي أنه عندما يأتي العلماء لتفسير صلاة المسيح الأخيرة في إنجيل (يوحنا 17: 3) التي يقول فيها: " وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته ".
فإنهم يقولون: إن هذا توحيد لاشك فيه.
وطبعا هذا الكلام معناه باللغة العربية المتداولة: لا إله إلا الله، المسيح رسول الله.
ومن هذه النقاط يمكن أن تلتقي النصرانية مع الإسلام.
وفي فقرات أخرى وفي لقاءات أخرى مع الإسرائيليين كان قوله: " اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد) (إنجيل مرقس 12: 29) .
وهذه الفقرة تشير إلى ما في أسفار العهد القديم. (سفر التثنية 6: 4) وعندما تقدم إليه إسرائيلي ليسأله: " أيها المعلم الصالح، ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟) (إنجيل لوقا 18: 18) .
ماذا قال المسيح؟
لم يقل له افعل كذا أو كذا. . لكنه أولا نفى الصلاح عن نفسه فقال: " كيف تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله ". . بعد ذلك