الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الراغب: ({يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية [الأنفال:1]، وأصل ذلك من النفل، أي: الزيادة على الواجب، ويقال له النافلة، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79])
(1)
.
وأما النافلة في الشرع، فقد عرفها: بما يثاب فاعله ولا يلام تاركه، وهذا هو تعريف كثير من الأصوليين
(2)
، وأُورِد عليه أنه تعريف بالحكم، والأولى أن يقال: هو ما أمر الشارع به من غير إلزام
(3)
، وهذا قريب في المعنى من تعريف ابن عقيل الثاني، والترغيب الذي أشار إليه إنما يكون من الشارع.
ومن هنا: يتقوى كلام ابن عقيل في التعريف الشرعي حيث عرفه بحكمه وبذاته، فجمع بينهما حتى يتضح المعرَّف أكثر وأكثر. والله أعلم.
سورة الكهف
93/ 1 - قال ابن عقيل: ({لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الكهف:21]، يقال: حققت الشيء وأحققته فهو حق، إذا كنت منه على يقين اهـ)
(4)
.
الدراسة:
أشار ابن عقيل إلى معنى لغوي من معاني: الحق، وهو الشيء الذي تكون منه على يقين.
(1)
المفردات ص 559، وينظر: التعريفات ص 245.
(2)
ينظر: شرح مختصر روضة الناظر 1/ 353، شرح الكوكب المنير 1/ 402.
(3)
ينظر: الإحكام للآمدي 1/ 119، المذكرة ص 19.
(4)
الواضح 1/ 206.
قال ابن فارس: (يقال: حقَقْتُ الأمرَ وأحقَقْتُه، أي: كنت على يقين منه)
(1)
.
وكذا قال الجوهري
(2)
، وابن منظور
(3)
.
وأشار الراغب إلى أن من معاني الحق: (الاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق)
(4)
.
وهذا هو ما عليه المفسرون في تفسير هذه الآية
(5)
.
قال الطبري: (القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الكهف:21] .. فيعلموا أن وعد الله حق، ويوقنوا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل)
(6)
. والله أعلم.
قال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)} [الكهف:33].
94/ 2 - قال ابن عقيل: (والظلم هو الانتقاص قال سبحانه: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف:33]، وتقول العرب: من أشبه أباه فما ظلم، أي: ما انتقص من حق الشبه، ومن قال: إنه وضع الشيء في غير موضعه
(7)
، فما خرج بهذا عن الانتقاص اهـ)
(8)
.
(1)
معجم مقاييس اللغة 2/ 19.
(2)
ينظر: الصحاح 4/ 1208.
(3)
ينظر: لسان العرب 10/ 49.
(4)
وذكر مما يطلق عليه: الموجِد بحكمة، لذا نقول: الله هو الحق، ويطلق على الموجَد بحكمة، لذا يقال: الموت حق، ويطلق على الفعل والقول الواقع بحكمة لذا يقال: فعلك حق، وقولك حق، ينظر: المفردات ص 140.
(5)
ينظر: التفسير الكبير 21/ 89، الجامع لأحكام القرآن 10/ 379.
(6)
جامع البيان 15/ 216.
(7)
ينظر: العدة 1/ 169، مجمع الأمثال للميداني حيث قال:(أي: لم يضع الشبه في غير موضعه؛ لأنه ليس أحد أولى به منه بأن يشبهه) 2/ 355.
(8)
الواضح 1/ 151.
الدراسة:
عرف ابن عقيل الظلم في الآية بالانتقاص، وهذا هو ما عليه جميع المفسرين.
قال الزجاج: ({وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}، أي: لم تنقص منه شيئاً)
(1)
.
وقال النحاس: ({وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}، أي: ولم تنقص)
(2)
.
ومثلهما قال البغوي
(3)
، والزمخشري
(4)
، والرازي
(5)
، والقرطبي
(6)
، وابن منظور
(7)
، وغيرهم
(8)
، بل لم أجد من خالف في هذا المعنى.
قال ابن فارس: (ظلمه يظلمه ظلماً، والأصل: وضع الشيء في غير موضعه؛ ألا تراهم يقولون: من أشبه أباه فما ظلم، أي: ما وضع الشبه غير موضعه)
(9)
، ومثله قال الجوهري
(10)
.
وهذا المعنى كما ذكر ابن عقيل لا يخرج عن معنى الانتقاص.
