الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدأ المسيح يعلمه ما جاء في أسفار العهد القديم وما دعا إليه وهو التوحيد في العقيدة والتمسك بشريعة موسى والحفاظ عليها. أعتقد أنه بهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن أسفار العهد الجديد.
بعد ذلك ندخل للحديث عن " نظرة في أسفار العهد الجديد " بحيث يستطيع كل واحد مهما كان حظه من الثقافة والعلم أن يتأكد من صحة هذا الكلام.
نظرة في أسفار العهد الجديد
1-
مشكلة الاختلاف الكثير:
يوجد اختلاف كثير بين الأناجيل: الواحد عن الآخر، واختلاف داخل الإنجيل نفسه. ومن الطبيعي أنه في أي دراسة سواء كانت دراسة دينية أو أي دراسة وخاصة ما يتعلق بالوحي والتنزيل والكتب المقدسة فإنه تحكمنا القاعدة الأساسية التي لا بد أن يقبلها الكل، وهي أنه:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (1) .
(1)
- اختلاف متى ولوقا في نسب المسيح:
لقد جرت التقاليد المسيحية في نسبة المسيح ليوسف النجار خطيب مريم (2)
(1) سورة النساء، آية 82.
(2)
اتهام مخزي، نسبوه إلى هذا النبي الكريم وهو برئ منه أشد البراءة، واتهام لأمه مريم البتول العفة الحصان. وقد قص الله تعالى علينا أمرها وابنها في سورة مريم، قال تعالى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) الآيات 16- 21، وقال سبحانه عنها في سورة التحريم:(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) الآية 12.
فها هو لوقا يقول: " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن أنه ابن يوسف (النجار) بن هالي بن. . . . . . "(3: 23) .
ولقد اختلف متى مع لوقا في تسلسل نسب المسيح هذا، إذ جعله متى يأتي من نسل سليمان بن داود، بينما جعله لوقا يأتي من نسل ابن آخر لداود هو ناثان.
ويتضح الموقف بعمل جدول يبين الأنساب التي ذكرها كل من متى ولوقا مقارنة بأنساب الآباء التي وردت في أسفار العهد القديم وخاصة سفر أخبار الأيام وذلك كالآتي: إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل اليعازر يوسي عير المودام قصم أدي ملكي نيزي شألتيئيل زربابل ريسا يوحنا يهوذا يوسف حزقيا منسي آمون يوشيا يهوياقيم يكنيا شألتيئيل فدايا زربابل حنتيا حزقيا منسي آمون يوشيا - يكنيا شألتيئيل - زربابل أبيهود الياقيم عازور صادوق أخيم 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 داود ناثان متاثا مينان مليا الياقيم يونان يوسف يهوذا شمعون لاوي متثات يوريم داود سليمان ناثان رحبعام أبيا آسا يهوشافاط يورام اخزيا يوآش أمصيا عزريا يوثام آحاز داود سليمان رحبعام أبيا آسا يهوشافاط يورام عزيا - يوثام آحاز 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل إنجيل لوقا سفر أخبار الأيام الأول إنجيل متى مسلسل يوسف ينا ملكي لاوي فتثاث هالي يوسف 36 37 38 39 40 41 42 شمعي متاثيا مآث نجاي حسلي ناحوم عاموص متاثيا اليود اليعاذر متان
يعقوب يوسف 28 29 30 31 32 33 34 35
يلاحظ في هذا الجدول- أنه تبسيطا للدراسة- فقد اكتفينا بتتبع نسب سليمان بن داود كما جاء في سفر أخبار الأيام حتى المسلسل رقم (23) فقط وصرفنا النظر عن تتبع نسب ناثان بن داود. كما أن الأنساب التي وضع مكانها (-) تحت إنجيل متى إنما تعني أسماء آباء سقطت خطأ من القائمة التي كتبها متى.
إن الجدول السابق يكشف عن عدد من الملاحظات التي لا تخفى على أحد. ولقد تحدث مفسرو الأناجيل في هذه الملاحظات فكان مما قالوه الأتي:
يقول جون فنتن: " من المحتمل أن يكون متى قد استمر في الاعتماد على (سفر أخبار الأيام الأول 3: 5 10- 16) إلا أنه حذف ثلاثة أجيال بين يورام ويوثام، كما حذف يوهاقيم بعد يوشيا. أما تسلسل النسب في لوقا فإنه يسير خلال ابن آخر لداود وهو ناثان.
ولقد استطاع متى أن يأخذ الأسماء الثلاثة: يكنيا، وشألتيثيل، وزربابل، من (أخبار الأيام الأول 3: 16) وما يليها، أما بالنسبة لبقية الأسماء المذكورة في قائمته فلم يكن لديه أي مصدر مكتوب حسبما نعلم.
كذلك فإن لوقا أورد في قائمته: شألتيئيل وزربابل، لكنه لم يذكر أحدا من الآخرين (المذكورين في متى) .
ويشير متى إلى أنه في كل من العصور الثلاثة يوجد أربعة عشر جيلا، رغم أنه في الحقيقة لم يذكر سوى ثلاثة عشر اسما في الجيل الأخير ابتداء من 1: 12-16 " (1) .
ويقول جورج كيرد: " في منتصف قائمة لوقا نجد هذه الأسماء الثلاثة: يوحنا بن ريسا بن زربابل - لكن يوحنا هي صيغة أخرى لاسم حننيا الذي كان ابنا لزربابل. إن هذا الشخص ريسا لم يذكر البتة في (سفر أخبار الأيام الأول 3: 19) ، لكن ريسا هي كلمة آرامية تعني أمير، ولا بد أنها ملحقة في القائمة الأصلية كلقب يسبق زربابل، وهو الرجل الوحيد الذي كان يمكن الإشارة إليه بهذا اللقب بعد عام 586 ق. م (عام السبي البابلي) .
