الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى آخِرِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ.
(قُلْتُ) مَا لَمْ يَأْتِ مَا يُضَادُّهَا إمَّا نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَعْتَقِدَ انْقِضَاءَ الطَّهَارَةِ وَكَمَالَهَا، وَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَهَا ثُمَّ يَأْتِي بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يُجْزِئُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَفْضُ النِّيَّةِ]
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَفْضُ النِّيَّةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ أَيْضًا، وَالرَّفْضُ فِي اللُّغَةِ التَّرْكُ، وَمَعْنَاهُ هُنَا تَقْدِيرُ مَا وُجِدَ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالنِّيَّةُ كَالْمَعْدُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّفْضَ لَا يَضُرُّ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ كَمَالِ الْوُضُوءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إذَا رَجَعَ وَكَمَّلَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِالْقُرْبِ عَلَى الْفَوْرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ، أَمَّا إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ لَمْ يُكْمِلْهُ أَوْ كَمَّلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ أَوْ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ بَعْدَ طُولٍ فَلَا إشْكَالَ فِي بُطْلَانِهِ، وَأَمَّا إذَا كَمَّلَهُ بِالْقُرْبِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ هُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوخِ، وَقَالَ: إنَّ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ مِنْ غَرَائِبِ أَنْقَالِهِ. وَأَمَّا إذَا رَفَضَ الْوُضُوءَ بَعْدَ كَمَالِهِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ بَعْدَ كَمَالِهِ لَا يُؤَثِّرُ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحَكَى اللَّخْمِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَحَكَى ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ: الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ.
وَرَجَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ الرَّفْضَ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي تَأْثِيرِ رَفْضِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ عَدَمُ الرَّفْضِ، عَكْسُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ: رَفْضُ النِّيَّةِ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَبْدِيُّ فَذَكَرَ الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ انْتَهَى. وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَانْظُرْهُ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الشُّيُوخِ يُنْكِرُ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ: إنَّ الْعِبَادَةَ الْمُشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةُ إمَّا أَنْ تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِمَا، أَوْ لَا تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِهَا، أَوْ تَنْقَضِيَ حِسًّا دُونَ الْحُكْمِ كَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْقَضَى حِسًّا لَكِنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ بَاقٍ، فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا خِلَافَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَوْ سَاعَدَتْ الْأَنْقَالُ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْوُضُوءَ وَهُوَ لَمْ يُكْمِلْهُ أَنَّ رَفْضَهُ لَا يُؤَثِّرُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا رَفَضَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا رَفْضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ، وَكَلَامُهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ هُوَ مَا نَصَّهُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ؟ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ تُوجِبْ فِيهِ النِّيَّةَ، وَالْحَجُّ مُحْتَوٍ عَلَى أَعْمَالٍ مَالِيَّةٍ وَبَدَنِيَّةٍ لَمْ يَتَأَكَّدْ طَلَبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا فَرَفْضُ النِّيَّةِ فِيهِمَا رَفْضٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّفْضِ وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً شَاقَّةً وَيَتَمَادَى فِي فَاسِدِهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ
تَأْثِيرِ الرَّفْضِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْضِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَأَنَّهُ جَارٍ فِي الرَّفْضِ قَبْلَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ كَمَالِهَا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِإِطْلَاقٍ لَا يُرْتَفَضُ وَلَوْ رَفَضَهُ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: مَذْهَبُ الْكَافَّةِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ، وَقَالَ دَاوُد: يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْعَدِمُ بِمَا يُضَادُّهُ حَتَّى لَوْ وَطِئَ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَغَايَةُ رَفْضِ الْعِبَادَةِ أَنْ يُضَادَّهَا فَمَا لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُفْسِدُهُ لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُضَادُّهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إذَا رُفِضَ إحْرَامُهُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ بَاقٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ.
وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ الرَّفْضُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَأَحْرَى بَعْدَ كَمَالِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا لِرَفْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا نَقْلًا اللَّخْمِيِّ انْتَهَى. وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ جَمَاعَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْتَفَضُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الرَّفْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِبَادَةَ كُلَّهَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ كَمَالِهِ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ يُرْتَفَضُ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فَقَالَ: وَرَفْضُ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لَا يُرْتَفَضُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ يَقْطَعُ النِّيَّةَ عَنْهُ بَطَلَتْ كُلُّهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّهُمَا لَا يُرْتَفَضَانِ سَوَاءٌ رَفَضَهُمَا فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْغُسْلِ: وَاخْتُلِفَ إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ، وَالْفَتْوَى بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ اسْتَحَالَ رَفْعُهُ وَأَمَّا الرَّفْضُ قَبْلَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ: لَا يُؤَثِّرُ رَفْضُهُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ، وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ أَنْقَالِهِ، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ أَنَّ الرَّفْضَ يُؤَثِّرُ وَلَوْ بَعْدَ الْكَمَالِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَبَحَثَ فِيهِ وَأَطَالَ خُصُوصًا فِي الْفُرُوقِ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: إنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ لَمْ أَجِدْ مَا يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ بَعْدَ إكْمَالِهِ وَأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُرْتَفَضُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصُّهُ رَفْضُ الطَّهَارَةِ يَنْقُضُهَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ
يَنَمْ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ يَصِحُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ هُوَ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ رَفْضُهُ. وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَصَحَّ رَفْضُهَا كَالصَّلَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تَبْطُلْ بِالرَّفْضِ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ
ص (وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ خِلَافٌ)
ش: أَيْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَشْهَرُ التَّأْثِيرُ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ خِلَافُهُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلِ الْيَسِيرِ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى اخْتِلَافُهُمْ فِيمَنْ مَشَى إلَى الْحَمَّامِ أَوْ النَّهْرِ نَاوِيًا غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَلَمَّا أَخَذَ فِي الطُّهْرِ نَسِيَهَا قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُجْزِيهِ فِيهِمَا. وَشَبَّهَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ بِمَنْ أَمَرَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا لَهُ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجْزِيهِ فِي النَّهْرِ لَا فِي الْحَمَّامِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ النِّيَّةَ بَعُدَتْ بِاشْتِغَالِهِ بِالتَّحْمِيمِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ لِلنَّهْرِ لِيَغْسِلَ ثَوْبَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ فَغَسَلَ ثَوْبَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَحَمَّمْ قَبْلَ الْغُسْلِ فِي الْحَمَّامِ لَأَجْزَأَهُ الْغُسْلُ كَالنَّهْرِ سَوَاءٌ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إلَى الْحَمَّامِ بِنِيَّةِ أَنْ يَتَحَمَّمَ ثُمَّ يَغْتَسِلَ لَمْ تَرْتَفِضْ عِنْدَهُ النِّيَّةُ انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ قَوْلًا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ وَفُهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْيَسِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
ص (وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثَلَاثًا تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ مُفْتَرِقَتَيْنِ)
ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ سُنَنِهِ، وَعَدَّهَا ثَمَانِيَةً: الْأُولَى: غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ شَيْءٍ يُغْسَلُ فِي الْوُضُوءِ وَالْمَشْهُورُ كَمَا ذَكَرَ أَنَّ غَسْلَهُمَا سُنَّةٌ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَالِثًا وَهُوَ إنْ كَانَ عَهْدُهُ بِالْمَاءِ قَرِيبًا فَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَسُنَّةٌ. قَالَ: وَخَارِجُ الْمَذْهَبِ فِيهَا أَقْوَالٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ.