قال الراغب: ({وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف:33]، أي: لم تنقص، والظلم ثلاثة: الأول: ظلم بين العبد وربه وأعظمه الشرك قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان:13]، والثاني: ظلم بينه وبين الناس وهو المقصود في قوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى:42]، والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وهو المقصود في قوله:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر:32]، وكلها في الحقيقة ظلم للنفس، وقوله:{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الزمر:47]، يتناول الأنواع الثلاثة من الظلم)
(11)
.
(1)
معاني القرآن 3/ 284.
(2)
معاني القرآن 4/ 238.
(3)
معالم التنزيل 3/ 134.
(4)
الكشاف 2/ 674.
(5)
التفسير الكبير 21/ 106.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 10/ 403.
(7)
لسان العرب 12/ 375.
(8)
ينظر: تفسير السمرقندي 2/ 346، تفسير البيضاوي 3/ 496، المحرر الوجيز 3/ 516.
(9)
معجم مقاييس اللغة 3/ 468.
(10)
الصحاح 4/ 1603، وينظر: المفردات ص 353.
(11)
المفردات ص 353 بتصرف.
وكل هذه الأنواع وضع للشيء في غير موضعه، ومن حصل منه أي نوع منها فقد نقص في حق هذا الشيء، فترجع جميعاً إلى النقص، ومعنى {تَظْلِمْ} في الآية التي معنا أقرب إلى النقص ليناسب سياق الكلام، فهو الأولى في تفسيرها، وهو الذي وجدت اتفاق المفسرين عليه عند هذه الآية. والله أعلم.
قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} [الكهف: 50][الكهف:50].
95/ 3 - قال ابن عقيل: ({فَفَسَقَ عَنْ أَمْرٍ رَبِّهِ} [الكهف:50] يعني: خرج؛ فهذا حد الفسق أصلاً في اللغة اهـ)
(1)
.
الدراسة:
أبان ابن عقيل حد الفسق لغة: بأنه الخروج، وهذا هو تعريف أهل اللغة والتفسير.
قال الفراء: ({فَفَسَقَ عَنْ أَمْرٍ رَبِّهِ} [الكهف:50]، أي: خرج عن طاعة ربه، والعرب تقول: فسقت الرطبة من جلدها وقشرها لخروجها منه، وكأن الفأرة إنما سميت: فويسقة لخروجها من جحرها على الناس)
(2)
.
وقال ابن فارس: (الفاء والسين والقاف كلمة واحدة، وهي الفسق، وهو الخروج عن الطاعة)
(3)
.
قال الطبري: ({فَفَسَقَ عَنْ أَمْرٍ رَبِّهِ} [الكهف:50]، يعني به: خرج عن طاعته واتباع أمره)
(4)
.
فيشمل كل معصية صغرت أو كبرت، وهو أعم من الكفر.
(1)
الواضح 1/ 148.
(2)
معاني القرآن 2/ 147، وينظر: جامع البيان 1/ 434، لسان العرب 10/ 308.
(3)
معجم مقاييس اللغة 4/ 502، وينظر: الصحاح 4/ 1270.
(4)
جامع البيان 1/ 434، وينظر: تفسير السمرقندي 1/ 64، تفسير ابن كثير 5/ 2171.
قال الراغب: (فسق فلان: خرج عن حجر الشرع، وذلك من قولهم: فسق الرطب، إذا خرج عن قشره، وهو أعم من الكفر)
(1)
.
وقال البغوي: ({فَفَسَقَ عَنْ أَمْرٍ رَبِّهِ} [الكهف:50]، أي: خرج)
(2)
.
وعلى هذا التفسير إجماع المفسرين
(3)
. والله أعلم.
قال تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)} [الكهف:80].
96/ 4 - قال ابن عقيل: ({فَخَشِينَا} [الكهف:80]، يرجع إلى الخضر، وأنه لما اطلع على ما يكون منه، خشي أن يبلغ فيكفر، ويكفِّر أبويه اهـ)
(4)
.
وقال ابن الجوزي: (وقال ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي اهـ)
(5)
.
_
الدراسة:
اختلف العلماء على من يعود الضمير في قوله: {فَخَشِينَا} [الكهف:80]؟ على قولين، ذكرهما أكثر العلماء
(6)
:
القول الأول: أنه يرجع إلى الخضر
(7)
وهو أحد قولي ابن عقيل، والدليل عليه، قوله تعالى في الآية التالية لها:{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} [الكهف:81]، فصرح بذكر الرب مما يدل على أن المتكلم هو الخضر.
(1)
المفردات ص 425.
(2)
معالم التنزيل 3/ 138.
(3)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن 1/ 245، التسهيل 1/ 512.
(4)
الواضح 2/ 381.
(5)
زاد المسير 5/ 132، وينظر: نظم الدرر 4/ 497.
