المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الأنعام قال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ - منهج ابن عقيل الحنبلي وأقواله في التفسير جمعا ودراسة

[راشد بن حمود الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌أهداف البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجي وعملي في البحث:

- ‌التمهيد ترجمة موجزة لابن عقيل

- ‌أولاً: اسمه ونسبه وكنيته:

- ‌ثانياً: مولده:

- ‌ثالثاً: أسرته:

- ‌رابعاً: شيوخه:

- ‌خامساً: تلاميذه:

- ‌سادساً: مكانته العلمية:

- ‌سابعاً: مصنفاته:

- ‌ثامناً: ابن عقيل والمعتزلة:

- ‌تاسعاً: وفاته

- ‌القسم الأول مصادر ابن عقيل ومنهجه في التفسير

- ‌الفصل الأول مصادر ابن عقيل في التفسير

- ‌المبحث الأول مصادر القرآن وعلومه:

- ‌المبحث الثاني مصادر الحديث:

- ‌المبحث الثالث مصادر الفقه:

- ‌المبحث الرابع مصادر العقيدة:

- ‌الفصل الثاني منهج ابن عقيل في التفسير

- ‌المبحث الأول تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌المطلب الأول تخصيص العموم:

- ‌المطلب الثاني تقييد المطلق:

- ‌المطلب الثالث بيان المجمل:

- ‌المطلب الرابع جمع النظائر:

- ‌المبحث الثاني تفسير القرآن بالسنة

- ‌المطلب الأول تخصيص العموم:

- ‌المطلب الثاني بيان المجمل:

- ‌المطلب الثالث الترجيح بالسنة:

- ‌المبحث الثالث تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين:

- ‌المطلب الأول تخصيص العموم:

- ‌المطلب الثاني دفع موهم التناقض:

- ‌المبحث الرابع تفسير القرآن باللغة:

- ‌المطلب الأول اهتمامه بمعاني المفردات والحروف، ومرجع الضمائر:

- ‌المطلب الثاني عنايته بالشعر وأقوال العرب:

- ‌المطلب الثالث اهتمامه بالأوجه البلاغية ولطائف التفسير:

- ‌المبحث الخامس تفسيره لآيات الأحكام

- ‌المطلب الأول مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب الثاني نقله للإجماع:

- ‌المطلب الثالث اهتمامه بالقياس:

- ‌المطلب الرابع منهجه في الاستنباط:

- ‌الفصل الثالث علوم القرآن عند ابن عقيل

- ‌المبحث الأول الناسخ والمنسوخ:

- ‌المبحث الثاني أسباب النزول:

- ‌المبحث الثالث المحكم والمتشابه:

- ‌المبحث الرابع العام والخاص:

- ‌القسم الثاني أقوال ابن عقيل في التفسير - من أول القرآن إلى آخره - مع دراستها

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة التوبة

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة الأنبياء

- ‌سورة الحج

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة الزمر

- ‌سورة الشورى

- ‌سورة الزخرف

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة التحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة القدر

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة العصر

- ‌الخاتمة

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌ ‌سورة الأنعام قال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ

‌سورة الأنعام

قال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)} [الأنعام:76].

53/ 1 - قال ابن عقيل: ({لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)} [الأنعام:76]، أزال الاشتباه من قوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22]، {يَوْمَ يَأْتِي} [الأنعام:158]، {أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [البقرة:210]، {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام:158]، وأنه ليس بالانتقال المشاكل لأفول النجوم اهـ)

(1)

.

الدراسة:

أشار ابن عقيل إلى مسألتين:

المسألة الأولى: الصفات الفعلية.

وهي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل فتقوم بذاته ومشيئته وقدرته مثل كلامه وإرادته ومحبته ورضاه واستوائه ومجيئه وإتيانه؛ فالسلف وأئمة السنة والحديث يقولون: إنه متصف بذلك كما نطق به الكتاب والسنة وهو قول كثير من أهل الكلام والفلسفة.