(الثَّانِي) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُنْتَبِهِ مِنْ النَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ.
(الثَّالِثُ) إنْ كَانَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَالْبَيَاتُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيْلِ.
(وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ جُنُبًا وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا يُرِيدُ فِي أَوَّلِ وُضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا
فِي الْإِنَاءِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَغْسِلُهُمَا ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَقَوْلُهُ: تَعَبُّدًا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ: يَغْسِلُهُمَا لِلنَّظَافَةِ وَقَوْلُهُ: بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ إلَّا إذَا غَسَلَهُمَا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَنَوَى بِذَلِكَ الْغَسْلِ سُنَّةَ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ غَسْلَهُمَا تَعَبُّدٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ. وَكَذَا غَسْلُهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ، وَعَلَى النَّظَافَةِ خِلَافُهُ فِي الْجَمِيعِ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَنَّ لِنَظِيفِ الْيَدِ الْغَسْلُ وَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ تَنْظِيفٌ كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ أَوَّلًا لِلنَّظَافَةِ مَعَ أَنَّا نَأْمُرُ بِهِ نَظِيفَ الْجِسْمِ؟ فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ، قَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ، وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ يَدِهِ فَإِنْ شَاءَ أَفْرَغَ عَلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَا الْمَاءَ وَغَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذِهِ قَوْلَةٌ مُتَهَافِتَةٌ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ إنَّمَا شُرِعَ مُقَدَّمًا عَلَى إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ هَذَا وَضَعَّفَهُ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُدْخِلُهُمَا ثُمَّ يَغْسِلُهُمَا فَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مِثْلِهِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَالَهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ.
(الثَّانِي) إنَّمَا يَكُونُ غَسْلُهُمَا سُنَّةً إنْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ الطَّاهِرَتَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي إنَائِهِ. أَبُو عُمَرَ الْمَشْهُورُ: كَرَاهَةُ تَرْكِهِ. أَشْهَبُ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَدْخَلَهُمَا مَنْ نَامَ فِي إنَائِهِ فَلَا بَأْسَ بِمَائِهِ. ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ غَافِقٍ التُّونُسِيِّ: أَفْسَدَهُ وَلَوْ كَانَ طَاهِرَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَيْقَنَ: نَجَاسَتَهُمَا فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَيْقَنَ طَهَارَتَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ شَكَّ فَكَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاتَ جُنُبًا فَنَجِسٌ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْإِنَاءِ اُنْظُرْ: ذِكْرَ الْإِنَاءِ هَلْ هُوَ مَقْصُودٌ فَلَا يَدْخُلُ الْحَوْضُ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْجَارِي فَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَانْظُرْهُ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَمِثْلُ الْجَارِي الْمَاءُ الْكَثِيرُ مِثْلُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ وَالْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ مُوسَى فِيمَنْ يَرِدُ عَلَى الْحِيَاضِ وَيَدُهُ نَجِسَةٌ وَقَدْ قَالَ فِي رَسْمِ كَتَبَ: عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ، مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِثْلَ الْمِهْرَاسِ وَالْغَدِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ مِنْهُ إلَّا بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا دَنَسًا أَدْخَلَهَا، وَلَا يَأْخُذُ الْمَاءَ بِفِيهِ لِيَغْسِلَهَا إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. قَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً فَلَا يُدْخِلْهَا حَتَّى يَغْسِلَهَا وَلْيَتَحَيَّلْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ نَحْوُ هَذَا وَزَادَ فِيهِ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي أَخْذَهُ بِفِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: أَرَى أَنْ يَحْتَالَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا يَغْسِلُ بِهِ يَدَهُ إمَّا بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِيلَةٍ فَلَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا مُعَيَّنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي غَسْلِ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إمَّا بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ إذَا أَخَذَهُ بِفِيهِ يَنْضَافُ بِالرِّيقِ فَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْيَدِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَإِنْ عَيَّنَهَا تَزُولُ وَإِنْ بَقِيَ حُكْمُهَا، وَإِذَا زَالَ عَيْنُهَا مِنْ يَدِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ الَّذِي أَدْخَلَهَا فِيهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ إذَا وَجَدَهُ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِهِ فِي مِثْلِ الْمِهْرَاسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُفْرِغَ
مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنْ أَيْقَنَ بِطَهَارَةِ يَدِهِ أَدْخَلَهَا، وَإِنْ أَيْقَنَ بِنَجَاسَتِهَا لَمْ يُدْخِلْهَا فِيهِ، وَاحْتَالَ لِغَسْلِهَا بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ بِطَهَارَتِهَا وَلَا نَجَاسَتِهَا فَقِيلَ: إنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمِهْرَاسِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُدْخِلُهَا فِيهِ وَلْيَحْتَلْ لِغَسْلِهَا بِأَخْذِ الْمَاءِ بِفِيهِ أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي إنَاءٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُفْرِغَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ فَلَا يُدْخِلُهُمَا فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُمَا، فَإِنْ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُمَا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ إنْ كَانَتْ يَدُهُ طَاهِرَةً، وَنَجِسٌ إنْ كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِيَدِهِ نَجَاسَةً فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَسَوَاءٌ أَصْبَحَ جُنُبًا أَوْ غَيْرَ جُنُبٍ انْتَهَى مِنْ رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ.
