الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما دامت [من] تستعمل بمعنى الباء في القرآن كقوله تعالى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة:240]
(1)
، وتستعمل بمعنى التعليل كقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام:151]
(2)
، فلا مانع من حمل الآية عليها كلها، لأن الآية تحتملها. والله تعالى أعلم.
سورة الزلزلة
قال تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة:5].
149/ 1 - قال ابن عقيل: (يعني: إليها اهـ)
(3)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل [اللام] في هذه الآية بـ[إلى]، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه
(4)
، وهو قول ابن قتيبة
(5)
، والطبري
(6)
، والنحاس
(7)
، والجصاص
(8)
، والواحدي
(9)
، والسمعاني
(10)
، وعليه أكثر العلماء
(11)
؛ لأن المعروف تعدي الوحي بـ[إلى]، كقوله تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68].
(1)
ينظر: من أسرار حروف الجر ص 352.
(2)
ينظر: المرجع السابق ص 358.
(3)
الواضح 1/ 122.
(4)
جامع البيان 24/ 562، الدر المنثور 8/ 592.
(5)
تأويل مشكل القرآن ص 300.
(6)
جامع البيان 24/ 560.
(7)
معاني القرآن 4/ 470.
(8)
أحكام القرآن 3/ 253.
(9)
الوجيز 2/ 1223.
(10)
تفسير السمعاني 6/ 268.
(11)
ينظر: الكشاف 4/ 791، زاد المسير 8/ 305، التفسير الكبير 32/ 57، الجامع لأحكام القرآن 20/ 149، تفسير ابن كثير 8/ 3835، معجم حروف المعاني في القرآن الكريم 2/ 886.
واستعمال [اللام] مكان [إلى] كثير في اللغة العربية
(1)
، كقوله تعالى:{سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف:57] أي: إلى بلد، وقوله تعالى:{كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد:2] أي: إلى أجل.
وتأمل في قول الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} الآية [الأعراف:43]، فـ[هدى] يتعدى بـ[إلى]، كما قال تعالى:{وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام:87] فالهداية أوصلت صاحبها إلى الصراط المستقيم. والوصول موجود في معنى [إلى] و [اللام]، فـ[اللام] أقرب الحروف لفظاً ومعنىً إلى [إلى]، ولذلك جاز دخول كل واحدة منهما في موضع الأخرى، كقوله تعالى:{إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] أي: ادفعوا لهم
(2)
.
وذهب جماعة من العلماء إلى أن الفعل [أوحى] مضمن معنى: [أذن] منهم الواحدي
(3)
، وأشار إليه البغوي
(4)
، واستظهره ابن كثير
(5)
.
ولا تعارض بين القولين؛ فمؤداهما واحد، وليس تضمين أحدهما بأولى من الآخر
(6)
.
قال الطبري: (وتأويل الكلام على هذا المعنى: يومئذ تبين الأرض أخبارها بالزلزلة والرجة وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها بوحي الله إليها وإذنه لها بذلك، وذلك معنى قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة:5]، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)
(7)
.
(1)
ينظر: الجنى الداني ص 99، مغني اللبيب ص 215، لسان العرب 3/ 157.
(2)
ينظر: رصف المباني ص 297.
(3)
الوجيز 2/ 1223.
(4)
معالم التنزيل 4/ 483.
(5)
تفسير ابن كثير 8/ 3835.
(6)
فعلى القول الأول: ضمنت [اللام] معنى [إلى]، وعلى الرأي الآخر: ضمن [أوحى] معنى [أذن].
(7)
جامع البيان 24/ 560.
فجمع الطبري بين القولين على أنهما قولاً واحداً، وهذا بديع في تفسير كلام الله جل وعلا.
فإن قال قائل: فما السر في استعمال [اللام] مكان [إلى]؟.
فالجواب أن يقال:
1 -
لقرب [اللام] من [إلى] في اللفظ والمعنى كما سبق، فأيهما كان أولى في سياق الآية كان استعماله أجدر وأحرى.
2 -
أن اختيار [اللام] دون [إلى] لمراعاة فواصل الآيات، وهذا من أقوى الأوجه في نظري؛ لأن الفواصل لها اعتبارها في كثير من خواتم الآيات في القرآن مع ما يرتبط بها من معان أخرى قد نعلم منها اليسير ويخفى علينا الكثير، وقد أشار بعض العلماء إلى شيء من ذلك في هذه الآية التي معنا.
3 -
أن التعدية باللام لتضمين [أوحى] معنى [قال] وإنما عدل عن فعل [قال لها] إلى فعل [أوحى لها] لأنه حكاية تكوين لا عن قول لفظي
(1)
.
4 -
أن الوحي للأرض أمر خاص لها على سبيل التسخير، وهو ما يفسر به مجيئه هنا متعدياً باللام من بين ما يقرب من سبعين موضعاً كلها عديت بـ[إلى]
(2)
.
5 -
قال الرازي: (لعله إنما قال: [لها] أي: فعلنا ذلك لأجلها، حتى تتوسل الأرض بذلك إلى التشفي من العصاة)
(3)
. بمعنى: أن اللام على بابها، والموحى إليه محذوف، وهو الملائكة، والتقدير: أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض، أي: لأجل ما يفعلون فيها، وفي هذا من التكلف ما فيه.
(1)
ينظر: التحرير والتنوير 30/ 493.
(2)
ينظر: المفردات ص 498، من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم ص 233.
(3)
التفسير الكبير 32/ 57، وينظر: روح المعاني 30/ 210.