قال شيخ الإسلام: (فالرب سبحانه إذا وصفَ رسولُه بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلم موسى بالواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرهاً؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة حتى يُقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشَغْل آخر)

(2)

.

وأما الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم، فيقولون: لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها

(3)

. قال الزمخشري: (إتيان الله: إتيان أمره وبأسه)

(4)

.

(1)

الواضح 4/ 7.

(2)

دقائق التفسير 6/ 424.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 6/ 217.

(4)

الكشاف 1/ 281، وينظر: التفسير الكبير 5/ 182.

ص: 240

والآيات صريحة في هذا الباب لا تقبل شيئاً من التأويل، كما قال سبحانه:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:210]، وقوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158]، وهذه أشد صراحة، إذ لا يمكن تأويل الإتيان بأنه إتيان الأمر أو العذاب؛ لأنه ردد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه

(1)

.

المسألة الثانية: الاشتباه في قول إبراهيم والمزيل له.

اشتبهت هذه الآية على كثير من الطوائف وقالوا: نفهم من كلام إبراهيم أن الله لا يوصف بالإتيان والمجيء وما فيه حركة؛ لقوله: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام:76] قالوا: الآفل هو المتحرك الذي تقوم به الحوادث، فيكون الخليل قد نفى المحبة عمن تقوم به الحوادث، فلا يكون إلهاً، ومن نظر إلى تفاسيرهم وكلامهم وجد اضطراباً في تخريج الآيات وتفسيرها

(2)

.

وخلاصة الجواب على هذا الفهم من ثلاثة وجوه:

1 -

أن إبراهيم رأى بزوغ الكوكب وتحركه إلى أفوله، ولم يقل: لا أحب البازغين، ولا المتحركين، ولا أحب من تقوم به الحركات والحوادث

(3)

، فلو كان احتجاجه بالحركة والانتقال لم ينتظر حتى يغيب.

2 -

أن الأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب وليس هو الحركة والانتقال

(4)

.

(1)

ينظر: شرح العقيدة الواسطية لهراس ص 113.

(2)

ينظر مثلاً: الكشاف 2/ 39، التسهيل 1/ 277، الوجيز 1/ 362، زاد المسير 3/ 58، تفسير البيضاوي 2/ 423، إيضاح الدليل ص 117.

(3)

ينظر: شرح العقيدة الطحاوية 1/ 128 في الاستفصال في حلول الحوادث لأنه لفظ مجمل.

(4)

ينظر: المفردات ص 27 (الأفول: غيبوبة النيرات)، لسان العرب 11/ 18 (أفل أي: غاب)، منهاج السنة 2/ 193، تفسير السعدي 1/ 262.

ص: 241

قال شيخ الإسلام: (والأفول باتفاق أهل اللغة والتفسير: هو الغيب والاحتجاب؛ بل هذا معلوم بالاضطرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن، وهو المراد باتفاق العلماء. فلم يقل إبراهيم: لا أحب الآفلين إلا حين أفل وغاب عن الأبصار فلم يبق مرئياً ولا مشهوداً فحينئذ قال: لا أحب الآفلين. وهذا يقتضي أن كونه متحركاً متنقلاً تقوم به الحوادث؛ بل كونه جسماً متحيزاً تقوم به الحوادث لم يكن دليلاً عند إبراهيم على نفي محبته، فإن كان إبراهيم إنما استدل بالأفول على أنه ليس رب العالمين - كما زعموا -: لزم من ذلك أن يكون ما يقوم به الأفول - من كونه متحركاً منتقلاً - تحله الحوادث؛ بل ومن كونه جسماً متحيزاً: لم يكن دليلاً عند إبراهيم على أنه ليس رب العالمين، وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم؛ لا على تعيين مطلوبهم، وهكذا أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم؛ لا لهم)

(1)

.

3 -

كل الآيات التي جاء فيها إثبات الإتيان والمجيء.