(فَرْعٌ) وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالْمَقْصُودُ غَسْلُهُمَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَسَوَاءٌ تَوَضَّأَ مِنْ الْإِنَاءِ أَوْ مِنْ النَّهْرِ انْتَهَى. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَا إذَا عَجَزَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِيلَةٍ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى فِي آخِرِ جَامِعِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا بِيَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ يُغَيِّرُ الْمَاءَ أَوْ لَا يُغَيِّرُهُ، فَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُهُ فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُهُ فَلْيُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلْ يَدَهُ بِمَا يَغْرِفُ بِهَا مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأْ أَوْ يَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ يَدِهِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْيَسِيرِ تَحِلُّهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ وَيَتَيَمَّمُ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ: وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ يُفْرِغُ ثَلَاثًا عَلَى الْيُمْنَى فَيَغْسِلُهَا ثُمَّ يُفْرِغُ بِهَا عَلَى الْيُسْرَى فَيَغْسِلُهَا انْتَهَى. قَالَ فِي الْبَيَانِ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الِاخْتِيَارَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَيَغْسِلَهُمَا جَمِيعًا اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَفْرَغَ عَلَى الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا وَحْدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى فَغَسَلَهَا أَيْضًا وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضِيقٌ.
وَفِي أَوَّلِ سَمَاعِ عِيسَى لِابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ اخْتِيَارِ مَالِكٍ هَذَا، وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُهُمَا فِي تَمَامِ الْوُضُوءِ هَلْ يُدْخِلُ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْإِنَاءِ أَمْ يُدْخِلُ الْوَاحِدَةَ وَيُفْرِغُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَيَتَوَضَّأُ؟ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ الْوَاحِدَةِ فَيَغْسِلَهُمَا جَمِيعًا هُوَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ لِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَرَأَى وَاسِعًا أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلَهَا وَحْدَهَا ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَيُفْرِغَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى فَيَغْسِلَهَا أَيْضًا وَحْدَهَا، وَأَمَّا فِي بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ فَاخْتَارَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْإِنَاءِ فَيَغْرِفَ بِهِمَا جَمِيعًا لِوَجْهِهِ ثُمَّ لِسَائِرِ أَعْضَائِهِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُدْخِلُ يَدَهُ الْوَاحِدَةَ فَيَغْرِفُ بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَا يُغْرَفُ بِيَدِهِ الْوَاحِدَةِ يَكْفِيه لِغَسْلِ وَجْهِهِ وَهُوَ أَمْكَنُ لَهُ مِنْ أَنْ يَغْرِفَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَلَعَلَّ الْإِنَاءَ يَضِيقُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَغْرِفُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْغُسْلِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ «ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: اُخْتُلِفَ فِي التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ وَغَسْلِهِمَا قَبْلَ إدْخَالِ الْإِنَاءِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَغْسِلُ الْيُمْنَى ثُمَّ يُدْخِلُهَا فِي الْإِنَاءِ فَيُفْرِغُ عَلَى الْيُسْرَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَيْهِمَا فَيَغْسِلَهُمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ.
(حِكَايَةٌ) وَمَوْعِظَةٌ: ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ الْمُبْتَدِعِينَ سَمِعَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»
قَالَ كَالْمُسْتَهْزِئِ: أَنَا أَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدِي، كَانَتْ عَلَى الْفِرَاشِ فَأَصْبَحَ وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي دُبُرِهِ إلَى ذِرَاعِهِ.
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُفَصِّلِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
ص (وَمَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ) ش يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الثَّانِيَةَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ الْمَضْمَضَةُ، وَالسُّنَّةَ الثَّالِثَةَ مِنْ سُنَنِهِ الِاسْتِنْشَاقُ. فَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ فَهِيَ بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ وَالتَّرَدُّدُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَضْمَضَ النُّعَاسُ فِي عَيْنَيْهِ وَمَضْمَضَ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ أَيْ حَرَّكَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الطِّرَازِ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مَصْمَصَةٌ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمَصْمَصَةُ مُعْجَمَةٌ وَغَيْرُ مُعْجَمَةٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ جَعْلُكَ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ تُحَرِّكُهُ انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي اللُّغَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمَصْمَصَةُ يَعْنِي بِالْمُهْمَلَةِ مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ إلَّا أَنَّهَا بِطَرَفِ اللِّسَانِ وَالْمَضْمَضَةُ بِالْفَمِ كُلِّهِ انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَاضِي: هِيَ إدْخَالُ الْمَاءِ فَاهُ فَيُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ ثَلَاثًا انْتَهَى. وَلَفْظُهُ فِي التَّلْقِينِ صِفَتُهَا أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ إلَى فِيهِ ثُمَّ يُخَضْخِضُهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: هِيَ فِي الْوُضُوءِ أَنْ يُخَضْخِضَ الْمَاءَ بِفِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَضْخَضَةَ وَالْمَجَّ دَاخِلَانِ فِي حَقِيقَتِهَا وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّلْقِينِ: فَأَدْخَلَ الْمَجَّ فِي ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا إذَا ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ وَالْغَالِبُ لَا أَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِّ وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَبِأَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ إدَارَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ لِتَقْيِيدِهِمْ ذَلِكَ بِالْخَضْخَضَةِ وَهِيَ التَّحْرِيكُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَفِي الزَّاهِي لِابْنِ شَعْبَانَ وَلَا يَمُجُّ الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ حَتَّى يُخَضْخِضَهُ فِي فِيهِ وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمَضْمَضَةُ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ بِالْأُصْبُعِ أَوْ بِقُوَّةِ الْفَمِ زَادَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يَمُجُّهُ فَأُدْخِلَ فِي حَقِيقَةِ الْمَجِّ قَالَ تَقِيُّ الدِّينِ: فَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا لِلسُّنَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا زَادَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْعَادَةُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ السُّنَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْفَمِ دِرْهَمٌ أَدَارَهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَحَلِّهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِتَقِيِّ الدِّينِ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ إدَارَةِ الدِّرْهَمِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَيُمَضْمِضُ فَاهُ: يَجْعَلُ فِيهِ الْمَاءَ ثُمَّ يُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ بِقُوَّةٍ فَإِنْ فَتَحَ فَاهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ دُونَ دَفْعٍ فَفِي مَجْهُولِ الْجَلَّابِ قَوْلَانِ، وَلَوْ لَمْ يَمُجَّ الْمَاءَ وَابْتَلَعَهُ فَقَوْلَانِ أَيْضًا زَادَ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ ذَكَرَهُمَا الْقَلْشَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ انْتَهَى. وَمَجْهُولُ الْجَلَّابِ هُوَ للشَّارْمَساحِيِّ وَصَرَّحَ بِاسْمِهِ فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلْفَاكِهَانِيِّ: قَالَ النَّوَوِيُّ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إدَارَةَ الْمَاءِ فِي الْفَمِ لَا تَلْزَمُ. وَسَمِعْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ: إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ: " الْجُمْهُورُ " فَإِنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُ فَانْظُرْهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ: وَظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ التَّلْقِينِ لُزُومُهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الزَّاهِي، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْخَضْخَضَةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُعَارِضُهُ إلَّا مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى مَذْهَبِنَا، وَفِي ابْتِلَاعِ الْمَاءِ قَوْلَانِ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ تَرْجِيحُ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغِيلِسِيَّةِ عَنْ شَيْخِهِ الْقُورِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْمَجِّ مِنْ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ: رَأَيْت شَيْخَنَا يَتَوَضَّأُ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَبْتَلِعُ الْمَضْمَضَةَ حَتَّى سَمِعْتُهُ مِنْهُ انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الظَّاهِرَ إجْزَاءُ الِابْتِلَاعِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي إرْسَالِ الْمَاءِ دُونَ رَفْعِ الْإِجْزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَلَا يُصَوِّتُ بِمَجِّ الْمَاءِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ حِينَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ وَمَكْرُوهُ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ آدَابِ الْأَكْلِ وَأَمَّا
الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّنَشُّقِ وَهُوَ الشَّمُّ يَقُولُ اسْتَنْشَقْتُ الشَّيْءَ إذَا شَمَمْتُهُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّةٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا فَضِيلَةٌ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ
ص (وَبَالَغَ مُفْطِرٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُبَالِغُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْمُبَالَغَةُ بِرَدِّ الْمَاءِ إلَى الْغَلْصَمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ خَوْفًا مِمَّا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ، فَإِنْ وَقَعَ وَسَبَقَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَعَمَّدَ كَفَّرَ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ بَلْ هِيَ الْأَصْلُ لِحَدِيثِ «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَحُكْمُ الْمُبَالَغَةِ فِي الصَّوْمِ فِيهِمَا الْكَرَاهَةُ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَقَاصِي الْفَمِ وَلَا يَجْعَلُهُ وَجُورًا، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ وَلَا يَجْعَلُهُ سَعُوطًا انْتَهَى.
ص (وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ وَجَازَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَرْفَةٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ فِعْلَهُمَا بِسِتٍّ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ، وَحَكَى الْبَاجِيّ فِي ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فِي كُلِّ غَرْفَةٍ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ.
(قُلْتُ) وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَجَعَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ مِنْ الْجَائِزِ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، قَالَ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ، ثُمَّ يَأْخُذُ أُخْرَى يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ، ثُمَّ غَرْفَةً ثَالِثَةً يُمَضْمِضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ شَاءَ مَضْمَضَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ. الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ وَاتِّبَاعُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوْلَى انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي كَوْنِ الْأَوْلَى فِعْلَهُمَا مِنْ غَرْفَةٍ ثَلَاثًا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ: قَوْلَا أَصْحَابِنَا فِي فَهْمِ قَوْلِ مَالِكٍ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى.
(الثَّانِي) إذَا قُلْنَا الْأَكْمَلُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِثَلَاثٍ عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ كَذَلِكَ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ الثَّانِيَ فِيمَا إذَا أَتَى بِهِمَا بِسِتِّ غَرَفَاتٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مَا نَصُّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَضْمَضَةِ ثَلَاثًا نَسَقًا مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ الِاسْتِنْثَارِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ وَكَلَامِ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ جَوَازُ مَا ذَكَرَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِهَا أَوَّلًا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَجَازَا بِغَرْفَةٍ. قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَيْسِيُّ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ أَجْمَعُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: أَوْ إحْدَاهُمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُمَضْمِضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
(الثَّالِثُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ الْبَاجِيِّ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا فِي الْجَائِزَاتِ وَيَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ لِاخْتِيَارِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ.
(الرَّابِعُ) ذَكَرَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ اخْتِيَارَ مَالِكٍ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاسْتِنْشَاقُ كُلُّهُ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ كُلِّهَا وَيَسْلَمَ مِنْ التَّنْكِيسِ انْتَهَى. وَهُوَ غَرِيبٌ أَعْنِي كَوْنَهُ اخْتِيَارَ مَالِكٍ.
(الْخَامِسُ) بَقِيَ مِنْ صِفَاتِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ صِفَةٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَهَا وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ مِنْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ غَرْفَةً ثَانِيَةً فَيَتَمَضْمَضُ مِنْهَا الثَّالِثَةَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا الْمَرَّةَ الْأُولَى ثُمَّ غَرْفَةً ثَالِثَةً يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا مَرَّتَيْنِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهَا.
(السَّادِسُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِيُمْنَاهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَأْثُورٌ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ فِي الزَّاهِي: وَحَمْلُ الْمَاءِ لِذَلِكَ يَعْنِي لِلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالْيُمْنَى خَاصَّةً.
(السَّابِعُ) قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مِنْ عِلَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتَهَى.
(الثَّامِنُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَعْنِي الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَلَاثٍ فَإِنَّ مَغْسُولَاتِ الْوُضُوءِ كُلَّهَا كَذَلِكَ، وَكَانَ مُرَادُهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - بِقَوْلِهِ أَحْسَنُ أَيْ أَحْسَنُ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَا أَحْسَنُ مِنْ الْوَاحِدَةِ، إذْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْحُسْنِ صِيغَةُ أَفْعَلَ. وَلَوْ قَالَ: وَيُجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَكَانَ أَبْيَنَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا: وَيُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَيَعْنِي بِحَيْثُ يَفْعَلُ لِكُلٍّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً أَوْ لِوَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الْأُخْرَى وَاثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ الْفَعْلَاتُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَوْ الْغَرَفَاتُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأَنْفِهِ الْمَاءَ وَيَسْتَنْثِرُهُ ثَلَاثًا: تَقَدَّمَتْ كَرَاهَةُ مَالِكٍ لِمَا دُونَهَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ فَفِي الصَّحِيحِ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ بِقَوْلِهِ تَقَدَّمَتْ كَرَاهَةُ مَالِكٍ لِمَا دُونَهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ الِاسْتِنْشَاقُ جَذْبُ الْمَاءِ بِأَنْفِهِ وَنَثْرُهُ بِنَفَسِهِ وَيَدُهُ عَلَى أَنْفِهِ ثَلَاثًا، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ دُونَهُمَا. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق أَيْ دُونَ الثَّلَاثِ وَدُونَ الْيَدِ عَلَى الْأَنْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قُلْتُ) الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ ابْنِ عَرَفَةَ دُونَهَا بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ أَيْ دُونَ جَعْلِ الْيَدِ عَلَى الْأَنْفِ، وَكَأَنَّهُ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ زَرُّوق بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ.
