الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الرعد
81/ 1 - قال ابن عقيل: ({مِنْ أَمْرٍ اللَّهِ} [الرعد:11]، مكان: بأمر الله اهـ)
(1)
.
الدراسة:
أراد ابن عقيل تفسير [من] في هذه الآية.
ومن المعلوم أن الحرف له ارتباط من ناحية المعنى بما قبله وما بعده، وقد وفَّى المفسرون ما قيل في معنى: معقبات، وفي المقصود: بالحفظ، وفي المراد: بأمر الله
(2)
.
لكن خلاصة الخلاف في معنى [من] ما يلي:
القول الأول: أن [من] بمعنى [الباء] كما هو قول ابن عقيل، وهو مروي عن قتادة
(3)
، وهو ما عليه أكثر المفسرين
(4)
، وحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض، والمعنى: يحفظونه بأمر الله.
(1)
الواضح 1/ 122.
(2)
ينظر: جامع البيان 13/ 456 وما بعدها، معاني القرآن للنحاس 3/ 478، النكت والعيون 3/ 98، زاد المسير 4/ 238.
(3)
ينظر: جامع البيان 13/ 464، تفسير عبدالرزاق 2/ 332.
(4)
ينظر: تفسير السمرقندي 2/ 219، تفسير السمعاني 3/ 81، معالم التنزيل 3/ 6، الجلالين ص 250.
القول الثاني: أن [من] بمعنى [عن]، أي: يحفظونه عن أمر الله، والقولان متقاربان معنى، ومؤداهما واحد كما قال القرطبي:(يحفظونه من أمر الله أي: بأمر الله وبإذنه فـ[من] بمعنى [الباء] وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وقيل: [من] بمعنى [عن] أي: يحفظونه عن أمر الله، وهذا قريب من الأول، أي: حفظهم عن أمر الله لا من عند أنفسهم، وهذا قول الحسن، تقول: كسوته عن عري، ومن عري، ومنه قوله عز وجل: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} [قريش:4] أي: عن جوع)
(1)
.
القول الثالث: أن [من] باقية على بابها، والمعنى: يحفظونه من أمر الله.
وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد حيث قالا: (الملائكة من أمر الله)
(2)
.
والذي يظهر لي أن المعاني كلها متقاربة؛ لأن هذا المعنى أيضاً لا يخرج عما قبله، فالملائكة
(3)
يحفظونه بأمر الله أو من أمر الله حتى يأتي أمر الله، أما من ناحية اللفظ فبقاء الحرف على بابه هو الأولى.
وكل حرف من حروف الصفات له عدة معاني، وتؤدي بعض الحروف معنى الآخر، دون إخلال بالمعنى، والنصوص دالة على صحة هذا الاستعمال:
فـ[من] تأتي بمعنى [الباء]، كما في قوله تعالى:{يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45]، أي: بطرف خفي.
وتأتي بمعنى [عن]، كما في قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22]، أي: عن ذكر الله
(4)
.
(1)
الجامع لأحكام القرآن 9/ 292، وينظر: رصف المباني ص 389.
(2)
ينظر: جامع البيان 13/ 464.
(3)
وهذا على الراجح من تفسير المعقبات للأدلة الصحيحة، ينظر: معاني القرآن للنحاس 3/ 479.
(4)
ينظر: العدة 1/ 211، مغني اللبيب ص 315، الجنى الداني ص 311، 314، شرح الكوكب المنير 1/ 243، من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم ص 348 وما بعدها.
ومما يؤيد جواز كل المعاني: أن كلاً من [الباء] و [من] و [عن] تأتي بمعنى التعليل، فبينها معنى مشترك، ومن أمثلة ذلك:
قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:25]، أي: بسببها.
وقال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40]، أي: بسببه.
وقال تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود:53]، أي بسببه
(1)
.
فلو جعل معنى الآية التي معنا إجمالاً: يحفظونه بسبب أمر الله، لكان ذلك صواباً.
ومن المعاني التي ذكرها الزمخشري في الآية قوله: (يحفظونه من أجل أمر الله)
(2)
.
وذكر ابن الجوزي من المعاني: (يحفظونه لأمر الله فيه حتى يسلموه إلى ما قدر له)
(3)
.
وبهذا تجتمع الأقوال. والله تعالى أعلم.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} [الرعد:25].
82/ 2 - قال ابن عقيل في قوله تعالى: ({لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25]: بمعنى عليهم اللعنة اهـ)
(4)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل [اللام] بـ[على]، وهذا هو ما قال به جمع من العلماء
(5)
.
(1)
ينظر: مغني اللبيب ص 111، 155، 314.
(2)
الكشاف 2/ 487، وينظر: تفسير البيضاوي 3/ 321، فتح القدير 3/ 85.
(3)
زاد المسير 4/ 239.
(4)
الواضح 1/ 120.
(5)
ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 299، الجنى الداني في حروف المعاني ص 100.
قال السمعاني: (قوله: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25] أي: عليهم اللعنة)
(1)
. ومثله قال ابن الجوزي
(2)
، والرازي
(3)
.
وذكروا لذلك شواهد منها: قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)} [الإسراء:107] أي: على الأذقان
(4)
، وقوله تعالى:{دَعَانَا لِجَنْبِهِ} [يونس:12] أي: على جنبه
(5)
، قال ابن قتيبة:(والعرب تقول: سقط فلان لفيه، أي: على فيه)
(6)
.
أقول: وإن جاز استعمال اللام بمعنى [على] حسب دلالة السياق إلا أن الأولى البقاء على المعنى الأصلي لللام: وهو الاستحقاق والاختصاص
(7)
ما دام له محمل صحيح دون معارض
(8)
، فتقول: للكافرين اللعنة، أي: يستحقون اللعنة، وهي خاصة بهم دون غيرهم.
قال الراغب: (ولام الاستحقاق نحو قوله: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} [الرعد:25]
…
وقال بعض النحويين: اللام في قوله: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25] بمعنى: على، أي: عليهم اللعنة، وفي قوله:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} [النور:11]، وليس ذلك بشيء)
(9)
.
وقال الزركشي ضمن كلامه على معاني اللام: (وتأتي للاستحقاق، كقوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} [المطففين:1]، وقوله تعالى:{لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} [الرعد:25])
(10)
. والله تعالى أعلم.
(1)
تفسير السمعاني 2/ 41.
(2)
زاد المسير 4/ 249.
(3)
التفسير الكبير 22/ 54.
(4)
الجنى الداني في حروف المعاني ص 100.
(5)
مغني اللبيب ص 216.
(6)
تأويل مشكل القرآن ص 299.
(7)
مغني اللبيب ص 211.
(8)
ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين 2/ 387.
(9)
المفردات ص 497، وينظر: رصف المباني في شرح حروف المعاني ص 297.
(10)
البرهان 4/ 339.