الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السمرقندي: (يعني ما نقصناهم)
(1)
.
ومثله قال الواحدي
(2)
، والسمعاني
(3)
، والراغب
(4)
، وابن الجوزي
(5)
، وغيرهم
(6)
. والله أعلم.
سورة الرحمن
قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن:39].
133/ 1 - قال ابن عقيل: (قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)} يُحْمل على مقام، وقوله:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)} [الحجر:92] يُحْمل على مقام آخر اهـ)
(7)
.
الدراسة:
ظاهر هاتين الآيتين التعارض، قال الشنقيطي:(وهنا إشكال معروف)
(8)
.
ففي الآية الأولى: نفي السؤال يوم القيامة، ومثلها قوله تعالى:{وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)} [القصص:78].
وفي الآية الثانية: إثبات سؤال الجميع يوم القيامة، ومثلها قوله تعالى:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف:6].
(1)
تفسير السمرقندي 3/ 334.
(2)
الوجيز 2/ 1034.
(3)
تفسير السمعاني 5/ 274.
(4)
المفردات ص 512.
(5)
زاد المسير 7/ 265.
(6)
ينظر: المحرر الوجيز 5/ 189، الجامع لأحكام القرآن 17/ 67، تفسير ابن كثير 7/ 3316، لسان العرب 2/ 4.
(7)
الواضح 1/ 171، 3/ 456.
(8)
أضواء البيان 1/ 408.
ذكر ابن عقيل أحد أوجه الجمع بينها وهو: أن يحمل السؤال المنفي على مقام، ويحمل السؤال المثبت على مقام آخر
(1)
، رواه عكرمة عن ابن عباس
(2)
، وهو قول عكرمة
(3)
، وقتادة
(4)
.
الوجه الثاني: أن يحمل السؤال المثبت على السؤال عن شهادة أن لا إله إلا الله
(5)
؛ لما روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92] قال: " عن لا إله إلا الله "
(6)
، والسؤال المنفي عما عدا ذلك مما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه
(7)
، ويدل له قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص:65]
(8)
.
الوجه الثالث: أن السؤال المنفي سؤال بعضهم بعضاً؛ لاشتغال كل واحد منهم بنفسه، روي هذا عن ابن عباس
(9)
، والسؤال المثبت هو سؤال الله تعالى للجميع، ويدل له قوله جل وعلا:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)} [القصص:65 - 66].
(1)
ينظر هذا القول في: أحكام القرآن للجصاص 3/ 553، المحرر الوجيز 5/ 232، الجامع لأحكام القرآن 10/ 61، الدر المنثور 8/ 387، دفع إيهام الاضطراب ص 107.
(2)
زاد المسير 4/ 319.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 17/ 174.
(4)
المحرر الوجيز 5/ 232.
(5)
ينظر: جامع البيان 22/ 140.
(6)
أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة الحجر (3126) وقال: هذا حديث غريب، وضعف إسناده الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 388.
(7)
ينظر: البرهان للزركشي 2/ 55.
(8)
ينظر: دفع إيهام الإضطراب ص 107.
(9)
ينظر: زاد المسير 7/ 313.
الوجه الرابع: أن السؤال المنفي هو سؤال الكافر؛ لأنه قد عُرِف بعلامته وسيماه
(1)
، ويدل له قوله تعالى في الآية التي بعدها:{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)} [الرحمن:41]، روي هذا عن ومجاهد
(2)
، وروي عن قتادة أن نفي السؤال عن الذنوب لأن الله قد حفظها عليهم
(3)
.
الوجه الخامس: أن السؤال المنفي بعد استقرارهم في النار، والسؤال المثبت قبل ذلك
(4)
.
الوجه السادس: أن السؤال المنفي سؤال الاستخبار والاستعلام، والسؤال المثبت سؤال التوبيخ والتقريع، كما قال ابن عباس رضي الله عنه:(لا يسألهم: هل عملتم كذا وكذا؛ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا؟)
(5)
.
قال القرطبي: (واعتمد قطرب هذا القول)
(6)
.
وبه قال النحاس
(7)
، والجصاص
(8)
، والواحدي
(9)
.
قال ابن عطية: (وهو الأظهر)
(10)
.
(1)
معاني القرآن وإعرابه 5/ 101، تفسير السمرقندي 3/ 364.
(2)
ينظر: جامع البيان 22/ 230، المحرر الوجيز 5/ 232، الجامع لأحكام القرآن 17/ 174.
(3)
ينظر: جامع البيان 22/ 230، الجامع لأحكام القرآن 17/ 174.
(4)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن 17/ 174.
(5)
جامع البيان 14/ 141، الجامع لأحكام القرآن 10/ 61.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 10/ 61.
(7)
معاني القرآن 3/ 10.
(8)
أحكام القرآن 3/ 553.
(9)
الوجيز 2/ 1055.
(10)
المحرر الوجيز 5/ 232.
قال الشنقيطي عن هذا الوجه الأخير: (وهو أوجهها لدلالة القرآن عليه .. ) إلى أن قال: (وجه دلالة القرآن على هذا أن سؤاله المنصوص: في كله توبيخ وتقريع؛ كقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25]، وقوله:{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور:15]، وكقوله:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130]، وكقوله:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8]، إلى غير ذلك من الآيات. وسؤال الله للرسل ماذا أُجِبتم لتوبيخ الذين كذبوهم كسؤال الموؤودة:{بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] لتوبيخ قاتلها)
(1)
.
ومما يؤيد هذا: أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة أخص من السؤال المثبت فيها؛ لأن السؤال المنفي مقيد بكونه سؤالاً عن الذنوب؛ كقوله تعالى: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78] فخصه بكونه عن الذنوب، وكذلك في قوله سبحانه:{لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)} [الرحمن:39]، والمراد به: الاستعلام والاستخبار، وهذا لا ينافي ثبوت نوع آخر من السؤال، كسؤال التوبيخ والتقريع؛ لأنه نوع من العذاب، وكذلك سؤال التقرير؛ لأن آية إثبات السؤال جاءت عامة حيث قال تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)} [الحجر:92]، وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة
(2)
، وهذا هو أولى الأوجه بالجواب.
قال القرطبي: (والقول بالعموم أولى)
(3)
، أي: عموم السؤال للجميع.
وبهذا يزول ما يوهم التعارض بين الآيات. والله تعالى أعلم.
(1)
دفع إيهام الاضطراب ص 106.
(2)
ينظر: أضواء البيان 1/ 408، 409.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 10/ 61.