فالمزيل للاشتباه صريح كالشمس، وقد ذكر ابن عقيل عدداً من الآيات في ذلك تثبت الإتيان والمجيء صراحة لله تعالى مما لا يقبل التأويل

(2)

.

قال ابن القيم: (قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام:158]، لما ذكر إتيانه سبحانه ربما توهم متوهم: أن المراد إتيان بعض آياته أزال هذا الوهم، ورفع الإشكال بقوله: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158]، فصار الكلام مع هذا التقسيم والتنويع نصاً صريحاً في معناه لا يحتمل)

(3)

. والله أعلم.

(1)

مجوع الفتاوى 6/ 254، 5/ 547.

(2)

ينظر: شرح العقيدة الواسطية لهراس ص 113.

(3)

الصواعق المرسلة 1/ 395، وينظر: 3/ 1110.

ص: 242

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)} [الأنعام:141].

54/ 2 - قال ابن عقيل في قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} : (فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد به العشر من السَّيْح

(1)

، أو نصف العشر من سَقْي الكُلَف

(2)

، أو ربع العشر من الأثمان

(3)

اهـ)

(4)

.

الدراسة:

اختلف العلماء في تفسير الحق في هذه الآية على ثلاثة أقوال:

(1)

السيح: هو الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 432، لسان العرب 2/ 492.

(2)

الكُلَف: جمع كُلْفة وهي المشقة، ينظر: لسان العرب 9/ 307، وهذا إشارة إلى حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر " أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري (1483).

(3)

وذلك في حديث أنس بن مالك في الصدقات، وفيه:" وفي الرَّقَة ربع العشر " أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب زكاة الغنم (1454).

(4)

الواضح 1/ 188 - 179.

ص: 243

القول الأول: وهو قول ابن عقيل أنه الزكاة المفروضة وهو المروي عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهما

(1)

، والحسن، وطاووس، وقتادة، وعطاء، وابن جريج

(2)

. وقالوا: إنها مجملة المقدار في القرآن فبينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته بالتفصيل، ورجحه الواحدي

(3)

وابن العربي

(4)

.

القول الثاني: أنه حق غير الزكاة، يكون يوم الحصاد وعند الصرام، وهو إطعام من حضر من الفقراء، والإيتاء لمن غبر، قاله مجاهد، وهو مذهب ابن عمر، وأبي العالية

(5)

، والنخعي، وسعيد بن جبير، وابن أبي نجيح

(6)

، ومحمد بن كعب

(7)

.

(1)

هو أنس بن مالك بن النضر أبو حمزة الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة 93 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 3/ 395، الاستيعاب 1/ 44.

(2)

ينظر: جامع البيان 9/ 595.

(3)

الوجيز 1/ 378.

(4)

أحكام القرآن 2/ 282.

(5)

ينظر: معاني القرآن للنحاس 2/ 501.

(6)

هو عبدالله بن أبي نُجيح أبو يسار الثقفي المكي المفسر صاحب مجاهد مات سنة 131 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 6/ 125، طبقات الداوودي 1/ 258.

(7)

ينظر: جامع البيان 9/ 600، وهو محمد بن كعب بن سليم القرظي أبو حمزة أو أبو عبدالله المدني تابعي جليل مات سنة 120 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 5/ 65، تهذيب التهذيب 9/ 363.

ص: 244

ورجحه النحاس حيث قال: (والقول الأول أولاها لأنه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضة لأن الأنعام مكية، والزكاة إنما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" أنه نهى عن جذاذ الليل "

(1)

، قال سفيان: كي يحضر المساكين)

(2)

.

القول الثالث: أن الحق في الآية منسوخ بالزكاة فلا يحكم بوجوبه، وهو قول لابن عباس، والنخعي، وسعيد بن جبير، والسدي

(3)

، ورجحه الطبري وقال:(وذلك لأن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم أن صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدياس والتنقية والتذرية، وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجفاف)

(4)

.