(6)
ينظر: معاني القرآن للزجاج 3/ 305، معاني القرآن للنحاس 4/ 278، المحرر الوجيز 3/ 536، الجامع لأحكام القرآن 11/ 36، تفسير النسفي 3/ 22، لسان العرب 14/ 228، التسهيل 1/ 517.
(7)
ينظر: تفسير الثعالبي 2/ 392، تفسير أبي السعود 4/ 208.
القول الثاني: أنه يعود إلى الله، واختلفوا في تفسير الخشية: فذهب الفراء، والطبري: إلى أنها بمعنى العلم
(1)
، كما أن الظن يأتي بمعنى العلم
(2)
. وقال الزجاج: (الخشية من الله: بمعنى: الكراهة)
(3)
.
وقال ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي
(4)
.
وقال ابن عطية: (الخشية إنما هي من جهة المخاطبين)
(5)
.
قلت: والراجح الذي يشهد له سياق الكلام هو القول الأول: أن المتكلم هو الخضر.
قال القرطبي: (قوله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} [الكهف:80] قيل: هو من كلام الخضر عليه السلام، وهو الذي يشهد له سياق الكلام، وهو قول كثير من المفسرين)
(6)
.
وقال الشوكاني: (قيل: ويجوز أن يكون: {فَخَشِينَا} [الكهف:80]، من كلام الله، ويكون المعنى: كرهنا كراهة من خشي سوء عاقبة أمره فغَيَّره، وهذا ضعيف جداً، فالكلام كلام الخضر)
(7)
.
ومما يؤيد هذا: أن الأصل البقاء على ظاهر معنى الخشية الأصلي، ولا حاجة إلى التأويل.
ومن قواعد الترجيح عند المفسرين: وجوب حمل نصوص الوحي على الحقيقة، وكذلك: إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته إلى غير مذكور
(8)
، والذي له سابق ذكر هو الخضر.
وأما استعماله لضمير الجمع فيقال فيه ما يُقال في قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا} [الكهف:81].
قال ابن عطية: (والضمير عندي: للخضر وأصحابه الصالحين الذين أهمهم الأمر وتكلموا فيه)
(9)
.
(1)
معاني القرآن 2/ 157، جامع البيان 15/ 357.
(2)
ينظر: معالم التنزيل 3/ 147.
(3)
معاني القرآن وإعرابه 3/ 305.
(4)
زاد المسير 5/ 132.
(5)
المحرر الوجيز 3/ 536.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 11/ 36.
(7)
فتح القدير 3/ 376.
(8)
ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين 2/ 387، 593.
(9)
المحرر الوجيز 3/ 536.
ويجوز أن يكون أشرك معه موسى وفتاه للصحبة التي كانت بينهما.
ويجوز كون الضمير جمعاً للتعظيم.
قال ابن عثيمين: (وأُتي بضمير الجمع للتعظيم)
(1)
.
فعود الضمير إلى الخضر واضح جداً، بدلالة الآية بعدها:{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)} [الكهف: 81][الكهف:81]، فالتصريح بذكر الرب يدل على أن المتكلم هو الخضر، وأما عود الضمير إلى الله فغير صحيح؛ لأن الخشية لا تُنسب إلى الله تعالى، فلا نحتاج إلى الاحتمالات التي وضعها هؤلاء؛ لأنها مبنية على ظنهم أن الضمير يعود إلى الله، وهذا تفسير لا يناسب السياق أولاً ولا يليق بالله ثانياً. والله تعالى أعلم.
سورة مريم
قال تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم:12].
97/ 1 - قال ابن عقيل: ({بِقُوَّةٍ} يعني: بفهم وعلم لما يفهم، ويقين لما يسمع اهـ)
(2)
.
الدراسة:
فسر ابن عقيل [القوة] في الآية بالفهم والعلم واليقين، وهو القول الأول
(3)
، وهذا هو لازم ما فسره به عامة المفسرين في القول الثاني: حيث جعلوا معنى {بِقُوَّةٍ} ، أي: بجد واجتهاد
(4)
، فإذا حصل منه هذا كانت النتيجة: الحفظ لألفاظ الكتاب، وفهم معانيه، والعمل بما فيه. فالفهم والعمل، حاصلُ الجد والاجتهاد، ومصدر هذه القوة واحد، وهو القلب، وهذه الصفة هي التي تفيد المدح.
قال السمعاني: (وقوله: {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]، أي: بجد واجتهاد)
(5)
.
(1)
تفسير سورة الكهف ص 122.
(2)
الواضح 5/ 462.
