الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هنا يترجح لي قول ابن عقيل في كون المشاورة شاملة للاجتهاد في الأمور الدنيوية والأخروية وهو قول الجمهور
(1)
، ولكن لا يقر صلى الله عليه وسلم على الخطأ إجماعاً
(2)
، فأدلتهم واضحة وكثيرة في وقوع اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أمور الشرع، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، قالت: نعم، قال: فالله أحق بالوفاء "
(3)
، وإذا جاز لغيره من الأمة أن يجتهد إجماعاً مع كونه معرضاً للخطأ؛ فلأن يجوز لمن هو معصوم عن الخطأ من باب أولى
(4)
. والله أعلم.
سورة النساء
قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)} [النساء:2].
23/ 1 - قال ابن عقيل: ({وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي: مع أموالكم اهـ)
(5)
.
24/ 2 - وقال أيضاً: (الأكل ههنا: الأخذ، تقول العرب: مالي لا يؤكل: لا يؤخذ اهـ)
(6)
.
(1)
ينظر: إرشاد الفحول 2/ 304.
(2)
ينظر: شرح الكوكب المنير 4/ 480.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل (7315) من حديث ابن عباس رضي الله عنه والسائلة عن أمها التي نذرت الحج ولم تحج، ومسلم في كتاب الصيام باب قضاء الصوم عن الميت (1148) من حديث ابن عباس رضي الله عنه والسائلة عن أمها التي ماتت وعليها صوم.
(4)
ينظر: إرشاد الفحول 2/ 305.
(5)
الواضح 1/ 120.
(6)
الواضح 1/ 121.
الدراسة:
فسر ابن عقيل [إلى] في هذه الآية بمعنى: [مع]
(1)
، كما فسرها بهذا المعنى في قوله تعالى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران:52]
(2)
.
فقال بعض المفسرين كما قال ابن عقيل: [إلى] بمعنى [مع] كما روي عن مجاهد، وقتادة
(3)
، وقال به الفراء
(4)
، والأخفش
(5)
، والسمرقندي
(6)
، والبغوي
(7)
، وابن الجوزي
(8)
.
وقال آخرون: بل [إلى] على بابها كالنحاس
(9)
، وابن عطية
(10)
، والقرطبي
(11)
، وضمنوا الأكل معنى الإضافة والضم، أي: لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل.
وبعد هذا فمن المتيسر الجمع بين القولين؛ لأنه لا تناقض في نظري بينهما، فالمعنى المستفاد من الآية على كلا القولين واحد، ولذا فقد فسر بعض المفسرين الحرف وضمن كلامه المعنيين، ومنهم الطبري حيث قال:(ولا تخلطوا أموالهم - يعني اليتامى - بأموالكم فتأكلوها مع أموالكم)
(12)
.
(1)
وهذا استعمال صحيح، ينظر: مغني اللبيب ص 85، الجنى الداني ص 385.
(2)
وقد سبق ذكر الخلاف عندها، والذي ظهر لي فيهما واحد، ينظر: ص 154.
(3)
ينظر: جامع البيان 6/ 355، الدر المنثور 2/ 425، 426.
(4)
معاني القرآن 1/ 218.
(5)
معاني القرآن 1/ 224، وهو أبو الحسن علي بن سليمان، المعروف بالأخفش الصغير النحوي، له تصانيف منها: شرح سيبويه، مات سنة 315 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 14/ 480، شذرات الذهب 2/ 270.
(6)
تفسير السمرقندي 1/ 304.
(7)
معالم التنزيل 1/ 309.
(8)
زاد المسير 2/ 5.
(9)
معاني القرآن 2/ 9.
(10)
المحرر الوجيز 2/ 6.
(11)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 9.
(12)
جامع البيان 6/ 355.
وقال ابن العربي: (قال علماؤنا: معنى تأكلوا: تجمعوا وتضموا أموالهم إلى أموالكم، ولأجل ذلك قال بعض الناس: معناه مع أموالكم، والمعنى الذي يسلم معه اللفظ ما قلنا)
(1)
.
وهذا مما يؤيد أن المعنى متفقون عليه، وخلافهم في أي اللفظين أولى، والأمر في هذا يسير.
والجمع بين القولين هو ما اختاره ابن عقيل في تفسيره حيث فسر الأكل بالأخذ مرة، وفسر [إلى] بـ[مع] مرة أخرى، دلالة على أن كلا المعنيين صحيح، وليس تضمين أحد اللفظين بأولى من الآخر، والله تعالى أعلم.
(1)
أحكام القرآن 1/ 403.
25/ 3 - قال ابن عقيل: (قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وقال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32]، ثم بيَّن المحرمات
(1)
، وقال:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]، ثم خص - من المباحات بعموم هذه الآية - باستثناء السنة: تحريم الأخت والعمة والخالة على الأخت
(2)
وبنت الأخت وبنت الأخ
(3)
اهـ)
(4)
.
الدراسة:
أشار ابن عقيل إلى مسألتين:
المسألة الأولى:
(1)
(2)
هذه نص القرآن على تحريمها بقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء:23].
(3)
هذه إشارة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها "، أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها (5109)، ومسلم في كتاب النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح (1408).
(4)
الواضح 1/ 192، 3/ 379.
أن القرآن مبين للقرآن، وأن الأمر بالنكاح المطلق مخصوص بالمحرمات المذكورة في قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:23] الآيات، وهذا أمر واضح وصريح.
قال الزركشي: (قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] الآية، وهذا عام في ذوات المحارم والأجنبيات، ثم خُص بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] الآية)
(1)
.
وأحل الله ما وراء ذلك بنص القرآن.
قال الشنقيطي: (ثم بين أن غير تلك المحرمات حلال بالنكاح بقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء:24])
(2)
.
المسألة الثانية:
أن العموم في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]، مخصوص باستثناء السنة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها
(3)
، وهذا قول عموم العلماء إلا من شذ.
قال ابن الجوزي: ({وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]، أي: ما بعد هذه الأشياء إلا أن السنة قد حرمت تزويج المرأة على عمتها وتزويجها على خالتها)
(4)
.
(1)
البرهان 2/ 223.
(2)
أضواء البيان 1/ 199.
(3)
ومما لم يذكره ابن عقيل: أن السنة كذلك دلت على تحريم الجمع بين أكثر من أربع نسوة، كما جاء ذلك في حديث غيلان أنه أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهن أربعاً ويفارق سائرهن، أخرجه الترمذي في باب النكاح باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة (1128)، وابن ماجة في كتاب النكاح باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة (1953)، وصححه ابن حبان 9/ 463، (4156)، وينظر: تلخيص الحبير 3/ 168.
(4)
زاد المسير 2/ 51، وينظر: تفسير السمرقندي 1/ 319.
وقال الجصاص: (وشذت طائفة من الخوارج
(1)
بإباحة الجمع بين من عدا الأختين؛ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، وأخطأت في ذلك وضلت عن سواء السبيل ; لأن الله تعالى كما قال:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بين مَن ذكرنا، فوجب أن يكون مضموماً إلى الآية، فيكون قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} مستعملاً فيمن عدا الأختين، وعدا من بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بينهن .. )
(2)
.
والمجيزين للجمع بن الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها لا يعتد بخلافهم، كما قال القرطبي:(وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم؛ لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه، ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة)
(3)
.
ولا شك أن القول الصحيح هو تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها بتخصيص السنة الصريحة الصحيحة، وجواز تخصيص القرآن بالسنة في هذه الآية مما هو كالإجماع بين العلماء.
(1)
الخوارج: فرقة خرجت على علي رضي الله عنه لما قبل التحكيم، وقد تفرقت لأكثر من عشرين فرقة، ومن أسمائهم: الحرورية لنزولهم حروراء، ومن عقائدهم: أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار، ينظر: الفصل في الملل والنحل والأهواء لابن حزم 3/ 124، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 90.
(2)
أحكام القرآن 2/ 169، وينظر: التفسير الكبير 10/ 35.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 125.
قال ابن القيم: (تخصيص القرآن بالسنة جائز كما أجمعت الأمة على تخصيص قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، بقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها "
(1)
)
(2)
.
قال الآلوسي: (تخصيص القرآن بالخبر المتواتر جائز اتفاقاً، وإن لم يثبت وبقي الخبر من الآحاد؛ فنقول: إن تخصيص القرآن بخبر الآحاد جائز على الصحيح، وبجوازه قال الأئمة الأربعة، ويدل على جوازه: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم خصصوا به من غير نكير فكان إجماعاً، ومنه قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}، ويدخل فيه نكاح المرأة على عمتها وخالتها، فخص بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تنكحوا المرأة على عمتها ولا على خالتها ")
(3)
، والسنة تفسر القرآن وتبينه كما قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل:44] والله سبحانه وتعالى ذكر المحرمات ولم يمنع التحريم في غيرها.
قال النحاس: (فرض الله تحريم هؤلاء ولم يقل: إنه لا يحرم عليكم سواهن)
(4)
.
وذكر بعض العلماء ضابطاً فيمن يحرم الجمع بينهن من النساء:
أن كل امرأتين بينهما رحم محرم، لو قدر أن إحداهما ذكراً والأخرى أنثى حرمت عليه، فإنه يحرم الجمع بينهما؛ لما في ذلك من أسباب التقاطع بين الأرحام
(5)
. والله تعالى أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها (5109)، ومسلم في كتاب النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أعلام الموقعين 2/ 228.
(3)
روح المعاني 4/ 218.
(4)
معاني القرآن 2/ 57.
(5)
ينظر: تفسير السعدي 1/ 174.
26/ 4 - قال ابن عقيل: ({مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} أي: أو ثلاث أو رباع اهـ)
(1)
.
الدراسة:
القول في تفسير هذه الآية كما قال ابن كثير: (أي: انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثاً، وإن شاء أربعاً)
(2)
.
ولهذا فسر ابن عقيل [الواو] في الآية بـ[أو]، وهو سائغ في اللغة، وبهذا المعنى فسرها المفسرون
(3)
.
وتفسيرها بهذا لئلا يُتوهم أن الواو في الآية تفيد الجمع، كما فهمها قوم لا يعتد بخلافهم، أشار إليهم بعض المفسرين.
