المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والذي يظهر أن الآية شاملة لكلا المعنيين، ويؤيد هذا احتمال - منهج ابن عقيل الحنبلي وأقواله في التفسير جمعا ودراسة

[راشد بن حمود الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌أهداف البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجي وعملي في البحث:

- ‌التمهيد ترجمة موجزة لابن عقيل

- ‌أولاً: اسمه ونسبه وكنيته:

- ‌ثانياً: مولده:

- ‌ثالثاً: أسرته:

- ‌رابعاً: شيوخه:

- ‌خامساً: تلاميذه:

- ‌سادساً: مكانته العلمية:

- ‌سابعاً: مصنفاته:

- ‌ثامناً: ابن عقيل والمعتزلة:

- ‌تاسعاً: وفاته

- ‌القسم الأول مصادر ابن عقيل ومنهجه في التفسير

- ‌الفصل الأول مصادر ابن عقيل في التفسير

- ‌المبحث الأول مصادر القرآن وعلومه:

- ‌المبحث الثاني مصادر الحديث:

- ‌المبحث الثالث مصادر الفقه:

- ‌المبحث الرابع مصادر العقيدة:

- ‌الفصل الثاني منهج ابن عقيل في التفسير

- ‌المبحث الأول تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌المطلب الأول تخصيص العموم:

- ‌المطلب الثاني تقييد المطلق:

- ‌المطلب الثالث بيان المجمل:

- ‌المطلب الرابع جمع النظائر:

- ‌المبحث الثاني تفسير القرآن بالسنة

- ‌المطلب الأول تخصيص العموم:

- ‌المطلب الثاني بيان المجمل:

- ‌المطلب الثالث الترجيح بالسنة:

- ‌المبحث الثالث تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين:

- ‌المطلب الأول تخصيص العموم:

- ‌المطلب الثاني دفع موهم التناقض:

- ‌المبحث الرابع تفسير القرآن باللغة:

- ‌المطلب الأول اهتمامه بمعاني المفردات والحروف، ومرجع الضمائر:

- ‌المطلب الثاني عنايته بالشعر وأقوال العرب:

- ‌المطلب الثالث اهتمامه بالأوجه البلاغية ولطائف التفسير:

- ‌المبحث الخامس تفسيره لآيات الأحكام

- ‌المطلب الأول مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب الثاني نقله للإجماع:

- ‌المطلب الثالث اهتمامه بالقياس:

- ‌المطلب الرابع منهجه في الاستنباط:

- ‌الفصل الثالث علوم القرآن عند ابن عقيل

- ‌المبحث الأول الناسخ والمنسوخ:

- ‌المبحث الثاني أسباب النزول:

- ‌المبحث الثالث المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الرابع العام والخاص:

- ‌القسم الثاني أقوال ابن عقيل في التفسير - من أول القرآن إلى آخره - مع دراستها

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة الأنبياء

- ‌سورة الحج

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة الزمر

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة التحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة القدر

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة العصر

- ‌الخاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: والذي يظهر أن الآية شاملة لكلا المعنيين، ويؤيد هذا احتمال

والذي يظهر أن الآية شاملة لكلا المعنيين، ويؤيد هذا احتمال الآية لهما، ووجودهما في القوم فيصح حمل الآية على كل ما قيل فيها ولا تعارض بين المعنيين؛ ولذا قال القرطبي:(ولعل الجميع كان فيهم، فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة ويستغنون عن النساء بذلك)

(1)

، وهذا هو الذي يظهر من كلام المفسرين على الآية

(2)

.

‌سورة الأحزاب

قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} [الأحزاب:37].