(3)
ينظر: تفسير الثعالبي 3/ 4.
(4)
ينظر: جامع البيان 15/ 473، تفسير السمرقندي 2/ 370، الكشاف 3/ 9، لسان العرب 15/ 207.
(5)
تفسير السمعاني 3/ 282.
وقال الراغب: ({يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، أي: بقوة قلب)
(1)
.
وقال الرازي: (قوله: {بِقُوَّةٍ} [مريم:12] ليس المراد منه: القدرة على الأخذ؛ لأن ذلك معلوم لكل أحد، فيجب حمله على معنى يفيد المدح: وهو الجد والصبر)
(2)
.
وقال السعدي: (دل الكلام السابق على ولادة يحيى وشبابه وتربيته؛ فلما وصل إلى حالة يفهم فيها الخطاب، أمره الله أن يأخذ الكتاب بقوة، أي: بجد واجتهاد، وذلك بالاجتهاد في حفظ ألفاظه، وفهم معانيه، والعمل بأوامره ونواهيه، هذا تمام أخذ الكتاب بقوة؛ فامتثل أمر ربه، وأقبل على الكتاب فحفظه وفهمه، وجعل الله فيه من الذكاء والفطنة ما لا يوجد في غيره، ولهذا قال: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)} [مريم:12])
(3)
.
وبهذا يتبين أنه وإن اختلفت ألفاظهم فالمعنى واحد، فتفسير بعضهم بلازم قول الآخر
(4)
. والله أعلم.
سورة طه
97/ 1 - قال ابن عقيل: ({وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)} [طه:39]، على مرأى مني؛ بدليل:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} [طه:46] اهـ)
(5)
.
(1)
المفردات ص 467، وينظر: بصائر ذوي التمييز 4/ 314.
(2)
التفسير الكبير 21/ 163.
(3)
تفسير السعدي 5/ 94، وينظر: أضواء البيان 2/ 453، وفيهما الجمع بين القولين.
(4)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن 11/ 86، النكت والعيون 3/ 359، تفسير ابن كثير 5/ 2210.
(5)
الواضح 2/ 382.
الدراسة:
فسر ابن عقيل: {عَلَى عَيْنِي} [طه:39] بمعنى: على مرأى مني، وهذا التفسير هو ما عليه المفسرون جميعاً
(1)
، وأهل اللغة كذلك
(2)
.
ومن نصوصهم ما يلي:
قال الطبري: (وعنى بقوله: {عَلَى عَيْنِي} بمرأى مني، ومحبة، وإرادة)
(3)
.
وقال السمرقندي: ({وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} يقول: ما يصنع بك على منظر مني، وبعلمي وبإرادتي)
(4)
.
وقال البغوي: ({وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)} [طه:39]، يعني: لتربى بمرآي، ومنظر مني)
(5)
. ومثله قال ابن عطية
(6)
.
وقال القرطبي: ({وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي: تربى وتغذى على مرأى مني، قاله قتادة. قال النحاس: وذلك معروف في اللغة، يقال: صنعت الفرس وأصنعته، إذا أحسنت القيام عليه)
(7)
.
تنبيه:
هذا هو تفسير السلف مع التزامهم بإثبات صفة العين حقيقة لله سبحانه على ما يليق بجلاله
(8)
.
فأهل السنة والجماعة مجمعون على إثبات صفة العين لله تعالى
(9)
، ولا يقتضي إثباتها تشبيهاً بأعين المخلوقين
(10)
.
ومن أدلتهم هذه الآية: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .
(1)
ينظر: تفسير السمعاني 3/ 329، المفردات ص 397، مجموع الفتاوى 5/ 99، الجامع لأحكام القرآن 11/ 197، التسهيل 2/ 18، الجلالين ص 314، تفسير السعدي 5/ 156.
(2)
ينظر: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن ص 346، العين ص 702، الصحاح 5/ 1741.
(3)
جامع البيان 16/ 60.
(4)
تفسير السمرقندي 2/ 395.
(5)
معالم التنزيل 3/ 183.
(6)
المحرر الوجيز 4/ 44.
(7)
الجامع لأحكام القرآن 11/ 197.
(8)
ينظر: بدائع الفوائد 2/ 238.
(9)
ينظر: اجتماع الجيوش الإسلامية ص 183.
(10)
ينظر: شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ضمن مجموع الفتاوى 8/ 271، وكذا شرح الهراس ص 118.
وممن استدل بها: ابن تيمية
(1)
، وابن القيم
(2)
، وغيرهم
(3)
.