قال ابن العربي: (قد توهم قوم من الجهال أن هذه الآية تبيح للرجل تسع نسوة
…
وعضدوا جهالتهم بأن النبي عليه السلام كان تحته تسع نسوة)
(4)
.
(1)
الواضح 1/ 114، 3/ 310.
(2)
تفسير ابن كثير 2/ 845، وينظر: الوسيط 2/ 8، تفسير السمعاني 1/ 396، والمفردات ص 91، وتفسير السعدي 1/ 164.
(3)
ينظر: معالم التنزيل 1/ 310، زاد المسير 2/ 6.
(4)
أحكام القرآن 1/ 408.
ونسبه القرطبي إلى الرافضة
(1)
، وبعض أهل الظاهر
(2)
، ولا شك أن هذا قول مردود، لا سيما والقائل به غير معتبر.
قال الزجاج: (هذا قول لا يعرج على مثله، ولكنا ذكرناه ليعلم المسلمون أن أهل هذه المقالة - يعني الرافضة - مباينون لأهل الإسلام في اعتقادهم، ويعتقدون في ذلك ما لا يشتبه على أحد من الخطأ)
(3)
.
وقال ابن جزي: (وقال قوم لا يعبأ بقولهم إنه يجوز الجمع بين تسع؛ لأن مثنى وثلاث ورباع يجمع فيه تسعة، وهذا خطأ؛ لأن المراد التخيير بين تلك الأعداد لا الجمع، ولو أراد الجمع لقال تسع ولم يعدل عن ذلك إلى ما هو أطول منه وأقل بياناً، وأيضاً قد انعقد الإجماع على تحريم ما زاد على الرابعة)
(4)
، ولم يذكر الجصاص في المسألة خلافاً
(5)
.
وقال القرطبي بعد ذكر قولهم: (هذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة؛ إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته لأكثر من أربع)
(6)
.
وفعلاً هو جهل شنيع في معرفة الكلام العربي، ومخالفة لإجماع الأمة.
(1)
الرافضة: هي تلك الطائفة التي تعتقد بأحقية أهل البيت في الإمامة، وسموا بهذا لرفضهم إمامة الشيخين، وأطلق عليهم هذا الاسم بعد رفضهم إمامة زيد بن علي رضي الله عنه، ومن أشهر فرقهم الاثنا عشرية، ينظر: الفصل في الملل والنحل والأهواء لابن حزم 3/ 111، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 117.
(2)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 13، وينظر: تفسير السمرقندي 1/ 305، قال ابن عاشور:(وليس ذلك قولاً لداود الظاهري ولا لأصحابه) التحرير والتنوير 3/ 225، وأقول: هو قول لمن أخذ بظاهر الآية من الرافضة أو غيرهم.
(3)
معاني القرآن 2/ 10.
(4)
التسهيل 1/ 174.
(5)
ينظر: أحكام القرآن 2/ 69.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 13.
قال الزجاج: (يبطل هذا من جهات: أحدها في اللغة: أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق، ومنها أنه يصير أعْيَى
(1)
كلام)
(2)
.
وقال السمعاني
(3)
: (ولأن على التقدير الذي ذكروا عِي في الكلام؛ لأن من أراد أن يذكر التسع فيقول: مثنى وثلاث ورباع عُد ذلك عيباً في الكلام)
(4)
.
وأما عن وفاته صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة فتلك خصوصية له كما دل على ذلك الإجماع.
قال البغوي: (وهذا إجماع أن أحداً من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها)
(5)
.
وقال ابن كثير: (مجمع عليه بين العلماء إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة)
(6)
.
وبهذا يتبين صحة تفسير ابن عقيل [الواو] بـ[أو].
(1)
أي أضعف وأوهن كلام، والعِيُّ ضد البيان، ينظر: مختار الصحاح 1/ 195.
(2)
معاني القرآن 2/ 10.
(3)
هو أبو المظفر منصور بن محمد التميمي السمعاني الحنفي ثم الشافعي، له تفسير القران في ثلاث مجلدات، مات سنة 489 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 19/ 114، طبقات الداوودي 2/ 339.
(4)
تفسير السمعاني 1/ 396.
(5)
معالم التنزيل 1/ 310.
(6)
تفسير ابن كثير 2/ 846.
وللتعبير بـ[الواو] مكان [أو] معنى دقيق ذكره بعض العلماء يقول الفخر الرازي
(1)
: (فإن قيل فإذا كان الأمر على ما قلتم؛ فكان الأولى على هذا التقدير أن يقال: مثنى أو ثلاث أو رباع فلم جاء بواو العطف دون أو؟ قلنا لو جاء بكلمة أو، لكان ذلك يقتضي أنه لا يجوز ذلك إلا على أحد هذه الأقسام، وأنه لا يجوز لهم أن يجمعوا بين هذه الأقسام، بمعنى أن بعضهم يأتي بالتثنية، والبعض الآخر بالتثليث، والفريق الثالث بالتربيع، فلما ذكره بحرف الواو، أفاد ذلك أنه يجوز لكل طائفة أن يختاروا قسماً من هذه الأقسام، ونظيره: أن يقول الرجل للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف، درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، والمراد: أنه يجوز لبعضهم أن يأخذ درهمين درهمين، ولبعض آخرين أن يأخذوا ثلاثة ثلاثة، ولطائفة ثالثة أن يأخذوا أربعة أربعة، فكذا ههنا، الفائدة في ترك [أو] وذكر [الواو] ما ذكرناه، والله أعلم)
(2)
.
(1)
هو أبو عبدالله فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي القرشي البكري الشافعي المفسر المتكلم، له مصنفات منها: مفاتيح الغيب المسمى التفسير الكبير، والمحصول، مات سنة 606 هـ، له ترجمة في: طبقات السيوطي ص 101، طبقات الداوودي 2/ 215.
(2)
التفسير الكبير 9/ 143، وينظر: الكشاف 1/ 499.
27/ 5 - قال ابن عقيل: ({فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] الظاهر أنه أراد الثلاثة، لكن صرف عن ظاهرها بدلالة اهـ)
(1)
.
الدراسة:
في كلام ابن عقيل مسألتان:
المسألة الأولى: المراد بالجمع المطلق، هل هو اثنان أو ثلاثة؟.
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال أشهرها ما يلي:
(1)
الواضح 3/ 430.
القول الأول: أن أقل الجمع ثلاثة، وهو اختيار ابن عقيل، وبه قال أبو حنيفة
(1)
، والشافعي
(2)
، ويروى عن مالك
(3)
، وعن أحمد
(4)
، وبه قال أكثر أئمة اللغة
(5)
. وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنه وذلك أنه دخل على عثمان رضي الله عنه فقال: لم صار الأخوان يردان الأم إلى السدس وإنما قال الله فإن كان له إخوة، والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة؟. فقال عثمان رضي الله عنه: هل أستطيع نقض أمر كان قبلي وتوارثه الناس ومضى في الأمصار
(6)
، فلولا أنه مقتضى اللغة لما احتج ابن عباس، ولما سمعه عثمان منه، وما قابله عثمان إلا بمجرد سيرة غيره، وما نازعه في مقتضى اللفظ، وهما من فصحاء العرب وأرباب اللسان
(7)
، ولم ينكَر عليهما، فكان ذلك إجماعاً من الصحابة
(8)
.
القول الثاني: أن أقل الجمع اثنان، حكي عن أصحاب مالك
(9)
وبعض الشافعية
(10)
.
واستدلوا بأدلة منها:
1 -
إجماع أهل اللغة على جواز إطلاق اسم الجمع على اثنين في قولهم " فعلتم، وفعلنا، وتفعلون "، قال ابن عطية:(واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتضي أنها جمع)
(11)
.
(1)
ينظر: التقرير والتحبير 1/ 190.
(2)
ينظر: الإحكام للآمدي 2/ 222.
(3)
ينظر: شرح تنقيح الفصول ص 233.
(4)
ينظر: العدة 2/ 649.
(5)
ينظر: الكتاب 3/ 622، البحر المحيط للزركشي 3/ 137، كشف الأسرار 2/ 28، إرشاد الفحول 1/ 417.
(6)
أخرجه الطبري في جامع البيان 6/ 465، والبيهقي في كتاب الفرائض باب فرض الأم (12297).
(7)
ينظر: الواضح 3/ 428.
(8)
ينظر: العدة 2/ 651.
(9)
ينظر: شرح تنقيح الفصول ص 233.
(10)
الإحكام 2/ 222.
(11)
المحرر الوجيز 2/ 17.
2 -
أنه قد ورد القرآن بذلك، ومن الأمثلة: هذه الآية التي معنا. وقوله تعالى في قصة موسى، وهارون:{إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)} [الشعراء:15] وقال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف:83]، وهما يوسف، وأخوه، وقال:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4]، ولهما قلبان، وقال:{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إلى قوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)} [الأنبياء:78]، وهما اثنان، وقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9]، وهما طائفتان، وقال:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} [ص:21]، وهما ملكان.
3 -
استدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " اثنان فما فوقهما جماعة "
(1)
.
والراجح هو القول الأول لأمور منها:
1 -
أن هذا هو إجماع الصحابة
(2)
كما جاء في الأثر عن ابن عباس مع عثمان رضي الله عنهما، قال الرازي:(واعلم أن في هذه الحكاية دلالة على أن أقل الجمع ثلاثة لأن ابن عباس ذكر ذلك مع عثمان، وعثمان ما أنكره، وهما كانا من صميم العرب، ومن علماء اللسان؛ فكان اتفاقهما حجة في ذلك)
(3)
.
(1)
أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب الاثنان جماعة (972)، والبيهقي 3/ 69 في كتاب الصلاة باب الاثنين فما فوقهما جماعة (4787) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقال:(رواه جماعة عن الربيع بن بدر وهو ضعيف والله أعلم، وقد روي من وجه آخر أيضاً ضعيف)، ومثله قال ابن حجر في تلخيص الحبير:(وفيه الربيع بن بدر وهو ضعيف، وأبوه مجهول) 3/ 81.
(2)
ينظر: العدة 2/ 651.
(3)
التفسير الكبير 9/ 174.