114/ 1 - قال ابن عقيل: (فأخبر أنه إنما أباحه ذلك ليكون مبيحاً لجميع الأمة، ولو كان الأمر يخصه لما انتفى عنهم الحرج بنفي الحرج عنه، فصار كأنه يقول: أرخصنا لك في تزويج أزواج أدعيائك؛ لنرخص لأمتك بذلك اقتداء بك، ونزولاً على ما شرع لك، فثبت بهذا أنهم مشاركوه في الحكم الذي يخاطب به اهـ)

(3)

.

(1)

الجامع لأحكام القرآن 13/ 341.

(2)

ينظر: تفسير السمرقندي 2/ 631، الوجيز 2/ 832، تفسير السمعاني 4/ 177، معالم التنزيل 3/ 400، الكشاف 3/ 456، الجامع لأحكام القرآن 13/ 341، تفسير البيضاوي 4/ 314.

(3)

الواضح 3/ 102.

ص: 404

الدراسة:

أشار ابن عقيل إلى مسألة: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أمور الشرع خطاب لأمته إلا إذا دل الدليل على تخصيصه، وهذه مسألة أصولية مشهورة تكلم فيها الأصوليون

(1)

.

وقول ابن عقيل هو قول الحنفية

(2)

وبعض المالكية

(3)

وبعض الشافعية

(4)

: أن الله تعالى إذا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فإن أمته يشاركونه في ذلك الأمر

(5)

، ومن أدلتهم هذه الآية التي استدل بها ابن عقيل:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} [الأحزاب:37]

(6)

، ووجه الاستدلال بها: أنه لو كان الأمر يخص النبي صلى الله عليه وسلم في تزوج زوجة الدعي لما انتفى الحرج عن المؤمنين بانتفائه عنه صلى الله عليه وسلم

(7)

، وكان التعليل به عبثاً

(8)

.

وهو ما ذهب إليه جمع من المفسرين:

قال الجصاص: (قد حوت هذه الآية أحكاماً

) إلى أن قال: (والثالث: أن الأمة مساوية للنبي صلى الله عليه وسلم في الحكم إلا ما خصه الله تعالى به؛ لأنه أخبر أنه أحل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ليكون المؤمنون مساوين له)

(9)

.

(1)

ينظر: العدة 1/ 318، المحصول 2/ 379، البرهان للجويني 1/ 250، شرح مختصر روضة الناظر 2/ 412.

(2)

ينظر: التقرير والتحبير 1/ 224.

(3)

ينظر: أحكام القرآن لابن العربي 4/ 270.

(4)

ينظر: البرهان للجويني 1/ 250، روضة الناظر 2/ 100، التفسير الكبير 25/ 184، شرح الكوكب المنير 3/ 218.

(5)

ينظر: العدة 1/ 318، المسودة 1/ 134.

(6)

ينظر غيره من الأدلة: روضة الناظر 2/ 100، التأسيس في أصول الفقه ص 342.

(7)

ينظر: تفسير أبي السعود 5/ 228.

(8)

ينظر: شرح مختصر روضة الناظر 2/ 413.

(9)

أحكام القرآن 3/ 472.

ص: 405

وقال البيضاوي: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:37] علة للتزويج، وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحد إلا ما خصه الدليل)

(1)

.

وقال ابن تيمية: (قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} الآية [الأحزاب:37] دليل على أن ما أبيح له كان مباحاً لأمته؛ لأنه أخبر أن التزويج كان لمنع الحرج عن الأمة في مثل ذلك التزويج، فلولا أن فعله المباح له يقتضي الإباحة لأمته لم يحسن التعليل وهذا ظاهر)

(2)

.

وذهب بعض الشافعية

(3)

وغيرهم

(4)

: إلى أن الخطاب لا يعمهم إلا بدليل.

قالوا: لأن اللغة تقتضي أن خطاب المفرد لا يتناول غيره.

قال الغزالي

(5)

: (وإنما يشاركه غيره بدليل لا بموجب هذا اللفظ)

(6)

.

