الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول تخصيص العموم:
العام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له، والتخصيص: هو إخراج بعض ما تناوله العموم
(1)
.
وتفسير القرآن بالقرآن بجميع أنواعه يُعد من أقوى طرق التفسير وهو المصدر الأول من مصادره إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله، وقد أجمع العلماء على حسن هذه الطريق، وعلى أن تفسير القرآن بالقرآن أشرف أنواع التفسير
(2)
.
وتبدو هذه الطريقة بارزة فيما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية
(3)
، وابن كثير
(4)
.
قال ابن القيم
(5)
: (وتفسير القرآن بالقرآن من أبلغ التفاسير)
(6)
.
وهي الطريقة التي بنى عليها الشنقيطي
(7)
كتابه (أضواء البيان)
(8)
.
(1)
ينظر: العدة 1/ 155، شرح الكوكب المنير 3/ 267.
(2)
ينظر: أضواء البيان 1/ 30.
(3)
ينظر: حاشية مقدمة التفسير ص 106، مجموع الفتاوى 15/ 442، 16/ 219.
(4)
ينظر: تفسير ابن كثير: المقدمة 1/ 39، وابن كثير: هو الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء الدمشقي الشافعي مات سنة 774 هـ، له ترجمة في: طبقات الداوودي 1/ 111، شذرات الذهب 6/ 231.
(5)
هو شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي، المشهور بابن القيم، مات سنة 751 هـ، له ترجمة في: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 447، طبقات الداوودي 2/ 384، شذرات الذهب 6/ 167.
(6)
التبيان في أقسام القرآن ص 116، وينظر: بدائع التفسير 1/ 79.
(7)
هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبدالقادر الجكني الشنقيطي الموريتاني المالكي الأفريقي، من مؤلفاته: تفسير أضواء البيان، ودفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب، مات سنة 1393 هـ، له ترجمة في: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة العدد (3) السنة (6) محرم 1394 هـ ص 28 وما بعدها.
(8)
ينظر: المقدمة 1/ 30.
ولكنه لا يُقطع بصحة التفسير به إلا إذا كان عليه الإجماع، أو صحت به السنة، أو صح عن أحد الصحابة ولا مخالف له.
أما ما عداه فلا يجزم بصحته؛ لأنه اجتهاد من قائله يخطئ فيه ويصيب
(1)
.
فمن سلك هذه الطريقة في تفسيره، قلنا: الطريقة التي فسر بها قوية وصحيحة، ولكن يبقى: هل تنزيله هذه الآية على تلك الآية صحيح أم لا؟، فالمسألة تحتاج إلى تأمل!.
وقد اهتم ابن عقيل بتفسير القرآن بالقرآن في نواحٍ عدة، ومنها: تخصيص العموم.
والذي عليه أكثر العلماء: أن ألفاظ القرآن على عمومها حتى يأتي ما يخصصها
(2)
.
قال الطبري
(3)
: (وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها إلا بحجة يجب التسليم لها)
(4)
.
وقد رجح ابن عقيل أن للعموم صيغة تدل عليه، وأن بعضاً مما جاء في القرآن عاماً فقد خصص في موضع آخر
(5)
.
ومن الأمثلة المستنبطة من كلام ابن عقيل على هذه الطريقة ما يلي:
- قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} [هود:45].
(1)
ينظر: قواعد التفسير 1/ 109.
(2)
ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين 2/ 527.
(3)
هو الإمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، إمام المفسرين له التصانيف العظيمة منها تفسير القرآن، تهذيب الآثار، وتاريخ الأمم، وغيرها، مات سنة 310 هـ، له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي ص 82، طبقات المفسرين للداوودي 2/ 106.
(4)
جامع البيان 2/ 464.
(5)
ينظر: الواضح 3/ 313.
قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} [هود:45] تمسكاً بقوله تعالى: {فَاسْلُكْ فِيهَا} [المؤمنون:27] وقوله: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلَّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [هود:40] فأجابه الباري سبحانه عن ذلك جواب تخصيص لا جواب نكير عليه ما تعلق به العموم، فقال:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46]، فدل على أن اللفظة عموم، ولولا دليل أخرج ابنه من أهله؛ لكان داخلاً تحت اللفظ اهـ)
(1)
.
قال ابن عقيل: ({وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} والمراد به كل الحرائر من المطلقات بوائن أو رجعيات، وقال في آخرها: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} يرجع إلى الرجعيات، فالأول على عمومه، والآخر خاص في الرجعيات اهـ)
(2)
.
- قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} [الأنبياء:98].
(1)
الواضح 3/ 314.
(2)
ينظر: الواضح 3/ 433.
قال ابن عقيل: (لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:98] قال ابن الزِّبعرى: لأخصمن محمداً، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قد عُبِدت الملائكة، وعُبِد المسيح، أفيدخلون النار؟! فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} [الأنبياء:101]، فاحتج بعموم اللفظ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم تعلقه بذلك، وأنزل الله سبحانه جواب ذلك، مما دل على تخصيصٍ، لا منكراً لتعلقه، فعلم أن العموم مقتضى هذه الصيغة اهـ)
(1)
.
قال ابن عقيل: (فهذه الآية عامة في كل زان وزانية، قضينا عليها بالآية الخاصة في الإماء وهي قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} [النساء:25] اهـ)
(2)
.
(1)
الواضح 3/ 314.
(2)
الواضح 3/ 437، 2/ 96.