2 -
أن ما استدل به أصحاب القول الثاني خارج عن محل النزاع، وذلك أن إجماع أهل اللغة على جواز إطلاق اسم الجمع على الاثنين لا ينازعون فيه
(1)
، لأنهم نظروا إلى المعنى، ومحل الخلاف هو دلالة اللفظ على الاثنين. ولذلك قالوا بجواز إطلاق الجمع على الواحد معنى كقول الفرد عن نفسه: نحن فعلنا، ولا يجيزون أن يكون الواحد جمعاً، قال الآمدي
(2)
: (وليس محل الخلاف ما هو المفهوم من لفظ الجمع لغة، وهو ضم شيء إلى شيء، فإن ذلك في الاثنين والثلاثة ومازاد من غير خلاف، وإنما محل النزاع في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة، مثل قولهم: رجال ومسلمون)
(3)
. وقال الزركشي: (استشكل ابن الصائغ النحوي، والقرافي محل الخلاف في هذه المسألة، فقال ابن الصائغ في شرح الجمل: الخلاف في هذه المسألة: إن كان المراد به الأمر المعنوي، فلا شك في أن الاثنين جمع، لأنه ضم أمر إلى آخر، وإن كان المراد أنه إذا ورد لفظ الجمع، فهل ينبغي أن يحمل؟ فلا شك أن الأصل فيه، والأكثر إطلاق لفظ الجمع على الثلاثة فصاعداً، وهو قول أئمة اللغة، ويكفي فيه قول ابن عباس لعثمان: ليس الإخوة أخوين بلغة قومك)
(4)
.
(1)
ينظر: الكتاب 3/ 621، شرح المفصل لابن يعيش 4/ 155.
(2)
هو علي بن أبي علي بن محمد التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي، ومن تصانيفه: الإحكام في أصول الأحكام، مات سنة 631 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 12/ 211، شذرات الذهب 3/ 323.
(3)
الإحكام للآمدي 2/ 222.
(4)
البحر المحيط 4/ 192.
3 -
أنه بناء على هذا الجواز حُملت الآيات القرآنية التي استدلوا بها، فالإجابة ممكنة على كل آية استدلوا بها، فيقال مثلاً: قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} يعني: هارون، وموسى، وفرعون وقومه، وهم جماعة، وقوله:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} لضرورة استثقال الجمع بين تثنيتين مع أن القلوب على وزن الواحد في بعض الألفاظ، وقوله:{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} أراد به يوسف، وأخاه، والأخ الأكبر الذي تخلف عن الإخوة، وقوله تعالى:{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} أي: حكمهما مع الجمع المحكوم عليهم أو التفخيم لهما، وقوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} كل طائفة جمع. قال ابن عطية: (وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية؛ لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك)
(1)
.
4 -
أن كل ما استدل به من قال: إن أقل الجمع اثنان، قامت القرينة والدلالة على أنه أريد به الاثنين، وهذا لا خلاف فيه.
5 -
أما استدلالهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم " اثنان فما فوقهما جماعة "، على فرض صحته، فهو دليل عليهم؛ إذ لو كان الاثنان جمعاً في اللغة لما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيان جماعة الصلاة بأنها اثنان؛ لأن هذا هو الأصل، فليس فيه جديد.
6 -
أن الاثنين لو كان جمعاً لكان قولنا: رجلان، اسم جمع، فهل يجوز إطلاقه على الثلاثة فصاعداً، كما يُقال في: رجال؟ الجواب بلا ريب: لا.
7 -
أنه أجمع أهل اللغة على أن الأسماء ثلاثة أضرب: إفراد، وتثنية، وجمع، وهو رجل، ورجلان، ورجال، فلا بد من كون هذه الثلاثة متباينة
(2)
.
(1)
المحرر الوجيز 2/ 17.
(2)
ينظر: ضياء السالك 1/ 57.
8 -
أنه لو صح أن الاثنين جمع لجاز أن يُقال: رأيت اثنين رجال، وهذا ممتنع فالعرب لم تستعمله على هذا الوجه.
9 -
أن من أراد رد الجمع إلى الاثنين فإنه يفتقر إلى دليل وقرينة تبين مراده، كما سبق في توجيه الآيات السابقة، ويأتي في الآية التي معنا، وبهذا تجتمع الأدلة. قال الطبري:(وقد قال بعض النحويين: إنما قيل إخوة؛ لأن أقل الجمع اثنان وذلك أنه إذا ضم شيء إلى شيء صارا جميعاً بعد أن كانا فردين، فجمعا ليعلم أن الاثنين جمع، وهذا وإن كان كذلك في المعنى فليس بعلة تنبئ عن جواز إخراج ما قد جرى الكلام مستعملاً مستفيضاً على ألسن العرب لاثْنَيْه بمثالٍ وصورة، غير مثالِ ثلاثةٍ فصاعداً منه وصورتِها؛ لأن من قال: أخواك قاما، فلا شك أنه قد علم أن كل واحد من الأخوين فرد ضم أحدهما إلى الآخر فصارا جميعا بعد أن كانا شتى .. ) إلى أن قال: (فغير جائز أن يغير أحدهما إلى الآخر إلا بمعنى مفهوم، وإذا كان ذلك كذلك فلا قول أولى بالصحة مما قلنا قبل)
(1)
، وقال ابن عطية:(وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد، فإنما يحمل على الجمع، ولا يحمل على التثنية؛ لأن اللفظ مالك للمعنى، وللبنية حق)
(2)
. كل هذا يدل على أن أقل الجمع ثلاثة
(3)
حتى يدل دليل على خلافه، سواء كان متصلاً كدلالة سياق الكلام، أو منفصلاً كإجماع ونحوه.
المسألة الثانية: المراد بالإخوة في هذه الآية، وبمعنى آخر: هل الأخوان يحجبان الأم أو لا بد من ثلاثة؟.
(1)
جامع البيان 6/ 466، 467.
(2)
المحرر الوجيز 2/ 17.
(3)
وممن رجح هذا أيضاً ابن الجوزي في زاد المسير 2/ 19.
اتفق العلماء على أن الأخ الواحد لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس، واتفقوا على أن الثلاثة يحجبونها
(1)
، واختلفوا في الاثنين على قولين، بناء على اختلافهم في أقل الجمع:
القول الأول: ذهب الجمهور
(2)
إلى أن الاثنين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وهو ما اختاره ابن عقيل.
القول الثاني: ذهب ابن عباس رضي الله عنه إلى أن الحجب لا يحصل إلا بثلاثة؛ لأن الآية دالة على أن هذا الحجب مشروط بوجود الإخوة، ولفظ الإخوة جمع، وأقل الجمع عنده ثلاثة.
والصواب هو قول الجمهور؛ لأنهم يستدلون بإجماع الصحابة قبل ابن عباس على حجب الأم بالأخوين، ودليل ذلك: عن ابن عباس رضي الله عنه أنه دخل على عثمان رضي الله عنه فقال: لم صار الأخوان يردان الأم إلى السدس وإنما قال الله فإن كان له إخوة، والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة؟. فقال عثمان رضي الله عنه: هل أستطيع نقض أمر كان قبلي وتوارثه الناس ومضى في الأمصار
(3)
.
وقال مالك: (مضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعداً)
(4)
.
(1)
ينظر: التفسير الكبير 9/ 174، الجامع لأحكام القرآن 5/ 72.
(2)
ينظر: زاد المسير 2/ 18، التفسير الكبير 9/ 174، التسهيل 1/ 177.
(3)
سبق تخريجه، ينظر: ص 173.
(4)
ينظر: الموطأ كتاب الفرائض باب ميراث الأب والأم من ولدهما 2/ 506.
قال الطبري: (واعتل كثير ممن قال ذلك: بأن ذلك قالته الأمة عن بيان الله جل ثناؤه على لسان رسوله، فنقلته أمة نبيه نقلاً مستفيضاً قطع العذر مجيئه، ودفع الشك فيه عن قلوب الخلق وروده) إلى أن قال: (والصواب من القول في ذلك عندي أن المعني بقوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء:11] اثنان من إخوة الميت فصاعداً، على ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنه؛ لنقل الأمة وراثة صحة ما قالوه من ذلك عن الحجة، وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك)
(1)
.
وقال القرطبي: (وأجمع أهل العلم على أن أخوين فصاعداً ذكراناً كانوا أو إناثاً من أب وأم أو من أب أو من أم يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس إلا ما روي عن ابن عباس أن الاثنين من الإخوة في حكم الواحد)
(2)
.
وقال الشنقيطي: (والمراد بالإخوة اثنان فصاعداً كما عليه الصحابة فمن بعدهم خلافاً لابن عباس)
(3)
.
وهذا من أقوى الأدلة على أن المراد في الآية الاثنان وإن جاء بلفظ الجمع لما ذُكر. والله تعالى أعلم.
(1)
جامع البيان 6/ 464، 465.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 72.
(3)
أضواء البيان 5/ 214.
28/ 6 - قال ابن عقيل: (قال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} ثم بين السبيل، فقال صلى الله عليه وسلم:" قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "
(1)
اهـ)
(2)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل السبيل في الآية بما جاء في الحديث من بيان حد الزاني والزانية، وهو قول جمهور المفسرين
(3)
، بل لم أجد من خالف في هذا التفسير على وجه الإجمال، وهذا من بيان الغاية التي جعلها الله أمداً للحكم الأول، وبعضهم يسمي هذا نسخاً، والأمر في هذا واسع.
قال الطبري: (وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} قول من قال: السبيل التي جعلها الله جل ثناؤه للثيبين المحصنين الرجم بالحجارة، وللبكرين جلد مائة ونفي سنة، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ولم يجلد
(4)
)
(5)
.
وقال ابن قدامة: (وبين النبي صلى الله عليه وسلم السبيل بالحد)
(6)
.
والمستفاد من تفاسير هذه الآية أربع مسائل:
(1)
أخرجه مسلم في كتاب الحدود باب حد الزنى (1690) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(2)
الواضح 1/ 193.
(3)
ينظر: تفسير السمعاني 1/ 406، تفسير السمرقندي 1/ 314، أحكام القرآن للشافعي 1/ 215، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 461، معالم التنزيل 1/ 321، تفسير النسفي 1/ 214، تفسير ابن كثير 2/ 865، الدر المنثور 2/ 456.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب الاعتراف بالزنا (6827)، ومسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى (1697) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
جامع البيان 6/ 498.