ولذا قال الآمدي: (إن رفع الحرج عن النبي صلى الله عليه وسلم كان لمقصود رفع الحرج عن المؤمنين، وذلك حاصل بقياسهم عليه بواسطة دفع الحاجة وحصول المصلحة)

(7)

. فحكم بدخول الأمة مع النبي صلى الله عليه وسلم في الآية لكن بدليل القياس.

(1)

تفسير البيضاوي 4/ 377.

(2)

مجموع الفتاوى 15/ 443.

(3)

ينظر: الإحكام للآمدي 2 ا/ 260، المستصفى 2/ 65.

(4)

كالمعتزلة ومن وافقهم، ينظر: المعتمد 1/ 148.

(5)

هو أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي الشافعي، فقيه أصولي متكلم، من تصانيفه: المستصفى في أصول الفقه، مات سنة 505 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 12/ 75، شذرات الذهب 4/ 10.

(6)

المستصفى 3/ 277.

(7)

الإحكام 2/ 262.

ص: 406

وأقول: ما دام أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بقصد خطاب العموم، وهذا هو المتعارف عليه شرعاً لاشتراكهم في التشريع، والله سبحانه وتعالى أمر في غير ما آية باتباعه صلى الله عليه وسلم

(1)

فلا حاجة إلى تكلف القياس.

والخلاصة أنه لا خلاف بين القولين في العمل؛ فالجميع متفق على أن خطاب الواحد لا يطلق على الجماعة في اللغة، وكذلك متفقون أن الوقائع الشرعية الخاصة التي استدل بها أصحاب القول الأول عدي حكمها إلى الأمة مع نبيها صلى الله عليه وسلم

(2)

.

قال الطوفي: (وكأن الخلاف لفظي

) ثم قال: (وحينئذ يكون التقدير: أن اللغة تقتضي أن الخطاب لواحد معين يختص به، ولا خلاف فيه بينهم، والواقعة الشرعية الخاصة، إذا قام دليل على عمومها عمت، ولا خلاف أيضاً فيه بينهم، فعاد النزاع كما قلنا لفظياً)

(3)

.

وقال أيضاً: (أجمع الصحابة رضي الله عنهم على الرجوع في قضاياهم العامة إلى قضايا النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، كرجوعهم في حد الزاني إلى قصة ماعز

(4)

)

(5)

.

وبهذا يتبين أن ما قاله ابن عقيل في تفسير هذه الآية هو قول عامة العلماء على وجه الإجمال

(6)

. والله أعلم.

(1)

مثل قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158].

(2)

شرح مختصر روضة الناظر 2/ 418، شرح الكوكب المنير 3/ 221.

(3)

شرح مختصر روضة الناظر 2/ 418.

(4)

سبق تخريجه، ينظر: ص 182.

(5)

شرح مختصر روضة الناظر 2/ 415.

(6)

ينظر للاستزادة: الإحكام للآمدي 2/ 260، روضة الناظر 2/ 100، المحصول 2/ 379، شرح الكوكب المنير 3/ 218، نهاية الوصول في دراية الأصول 4/ 1381، إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر 5/ 352.

ص: 407

قال تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)} [الأحزاب:38].

115/ 2 - قال ابن عقيل: ({فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب:38]، أي: أوجب اهـ)

(1)

.

وقال في موضع آخر: (يعني: أحل له اهـ)

(2)

.

الدراسة:

ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى فرض الله له في هذه الآية: أي أوجب.

وهو قول لابن عقيل وبه فسرها الزمخشري

(3)

، والبيضاوي

(4)

، وابن جزي

(5)

، وأبو السعود

(6)

.

قال الزمخشري: (فرض الله له: قسم له وأوجب من قولهم فرض لفلان في الديوان كذا، ومنه: فروض العسكر لرزقاتهم)

(7)

.

وفسرها ابن عقيل أيضاً: بأحل له، وهو تفسير الطبري

(8)

، والسمرقندي

(9)

،

والواحدي

(10)

، والسمعاني

(11)

، والبغوي

(12)

، وابن عطية

(13)

، وغيرهم

(14)

، وذكره الطبري والنحاس عن قتادة

(15)

.

