الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الجصاص: (المقصد إخبارهم بأنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين متقربين بالإحرام، فلما ذكر معه الحلق والتقصير: دل على أنهما قربة في الإحرام، وأن الإحلال بهما يقع، لولا ذلك ما كان للذكر ههنا وجه .. وهذا أيضاً يدل على أنهما قربة ونسك عند الإحلال من الإحرام)
(1)
.
وقال ابن قدامة في الاستدلال على وجوب الحلق أو التقصير: (لأن الله تعالى وصفهم به، بقوله سبحانه: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27] ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به)
(2)
.
وقال ابن النجار: (وإن كنى الشارع عن عبادة ببعض ما فيها، نحو: التعبير عن الإحرام بالنسك بأخذ الشعر في قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27] دل على فرضية المكنى به عن تلك العبادة. فيدل قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} على فرضية الحلق في الحج؛ لأن العرب لا تكني عن الشيء إلا بالأخص به. وكذا قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} [ق:39] يدل على وجوب التسبيح في الصلاة. ذكره القاضي وابن عقيل)
(3)
. والله تعالى أعلم.
سورة الحجرات
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحجرات:2].
130/ 1 - قال ابن عقيل في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات:2]
(يعني: عليه بالقول اهـ)
(4)
.
(1)
أحكام القرآن للجصاص 3/ 527 بتصرف، وينظر: بدائع الصنائع 3/ 98.
(2)
المغني 5/ 305.
(3)
شرح الكوكب المنير 1/ 256 بتصرف.
(4)
الواضح 1/ 120.
الدراسة:
فسر ابن عقيل [اللام] في هذه الآية بـ[على]، ففيه النهي عن رفع الصوت على النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
؛ لأن [على] تفيد الاستعلاء. وهو تفسير ابن قتيبة حيث قال: ({وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات:2] أي: لا تجهروا عليه بالقول. والعرب تقول: سقط فلان لفيه، أي على فيه)
(2)
.
وقال أبو يعلى مثله
(3)
، وأشار إليه القرطبي
(4)
، وغيرهم
(5)
.
وأكثر العلماء لا يشيرون في تفاسيرهم إلى معنى اللام، ولعل ذلك إبقاء لها على بابها، وهو الأقرب عندي:
قال الطبري: ({وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2] يقول: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضاً باسمه؛ يا محمد؛ يا محمد، ولكن قولاً ليناً وخطاباً حسناً، بتعظيم له وتوقير وإجلال؛ يا نبي الله؛ يا رسول الله، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)
(6)
.
وقال السمرقندي: (ثم قال: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2] يعني: لا تدعوه باسمه كما يدعو الرجل الرجل منكم باسمه، ولكن عظموه ووقروه وقولوا: يا رسول الله؛ يا نبي الله)
(7)
.
وقال الواحدي: (لاتنزلوه منزلة بعضكم من بعض؛ فتقولوا: يا محمد، ولكن خاطبوه بالنبوة والسكينة والإعظام)
(8)
.
فقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات:2] جاءت بعد جملة {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2] فالأولى أن لا تفسر [اللام] بـ[على] لئلا يكون معنى الجملتين واحداً.
(1)
ينظر: زاد المسير 7/ 220.
(2)
تأويل مشكل القرآن ص 299.
(3)
العدة 1/ 210.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 16/ 306.
(5)
ينظر: الجنى الداني ص 100، مغني اللبيب ص 215.
(6)
جامع البيان 21/ 338.
(7)
تفسير السمرقندي 3/ 307.
(8)
الوجيز 2/ 1016.
وإذا كانت [اللام] على بابها أفادت الجملة الثانية زيادة على النهي عن رفع الصوت على النبي صلى الله عليه وسلم: النهي عن المساواة في الخطاب بين النبي صلى الله عليه وسلم وأقرانكم ونظرائكم
(1)
، وإذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى
(2)
. والله أعلم.
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات:10].
131/ 2 - قال ابن عقيل: ({فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] المراد به: بين كل اثنين من المؤمنين اهـ)
(3)
.
الدراسة:
قال ابن عقيل في معنى قوله تعالى: {أَخَوَيْكُمْ} كل اثنين من المؤمنين، بمعنى أن المراد: الجمع، أي: بين كل أخوين.
وهو كما قال رحمه الله؛ لأمور منها:
1 -
أنه قول عامة العلماء
(4)
.
قال الطبري: (ومعنى الأخوين في هذا الموضع: كل مقتتلين من أهل الإيمان، وبالتثنية قرأ ذلك قرأة الأمصار)
(5)
.
وقال ابن كثير: (وقوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] يعني: الفئتين المقتتلتين)
(6)
.
(1)
ينظر: التفسير الكبير 28/ 98، روح المعاني 26/ 135.
(2)
ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين 2/ 473.
(3)
الواضح 3/ 430.
(4)
ينظر: تفسير السمعاني 5/ 221، الكشاف 4/ 369، الجامع لأحكام القرآن 16/ 323، تفسير ابن كثير 7/ 3269.
(5)
جامع البيان 21/ 363.
(6)
تفسير ابن كثير 7/ 3269.
2 -
القراءات الواردة في هذه الكلمة: حيث قرأ ابن عامر: (بين إخوتكم)
(1)
، قال الفراء:(ولو قيل ذلك كان صواباً)
(2)
أي: لو قيل إخوتكم مكان أخويكم لكان صواباً؛ لأنهما بمعنى واحد.
ورُوي عن ابن سيرين
(3)
أنه قرأها: (بين إخوانكم)
(4)
ولكنها شاذة
(5)
، قال الطبري:(وذلك من جهة العربية صحيح غير أنه خلاف لما عليه قرأة الأمصار، فلا أحب القراءة بها)
(6)
.
3 -
سياق الآية مع ما قبلها.
حيث أن هذه الآية بعد قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الآية [الحجرات:9]؛ فدل على أن المراد الجمع لا التثنية.
فإن قيل: لم خُص الاثنان بالذكر دون الجمع؟.
فالجواب:
أ/ أن يقال: لأن الاثنين أقل ما يقع بينهم الخلاف والشقاق؛ فإذا وجب الإصلاح بين الأقل كانت بين الأكثر من باب أولى، لأن الفساد في شقاق الأكثر أكبر منه في شقاق الاثنين
(7)
.
(1)
ينظر: السبعة لابن مجاهد ص 606.
(2)
معاني القرآن 3/ 71، وينظر: الحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص 330.
(3)
هو أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري الأنَسي البصري، مولى أنس بن مالك، مات سنة 110 هـ، له ترجمة في: سير أعلام النبلاء 4/ 606، شذرات الذهب 1/ 138.
(4)
ينظر: جامع البيان 21/ 363، تفسير السمرقندي 3/ 310.
(5)
ينظر: مختصر في شواذ القراءات لابن خالويه ص 144.
(6)
جامع البيان 21/ 363.
(7)
ينظر: تفسير السمعاني 5/ 221، الكشاف 4/ 369، التفسير الكبير 28/ 111.