الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن النفي قد يكون عن عجز، كما يُمَثَّل على نفي الفعل لعدم القدرة عليه بقولهم: الجدار لا يظلم، والله جل وعلا منزه عن ذلك. والله تعالى أعلم.
سورة المدثر
قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر:4].
143/ 1 - قال ابن مفلح
(1)
: (احتج غير واحد منهم ابن عقيل على أن اجتناب النجاسة شرط بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} اهـ)
(2)
.
الدراسة:
استدل ابن عقيل بالآية: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} على أن الصلاة لا تصح بدون طهارة الثياب؛ لنص الآية على هذا، وهو استدلال صحيح، وبمثله استدل الحنفية
(3)
، والمالكية
(4)
، الشافعية
(5)
، والحنابلة
(6)
، وغيرهم
(7)
.
قال السمعاني: (وهو قول مختار عند الفقهاء)
(8)
.
وقال القرطبي: (وهو ظاهر منها - أي الاستدلال بالآية - صحيح فيها)
(9)
.
(1)
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي ثم الصالحي الحنبلي، من مصنفاته: الفروع، الآداب الشرعية، مات سنة 763 هـ، له ترجمة في: البداية والنهاية 18/ 657، شذرات الذهب 6/ 199.
(2)
الفروع 1/ 367.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 536 فتح القدير لابن الهمام 1/ 192.
(4)
ينظر: المدونة 1/ 138، بداية المجتهد ص 66.
(5)
ينظر: أحكام القرآن للشافعي 1/ 81، المجموع 3/ 140.
(6)
ينظر: المغني 2/ 464، الفروع 1/ 367.
(7)
ينظر: المحلى 3/ 122، الكشاف للزمخشري 4/ 647.
(8)
تفسير السمعاني 6/ 89.
(9)
الجامع لأحكام القرآن 19/ 66.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد في الآية: الثياب المعنوية، أي: العمل، ففي الآية الأمر بإصلاح العمل، لأنه يقال: فلان خبيث الثياب، إذا كان خبيث العمل
(1)
، وهذا من أسباب اختلافهم في هذه المسألة، ولذا قال من فسرها بالمعنى المعنوي: لا تشترط طهارة الثياب الحسية في الصلاة، وممن رُوي عنه ذلك: مالك وبعض أصحابه
(2)
، واحتُج لمالك بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:" ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً "
(3)
،
…
ووجه الاستدلال به: أنه أكمل الصلاة ولم يُعد ما مضى من صلاته بالقذر.
والصواب أن استدلال ابن عقيل بالآية صحيح لا إشكال فيه لأمور منها:
1 -
أن هذه الآية مما استدل بها الجمهور على وجوب اجتناب النجاسة في الصلاة. قال النووي: (واحتج الجمهور بقول الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] والأظهر أن المراد ثيابك الملبوسة، وأن معناه: طهرها من النجاسة، وقد قيل في الآية غير هذا، لكن الأرجح ما ذكرناه، ونقله صاحب الحاوي عن الفقهاء، وهو الصحيح)
(4)
.
(1)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/ 63.
(2)
ينظر: بداية المجتهد ص 66، شرح الموطأ 1/ 41.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب الصلاة في النعل (650)، وقال النووي: إسناده صحيح، ينظر: المجموع 3/ 140.
(4)
المجموع 3/ 140.
2 -
أن أدلة من قصرها على المعنى الثاني غير ناهضة لقصرها عليه. ويمكن الإجابة عنها، أما الحديث: فإن الوارد فيه " القذر " ولا يلزم أن يكون نجساً كالمخاط والبصاق ونحوهما، وعلى فرض كونه نجساً فيحتمل كونه قليلاً معفواً عنه. ثم إن الحديث دليل عليهم حيث أزال النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه القذر فور علمه بها، وما كان قبل علمه فهو معذور فيه لجهله بوجوده أو نسيانه.
3 -
أن الأولى البقاء على المعنى الظاهر دون غيره من المعاني الخفية.
4 -
أن الأمر المعنوي عُطف على هذه الآية بقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)} [المدثر:5 - 7]، فدل على أن الأولى إرادة المعنى الحسي لتزيد الفائدة، ولا يكون في الآيات تكراراً.
5 -
أنه مع التسليم بحمل الآية على المعنى المعنوي فلا ينفى عنها المعنى الحسي؛ بل هو الأصل فتحمل عليهما جميعاً، وليس هناك مانع من هذا، أما قصرها على المعنى المعنوي فهو تخصيص بلا دليل
(1)
.
6 -
أن الأدلة الأخرى شاهدة للمعنى الحسي، وهو شرطية إزالة النجاسة، ومنها: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين يعذبان، فقال:" إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة "
(2)
. والله أعلم.
(1)
ينظر: المحلى 3/ 122.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب الجريدة على القبر (1361)، ومسلم في كتاب الطهارة باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه (292).
قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)} [المدثر:42 - 46].
144/ 2 - قال ابن عقيل: (وهذا يدل على أنهم يؤاخذون بترك الإيمان وترك العبادات المذكورة اهـ)
(1)
.
الدراسة:
استدل ابن عقيل في هذه الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وقد سبق بحث خلاف العلماء في هذه المسألة عند قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} [الفرقان:68 - 69]
(2)
.
قال الرازي ضمن تفسيره لقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)} [المدثر:42 - 46]: (واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفار يعذبون بترك فروع الشرائع، والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول من أصول الفقه
(3)
)
(4)
. والله أعلم.
(1)
الواضح 3/ 134.
(2)
ينظر: 419.
(3)
ينظر: المحصول 2/ 237 وما بعدها.
(4)
التفسير الكبير 30/ 186، ويراجع في هذه المسألة: العدة 2/ 364، الواضح 3/ 132، نهاية السول ص 72، البحر المحيط للزركشي 2/ 124، التقرير والتحبير 2/ 87، روضة الناظر 1/ 145.