(6)
المغني 12/ 372.
المسألة الأولى: أن الحكم الأول في الآية وهو الحبس في البيوت غير معمول به عند الجميع.
قال ابن كثير: (وهو أمر متفق عليه)
(1)
.
المسألة الثانية: أن المراد بالسبيل في الآية هو إقامة الحد على من ارتكب الفاحشة.
المسألة الثالثة: هل الحديث ناسخ للآية؟.
اختلف العلماء في نسخ القرآن بالسنة، وبسْطُه في كتب الأصول، لكن نقتصر هنا على الآية التي معنا فهم متفقون في الحكم رغم الاختلاف في القول بالنسخ؛ لأنه ليس من النسخ المختلف فيه، بل هو بيان للغاية التي جُعل الحكم إليها، وأترك الكلام لابن تيمية حيث يقول: (وبالجملة فلم يثبت أن شيئاً من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن، وقد ذكروا من ذلك قوله تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء:15]، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" خذوا عني خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "
(2)
، وهذه الحجة ضعيفة لوجهين:
أحدهما: أن هذا ليس من النسخ المتنازع فيه، فإن الله مد الحكم إلى غاية، والنبي صلى الله عليه وسلم بين تلك الغاية، لكن الغاية هنا مجهولة، فصار هذا يقال: إنه نسخ، بخلاف الغاية البينة في نفس الخطاب، كقوله:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، فان هذا لا يسمى نسخاً بلا ريب.
(1)
تفسير ابن كثير 2/ 865.
(2)
سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
الوجه الثاني: أن جلد الزاني ثابت بنص القرآن، وكذلك الرجم كان قد أنزل فيه قرآن يتلى، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه، وهو قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم "
(1)
، وقد ثبت الرجم بالسنة المتواترة وإجماع الصحابة، وبهذا يحصل الجواب عما يدعى من نسخ قوله:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية [النساء:15] فإن هذا إن قدر أنه منسوخ، فقد نسخه قرآن جاء بعده، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه منقولاً بالتواتر، وليس هذا من موارد النزاع)
(2)
.
المسألة الرابعة: أنه وقع الخلاف بين الفقهاء في حد الثيب الزاني، هل هو الجلد والرجم، أو الرجم فقط؟.
(1)
أخرجه ابن ماجة في كتاب الحدود باب حد الزنى (2553)، وصححه ابن حبان (4429)، وأصله في البخاري (6830) ومسلم (1691) من حديث عمر مطولاً.
(2)
مجموع الفتاوى 20/ 398، وينظر: زاد المسير 2/ 35، المغني 12/ 308.
قال ابن كثير: (وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد، قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً
(1)
، والغامدية
(2)
، واليهوديين
(3)
، ولم يجلدهم قبل ذلك؛ فدل على أن الجلد ليس بحتم بل هو منسوخ على قولهم، والله أعلم)
(4)
.
وهذا هو ما رجحه الطبري كما هو واضح من كلامه السابق.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب الأشربة باب لا يرجم المجنون والمجنونة (5271)، ومسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى (1691) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى (1695).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الحدود باب في رجم اليهوديين (4446)، قال ابن حجر:(وإسناده ضعيف، وأصل قصة اليهوديين في الزنا والرجم دون ذكر الإحصان في الصحيحين من حديث ابن عمر) تلخيص الحبير 4/ 54.
(4)
تفسير ابن كثير 2/ 866.
قال الشنقيطي: (فلما قال صلى الله عليه وسلم: " قد جعل الله لهن سبيلا "، ثم فسر السبيل بحد الزنا علمنا بذلك أن حديث عبادة أول نص في حد الزنا، وأن قصة ماعز متأخرة عن ذلك
…
) إلى أن قال: (ومن أصرح الأدلة في أن الجمع بين الجلد والرجم منسوخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة العسيف الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان أجيراً عنده: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله " وهذا قسم منه صلى الله عليه وسلم أنه يقضي بينهما بكتاب الله، ثم قال في الحديث الذي أقسم على أنه قضاء بكتاب الله:" واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "
(1)
قالوا: إن قوله: " فإن اعترفت " شرط، وقوله:" فارجمها " جزاء هذا الشرط؛ فدل الربط بين الشرط وجزائه على أن جزاء اعترافها هو الرجم وحده، وأن ذلك قضاء بكتاب الله تعالى)
(2)
. والله أعلم.
قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} [النساء:22].
(1)
أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب الاعتراف بالزنا (6827)، ومسلم في كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى (1697) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أضواء البيان 4/ 25.
29/ 7 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، هو حقيقة في الوطء؛ بدليل أنه يستعمل في موضع لا يجوز فيه العقد، مثل قوله:" ملعون ناكح البهيمة "
(1)
" ناكح يده ملعون "
(2)
ولا عقد وقولهم: أنْكَحْنا الفَرَا فسَنَرى
(3)
. ثم استعمل في العقد، فيحرم عليه أن يتزوج من تزوجها أبوه، وإن لم يوجد منه الوطء اهـ)
(4)
.
(1)
لم أجده بهذا اللفظ، وأخرجه أحمد 1/ 217 (1878)، والحاكم 4/ 356، والبيهقي في السنن كتاب الحدود باب من أتى بهيمة 8/ 234 (17036) بلفظ:" ملعون من وقع على بهيمة " من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وإسناده حسن، ينظر: تحقيق المسند، تلخيص الحبير 4/ 55، وقد ورد بلفظ:" سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول لهم ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامع المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جيرانه حتى يلعنه الناس إلا أن يتوب " من حديث أنس رضي الله عنه، قال ابن حجر:(إسناده ضعيف)، ينظر: تلخيص الحبير 3/ 188.
(2)
سبق تخريجه مع الذي قبله.
(3)
هذا مثل يضرب: للأمر يتشاورون فيه ويجتمعون عليه ثم يصدرون منه، ففيه معنى الجمع، ينظر: أحكام القرآن للجصاص 2/ 141، وقيل: يضرب في التحذير من سوء العاقبة، ينظر: مجمع الأمثال 2/ 396، لسان العرب مادة (فرأ) 1/ 121 فقد أشار للأقوال. والفَرَأُ: الحمار الوحشي، وفي المثل: كل الصيد في جوف الفَرَإ، الصحاح 1/ 48.
(4)
الواضح 4/ 50.
الدراسة:
أشار ابن عقيل في كلامه إلى أن النكاح حقيقة في الوطء، واستدل بأنه يستعمل في موضع لا يجوز فيه العقد، وهذه مسألة طال الأخذ فيها والرد، وإذا أمعنا النظر في استعمالاته في القرآن وجدنا أنه استعمل على معان منها: معنى العقد، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]، وعلى معنى الوطء، كقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230].
قال الفيروزابادي: (النكاح: الوطء، وقد يكون العقد)
(1)
، وبهذا يظهر لنا استعمال اللفظ في كلا المعنيين، والوسيلة للتفريق بين المراد هو سياق الكلام.
وأما المعنى المراد به في الآية التي معنا:
فهو العقد، والدليل على ذلك: اتفاق العلماء على أنه بمجرد عقد الأب تحرم على الابن.
قال ابن كثير: (يحرم الله تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم وإعظاماً واحتراماً أن توطأ من بعده حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه)
(2)
.
وقال الشنقيطي: (وقد أجمع العلماء على أن من عقد عليها الأب حرمت على ابنه وإن لم يمسها الأب، وكذلك عقد الابن محرم على الأب إجماعاً وإن لم يمسها)
(3)
. والله أعلم.
(1)
بصائر ذوي التمييز 5/ 118.
(2)
تفسير ابن كثير 2/ 875.
(3)
أضواء البيان 1/ 194.
30/ 8 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية والمراد به: حرم عليكم أفعال وأقوال
(1)
، كالنكاح والجماع والاستمتاع اهـ)
(2)
.
الدراسة:
أبان ابن عقيل أن المراد بالآية تحريم أفعال وأقوال وليس تحريم ذوات، وبهذا قال المفسرون، ومنهم: الجصاص
(3)
، والسمرقندي
(4)
، والزمخشري
(5)
، وابن العربي
(6)
، والقرطبي
(7)
، وغيرهم
(8)
.
قال الطبري: (فالمعنيّ بقوله: {مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء:3] الفعل دون أعيان النساء وأشخاصهن)
(9)
.
(1)
المراد بالأفعال واضح، وأما الأقوال فمنها: الكلام في مقدمات الجماع والاستمتاع ونحو ذلك.
(2)
الواضح 2/ 443.
(3)
أحكام القرآن 2/ 184.
(4)
تفسير السمرقندي 1/ 317.
(5)
الكشاف 1/ 525.
(6)
أحكام القرآن 1/ 478.
(7)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 105.
(8)
ينظر: تفسير أبي السعود 2/ 116.
(9)
جامع البيان 6/ 370.
وقال ابن كثير: (وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} إلى آخر الآية [النساء:23]، أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء)
(1)
.
وقال الشنقيطي: (وحذف المضاف كثيرة في القرآن كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف:82]، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء:23] أي: نكاحها، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] أي: أكلها، ونحو ذلك)
(2)
.
وهذا المعنى واضح لأنه هو المتبادر للذهن، ويؤيده أيضاً:
1 -
تقدم قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22] يدل على أن المراد من قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] تحريم نكاحهن، وما بعدها أيضاً في النكاح.
2 -
أنه من المعلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن المراد: تحريم نكاحهن، ولو أريد غيره لاحتاج الأمر إلى بيان.
(1)
تفسير ابن كثير 2/ 884.
(2)
أضواء البيان 2/ 244.
3 -
أن الأصل في الحرمة والإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان، فالمراد: تحريم الفعل المطلوب منها في العرف؛ فإذا قيل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة:3]، فهم كل أحد أن المراد: تحريم أكلهما، وإذا قيل:
…
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء:23]، فهم كل أحد أن المراد: تحريم نكاحهن
(1)
. والله تعالى أعلم.