قال ابن تيمية: (ولله تعالى ذكره عين ووجه .. ) إلى أن قال: (
…
وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]، وقال عز وجل:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ، وقال تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134]، وقال تعالى لموسى وهارون:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، فأخبر عن سمعه ورؤيته وبصره)
(4)
.
99/ 2 - قال ابن عقيل: ({وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، بدلاً من: على جذوع النخل اهـ)
(5)
.
_
الدراسة:
فسر ابن عقيل [في] بـ[على]، وهذا هو القول الأول في تفسيرها، وهو قول الأكثر
(6)
؛ لما في الكلام من معنى الاستعلاء
(7)
.
(1)
الفتاوى الكبرى 5/ 336، العقيدة الواسطية مع شرح ابن عثيمين 8/ 271.
(2)
ينظر: بدائع الفوائد 2/ 238.
(3)
ينظر: نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي 1/ 304.
(4)
بيان تلبيس الجهمية 2/ 21، وينظر كذلك: الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص 121.
(5)
الواضح 1/ 120.
(6)
ينظر: تفسير السمرقندي 2/ 405، معالم التنزيل 3/ 189، زاد المسير 5/ 225، الجامع لأحكام القرآن 18/ 216، الجنى الداني ص 251، تفسير ابن كثير 3/ 1464، فتح القدير 3/ 465.
(7)
ينظر: البرهان 4/ 303.
قال الطبري: (قول الله تعالى ذكره: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، يعني به: على جذوع النخل، وكما يقال: فعلت كذا في عهد كذا وعلى عهد كذا، بمعنًى واحد)
(1)
.
وذلك أن العرب تضع [في] موضع [على]، و [على] موضع [في]، فحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض، كما في قوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام:11]، أي: على الأرض.
قال أبو يعلى: (قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، أي: على جذوع النخل)
(2)
.
وقال ابن منظور: (وتجيء [في] بمعنى [على]، وفي التنزيل العزيز: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، المعنى: على جذوع النخل)
(3)
.
ويستدل كثير من المفسرين بهذه الآية على أن [في] تكون بمعنى [على].
قال السمعاني: (وقوله: {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور:38]، أي: عليه، وهو مثل قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، أي: على جذوع النخل)
(4)
.
والقول الثاني: أن [في] على بابها
(5)
، واستعمالها في هذا الموضع إشارة إلى أن تمكن المصلوب من الجذع كتمكن المظروف بالظرف، ويحتجون بأن لكل حرف معناه.
قال البيضاوي: ({وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف)
(6)
.
(1)
جامع البيان 2/ 321.
(2)
العدة 1/ 208.
(3)
لسان العرب 15/ 167.
(4)
تفسير السمعاني 5/ 279، وينظر: معالم التنزيل 4/ 220، الجامع لأحكام القرآن 17/ 76.
(5)
ينظر: تفسير الثعالبي 3/ 33.
(6)
تفسير البيضاوي 4/ 61.
وقال النحاس: (وذهب بعض أهل اللغة: إلى أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، قالوا معنى: [في] معنى: [على]، وهذا القول عند أهل النظر لا يصح؛ لأن لكل حرف معناه، وإنما يتفق الحرفان لتقارب المعنى، فقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، كان الجذع مشتملاً على من صلب، ولهذا دخلت [في]؛ لأنه قد صار بمنزلة الظرف)
(1)
.
وهذا الذي ذكره النحاس معنى دقيق، وهو أن الحرفين لا يتفقان في المعنى اتفاقاً كلياً، بحيث إن لفظ [في] هو معنى [على] سواء بسواء، وإنما يتقاربان في المعنى فيفيد استعمال أحدهما في موضع الآخر معنى زائداً عن استعمال كل منهما في موضعه
(2)
.
ولذا قال الرازي: (ثم قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، فشبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعائه، فلذلك قال: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، والذي يقال في المشهور: أن [في] بمعنى [على] فضعيف)
(3)
.
والقول بأن القولين يجتمعان هو القول الصحيح، وأن [في] تأتي بمعنى [على]، و يفيد هذا الاستعمال معنى زائداً يدل عليه سياق الكلام، ولا ينافي استقلال كل منهما بمعناه.
قال أبو السعود: ({وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، أي: عليها، وإيثار كلمة [في] للدلالة على إبقائهم عليها زماناً مديداً، تشبيهاً لاستمرارهم عليها باستقرار المظروف في الظرف المشتمل عليه)
(4)
.
(1)
معاني القرآن 1/ 405.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 16/ 101.
(3)
التفسير الكبير 22/ 76.
(4)
تفسير أبي السعود 4/ 295، وينظر: روح المعاني 16/ 231.