الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مُقَدِّمَة الْكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي أَنْزَلَ كِتَابَهُ الْمُبِينَ عَلَى رَسُولِهِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ فَشَرَحَ بِهِ صُدُورَ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ وَنَوَّرَ بِهِ بَصَائِرَ أَوْلِيَائِهِ الْعَارِفِينَ فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ الْأَحْكَامَ وَمَيَّزُوا بِهِ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ وَبَيَّنُوا الشَّرَائِعَ لِلْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا ظَهِيرَ لَهُ وَلَا مُعِينَ شَهَادَةً مُوجِبَةً لِلْفَوْزِ بِأَعْلَى دَرَجَاتِ الْيَقِينِ وَدَافِعَةً لِشُبَهِ الْمُبْطِلِينَ وَتَمْوِيهَاتِ الْمُعَانِدِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الْمَبْعُوثُ لِكَافَّةِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ الْقَائِلُ: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
(وَبَعْدُ) فَخَيْرُ الْعُلُومِ وَأَفْضَلُهَا وَأَقْرَبُهَا إلَى اللَّهِ وَأَكْمَلُهَا عِلْمُ الدِّينِ وَالشَّرَائِعِ الْمُبِينُ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْإِلَهِيَّةُ مِنْ الْأَسْرَارِ وَالْبَدَائِعِ إذْ بِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ الْعِبَادَةِ وَصِحَّتُهَا وَبِهِ يَتَبَيَّنُ حِلُّ الْأَشْيَاءِ وَحُرْمَتُهَا وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْأَنَامِ وَيَسْتَوِي فِي الطَّلَبِ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فَهُوَ أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَعْمَارِ وَصُرِفَتْ إلَيْهِ جَوَاهِرُ الْأَفْكَارِ وَاسْتُعْمِلَتْ فِيهِ الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ رحمهم الله فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ وَوَضَعُوا فِيهِ الْمُطَوَّلَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمُخْتَصَرَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُخْتَصَرُ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ وَلِيِّ اللَّهِ تَعَالَى خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الَّذِي أَوْضَحَ بِهِ الْمَسَالِكَ إذْ هُوَ كِتَابٌ صَغُرَ حَجْمُهُ وَكَثُرَ عِلْمُهُ وَجَمَعَ فَأَوْعَى وَفَاقَ أَضْرَابَهُ جِنْسًا وَنَوْعًا وَاخْتَصَّ بِتَبْيِينِ مَا بِهِ الْفَتْوَى وَمَا هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَقْوَى وَلَمْ تَسْمَحْ قَرِيحَةٌ بِمِثَالِهِ وَلَمْ يَنْسِجْ نَاسِجٌ عَلَى مِنْوَالِهِ إلَّا أَنَّهُ لِفَرْطِ الْإِيجَازِ كَادَ يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْغَازِ وَقَدْ اعْتَنَى بِحَلِّ
عِبَارَتِهِ وَإِيضَاحِ إشَارَتِهِ وَتَفْكِيكِ رُمُوزِهِ وَاسْتِخْرَاجِ مُخَبَّآتِ كُنُوزِهِ وَإِبْرَازِ فَوَائِدِهِ وَتَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ الْهُمَامُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ بَهْرَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عِوَضٍ الدَّمِيرِيُّ الْقَاهِرِيُّ رحمه الله فَشَرَحَهُ ثَلَاثَةَ شُرُوحٍ صَارَ بِهَا غَالِبُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَاشْتَهَرَ مِنْهَا الْأَوْسَطُ غَايَةَ الِاشْتِهَارِ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ مَعَ أَنَّ الشَّرْحَ الْأَصْغَرَ أَكْثَرُ تَحْقِيقًا وَشَرَحَهُ أَيْضًا مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُصَنِّفُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ الْمِصْرِيُّ وَالشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْدَادِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْأَقْفَهْسِيُّ شَارِحُ الرِّسَالَةِ.
وَيُقَالُ لَهُ: الْأَقْفَاصِيُّ وَسَلَكَا فِي شَرْحَيْهِمَا مَسْلَكَ الشَّيْخِ بَهْرَامَ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْفُرَاتِ أَوْسَعَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَشَرَحَهُ أَيْضًا مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُعَيْمٍ الْبِسَاطِيُّ قَرِيبُ الْبِسَاطِيِّ الْمَشْهُورِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَرْحِهِ ثُمَّ شَرَحَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ شَيْخُ شُيُوخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نُعَيْمٍ عَلَى وَزْنِ عَظِيمٍ بْنِ مُقَدِّمٍ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ الْبِسَاطِيُّ شَرْحًا أَكْثَرَ فِيهِ مِنْ الْأَبْحَاثِ وَالْمُنَاقَشَةِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَسَلَكَ مَسْلَكَ الشَّارِحِ فِي غَالِبِ شَرْحِهِ ثُمَّ شَرَحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَسَلَكُوا نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ.