قال الطبري: (فيما أحل الله له من نكاح امرأة من تبناه بعد فراقه إياها)

(16)

.

(1)

الواضح 1/ 125.

(2)

الواضح 3/ 165.

(3)

الكشاف 3/ 552.

(4)

تفسير البيضاوي 4/ 377.

(5)

التسهيل 2/ 190.

(6)

تفسير أبي السعود 5/ 228.

(7)

الكشاف 3/ 552.

(8)

جامع البيان 19/ 119.

(9)

تفسير السمرقندي 3/ 59.

(10)

الوجيز 2/ 867.

(11)

تفسير السمعاني 4/ 289.

(12)

معالم التنزيل 3/ 459.

(13)

المحرر الوجيز 4/ 387.

(14)

ينظر: تذكرة الأريب 2/ 86، تفسير النسفي 3/ 305، تفسير ابن كثير 6/ 2819، البرهان 3/ 341.

(15)

جامع البيان 19/ 119، معاني القرآن 5/ 354.

(16)

جامع البيان 19/ 119.

ص: 408

ولا تعارض بين القولين فأصل الفرض في اللغة: الحز في الشيء، ومنه كان اشتقاق الفرض للواجب؛ لأن له معالم وحدوداً، ومنه اشتقاقه للتقدير والحل كذلك وغيره من المعاني

(1)

.

فلما كان الفرض محتملاً لهذه المعاني كان المختار منها هو ما يحدده السياق، وهو الحل والإباحة والتقدير دون الوجوب لقوله تعالى في أول الآية:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ} [الأحزاب:38]، ويدل على ذلك تعدية فعل:[فرض][باللام] الذي يفيد هذا المعنى بخلاف تعديته بحرف [على] كقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب:50]

(2)

.

وهنا سؤال: ما سبب اختيار لفظ الفرض دون غيره؟.

والجواب: أنه في مقابل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه فعل هذا الأمر، فجاء بصيغة الفرض، لأنه متضمن لحل ذلك له والأمر به. والله أعلم.

قال الراغب: ({إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص:85] أي: أوجب عليك العمل به، ومنه يقال لما أَلزَم الحاكمُ من النفقة: فرض، وكل موضع ورد: فَرَضَ الله عليه ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه، وما ورد من: فرض الله له، فهو في أن لا يحْظُرَه على نفسه نحو: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب:38])

(3)

.

وقد جمع ابن كثير في تفسير الآية ما ذكرته آنفاً فقال: (أي: فيما أحل الله له وأمره به من تزويج زينب التي طلقها دعيه زيد بن حارثة)

(4)

. والله أعلم.

(1)

ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 488، 489، الصحاح 3/ 921.

(2)

ينظر: التحرير والتنوير 22/ 40.

(3)

المفردات ص 421.

(4)

تفسير ابن كثير 6/ 2819.

ص: 409

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} [الأحزاب:57].

116/ 3 - قال ابن عقيل: ({إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ}، المراد: أنبياء الله وأولياء الله، وهذا لغة العرب ودأبهم في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه اهـ)

(1)

.

الدراسة:

ذكر العلماء في معنى قوله تعالى: {يُؤْذُونَ اللَّهَ} [الأحزاب:57] قولين:

القول الأول: أن المراد: يؤذون أولياء الله، فهو من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وهو ما قاله ابن عقيل، واختاره الجصاص

(2)

، وذكره النحاس

(3)

، والسمعاني

(4)

، والبغوي

(5)

وغيرهم

(6)

.

قال الجصاص: (قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} المراد: يؤذون أولياء الله)

(7)

.

القول الثاني: أن المراد يؤذون الله بالكفر وغيره من المحرمات، وهذا هو قول الجمهور

(8)

.