31/ 9 - قال ابن عقيل: (فأما القياس الواضح فمثل قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25] فذِكْر الإحصان ينبه بأعلى حالتيهما على أدناهما، وذِكْر نصف العذاب يوضح أن العلة فيه الرق، فيلحق بها العبد في نقصان الحد اهـ)
(2)
.
الدراسة:
أشار ابن عقيل في كلامه على هذه الآية إلى ثلاث مسائل:
(1)
ينظر: الكشاف 1/ 525، التفسير الكبير 10/ 21، تفسير البيضاوي 2/ 165.
(2)
الجدل ص 12.
المسألة الأولى: أن ذكر الحكم في أعلى الحالتين للأمَةِ مُنَبِّهٌ إلى أن أدناهما من باب أولى
(1)
، وهذا ما يسمى بالقياس الواضح.
المسألة الثانية: أنه لما ذكر نصف عذاب المحصنة على الأمة اتضح لنا أن العلة في التنصيف الرق، إذ لا فرق بينهما إلا بالرق.
المسألة الثالثة: إلحاق العبد بالأمة في نقصان الحد، وهذا هو قول الجمهور، بل عده بعضهم إجماعاً، ولم يعتد بخلاف من خالف.
قال الجصاص بعد ذكر هذه الآية: (ولم يذكر العبد، واتفقت الأُمَّة على أن العبد يجلد خمسين، فخصصنا الآية بالإجماع)
(2)
. أي آية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:2].
وقال أيضاً: ({فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]؛ فنص على حد الأمة وأنه نصف حد الحرة، واتفق الجميع على أن العبد بمنزلتها لوجود الرق فيه)
(3)
.
وقال الشنقيطي ضمن ذكر أمثلة للقياس المجمع عليه: (وكذلك قوله تعالى في الإماء:
…
{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25] فدخل في ذلك العبد قياساً عند الجمهور إلا من شذ ممن لا يكاد يعد قوله خلافاً)
(4)
.
(1)
سبقت الإشارة إلى هذه المسألة عند قوله جل وعلا: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران:75] ينظر: ص 156.
(2)
الفصول في الأصول 1/ 146.
(3)
أحكام القرآن 3/ 350.
(4)
أضواء البيان 3/ 132، وكأنه يشير إلى من لا يرى القياس كابن حزم فقد منع قياس العبيد على الإماء في هذه الآية، ينظر: المحلى 13/ 38.
وقال أيضاً: (وعموم الزاني مخصوص بالقياس على المنصوص؛ لأنه لا فارق البتة بين الحرة والأمة إلا الرق، فعلم أنه سبب تشطير الجلد؛ فأجري في العبد لاتصافه بالرق الذي هو مناط تشطير الجلد)
(1)
. والله تعالى أعلم.
32/ 10 - قال ابن عقيل: ({فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} والمحصنات ههنا: الحرائر اهـ)
(2)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل المحصنات في هذه الآية بالحرائر، وبعد البحث والاطلاع تبين لي أن تفسير المحصنات بالحرائر في الآية التي معنا مما هو كالإجماع بين المفسرين.
ومنهم الطبري
(3)
، والواحدي
(4)
، والبغوي
(5)
، والزمخشري
(6)
، وابن الجوزي
(7)
،
(1)
أضواء البيان 1/ 201، وينظر: البحر المحيط للزركشي 4/ 497، وفتح القدير 1/ 570.
(2)
الواضح 2/ 124.
(3)
جامع البيان 6/ 612.
(4)
الوجيز 1/ 260.
(5)
معالم التنزيل 1/ 330.
(6)
الكشاف 1/ 532.
(7)
زاد المسير 2/ 38.
والرازي
(1)
، وغيرهم كثير
(2)
.
قال الجصاص: (أراد به الإحصان من جهة الحرية لا الإحصان الموجب للرجم؛ لأنه لو أراد ذلك لم يصح أن يقال: عليها نصف الرجم لأنه لا يتبعض)
(3)
.
وحكى بعضهم قولاً آخر بصيغة التضعيف بأن المراد بالمحصنات: المتزوجات، دون نسبته لأحد
(4)
، ولا شك بقوة القول الأول ورجحانه، وعلى فرض ثبوت القول الآخر فلا يؤثر أبداً في الحكم؛ لأن من قال به: خَصَّ التنصيف بالجلد دون الرجم، والجلد خاص بالبكر دون المزوجة.
ومن الفوائد قول الشنقيطي: (إن لفظ المحصنات أطلق في القرآن ثلاثة إطلاقات:
الأول / المحصنات: العفائف، ومنه قوله تعالى:{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء:25]، أي: عفائف غير زانيات.
الثاني / المحصنات: الحرائر، ومنه قوله تعالى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25] أي: على الإماء نصف ما على الحرائر من الجلد.
الثالث / أن يراد بالإحصان: التزوج، ومنه على التحقيق قوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} الآية [النساء:25]، أي: فإذا تزوجن)
(5)
. والله تعالى أعلم.
(1)
التفسير الكبير 10/ 32.
(2)
ينظر: تفسير النسفي 1/ 220، التسهيل 1/ 185، تفسير أبي السعود 2/ 126.
(3)
أحكام القرآن 2/ 213.
(4)
حكاه النحاس في معاني القرآن 2/ 124، والقرطبي 5/ 145، والشوكاني في فتح القدير 1/ 570.
(5)
أضواء البيان 1/ 196، وينظر: زاد المسير 2/ 33.
33/ 11 - قال ابن عقيل: ({أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} والغائط المطمئن من الأرض حقيقة، لكن لما كان المعقول منه قضاء الحاجة، وذِكْر الموضِع تورية وكناية عن الموضَع، صار كأنه قال: أو جاء أحد منكم من الغائط بعد حدثه في الغائط، أو من حاجة الإنسان اهـ)
(1)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل الغائط بالمكان المطمئن من الأرض وأشار إلى أن هذا هو المعنى الحقيقي له، ولكن المعنى المراد منه في الآية قضاء الحاجة، فسمى الحدث بالغائط من باب تسمية الشيء باسم مكانه، حتى صارت هذه التسمية عرفاً بين الناس، بل غلب الإطلاق على الحاجة.
قال الطبري: (والغائط: ما اتسع من الأودية وتصوب، وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان؛ لأن العرب كانت تختار قضاء حاجتها في الغيطان، فكثر ذلك منها، حتى غلب ذلك عليهم، فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضى في الغيطان حيث قضاها من الأرض: متغوط)
(2)
.
وقال ابن عطية: (وأصل الغائط ما انخفض من الأرض وكانت العرب تقصد بقضاء حاجتها ذلك الصنف من المواضع حتى كثر استعماله في قضاء الحاجة وصار عرفه)
(3)
.
(1)
الواضح 4/ 49.
(2)
جامع البيان 7/ 62.
(3)
المحرر الوجيز 2/ 58.
وهو قول: الفراء
(1)
، والنحاس
(2)
، والسمرقندي
(3)
، والسمعاني
(4)
، وغيرهم
(5)
.
والله أعلم.
34/ 12 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} حقيقة في اللمس، إلا أنه يطلق على الجماع مجازاً؛ فيحمل عليهما جميعاً، ويوجب الوضوء منهما جميعاً، فنقول: كل معنيين جاز إرادتهما بلفظ يصلح لهما فهما كالمعنيين المتفقين اهـ)
(6)
.
وقال أيضاً: (فتبين أن اللمس في الأصل عبارة عن اللمس باليد، ويستدل بقول أهل اللغة، وأن الوطء له اسم يخصه اهـ)
(7)
.
الدراسة:
في كلام ابن عقيل مسألتان:
المسألة الأولى:
معنى: {لَامَسْتُمُ} ، ويتفرع عنها إيجاب الوضوء من عدمه.
اختلف العلماء في معناها على قولين:
(1)
معاني القرآن 1/ 303.
(2)
معاني القرآن 2/ 274.
(3)
تفسير السمرقندي 1/ 332.
(4)
تفسير السمعاني 1/ 431.
(5)
ينظر: زاد المسير 2/ 92، التفسير الكبير 10/ 90، الجامع لأحكام القرآن 5/ 220، لسان العرب 7/ 365، غريب القرآن للسجستاني ص 37.
(6)
الواضح 4/ 51.
(7)
الجدل ص 21.
القول الأول: قول ابن عقيل أن المراد مجرد اللمس؛ وبه ينتقض الوضوء، وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، والنخعي، وعطاء
(1)
، ورجحه الرازي
(2)
.
ومن أدلتهم:
1 -
استدل له ابن عقيل بقول أهل اللغة
(3)
.
2 -
عن معاذ رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً لقي امرأة وليس بينهما معرفة فليس يأتي الرجل شيئا إلى امرأته إلا قد أتى هو إليها إلا أنه لم يجامعها، قال فأنزل الله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]، " فأمره أن يتوضأ ويصلي "، قال معاذ: فقلت يا رسول الله: أهي له خاصة أم للمؤمنين عامة؟ قال: " بل للمؤمنين عامة "
(4)
.
القول الثاني: أن المراد بالملامسة الجماع، وهو قول ابن عباس، وعلي رضي الله عنهما، والحسن، ومجاهد، وقتادة
(5)
.
(1)
جامع البيان 7/ 69 وما بعدها.
(2)
التفسير الكبير 10/ 91.
(3)
ينظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 210، ولما قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن امرأته لا ترد يد لامس، قال العلماء: يعني أنها زانية، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم:" طلقها ".
(4)
أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ومن سورة هود (3113) وقال: (هذا حديث ليس إسناده بمتصل) 5/ 291 وقال الشوكاني: (وفيه انقطاع) نيل الأوطار 1/ 187. وأصله في الصحيحين بدون ذكر الوضوء، ينظر: صحيح البخاري في كتاب الصلاة باب الصلاة كفارة (526)، ومسلم في كتاب التوبة باب قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] (2763) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(5)
جامع البيان 7/ 63 وما بعدها.
واحتجوا بأن لفظ المس واللمس استعملا في كلام الله بمعنى الجماع، كما قال تعالى:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة:237]، وقال سبحانه في آية الظهار:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] وسبب الخلاف: اشتراك اسم اللمس في كلام العرب على مجرد المس وعلى الجماع
(1)
.