والقول الراجح هو القول الأول وهو أن المراد بالحق الزكاة المفروضة وهو قول الجمهور، واعتُرِض عليه بأن السورة مكية، والزكاة فرضت في المدينة، والجواب أن أصل الزكاة كان مشروعاً في أول الإسلام وذلك بالإنفاق في سبيل الله بدون تحديد، وفي المدينة النبوية حددت الأنصبة والمقادير.

قال ابن الحصار: (ذكر الله الزكاة في السور المكيات كثيراً تصريحاً وتعريضاً بأن الله سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه ويظهره حتى تفرض الصلاة والزكاة وسائر الشرائع، ولم تؤخذ الزكاة إلا بالمدينة بلا خلاف، وأورد من ذلك قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141]، وقوله في سورة المزمل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المزمل:20]، ومن ذلك قوله فيها: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:20])

(5)

.

(1)

أخرجه البيهقي في كتاب الضحايا باب التضحية في الليل من أيام منى (18983) من حديث علي رضي الله عنه، وينظر: تلخيص الحبير 4/ 142.

(2)

معاني القرآن 2/ 502.

(3)

ينظر: جامع البيان 9/ 608.

(4)

جامع البيان 9/ 611.

(5)

الإتقان 1/ 107.

ص: 245

واعتُرض أيضاً بأن الزكاة لا تؤخذ يوم الحصاد، والجواب على هذا من أوجه:

أحدها: أن الأمر بالإيتاء محمول على وجوب الإخراج، إلا أنه لا يمكن ذلك عند الجذاذ والحصاد، فيؤخر إلى زمن الإمكان بعد التنقية.

والثاني: أن اليوم ظرف للحق لا للإيتاء فكأنه قال: وآتوا حقه الذي وجب يوم حصاده بعد التنقية والتصفية.

والثالث: أن ذكر يوم الحصاد له فائدة، وهي أنه لا يجب الحق قبل يوم الحصاد، بل يجب يومه حين حصوله في يد صاحبه

(1)

.

قال ابن العربي: (قد أفادت هذه الآية: وجوب الزكاة فيما سمى الله سبحانه، وأفادت بيان ما يجب فيه من مخرجات الأرض التي أجملها في قوله:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267]، وفسرها ههنا، فكانت آية البقرة عامة في المخرج كله مجملة في القدر، وهذه الآية خاصة في مخرجات الأرض مجملة في القدر؛ فبينه رسول الله الذي أُمِر بأن يبين للناس ما نزل إليهم، فقال: " فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو دالية

(2)

نصف العشر " فكان هذا بياناً لمقدار الحق المجمل في هذه الآية)

(3)

.

وإذا عرفنا أن السلف يطلقون النسخ على البيان والتخصيص أمكن حمل كلامهم على هذا المعنى العام، فأحاديث السنة التي فيها الأنصبة والمقادير بيان لما أُجمل في هذه الآية.

قال ابن كثير: (وفي تسمية هذا نسخاً نظر؛ لأنه قد كان شيئاً واجباً في الأصل، ثم إنه فصل بيانه وبُيّن مقدار المخرج وكميته، قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة، فالله أعلم)

(4)

.

(1)

ينظر: زاد المسير 3/ 104 بتصرف.

(2)

الدالية: شيء يتخذ من خوص وخشب يُستقى به بحبال يُشد في رأس جذع طويل، ينظر: كتاب العين ص 302، القاموس المحيط 4/ 359.

(3)

أحكام القرآن 2/ 282.

(4)

تفسير ابن كثير: 1374.

ص: 246

قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} [الأنعام:151].

55/ 3 - قال ابن عقيل: ({وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151]، بينت السنة المستثنى بقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس "

(1)

اهـ)

(2)

.

(1)

أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في كتاب الديات باب الإمام يأمر بالعفو في الدم (4502) من حديث عثمان رضي الله عنه، وأخرجه البخاري كتاب الديات باب قول الله تعالى:{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] إلى قوله: {هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة:45](6878)، ومسلم في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1676) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ:" لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ".

(2)

الواضح 2/ 8.

ص: 247