قال الطبري: (يعني بقوله تعالى ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} إن الذين يؤذون ربهم بمعصيتهم إياه، وركوبهم ما حرم عليهم)

(9)

.

وقال ابن عطية: (قال الجمهور معناه: بالكفر ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه ووصفه بما لا يليق به)

(10)

.

(1)

الواضح 2/ 381.

(2)

أحكام القرآن 1/ 29.

(3)

معاني القرآن 5/ 376.

(4)

تفسير السمعاني 4/ 306.

(5)

معالم التنزيل 3/ 468.

(6)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن 16/ 102.

(7)

أحكام القرآن 1/ 29.

(8)

ينظر: المحرر الوجيز 4/ 398.

(9)

جامع البيان 19/ 178.

(10)

المحرر الوجيز 4/ 398، وينظر: الوجيز 2/ 873.

ص: 410

والذي يظهر لي إمكان الجمع بين القولين، بأن يكون المعنى: أن إيذاء الله يكون بانتقاصه أو مخالفة أمره أو ارتكاب نهيه، ومن هذا الإيذاء إيذاء أوليائه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب "

(1)

.

فيكون من قال بالقول الأول فسر الآية بالمثال، ولكن لا ريب أن التفسير بالعموم أقوى وأولى وأسلم؛ لأن هذا هو ظاهر الآية وتخصيصه بأحد المعاني يحتاج إلى دليل، والأدلة تؤيد القول بالعموم: فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار "

(2)

.

وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الله: كذَّبني بن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي: فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي: فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً "

(3)

.

ففي هذا الحديث تفسير للشتم والتكذيب بأنه: نسبة النقص إلى الله تعالى الله عن ذلك.

(1)

أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع (6502).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب تفسير سورة حم الجاثية (4826)، ومسلم في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها باب النهي عن سب الدهر (2246) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [البقرة:116](4481).

ص: 411

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم "

(1)

.

قال ابن كثير: (يقول تعالى متهدداً ومتوعداً من آذاه بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره على ذلك، وأذَى رسوِله بعيب أو نقص، عياذاً بالله من ذلك

) إلى أن قال: (والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، من آذاه فقد آذى الله، كما أن من أطاعه فقد أطاع الله)

(2)

.

وقال السعدي: ({إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:57]، وهذا يشمل كل أذية، قولية أو فعلية، من سب وشتم، أو تنقص له، أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى)

(3)

.

والله منزه عن وصول إيذاء أحد له سبحانه وتعالى، وليس أذاه من جنس أذى المخلوقين، ولذا قال البغوي:(ومعنى الأذى: هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه، ذكَرَه على ما يتعارفه الناس بينهم، والله عز وجل منزه عن أن يلحقه أذىً من أحد)

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58](7378)، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل (2804) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(2)

تفسير ابن كثير 6/ 2859، 2860.

(3)

تفسير السعدي 6/ 246.

(4)

معالم التنزيل 3/ 468.

ص: 412

وقال ابن جزي: ({إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:57]: إذاية الله هي بالإشراك به، ونسبة الصاحبة والولد له، وليس معنى إذايته أنه يضره الأذى؛ لأنه تعالى لا يضره شيء ولا ينفعه شيء، وقيل: إنها على حذف مضاف تقديره يؤذون أولياء الله، والأول أرجح؛ لأنه ورد في الحديث:" يقول الله تعالى: يشتمني ابن آدم وليس له أن يشتمني، ويكذبني وليس له أن يكذبني، أما شتمه إياي: فقوله إن لي صاحبة وولداً، وأما تكذيبه إياي: فقوله لا يعيدني كما بدأني "

(1)

)

(2)

.

وقال ابن القيم: (وليس أذاه سبحانه من جنس الأذى الحاصل للمخلوقين، كما أن سخطه وغضبه وكراهته ليست من جنس ما للمخلوقين)

(3)

. والله أعلم.

سورة يس

قال تعالى: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)} [يس: 30].

117/ 1 - قال ابن عقيل: ({يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)} [يس:30] راجع إلى حسرتهم على أنفسهم يصدقه قوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56] اهـ)

(4)

.

(1)

سبق تخريجه، ينظر: ص 450.

(2)

التسهيل 2/ 196.

(3)

الصواعق المرسلة 4/ 1451.

(4)

الواضح 2/ 381.

ص: 413

الدراسة:

أبان ابن عقيل أن الحسرة إنما هي من العباد واستدل على هذا المعنى بآية الزمر، وهو ما عليه عامة العلماء، قال الطبري:(القول في تأويل قوله عز وجل: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)} [يس:30] يقول تعالى ذكره: يا حسرة من العباد على أنفسها، وتندماً وتلهفاً في استهزائهم برسل الله، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ} من الله، {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} ، وذُكِر أن ذلك في بعض القراءة:(يا حسرة العباد على أنفسها)

(1)

. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)

(2)

.

وقال السمرقندي: (قوله عز وجل: {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30]، يعني: يا ندامة على العباد في الآخرة، يعني: يقولون يا حسرتنا على ما فعلنا بالأنبياء عليهم السلام

(3)

.

وقال البغوي: ({يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30] قال عكرمة: يعني يا حسرتهم على أنفسهم والحسرة: شدة الندامة، وفيه قولان: أحدهما / يقول الله تعالى: يا حسرة وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل، والآخر / أنه من قول الهالكين، قال أبو العالية: لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرة)

(4)

.

ويؤيد هذا قوله جل وعلا: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران:156]، وقوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56].

(1)

نسبها لأبي بن كعب رضي الله عنه النحاس في معاني القرآن 5/ 489، وعدها ابن جني في المحتسب 2/ 208 من الشواذ.

(2)

جامع البيان 19/ 429.

(3)

تفسير السمرقندي 3/ 115، وينظر: الوجيز 2/ 899.

(4)

معالم التنزيل 4/ 8.

ص: 414

- فإن قيل: ما الفائدة من نداء الحسرة وهي لا تعقل؟

أجاب على ذلك الزجاج بقوله: ({يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:30] وقرئت: (يا حسرةَ العبادِ)

(1)

بغير على، ولكني لا أحب القراءة بشيء خالف المصحف البتة، وهذه من أصعب مسألة في القرآن، إذا قال القائل ما الفائدة في مناداة الحسرةِ، والحسرةُ مما لا يجيب؟ فالفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما يعقل

(2)

؛ لأن النداء باب تنبيه، إذا قلت: يا زيد، فإن لم تكن دعوته لتخاطبه لغير النداء فلا معنى للكلام، إنما تقول: يا زيد؛ فتنبهه بالنداء، ثم تقول: فعلت كذا وافعل كذا، وما أحببت مما له فيه فائدة، ألا ترى أنك تقول لمن هو مقبل عليك: يا زيد ما أحسن ما صنعت، ولو قلت له: ما أحسن ما صنعت، كنت قد بلغت في الفائدة ما أفهمت به، غير أن قولك: يا زيد، أوكد في الكلام، وأبلغ في الإفهام)

(3)

.

وقال السمعاني: (والجواب عنه: أن معنى قول القائل: يا حسرة، مثل قوله: يا عجباً، وكذلك قوله: يا حسرتاه، مثل قوله: يا عجباه، والعرب تقول هذا على طريق المبالغة، والنداء عندهم بمعنى التنبيه، فيستقيم فيمن يعقل وفيمن لا يعقل)

(4)

. والله أعلم.

(1)

ينظر: المحتسب 2/ 208.

(2)

في معاني القرآن وإعرابه المطبوع: (ما لا يعقل)، والأولى المثبت، ينظر: لسان العرب 4/ 189.

(3)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 284.

(4)

تفسير السمعاني 4/ 375.

ص: 415