(التَّاسِعُ) قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْعَدَدِ فَعَلَهُ وَلَا حَرَجَ انْتَهَى.
(قُلْتُ) بِأَنْ يَكُونَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
ص (وَاسْتِنْثَارٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الرَّابِعَةَ الِاسْتِنْثَارُ وَهُوَ لُغَةً طَرْحُ الْمَاءِ مِنْ الْأَنْفِ بِالنَّفَسِ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَثَرْتُ الشَّيْءَ إذَا طَرَحْتُهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَحْرِيكِ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ، وَفِي الشَّرْعِ طَرْحُ الْمَاءِ مِنْ أَنْفِهِ بِنَفَسِهِ مَعَ وَضْعِ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ دُونَ وَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ: هَكَذَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالُوا وَإِنَّمَا يَمْسِكُهُ مِنْ أَعْلَاهُ ثُمَّ يَمُرُّ لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُنَظِّفُ وَيَشُدُّ أَصَابِعَهُ بِالْإِخْرَاجِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ هُوَ الْأَوْلَى وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْثُرُهُ بِنَفَسِهِ وَأُصْبُعِهِ: مُرَادُهُ الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ مِنْ الْيَدِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهَا الْمُعَدَّةُ لِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَيَفْعَلُهُمَا بِالْيُمْنَى وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيُسْرَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام انْتَهَى. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِنْثَارَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ مَيْلٌ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ عِنْدَنَا سُنَّتَانِ وَعَدَّهُمَا بَعْضُ شُيُوخِنَا
سُنَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِهِمَا وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ: ظَاهِرُ اقْتِصَارِ الرِّسَالَةِ وَالتَّلْقِينِ وَالْجَلَّابِ وَالصَّقَلِّيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّهُمَا - يَعْنِي الِاسْتِنْشَاقَ وَالِاسْتِنْثَارَ - سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْكَافِي الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَهُوَ نَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ، وَقَوْلُ أَوَّلِ الرِّسَالَةِ مِنْ سُنَنِهِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْثَارُ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي، وَقَوْلُهُ آخِرَهَا كَالتَّلْقِينِ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَمَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَسْحَ وَجْهَيْ الْأُذُنَيْنِ أَيْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا سُنَّةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَالْأَبْهَرِيُّ إلَى أَنَّ مَسْحَهُمَا فَرْضٌ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: دَاخِلُهُمَا سُنَّةٌ وَفِي ظَاهِرِهِمَا اخْتِلَافٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِيهِ الِاسْتِحْبَابَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلنَّدْبِ أَوَّلًا فَيَكُونُ ثَالِثًا. قَالَ اللَّخْمِيُّ: الصِّمَاخَانِ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا وَفِي فَرْضِ ظَاهِرِ إشْرَافِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا قَوْلَا ابْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ قَوْلِهَا الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَابْنِ حَبِيبٍ انْتَهَى. وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فَاخْتُلِفَ فِي الظَّاهِرِ فَقِيلَ: مَا يَلِي الرَّأْسَ، وَقِيلَ: مَا يُوَاجَهُ بِهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى الْحَالِ وَإِلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْأُذُنِ فِي الْخِلْقَةِ كَالْوَرْدَةِ ثُمَّ تَنْفَتِحُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَحْسُنُ النَّظَرُ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسْحَ ظَاهِرِهِمَا مُخَالِفٌ لِمَسْحِ بَاطِنِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) لَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: الرَّابِعَةُ: أَنْ يَمْسَحَ أُذُنَيْهِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، ظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ، وَبَاطِنَهُمَا بِأُصْبُعَيْهِ وَيَجْعَلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ أَيْضًا: وَظَاهِرُهَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَقِيلَ: مَا يُوَاجِهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: بِأُصْبُعَيْهِ أَيْ بِسَبَّابَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَجْعَلُهُمَا فِي صِمَاخَيْهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ سُقُوطُ الْمَسْحِ عَنْهُمَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَتَتَبَّعُ غُضُونَهُمَا أَيْ كَالْخُفَّيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ تَتَبُّعَ غُضُونِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ تَتَبُّعُ غُضُونِهِمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ بِالْمَسْحِ التَّخْفِيفُ وَالتَّتَبُّعُ يُنَافِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا انْتَهَى. يَعْنِي الْخِلَافَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ وَسُنَنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَيْفِيَّةُ مَسْحِهِمَا مُطْلَقٌ فِي الرِّوَايَاتِ وَفِي الْمُوَطَّإِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ فَقَالَ عِيسَى: يَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ سِوَى سَبَّابَتَيْهِ يُمِرُّهُمَا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا دَاخِلَهُمَا وَخَارِجَهُمَا. الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «بَاطِنُهُمَا بِالسَّبَّابَةِ وَظَاهِرُهُمَا بِالْإِبْهَامِ» .
(قُلْتُ) نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ يَمْسَحُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الرِّسَالَةِ: يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ وَإِنْ شَاءَ غَمَسَهُمَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا انْتَهَى.
ص (وَتَجْدِيدُ مَائِهِمَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ السَّادِسَةَ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْمَاءِ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: هُوَ مُخَيَّرٌ فِي التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّجْدِيدَ مَعَ الْمَسْحِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّجْدِيدَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ هُوَ السُّنَّةُ وَالتَّجْدِيدُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ التَّجْدِيدَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً يَقْتَضِي أَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْ التَّجْدِيدِ وَالْمَسْحِ سُنَّةً، وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَقْتَضِي أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ فَرْضٌ وَأَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّجْدِيدِ، وَنَصُّهُ سُنَنُ الْوُضُوءِ اثْنَتَا عَشْرَ مِنْهَا أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَهِيَ الْمَضْمَضَةُ
وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ مَعَ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالْمَنْصُوصُ لِمَالِكٍ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا وَقَدْ قِيلَ فِي غَيْرِ الْمَذْهَبِ: إنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ يُمْسَحَانِ مَعَهُ وَلَا يُجَدَّدُ لَهُمَا الْمَاءُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ يُغْسَلَانِ مَعَهُ وَقِيلَ: بَاطِنُهُمَا مِنْ الْوَجْهِ وَظَاهِرُهُمَا مِنْ الرَّأْسِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَثَمَانٍ قِيلَ فِيهَا: إنَّهَا سُنَنٌ وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ، وَعُدَّ مِنْهَا اسْتِيعَابُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّبْيِينِ وَالتَّقْسِيمِ قَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: الْأُذُنَانِ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ عِنْدَهُ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُمَا فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى مَعَ أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ عِنْدَهُ وَاجِبٌ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِيعَابُ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ انْتَهَى. نَعَمْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسْحِ وَالتَّجْدِيدِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَقَالَ لَمَّا عَدَّ سُنَنَ الْوُضُوءِ: وَمَسْحُ دَاخِلَ الْأُذُنَيْنِ وَفِي ظَاهِرِهِمَا اخْتِلَافٌ قِيلَ: فَرْضٌ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا سُنَّةٌ انْتَهَى. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ فِي التَّوْضِيحِ أَرَادَ أَنْ يَنْسِبَ ذَلِكَ لِابْنِ يُونُسَ فَعَزَاهُ لِابْنِ رُشْدٍ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي غَيْرِ الْمُقَدِّمَاتِ.
(الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَسْحَ وَالتَّجْدِيدَ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَسَحَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ فَقَدْ أَتَى بِإِحْدَى السَّنَّتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ.
ص (وَرَدُّ مَسْحِ رَأْسِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ السَّابِعَةَ رَدُّ الْيَدَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ رَدَّهُمَا مِنْ الْمُؤَخَّرِ إلَى الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ بَدَأَ فِي الْمَسْحِ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَتَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرُدَّهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَالْفَرْضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَاحِدٌ وَهُوَ بُلُوغُ الْيَدَيْنِ إلَى مُؤَخَّرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُمَا لَأَجْزَأَهُ، وَالسُّنَّةُ رَدُّهُمَا مِنْ الْقَفَا إلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ بَدَأَ رَجُلٌ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ لَكَانَ الْمَسْنُونُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا عَدَّ السُّنَنَ: وَرَدُّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُنْتَهَى الْمَسْحِ لِمَبْدَئِهِ سُنَّةٌ. ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ قِيلَ: فَضِيلَةٌ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَرَدَّ الْيَدَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ لَا يَكُونُ سُنَّةً إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمُؤَخَّرِ إلَى الْمُقَدَّمِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ سُنَّةً وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي لَهُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ انْتَهَى. وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَدَّ الْيَدَيْنِ ثَالِثَةً فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي رَدِّ الْيَدَيْنِ ثَالِثَةً فَقِيلَ: لَا فَضِيلَةَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَنْ يُمِرَّ الْيَدَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمُؤَخَّرِ نَحْوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ يُرِيدُ وَلَا يَسْتَأْنِفُ الْمَاءَ لِلثَّانِيَةِ وَلَا لِلثَّالِثَةِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي إعَادَةِ الْيَدِ لِلثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ فِي الْيَدِ بَلَلٌ، وَالْغَالِبُ بَقَاءُ الْبَلَلِ فِي الْيَدِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَفِي كَوْنِ رَدِّ الْيَدَيْنِ ثَالِثَةً فَضِيلَةً قَوْلَا إسْمَاعِيلَ وَالْأَكْثَرِ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ.
(الثَّالِثُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيّ هَذَا أَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا بَقِيَ فِي الْيَدِ بَلَلٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا بَلَلٌ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(الرَّابِعُ) يُكْرَهُ التَّكْرَارُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ
ص (وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ الثَّامِنَةَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَنْ يُرَتِّبَ فَرَائِضَهُ
فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَرَائِضَهُ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ: وَاجِبٌ حَكَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقِيلَ: وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ وَعَزَاهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَعَزَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَعْزُهُ بَلْ قَالَ: تَأَوَّلَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِيهَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَمَا أَدْرِي مَا وُجُوبُهُ. قَالَ سَنَدٌ هُوَ تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ. قَالَ: وَالْهَاءُ فِي وُجُوبِهِ عَائِدٌ عَلَى التَّرْتِيبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى إعَادَةِ الْوُضُوءِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ عَلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَتَحَصَّلَ فِي حُكْمِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَدَلَ عَنْ أَحْرُفِ التَّرْتِيبِ وَهِيَ الْفَاءُ وَثُمَّ إلَى الْوَاوِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي إلَّا مُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا أُبَالِي إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِالْبُدَاءَةِ بِالرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ خَرَّجَ الْأَثَرَيْنِ الدَّارَقُطْنِيّ مَعَ صُحْبَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طُولَ عُمْرِهِ، فَلَوْلَا اطِّلَاعُهُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى. وَحَيْثُ انْتَفَى الْوُجُوبُ قُلْنَا: إنَّهُ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وَوَجَّهَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى رَتَّبَ الْأَعْضَاءَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى» وَبِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِيهَا، فَكَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فِيهَا كَالصَّلَاةِ «وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا» وَفِعْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ كَذَلِكَ، «وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» ثُمَّ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاسَبَاتٌ تَقْتَضِي أَنَّ التَّرْتِيبَ مَطْلُوبٌ وَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَعَ الذِّكْرِ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَرْجِعُ إلَى النَّهْيِ عَنْ التَّنْكِيسِ وَالنَّهْيُ يَفْتَرِقُ عَمْدُهُ مِنْ نِسْيَانِهِ انْتَهَى. وَوَجْهُ الِاسْتِحْبَابِ أَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى الْوُجُوبُ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْهَيْئَاتِ كَالِابْتِدَاءِ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَبِأَوَّلِ الْعُضْوِ وَبِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيَسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا مَعَ تَابِعِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ فَمَنْ نَكَّسَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ إنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ أَعَادَ الْوُضُوءَ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ.
هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنَكَّسِ وَمَا بَعْدَهُ مَعَ الْقُرْبِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، قَالَ: وَلَفْظُهُ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ لِيَسَارَةِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ بَشِيرٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) مَنْ نَكَّسَ بَعْضَ عُضْوٍ فَحُكْمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمُ الْمُنَكَّسِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِيمَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ أَوَّلَ وُضُوئِهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ غَسْلَ كَفَّيْهِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ: إنْ كَانَ قَصَدَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ أَوَّلًا السُّنَّةَ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلْيُعِدْ مَا صَلَّى بِذَلِكَ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْفَرْضَ فَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ. قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ انْتَهَى. كَأَنَّهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ أَوَّلًا: لَا يُجْزِئُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ أَوَّلًا السُّنَّةَ أَمْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ نَاسِيًا فَأَمَّا مَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ عَامِدًا فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ قَوْلَيْنِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ:
قَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُ مَعَ الْعَمْدِ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالنَّاسِي فَلَا يُعِيدُ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ فَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ وَكَذَا هُنَا وَالْخِلَافُ هُنَا أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ سُنَنَ الصَّلَاةِ أَقْوَى وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يُذَمُّ تَارِكُهَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا قُلْنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوُضُوءِ أَخَّرَ مَا قَدَّمَ ثُمَّ غَسَلَ مَا بَعْدَهُ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وَضُوءُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَدْرِي مَا وُجُوبُهُ انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ النِّسْيَانِ.