قلت: والراجح أن المراد بالملامسة في الآية الجماع.
وذلك لصحة الخبر عن عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه
ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ "
(2)
، وفيه دلالة واضحة على أن اللمس المجرد لا ينقض الوضوء
(3)
.
ومن المرجحات لهذا المعنى:
1 -
أنه لم يصرَّح في القرآن بالجماع وإنما عبر عنه بالنكاح أو المس والملامسة.
2 -
أنه لم يثبت الوضوء عن النبي صلى الله عليه وسلم من المس مع عمومه وحاجة الناس إليه.
3 -
أن حمله على الجماع يفيد صفة التيمم للحدث الأكبر، وفي هذا زيادة فائدة.
(1)
بداية المجتهد ص 36.
(2)
أخرجه أحمد 6/ 210، وأبو داود في كتاب الطهارة باب الوضوء من القبلة (179)، والترمذي في أبواب الطهارة باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة (86)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1/ 26، وقال محقق المسند:(إسناده صحيح) 42/ 497.
(3)
ينظر للاستزادة في هذه المسألة: معاني القرآن للنحاس 2/ 275، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 563 وجعلها من مسائل الخلاف الطيولية، المجموع 2/ 30 فقد أطال بذكر الفروع والأدلة ومناقشتها، بداية المجتهد ص 35.
قال الرازي: (والحدث نوعان: الأصغر وهو المراد بقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء:43]، ولو حملنا قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43] على الحدث الأصغر لما بقي للحدث الأكبر ذكر في الآية، فوجب حمله على الحدث الأكبر)
(1)
.
وما استدل به أصحاب القول الأول من أن معنى اللمس هو مجرد المس فلا ننكر هذا بل هو المعنى الحقيقي، ولكن نقول: إن المقام محفوف بالقرائن التي ترجح حمله على الجماع
(2)
.
وأما الحديث فضعيف
(3)
، وأصله في الصحيحين وليس فيه الأمر بالوضوء.
المسألة الثانية:
ذكر ابن عقيل قاعدة في التفسير: (كل معنيين جاز إرادتهما بلفظ يصلح لهما فهما كالمعنيين المتفقين).
ويترتب على هذه القاعدة ما ذكره ابن العربي في هذه الآية: (قلنا: لا يمنع حمل اللفظ على الجماع واللمس، ويفيد الحكمين)
(4)
.
وهذا غير مسلم به، فالقاعدة صحيحة لكن بقي لها قيد، وهو: عدم وجود مانع من جواز حمل اللفظ على المعنيين
(5)
، وقد وجد الصارف في مسألتنا هذه عن حمله على معنى اللمس، وهو الحديث السابق، وحديث عائشة قالت:(كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجليّ، فإذا قام بسطتهما)
(6)
. والله أعلم.
(1)
التفسير الكبير 10/ 91.
(2)
ينظر: نيل الأوطار 1/ 179.
(3)
ضعف إسناده العلماء، ومنهم الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 383.
(4)
أحكام القرآن 1/ 564.
(5)
ينظر في هذه المسألة: شرح الكوكب المنير 3/ 189، مجموع الفتاوى 13/ 340، زاد المعاد 5/ 606، فقد ذكر وجوهاً لفساد القول بالقاعدة على الإطلاق، التحرير والتنوير 1/ 98، قواعد التفسير 2/ 819.
(6)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب الصلاة على الفراش (382)، ومسلم في كتاب الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي (512).
35/ 13 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء:77]،
{وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء:124] ذكر القليل تنبيهاً على الكثير، نافياً للظلم عن نفسه سبحانه اهـ)
(1)
.
الدراسة:
جمع ابن عقيل هذه الآيات التي ذكر الله فيها نفي القليل من الظلم عنه سبحانه تنبيهاً على أن نفي الكثير من باب أولى، وهذا من جمع النظائر في المعنى الواحد.
وهذه المسألة قد سبق شبيه بها في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} [آل عمران:75]
(2)
.
وهذا هو المعروف من استعمال العرب، بل ويستوي في فهمه عامة الناس، وأمثلته كثيرة في القرآن والسنة
(3)
. والله تعالى أعلم.
(1)
الواضح 3/ 259.
(2)
ينظر: ص 156.
(3)
ينظر: الواضح 3/ 259.
36/ 14 - قال ابن عقيل: ({وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}، والخطأ لا يقال: إنه له، لأنه لا يوصف بحظر ولا إباحة، لكن إن قتله خطأ؛ فتحرير رقبة اهـ)
(1)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل [إلا] في الآية بمعنى: [لكن]؛ فيكون الاستثناء منقطعاً؛ لأنه لا يقال: إن للمؤمن أن يقتل مؤمناً خطأً، وبهذا فسره جمهور المفسرين
(2)
، وهذا هو القول الأول.
قال الطبري: (إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، وليس ذلك مما جعل له ربه فأباحه له، وهذا من الاستثناء الذي تسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع)
(3)
.
وقال في موضع آخر: (فليس قوله باستثناء متصل بالأول بمعنى: إلا خطأ فإن له قتله كذلك، ولكن معناه: ولكن قد يقتله خطأ)
(4)
.
وقال الزجاج: ({إِلَّا خَطَأً} استثناء ليس من الأول)
(5)
- يعني منقطع -.
(1)
الواضح 3/ 487.
(2)
ينظر: المحرر الوجيز 4/ 169، زاد المسير 2/ 162.
(3)
جامع البيان 7/ 305.
(4)
جامع البيان 5/ 687.
(5)
معاني القرآن وإعرابه 2/ 90.
ومثله قال النحاس
(1)
، و [إلا] تأتي بمعنى [لكن] كثير
(2)
.
قال القرطبي: (إلا خطأً أي: لكن خطأ)
(3)
.
القول الثاني: ذهب قوم إلى أن هذا الاستثناء متصل، ويفسرون:[كان] بالثبوت والاستقرار، والمعنى عندهم: وما ثبت ولا استقر ولا وجد ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمناً
إلا خطأً
(4)
، قالوا: وفائدة كونه متصلاً أن له أن يقتله خطأ في بعض الأحوال، كمن يقتل من يظنه كافراً ثم يتبين أنه مسلم.
وهذا قول ضعيف، وقد استنكره ابن العربي فقال: (فيا لله! ويا للعالمين من هذا الكلام! كيف يصح في عقل عاقل أن يقول: أبيح له أن يقتله خطأ، ومن شرط الإذن والإباحة المكلف وقصده، وذلك ضد الخطأ؛ فالكلام لا يتحصل معقولاً
…
) إلى أن قال: (وفي هذا القول من التهافت لمن تأمله ما يغني عن رده)
(5)
.
القول الثالث: ذهب قوم إلى أن [إلا] بمعنى [الواو]، ويكون المعنى: ليس له أن يقتله عمداً ولا خطأً، واستدلوا باستعمال [إلا] مقام [الواو] عند العرب.
كما في قول عمرو بن معدِيكَرِبَ
(6)
:
وكلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ
…
لَعَمْرُ أبيكَ إلا الفَرْقَدَانِ. يعني: والفرقدان
(7)
.
(1)
معاني القرآن 2/ 158.
(2)
ينظر: جامع البيان 5/ 685، معاني القرآن للنحاس 2/ 159.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 192.
(4)
الكشاف 1/ 580، وينظر: فتح القدير 1/ 629.
(5)
أحكام القرآن 1/ 597.
(6)
ينظر: ديوانه ص 181.
(7)
الفرقدان: نجمان في السماء لا يغربان، لكنهما يطوفان بالجدي، وقيل: هما كوكبان قريبان من القطب، وقيل: هما كوكبان في بنات نعش الصغرى، ينظر: لسان العرب 3/ 334.
ويرد عليه بقول ابن عقيل: إن الخطأ لا يوصف بحظر ولا إباحة، وقد خطأ هذا القول أبو جعفر النحاس من وجهين فقال:(إحداهما: أن لا يعرف أن تكون [إلا] بمعنى حرف عاطف. والجهة الأخرى: أن الخطأ لا يحصَر، لأنه ليس بشيء يقصد، ولو كان يقصد لكان عمداً)
(1)
.
والذي يترجح لي أن الاستثناء منقطع، وأن [إلا] بمعنى [لكن]، فهو القول السالم من الاعتراض، وهو قول الجمهور. والله تعالى أعلم.
37/ 15 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} بعد قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، تقييد بالإيمان، وهو تخصيص في الحقيقة اهـ)
(2)
.
الدراسة:
بين ابن عقيل أن الرقبة في هذه الآية مقيدة ومخصوصة بالإيمان.
(1)
معاني القرآن 2/ 159.
(2)
الواضح 1/ 257.
وقد نُقل الإجماع على تقييد الرقبة بالإيمان في هذه الآية
(1)
.
كما قال السمرقندي: (يعني: فعليه عتق رقبة مؤمنة، ولو أعتق رقبة كافرة لم يجز بالإجماع)
(2)
.
وقال ابن كثير: (ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة؛ فلا تجزئ الكافرة)
(3)
.
وفي الحكمة من التقييد بالإيمان قال ابن العربي: (وهذا يقتضي كمالها في صفات الدين، فتكمل في صفات المالية حتى لا تكون معيبة، لا سيما وقد أتلف شخصا في عبادة الله سبحانه، فعليه أن يخلص آخر لعبادة ربه عن شغل غيره، وأيضاً فإنما يُعتق بكل عضو منه عضو منها من النار حتى الفرج بالفرج، فمتى نقص عضو منها لم تكمل شروطها، وهذا بديع)
(4)
. والله أعلم.
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء:105].
38/ 16 - قال ابن عقيل: ({لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وهذا يعم ما يراه من النص والاستنباط من النصوص، واسم الرأي بالاجتهاد أخص منه بالنصوص اهـ)
(5)
.
الدراسة:
أشار ابن عقيل إلى مسألتين:
المسألة الأولى:
(1)
واختلف العلماء في القدر المجزئ من الإيمان، ينظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 214، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 7/ 671:(وقال الله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}، ولو أعتق مذنباً أجزأه عتقه بإجماع العلماء)، واختلفوا أيضاً في: حمل الرقبة المطلقة ككفارة اليمين على المقيدة بالإيمان ككفارة القتل، ينظر: فتح الباري 11/ 734، نيل الأوطار 4/ 603.