وَبَقِيَتْ فِي الْكِتَابِ مَوَاضِعُ يُحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا وَأَمَاكِنُ يَتَحَيَّرُ الطَّالِبُ اللَّبِيبُ لَدَيْهَا فَتَتَبَّعَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُفْتِي فَاسَ وَخَطِيبُهَا وَمُقْرِئُهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ غَازِيٍّ الْعُثْمَانِيُّ نِسْبَةً إلَى قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا: بَنُو عُثْمَانَ الْمِكْنَاسِيِّ رحمه الله مِنْ ذَلِكَ أَمَاكِنَ كَثِيرَةً وَفَكَّكَ مَوَاضِعَ مِنْ تَرَاكِيبِهِ الْعَسِيرَةِ فَأَوْضَحَهَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ وَأَفْصَحَ عَنْ مَعَانِيهَا كُلَّ الْإِفْصَاحِ وَبَقِيَتْ فِيهِ مَوَاضِعُ إلَى الْآنَ مُغْلَقَةٌ وَمَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُطْلَقَةٌ وَكُنْت فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُطَالَعَةِ جَمَعْت مِنْ ذَلِكَ مَوَاضِعَ عَدِيدَةً مَعَ فُرُوعٍ مُنَاسِبَاتٍ وَتَتِمَّاتٍ مُفِيدَةٍ فَحَصَلَ مِنْهَا جُمْلَةٌ مُسْتَكْثَرَةٌ فِي أَوْرَاقَ مُفَرَّقَةٍ مُنْتَشِرَةٍ جَعَلْتُهَا لِنَفْسِي تَذْكِرَةً فَأَرَدْت جَمْعَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ عَلَى انْفِرَادِهَا ثُمَّ إنِّي رَأَيْت أَنَّهُ لَا تَكْمُلُ الْفَائِدَةُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا ضُمَّ إلَى الشَّرْحِ وَحَاشِيَةِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى لِلشَّخْصِ جَمْعُ ذَلِكَ.
ثُمَّ أَرَدْت جَمْعَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ فَرَأَيْت الْحَالَ كَالْحَالِ عَلَى أَنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسَائِلِ الْعُتْبِيَّةِ: مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ جَلِيَّةً فِي ظَاهِرِهَا إلَّا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى الْكَلَامِ عَلَى مَا يَخْفَى مِنْ بَاطِنِهَا، وَقَدْ يَتَكَلَّمُ الشَّخْصُ عَلَى مَا يَظُنُّهُ مُشْكِلًا وَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مَا يَظُنُّهُ هُوَ جَلِيًّا، فَالْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ الْمَسَائِلِ دُونَ بَعْضٍ عَنَاءٌ وَتَعَبٌ بِغَيْرِ كَبِيرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ التَّامَّةُ الَّتِي يَعْظُمُ نَفْعُهَا وَيُسْتَسْهَلُ الْعَنَاءُ فِيهَا أَنْ يَتَكَلَّمَ الشَّخْصُ عَلَى جَمِيعِ الْمَسَائِلِ؛ كَيْ لَا يُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَجَدَ التَّكَلُّمَ عَلَيْهَا وَالشِّفَاءَ مِمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْهَا؛ فَاسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى فِي شَرْحِ جَمِيعِ الْكِتَابِ وَالتَّكَلُّمِ عَلَى جَمِيعِ مَسَائِلِهِ مَعَ ذِكْرِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ مَسْأَلَةٍ مِنْ تَقْيِيدَاتٍ وَفُرُوعٍ مُنَاسَبَةٍ وَتَتِمَّاتٍ مُفِيدَةٍ مِنْ ضَبْطٍ وَغَيْرِهِ، وَمَعَ ذِكْرِ غَالِبِ الْأَقْوَالِ وَعَزْوِهَا وَتَوْجِيهِهَا غَالِبًا وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الشُّرُوحِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا لِهَذَا الْكِتَابِ، وَهِيَ الشُّرُوحُ الثَّلَاثَةُ لِلشَّيْخِ بَهْرَامَ وَشَرْحُ ابْنِ الْفُرَاتِ وَالْأَقْفَهْسِيِّ وَالْبِسَاطِيِّ وَحَاشِيَةُ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ وَشَرْحُ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ التِّلِمْسَانِيِّ وَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ شَرْحِهِ؛ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَفْكِيكِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَبَيَانِ مَنْطُوقِهَا وَمَفْهُومِهَا وَالْكَلَامِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَلَكِنَّهُ عَزِيزُ الْوُجُودِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ وَلَا يَقَعُ إلَّا فِي يَدِ مَنْ يَضَنُّ بِهِ حَتَّى لَقَدْ أَخْبَرَنِي وَالِدِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْمَكِّيِّينَ كُرَّاسٌ مِنْ أَوَّلِهِ فَكَانَ لَا يَسْمَحُ بِإِعَارَتِهِ، وَيَقُولُ: إنْ أَرَدْت أَنْ تُطَالِعَهُ فَتَعَالَ إلَيَّ. وَقَدْ
ذَكَرَ ابْنُ غَازِيٍّ نَحْوَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجَسِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ.