(قُلْتُ) وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ عَزَا لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ اسْتِحْبَابًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّ إعَادَةَ مَا بَعْدَ الْمُنَكَّسِ فِي الْقُرْبِ مَسْنُونَةٌ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ التَّرْتِيبِ خِلَافًا لِابْنِ نَاجِي وَالْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(الثَّالِثُ) جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْجَفَافَ حَدًّا لِلْبُعْدِ فِي الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُوَالَاةِ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا لَا يُجَدَّدُ بِالْجَفَافِ بَلْ دُونَ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ.
(الرَّابِعُ) الْمُنَكَّسُ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَنْ مَوْضِعِهِ الْمَشْرُوعِ لَهُ، فَلَوْ بَدَأَ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَهُ وَهُوَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، فَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَعَادَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَأْسَهُ فَقَطْ، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَبْلَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ فَيَتَّفِقُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ مَسْحَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ بَدَأَ فِي الْإِعَادَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ إنَّمَا كَانَتْ لِوُقُوعِ ذَلِكَ قَبْلَ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا أَعَادَهُ فَقَدْ وَقَعَ بَعْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ وَبَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الْآنَ مَسْحَ رَأْسِهِ لِيَقَعَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ، وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَعَادَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ مِنْ هَذَا صُوَرًا كَثِيرَةً مَرْجِعُهَا إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
(الْخَامِسُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالتُّونُسِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِمَا يَأْتِي مِنْ التَّنْكِيسِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَنْ بَدَأَ بِغَسْلِ ذِرَاعَيْهِ أَوْ بِمَسْحِ رَأْسِهِ قَبْلَ غَسْلِ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا قَدَّمَهُ فَقَطْ وَهُوَ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ أَوْ مَسْحُ الرَّأْسِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ غَسْلُ ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَوَقَعَ مَسْحُ رَأْسِهِ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَالْجَارِي عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْرِقَةِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَنْكِيسِهِ نَاسِيًا إذَا فَرَّقَ وُضُوءَهُ. قَالَ: وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ فَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَا نَسِيَهُ فَذَكَرَهُ بَعْدَ الْبُعْدِ فَيَفْعَلُهُ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا إذَا نَكَّسَ وُضُوءَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ كَالْمَنْسِيِّ لَلَزِمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ فِي الْعَمْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّسَ مُشَبَّهٌ بِالْمَنْسِيِّ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَتَأَمَّلْهُ. وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ الِاسْتِشْكَالِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ إعَادَةَ الْمُقَدَّمِ إنَّمَا هِيَ لِحُصُولِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُدِّمَ عَلَيْهِ بِإِعَادَةِ الذِّرَاعَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّمَا هِيَ لِيَحْصُلَ
التَّرْتِيبُ بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْوَجْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا لَا بَيْنَ الذِّرَاعَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ لِحُصُولِ ذَلِكَ أَوَّلًا، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا الْجَوَابَ لِبَعْضِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ. قَالَ: وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ وَذَكَرَ الِاعْتِرَاضَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَلَمْ يَعْزُهُ.
(قُلْتُ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِإِعَادَةِ الْمُنَكَّسِ وَمَا بَعْدَهُ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ لِيَأْتِيَ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، وَمَعَ الْبُعْدِ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْخِلَافِ فِيهِ لِحُصُولِ الْخَلَلِ فِي الْمُوَالَاةِ وَالتَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) اسْتَشْكَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَمَا بَعْدَهُ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ قَدْ حَصَلَ وُضُوءُهُ مُفَرَّقًا، وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَيُجَابُ بِحُصُولِ الْمُوَالَاةِ أَوَّلًا انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ.
(السَّابِعُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فَنَكَّسَ وُضُوءَهُ فَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا؟
ص (وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ وَسُنَّةٍ فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ)
ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الْفَرْضِ الَّذِي نَسِيَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَيْضًا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الَّذِي نَسِيَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمُوَالَاةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِيُنَبِّهَ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً وَقَوْلُهُ: أَتَى بِهِ يُرِيدُ وَبِمَا بَعْدَهُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ، وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُعْدِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْكِيسِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنَكَّسِ وَالْمَنْسِيِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا حُكْمُ مَا إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا لَهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فَقَطْ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا بِالْقُرْبِ أَوْ بِالْبُعْدِ وَإِنْ كَانَ صَلَّى بِذَلِكَ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَذَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً لَمْ يُفْعَلْ فِي مَوْضِعِهَا فِعْلٌ، قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَحَقِيقَةُ مَا يُعَادُ مِنْ السُّنَنِ الْمَتْرُوكَةِ فِي الْوُضُوءِ وَمَا لَا يُعَادُ أَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ إذَا تُرِكَتْ وَلَمْ يُؤْتَ فِي مَحَلِّهَا بِعِوَضٍ فَإِنَّهَا تُعَادُ، وَهَذَا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ وَكُلِّ سُنَّةٍ عُوِّضَتْ فِي مَحَلِّهَا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ عَائِدًا مِنْ الْمُقَدَّمِ إلَى الْمُؤَخَّرِ فَلَا تُعَادُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا قَدْ حَصَلَ فِيهِ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كُلُّ سُنَّةٍ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يُعِدْ مَوْضِعَهَا مَنْ فَعَلَ فَإِنَّهَا إذَا تُرِكَتْ لَا تُعَادُ كَمَنْ تَرَكَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَالِاسْتِنْثَارَ وَرَدَّ الْيَدَيْنِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ وَقَالَ بَعْدَهُ قُلْتُ يُرَدُّ بِعُمُومِ نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إعَادَةُ مَا تُرِكَ مِنْ مَسْنُونِهِ وَإِنْ سَلِمَ فِي الْيَدَيْنِ فَلِاسْتِحَالَةِ تَلَافِيهِ لِتَقْيِيدِهِ بِالْقَبْلِيَّةِ وَتَلَافِيهَا مُسْتَحِيلٌ أَوْ مُوجِبٌ إعَادَةَ الْوُضُوءِ، فَتَصِيرُ السُّنَّةُ وَاجِبَةً انْتَهَى.