(2)
تفسير السمرقندي 1/ 352.
(3)
تفسير ابن كثير 2/ 981.
(4)
أحكام القرآن 1/ 599.
(5)
الواضح 5/ 398.
الاستدلال بهذه الآية: على أن النبي صلى الله عليه وسلم له حق الاجتهاد في الحكم بين الناس، وهذه المسألة قد سبق الحديث عنها عند قوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159]
(1)
.
المسألة الثانية:
أن اسم الرأي يدخل فيه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من النص، وما اجتهد في استنباطه منه، لكن لفظة الرأي أقرب إلى الاجتهاد في الاستنباط المطلق من الاجتهاد المقيد بالنصوص، وهذا مما يقوي ما قاله ابن عقيل.
فقوله {أَرَاكَ} في الآية أقرب في المعنى إلى الاستنباط والاجتهاد من الاقتصار على النص مع إفادته للمعنيين
(2)
.
قال الكيا الهراسي
(3)
: (يحتمل الوحي والاجتهاد جميعاً)
(4)
.
وقال ابن عطية: (وقوله تعالى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} معناه: على قوانين الشرع؛ إما بوحي ونص، أو بنظر جار على سنن الوحي)
(5)
.
وقال القرطبي: (وهذا أصل في القياس وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئاً أصاب؛ لأن الله تعالى أراه ذلك، وقد ضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة، فأما أحدنا إذا رأى شيئاً يظنه فلا قطع فيما رآه، ولم يُرِد رؤية العين هنا لأن الحكم لا يُرى)
(6)
.
(1)
ينظر: ص 159.
(2)
ينظر: النكت والعيون 1/ 528، زاد المسير 2/ 114.
(3)
هو أبو الحسن علي بن محمد الطبري الشافعي، المعروف بالكياالهراسي، تفقه على الإمام الجويني، وتأثر به، مات سنة 504 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 19/ 350، شذرات الذهب 4/ 8.
(4)
أحكام القرآن 1/ 498.
(5)
المحرر الوجيز 2/ 108، وينظر: فتح القدير 1/ 646.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 376.
والمراد أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه الكتاب ليحكم بالطرق والقضايا الدالة على وصف الأحوال التي يتحقق بها العدل فيحكم بين الناس على حسب ذلك، بأن تندرج جزئيات أحوالهم عند التقاضي تحت الأوصاف الكلية المبيَّنة في الكتاب
(1)
، ولا يلزم أن يكون في كل جزئية وفرع نص أو وحي، وهذا واضح ولله الحمد. والله تعالى أعلم.
قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115].
39/ 17 - قال ابن عقيل: (والسبيل ها هنا هو الطريق، ولا طريق يحصل الوعيد على سلوك غيره إلا ما يوجبه اجتهادهم؛ إذ كان ما أوجبه نص القرآن، أو تواتر السنة، فذاك سبيل الله ورسوله، أخص به من الإضافة إليهم، والمؤمنون ههنا هم العلماء، إذ قد أجمعنا على أن العوام والجهال لا سبيل لهم يتبع، فلم يبق إلا العلماء، وقد تواعد على اتباع غير سبيلهم، فثبت أن سبيلهم حق متبع ودليل مرشد، والمخالف له مستحق للعقاب بالوعيد المنصوص في الآية، إذ ليس بين سبيلهم وبين سبيل غيرهم قسم ثالث، فتعين اتباع سبيلهم حيث حصل الوعيد على اتباع غير سبيلهم اهـ)
(2)
.
الدراسة:
أشار ابن عقيل في تفسير هذه الآية إلى ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
أن معنى السبيل هنا: الطريق، وهو المعنى الأصلي له.
قال ابن منظور: (والسبيل في الأصل: الطريق)
(3)
، وهو ما ذكره المفسرون
(4)
.
المسألة الثانية:
(1)
ينظر: التحرير والتنوير 3/ 192.
(2)
الواضح 5/ 105، 188.
(3)
لسان العرب 11/ 320، وينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 130.
(4)
ينظر: المفردات ص 250، معالم التنزيل 1/ 383.
أن المراد به في الآية: الاجتهاد في أمور الدين، ولهذا استدل بها المفسرون على صحة الإجماع وحجيته.
قال الجصاص: (فدل على صحة إجماع الأمة لإلحاقه الوعيد بمن اتبع غير سبيلهم)
(1)
.
وقال السمرقندي: (وفي الآية دليل أن الإجماع حجة؛ لأن من خالف الإجماع فقد خالف سبيل المؤمنين)
(2)
.
ويتفرع عن هذه المسألة: تحريم مخالفة ما اجتمعت عليه هذه الأمة فيما عُلم اتفاقهم عليه تحقيقاً، فقد ضُمِنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، وهذا الحكم ظاهر من الوعيد المنصوص عليه في الآية:{نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115]
(3)
.
المسألة الثالثة:
أن المراد بالمؤمنين في الآية: العلماء، ولم أجد أحداً من المفسرين خص المؤمنين بالعلماء، ولكن يظهر أن هذا التخصيص قد انبنى على ما قبله وهو: أن المراد بسبيل المؤمنين اجتهادهم ولا يكون الاجتهاد إلا للعلماء، ويؤكد هذا ما استدل به من أن العوام والجهال لا سبيل لهم يُتبع، وهو كما قال، والله تعالى أعلم.
40/ 18 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}، بمعنى: لكن اتباع الظن اهـ)
(4)
.
(1)
أحكام القرآن 2/ 353، وينظر: الكشاف 1/ 598، تفسير النسفي 1/ 251.
(2)
تفسير السمرقندي 1/ 363.
(3)
ينظر: تفسير ابن كثير 3/ 1018، تفسير البيضاوي 2/ 253.
(4)
الواضح 3/ 487.
الدراسة:
اختلف العلماء في هذه الآية، هل الاستثناء منقطع أو متصل؟.
القول الأول: ذهب ابن عقيل إلى أن الاستثناء منقطع، والمعنى: لكن اتباع الظن، وذلك لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم، وهذا قول الطبري
(1)
، والواحدي
(2)
، والبغوي
(3)
، والزمخشري
(4)
، وابن الجوزي
(5)
، والقرطبي
(6)
، وغيرهم
(7)
.
القول الثاني: أن الاستثناء متصل، وبه قال ابن عطية:(وهو استثناء متصل؛ إذ الظن والعلم يضمهما جنس واحد: أنهما من معتقدات النفس، وقد يقول الظان على طريق التجوز: علمي في هذا الأمر أنه كذا، وهو يعني ظنه)
(8)
.
وقال أبو السعود
(9)
: (ويجوز أن يفسر الشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيرَه فالاستثناء حينئذ متصل)
(10)
.
والراجح قول الجمهور بأن الاستثناء منقطع، و [إلا] تستخدم مكان [لكن] عند العرب كثيراً، وإنما تستعمل في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان [إلا] [لكن]؛ ألا ترى أنك إذا قلت: ما لهم به من علم لكن اتباع الظن، وجدت المعنى صحيحاً
(11)
، ويصير الاستثناء منقطعاً، وعلى هذا لا نحتاج إلى تفسير العلم بالظن. والله أعلم.
(1)
جامع البيان 2/ 160.
(2)
الوجيز 1/ 130.
(3)
معالم التنزيل 1/ 396.
(4)
الكشاف 1/ 621.
(5)
زاد المسير 2/ 246.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 9.
(7)
ينظر: تفسير النسفي 1/ 262، التسهيل 1/ 218، أضواء البيان 2/ 510، التحرير والتنوير 6/ 22.
(8)
المحرر الوجيز 2/ 134.
(9)
هو أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي، صنف إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن العظيم في التفسير، وله حاشية على تفسير الكشاف، مات سنة 982 هـ، له ترجمة في: طبقات الأدنه وي ص 398، شذرات الذهب 8/ 398.
(10)
تفسير أبي السعود 2/ 218.
(11)
ينظر: جامع البيان 2/ 159.
41/ 19 - قال ابن عقيل: (فأخبر سبحانه وتعالى أنه يحرم المباحات في زمان النبوات عقوبة على أكل المحرمات، والآن، فلم يبق طريق للنسخ فيحرم عليك، لكن احذر لا يحرِمك، فإنه كما يمنع بالتحريم منعاً شرعياً، يمنع بالفقر تارة، مع وجود المشتهيات وتعذر الأثمان، وتارة يوجد المال، ثم يسلط على الأبدان أنواع الأمراض المانعة من تأتي الأثمان
(1)
وإباحة الشرائع
(2)
، هذا من بعض عقوباته العاجلة اهـ)
(3)
.
الدراسة:
تناول ابن عقيل في هذه الآية مسألتين:
المسألة الأولى: أن سبب تحريم المباحات شرعاً على الأمم السابقة هو أكلهم المحرمات، وهذا سنة من سنن الله في كونه، كما قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} [إبراهيم:7]، وقد أشار المفسرون من السلف والخلف إلى هذا السبب عند هذه الآية وغيرها في كتاب الله تعالى.
(1)
أي: أن المرض يمنع التكسب في البيع والشراء وطلب المال، فلا تتيسر له الأثمان مثلما كان قبل المرض.
(2)
أي: أنه يحرم عليهم ما كان مباحاً في الشريعة بسبب ظلمهم ومعاصيهم.
(3)
الفنون 1/ 409.
قال الجصاص: (قال قتادة: (عوقبوا على ظلمهم وبغيهم بتحريم أشياء عليهم)، وفي ذلك دليل على جواز تغليظ المحنة عليهم، بالتحريم الشرعي عقوبة لهم على ظلمهم؛ لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أنه حرم عليهم طيبات بظلمهم وصدهم عن سبيل الله؛ والذي حرم عليهم ما بينه تعالى في قوله:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)} [الأنعام:146])
(1)
.
وقال القرطبي: ({ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام:146]، أي: بظلمهم عقوبة لهم لقتلهم الأنبياء، وصدهم عن سبيل الله، وأخذهم الربا، واستحلالهم أموال الناس بالباطل، وفي هذا دليل على أن التحريم إنما يكون بذنب؛ لأنه ضيق فلا يعدل عن السعة إليه إلا عند المؤاخذة)
(2)
.