وَقَدْ وَقَفْت عَلَى قِطْعَةٍ مِمَّا كَتَبَهُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ خَطِيبُ غَرْنَاطَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّاقُ الْأَنْدَلُسِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيرِ النُّقُولِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِحَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأُنَبِّهُ أَيْضًا عَلَى مَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَكَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ لِقَصْدِ تَحْرِيرِ الْمَسَائِلِ لَا لِلْحَطِّ مِنْ مَرْتَبَتِهِمْ الْعَلِيَّةِ لِعِلْمِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ مَرْتَبَتِهِمْ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ: قَالَ الْإِمَامَانِ الْجَلِيلَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْعُلَمَاءُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِلَفْظِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْفُقَهَاءُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ رحمه الله: اعْلَمْ يَا أَخِي وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِهِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشَاهُ وَيَتَّقِيه حَقَّ تُقَاتِهِ أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ وَعَادَةُ اللَّهِ فِي هَتْكِ أَسْتَارِ مُنْتَقِصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ، وَإِنَّ مَنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلْبِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ الْقَلْبِ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَوْلُهُ: آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ أَيْ أَعْلَمْتُهُ بِأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِي، وَالثَّلْبُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَيْبُ.
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُصْلِحَ فَسَادَ قُلُوبِنَا وَأَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُنَا وَأَكَنَّتْهُ ضَمَائِرُنَا إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَلَا أَدَّعِي الِاسْتِقْصَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ عِلْمِي الْقَاصِرُ وَفَهْمِي الْفَاتِرُ اللَّذَانِ يُسْتَحْيَا مِنْ تَسْمِيَتِهِمَا عِلْمًا وَفَهْمًا، ثُمَّ عَرَضَتْ عَوَارِضُ مِنْ إتْمَامِ الشَّرْحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَاسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدِي عَلَى حَسَبِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ بَسْطٍ أَوْ اخْتِصَارٍ وَأَلْتَزِمُ الْعَزْوَ غَالِبًا إلَّا فِيمَا أَنْقُلُهُ مِنْ شُرُوحِ الشَّيْخِ بَهْرَامَ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ فَلَا أَعْزُو لَهُمْ غَالِبًا إلَّا مَا كَانَ غَرِيبًا أَوْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ نِسْبَةَ الْفَائِدَةِ إلَى مُفِيدِهَا مِنْ الصِّدْقِ فِي الْعِلْمِ وَشُكْرِهِ، وَإِنَّ السُّكُوتَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَذِبِ فِي الْعِلْمِ وَكُفْرِهِ. وَأَمِيلُ إلَى الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْبَيَانِ حِرْصًا عَلَى إيصَالِ الْفَائِدَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِذَا ذَكَرْت نُقُولًا مُخْتَلِفَةً ذَكَرْت مُحَصِّلَهَا آخِرًا وَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَنْ يَسْأَمَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَائِدَةً عَظِيمَةً.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنْ يَسْأَمَ مِنْ شَيْءٍ يَجِدُهُ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فَإِنِّي إنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْإِيضَاحَ وَالتَّيْسِيرَ وَالنَّصِيحَةَ لِمُطَالِعِهِ وَإِعَانَتَهُ وَإِغْنَاءَهُ عَنْ مُرَاجَعَةِ غَيْرِهِ فِي بَيَانِهِ وَهَذَا مَقْصُودُ الشُّرُوحِ فَمَنْ اسْتَطَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَشِبْهِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْإِتْقَانِ مُبَاعِدٌ لِلْفَلَاحِ فِي هَذَا الشَّأْنِ؛ فَلْيُعَزِّ نَفْسَهُ لِسُوءِ حَالِهِ وَلْيَرْجِعْ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعَالِهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّدْقِيقِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى كَرَاهَةِ أَوْ سَآمَةِ ذَوِي الْبَطَالَةِ وَأَصْحَابِ الْغَبَاوَةِ وَالْمَهَانَةِ وَالْمَلَالَةِ، بَلْ يَفْرَحُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ الْعِلْمِ مَبْسُوطًا وَمَا يُصَادِفُهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَاضِحًا مَضْبُوطًا، وَيَحْمَدُ اللَّهَ الْكَرِيمَ عَلَى تَيْسِيرِهِ وَيَدْعُو لِجَامِعِهِ السَّاعِي فِي تَنْقِيحِهِ وَإِيضَاحِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ لِمَعَالِي الْأُمُورِ وَجَنَّبَنَا بِفَضْلِهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحِبَّائِنَا فِي دَارِ الْحُبُورِ انْتَهَى.
وَالْحُبُورُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ السُّرُورُ وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الشَّرْحُ الْمُبَارَكُ أَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَنَفَعَ بِهِ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، (وَسَمَّيْتُهُ مَوَاهِبَ الْجَلِيلِ فِي شَرْحِ