إن الخطأ الذي لحق بقائمة لوقا يمكن إرجاعه إلى أن القائمة الأصلية (التي نقل عنها) كانت مصنفة بترتيب عكس هذا: زربابل الأمير ولد يوحنا " (2) .
وخلاصة القول في نسب المسيح أننا إذا اعتبرنا سفر أخبار الأيام الأول هو المرجع الرئيسي لأنساب الآباء نجد الآتي:
1-
أخطأ متى في سلسة نسب المسيح حين أسقط منها خمسة أسماء (المسلسلات أرقام 9، 10، 11، 18، 21) .
(1) تفسير إنجيل متى: ص39، 40.
(2)
تفسير إنجيل لوقا: ص19.
2-
أخطأ لوقا حين أضاف ريسا (المسلسل رقم 24) بين زربابل ويوحنا.
3-
اختلف لوقا مع متى اختلافا جوهريا حين جعل يوسف زوج مريم ينحدر من نسل ناثان بن داود، بينما جعله متى ينحدر من نسل سليمان بن داود.
ومنذ قرون مضت بذل نفر من المدافعين عن الأناجيل- باعتبارها وحيا من الله- محاولات مضنية للتوفيق بين لوقا ومتى اعتمادا على التقاليد الإسرائيلية، لكن محاولاتهم باءت جميعها بالفشل.
ويكفي التسليم بالخطأ الذي لحق بقَائمة متى عند مقارنتها بما في سفر أخبار الأيام الأول- إذ أنه أسقط منها يوآش، وأمصيا، وعزريا، ويهوياقيم، وهو أمر واضح لا يحتمل الجدل- حتى يكفي التسليم تبعا لذلك باختلاف لوقا مع متى وهو الشيء الذي قرره علماء المسيحية.
(ب) - اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ:
يقول متى في إنجيله: " أما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه. الأول سمعان الذي يقال له بطرس، وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدي. ويوحنا أخوه. فيلبس، وبرثولماوس. توما ومتى العشار. يعقوب بن حلفي، ولباوس الملقب تداوس. سمعان القانوني، ويهوذا الإسخريوطي (10: 2- 4) . لكن لوقا يقول: " لما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلا. سمعان الذي سماه أيضا بطرس، وأندراوس أخاه. يعقوب، يوحنا. فيلبس وبرثولماوس. متى وتوما. يعقوب بن حلفي، وسمعان الذي يدعى الغيور. يهوذا أخا يعقوب، ويهوذا الإسخريوطي - 6: 13-16 ".
ويذكر يوحنا أسماء بعض التلاميذ من بينهم يهوذا آخر غير الخائن وهو الذي يقول عنه: " يهوذا ليس الإسخريوطي "(14: 22) .
من الواضح أن هناك اختلافا بين ما ذكره متى ومرقس من جانب وبين لوقا ويوحنا من جانب آخر، ولهذا يقول جورج كيرد:" عندما كتبت الأناجيل لم يكن هناك مجرد التحقق من شخصية التلاميذ. أن يهوذا بن يعقوب لا يظهر في القائمة المذكورة في كل من متى ومرقس، بينما شغل مكانه لباوس المقلب تداوس ".
وهنا لا بد أن نلفت النظر إلى أن محمدا ظهر تحت شمس التاريخ وقد بلغ صحابته مائة ألف أو يزيدون، وقد عرفت أسماؤهم وأخبارهم. فكيف بكتبة الأناجيل يعجزون عن التحقق من الاثني عشر تلميذا. . . .؟ (جـ) - اختلاف متى ومرقس في قصة تطهير الهيكل وشجرة التين:
يقول إنجيل متى: " دخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل. . وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص. . . ثم تركهم وخرج خارج المدينة إلى بيت عنيا وبات هناك.
وفي الصباح إذ كان راجعا إلى المدينة جاع. فنظر إلى شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا فقط فقال لها: لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد. فيبست التينة في الحال.
فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال. . فأجاب يسوع وقال لهم: الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون. . إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون (متى 21: 12- 21) .
لكن إنجيل مرقس يقول في هذا الحادث: " في الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع. فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء إليها لم يجد شيئا إلا ورقا. لأنه لم يكن وقت التين. فأجاب يسوع وقال لها: لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد. وكان تلاميذه يسمعون.
وجاءوا إلى أورشليم. ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. . وكان يعلم قائلا لهم أليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى. . وأنتم جعلتموه مغارة لصوص. .
ولما صار المساء خرج إلى خارج المدينة وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول. فتذكر بطرس وقال له يا سيدي: انظر التينة التي لعنتها قد يبست. فأجاب يسوع وقال لهم. . من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه. . فمهما قال يكون له (مرقس 11: 12-24) .
ومن الواضح أن هناك اختلافا بين الروايتين يمكن تلخيصه في الآتي:
1-
بينما يذكر إنجيِل متى أن تطهير يسوع للهيكل من الباعة والصيارفة قد حدث قبل أن يمر بشجرة التين ثم يلعنها، نجد عكس ذلك في إنجيل مرقس الذي يذكر حادث شجرة التين قبل تطهير الهيكل.
2-
كذلك فإن تفصيلات حادث شجرة التين مختلفة في كل منهما.
ويشير جون فنتون إلى نقط الخلاف بينهما فيقول: " نجد في إنجيل مرقس أن يسوع يبحث عن ثمر في الشجرة ويلعنها في نفس اليوم ثم يلفت بطرس نظر يسوع إلى جفافها في اليوم التالي.