وطريق التحريم الشرعي هو نسخ الحل، وقد انقطع بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية: التحذير من الوقوع في الظلم مما يكون سبباً للتحريم الكوني بالفقر أو المرض وهذا من العقوبات العاجلة، أضف إلى ذلك أن عقوبة الظلم بأنواعه ظلمات يوم القيامة، وهذه من اللطائف التي ينبغي أن لا يغفل عنها المفسرون، ليكون للتفسير تأثير في القلب والقالب.
(1)
أحكام القرآن 2/ 366.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 7/ 127، وينظر: 6/ 12.
قال الرازي: (واعلم أن أنواع الذنوب محصورة في نوعين: الظلم للخلق، والإعراض عن الدين الحق؛ أما ظلم الخلق: فإليه الإشارة بقوله: {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:160]، ثم إنهم مع ذلك في غاية الحرص في طلب المال؛ فتارة يحصلونه بالربا مع أنهم نهوا عنه، وتارة بطريق الرشوة، وهو المراد بقوله: قال تعالى: {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:161]، ونظيره قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42]؛ فهذه الأربعة، هي الذنوب الموجبة للتشديد عليهم في الدنيا وفي الآخرة؛ أما التشديد في الدنيا: فهو الذي تقدم ذكره من تحريم الطيبات عليهم، وأما التشديد في الآخرة: فهو المراد من قوله: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:161])
(1)
. والله تعالى أعلم.
قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء:165].
(1)
التفسير الكبير 11/ 83.
42/ 20 - قال ابن عقيل: ({رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء:15]، كان من مقتضى شرطه سبحانه أن لا يعذب الأطفال والمجانين؛ إذ لا رسالة إليهم، ولا خطاب لهم، وقد صرح به في آية أخرى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف:172 - 173]، فما شرطه الباري لئلا يقال: لا يفعله، ولا يجوز أن يفعله، وقوله:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، يقطع حجة المتعلقين في التكاليف بالأقدار، لأن الله سبحانه إذا ترك عن نفسه حجة بعد الرسل لا يبقى ما يكون حجة عليه، ولا حجة لمكلف بعد الرسل، كذلك لا تبعة على صبي ومجنون مع عدم الرسالة إليه اهـ)
(1)
.
الدراسة:
في كلام ابن عقيل على هذه الآية مسألتان:
المسألة الأولى: عدم تعذيب الأطفال والمجانين، وهو مستنبط من الآية إذ لا رسالة إليهم، ولا خطاب لهم، وقد صرح سبحانه بهذا في آية الأعراف التي ذكرها ابن عقيل.
والكلام عن الأطفال ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
أطفال الأنبياء / قال ابن عطية: (أجمعت الأمة على أن أولاد الأنبياء في الجنة)
(2)
.
(1)
الواضح 1/ 139.
(2)
المحرر الوجيز 5/ 339.
2 -
أطفال المؤمنين / قال الجمهور: هم في الجنة، وقال قوم: تحت المشيئة. والراجح قول الجمهور، كما قال ابن تيمية:(لكن من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين قد رفع القلم عنهم؛ فلا يعاقبون، وليس لهم من الإيمان بالله وتقواه باطناً وظاهراً ما يكونون به من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين، لكن يدخلون في الإسلام تبعاً لآبائهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21])
(1)
، وقال النووي:(أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفاً، وتوقف فيه بعض من لا يعتد به)
(2)
.
3 -
أطفال المشركين / قال الجمهور: هم تحت مشيئة الله، وقال قوم: في النار
(3)
، وقال جماعة من المحققين: إنهم في الجنة
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى 10/ 431، وينظر أيضاً: 15/ 272، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 670.
(2)
شرح النووي على مسلم 16/ 207.
(3)
ينظر: التمهيد 18/ 96، طريق الهجرتين ص 571 فقد عرضا الخلاف والأدلة، المحرر الوجيز 5/ 339.
(4)
ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم في كتاب القدر باب حكم موتى المشركين 16/ 208، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 4/ 74.
قال القرطبي: (وأنهم إن ماتوا صغاراً فهم في الجنة، أعني جميع الأطفال؛ لأن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذر، أقروا له بالربوبية، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:172]، ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بالربوبية، وأنه الله لا إله غيره)
(1)
.
ويدل عليه أيضاً: حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لإبراهيم الخليل عليه السلام في الجنة وحوله وِلْدان، قال صلى الله عليه وسلم:" وأما الوِلْدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة "، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وأولاد المشركين "
(2)
.
والذي عليه السلف والأئمة إنه لا يعذب إلا من بلغته الرسالة، ولا يعذب إلا من خالف الرسل كما دل عليه الكتاب والسنة
(3)
، قال النووي:(وهذا متفق عليه)
(4)
.
(1)
الجامع لأحكام القرآن 14/ 29، وينظر: 17/ 114، التفسير الكبير 23/ 72، أهل الفترة ومن في حكمهم ص 89 وما بعدها.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح (7047) من حديث سمرة رضي الله عنه.
(3)
ينظر: الجواب الصحيح 2/ 296.
(4)
شرح النووي على مسلم 16/ 208.
وذهب بعض العلماء إلى استحباب السكوت وعدم الخوض فيما أخفاه الله من أمر الجزاء والحساب لهؤلاء الأطفال والمجانين؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه وينصرانه
…
قالوا يا رسول الله: أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين "
(1)
.
قال الغزنوي
(2)
: (فإذا اختلف الناس فيهم فالسكوت أولى، فهم في مشيئة الله تعالى)
(3)
.
المسألة الثانية: في الآية دليل على قطع حجة المتعلقين في التكاليف بالأقدار، وأنه لا حجة لمكلف بعد بلوغ الرسالة إليه، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة.
قال ابن تيمية: (فإن الاحتجاج به - أي القدر - باطل باتفاق أهل الملل وذوي العقول، وإنما يَحْتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري؛ أيُّ مذهب وافق هواك تمذهبت به، ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم، لم يحسن أن يلوم أحد أحداً، ولا يعاقب أحد أحداً، فكان للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما يشتهيه من المظالم والقبائح؛ ويحتج بأن ذلك مقدر عليه)
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب القدر باب الله أعلم بما كانوا عاملين (6599 - 6600)، ومسلم في كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
هو أحمد بن محمد بن محمود الغزنوي الكاشاني الحنفي، فقيه أصولي، من مصنفاته: أصول الدين، مات سنة 593 هـ، له ترجمة في: الأعلام 1/ 217، معجم المؤلفين 2/ 156.
(3)
أصول الدين ص 210.
(4)
منهاج السنة 3/ 23.
وقال ابن القيم: (الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم
…
) إلى أن قال: (ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل)
(1)
.
وقال ابن عثيمين: (وأما إجماع السلف على بطلان القول بالجبر؛ فلم ينقل عن أحد منهم أنه قال به، بل رَدُّ من أدرك منهم بدعتَه موروث معلوم)
(2)
. والله تعالى أعلم.
43/ 21 - قال ابن عقيل: ({وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171] روح ملك، وإضافة تجميل وتقريب كقوله في الكعبة {بَيْتِيَ} [البقرة:125]، وتسميته روح آدم {رُوحِي} [الحجر:29] لا أن البيت مسكنه، ولا الروح صفته، لكن خلقه، وبَجَّلَهُما بالإضافة إليه، وكفى بذلك تعظيماً وتشريفاً اهـ)
(3)
.
(1)
شفاء العليل ص 18.
(2)
القول المفيد على كتاب التوحيد 2/ 399، وبين أن احتجاج العاصي بالقدر باطل بالشرع والنظر، ينظر: 2/ 406.
(3)
الواضح 2/ 382.
44/ 22 - وقال أيضاً: (والذي أزال إشكال قولِه: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171]، {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:29]، {قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم:34]، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، قولُه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} [آل عمران: 59]{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59] اهـ)
(1)
.
الدراسة:
تطرق ابن عقيل في كلامه إلى مسألتين:
المسألة الأولى:
أن إضافة الروح لله إضافة تجميل وتقريب، وتعظيم وتشريف، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في كل ما أضيف إلى الله وهو عين قائمة بنفسها.
قال ابن تيمية: (وما أضيف إلى الله، أو قيل هو منه، فعلى وجهين: إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو مملوك له، ومِن لابتداء الغاية، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم:17]، وقال في المسيح: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171]، وما كان صفة لا يقوم بنفسه كالعلم والكلام فهو صفة له، كما يقال كلام الله وعلم الله)
(2)
.
وقال ابن جماعة
(3)
: (أما قوله في حق آدم من روحي، فهو من إضافة خلق إلى خالقه، وملك إلى مالكه؛ لأن الأرواح كلها بيد الله تعالى لا أنه جزء منه - تعالى الله عن ذلك -وإضافته إليه إضافة تشريف)
(4)
.
المسألة الثانية:
أن مما أزال إشكال الآيات السابقة قول الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]، أي أنه مخلوق.
(1)
الواضح 4/ 7.
(2)
مجموع الفتاوى 17/ 283، 6/ 174، فتح الباري 13/ 544، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 563.
(3)
هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي، نهل من فنون كثيرة، مات سنة 733 هـ، له ترجمة في: شذرات الذهب 6/ 105، فوات الوفيات 2/ 292.
(4)
إيضاح الدليل ص 142.
والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر ومنها:
قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62]، وقوله:{وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:164]، وقوله تعالى:{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)} [الشعراء:26]، والأرواح مربوبة، وكل مربوب مخلوقُ رب العالمين.
ومن الأحاديث:
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان الله ولم يكن شيء غيره "
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:" الأرواح جنود مجندة "
(2)
، والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة، وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الروح مخلوقة
(3)
. والله تعالى أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27](3191).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب الأرواح جنود مجندة (3336) من حديث عائشة رضي الله عنها، ومسلم في كتاب البر والصلة باب الأرواح جنود مجندة (2638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
وينظر للاستزادة في هذه المسألة: شرح العقيدة الطحاوية 2/ 562، مجموع الفتاوى 4/ 219 وما بعدها، الروح ص 196، فتح الباري 13/ 544.