(قُلْتُ) قَدْ سَلِمَ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ إذَا كَانَ لَا يُعِيدُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالِاسْتِنْثَارُ وَهُمَا أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ إعَادَتَهُمَا تَسْتَلْزِمُ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ مَسْحِهِ مِنْ غَيْرِ بَلَلٍ فِي الْيَدِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْثَارُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَّا بِإِعَادَةِ الِاسْتِنْشَاقِ، فَالصَّوَابُ تَقْيِيدُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ بِمَا عَدَا الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَنْ سَهَا عَنْ رَدِّ يَدَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَاءِ لِرِجْلَيْهِ فَلْيُعِدْ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنْ بَلَّ
يَدَيْهِ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْرَارُ مَسْحٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ سَنَدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ السُّنَنَ الَّتِي تُفْعَلُ إذَا تُرِكَتْ الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا، وَالتَّرْتِيبُ.
(الثَّانِي) إذَا تَرَكَ السُّنَّةَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا وَلَا يُعِيدُ مَا بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُوَطَّإِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ السَّهْوِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ مَعَ الْعَمْدِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي السَّهْوِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا وَصَلَّى أُمِرَ بِإِعَادَتِهِمَا مَا نَصُّهُ: وَإِذَا أَعَادَهُمَا فَهَلْ يُعِيدُ مَا بَعْدَهُمَا إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ كَمَا فِي الْمَفْرُوضِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ: الْإِعَادَةُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَفْيُهَا لِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِعَادَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا وَبَيْنِهَا وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَغْسُولَاتِ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ عِنْدَهُ سُنَّةٌ لَكِنَّهُ أَخَفُّ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَعَمْرِي أَنَّهُ خِلَافُ مَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ.
(الثَّالِثُ) إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ الْوُضُوءَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِتْيَانِ بِهَا. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(الرَّابِعُ) إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ عَامِدًا حَتَّى طَالَ فَقَدْ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ وَلَوْ بَنَى عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ صَلَّى بِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَضُرُّ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ قَدْرِهِ، وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا بِالْقُرْبِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَفْعَلُهَا أَيْضًا وَلَوْ طَالَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَامِدًا: فِي اسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَيْنِ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ مَا تَرَكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الزَّاهِي وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا وَصَلَّى أُمِرَ بِفِعْلِهِمَا، وَقَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَعَمِّدِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ: بِفِعْلِهِمَا أَيْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَقَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ كَمَا ذُكِرَ، وَنَفْيُهَا، وَالثَّالِثُ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْإِعَادَةُ أَبَدًا، نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ: وَهَذَا إمَّا لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ وَاجِبَتَانِ، وَإِمَّا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَنِ عَمْدًا لَعِبٌ وَعَبَثٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الْبَيَانِ وَأَمَّا الْعَامِدُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا إعَادَةَ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، فَقِيلَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ يُعِيدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَبَدًا انْتَهَى. وَمَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ النَّاسِيَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِهِ وَاسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُعِيدَ النَّاسِي أَيْضًا فِي الْوَقْتِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِيهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ: وَيَفْعَلُهُمَا تَارِكُهُمَا.
وَفِي إعَادَةِ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ ثَالِثُهَا فِي الْعَمْدِ لِلَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ وَسَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَخَرَّجَ إعَادَتَهُ
أَبَدًا مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ عَمْدًا، قَالَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يُعِيدُ النَّاسِي اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ هُوَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فَمَنْ تَرَكَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُ وَلَا صَلَاتُهُ إنْ كَانَ نَاسِيًا، فَإِنْ تَرَكَهُمَا مُتَعَمِّدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَنِ عَمْدًا، وَلَا خِلَافَ هَاهُنَا أَنَّهُ يُعِيدُ لَا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ يَلْزَمُ إذَا قِيلَ: فِي سُنَّةٍ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سُنَّةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ مُتَبَايِنَةُ الرُّتَبِ فِي التَّأْكِيدِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَكَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ فِيمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ مُتَعَمِّدًا وَتَصْحِيحُهُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ إعَادَةِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَامِدًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا: وَمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسَحَ دَاخِلَ أُذُنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى صَلَّى أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَأَعَادَ مَا تَرَكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَقَالَ سَنَدٌ: إنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَعَلَهُ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا وَصَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فَفِي صَلَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّابِقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى الْمَذْكُورِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَضَعَّفَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُخَرَّجًا مِنْ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قُلْتُ يُرَدُّ تَخْرِيجُهُ بِأَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ وَالْوُضُوءُ وَسِيلَةٌ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَفِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ رَاشِدٍ إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ رَاجِعًا إلَى تَرْكِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ السَّهْوِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ بِذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؟ أَمَّا السُّنَنُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِعَادَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّنْكِيسِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَلَا الْوُضُوءَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَنَصُّهُ: وَأَمَّا دَاخِلُ الْأُذُنَيْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَيُعِيدُهُمَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَأَمَّا خَارِجُ الْأُذُنَيْنِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَرْضٌ، وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا فَرْضٌ فَإِنْ تُرِكَتَا فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْسُوحَتَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْمَسْحُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِيَسَارَتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ الْقِيَاسُ الْإِعَادَةُ وَيُجَدِّدُ لَهُمَا الْمَاءَ فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فَلَا يُعِيدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ أَنَّهُ يُجَدِّدُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا
يَجِبُ مَسْحُهُمَا فَتَرَكَهُمَا سَهْوًا حَتَّى صَلَّى فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ فَقِيلَ: اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: لَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِمَا خِلَافَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَالثَّانِي وُجُوبُ مَسْحِهِمَا لَمْ يَرَ مَالِكٌ الْإِعَادَةَ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِحْسَانِ وَيَخْرُجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ؛ لِأَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنْ تَرَكَ ثُلُثَ رَأْسِهِ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ تَرَكَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ؟ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَمْدًا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ فَتَعْلِيلُ الْأَبْهَرِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ، وَحَمَلُوا قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى السَّهْوِ اسْتِحْسَانًا انْتَهَى. وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ بَعْضَ هَذَا وَصَرَّحَ فِي سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ مَنْ نَسِيَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ أَوْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُمَا وَهُمَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّأْسِ وَمَسْحُ جَمِيعِهِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّجْدِيدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُجَدِّدُ لَهُمَا مَاءً وَيُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا، فَمَنْ مَسَحَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ أَوْ تَرَكَهُمَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ، إلَّا أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْمَسْحِ لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَنَقْصِدُ فِي الْعَمْدِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ سُنَنِ الْوُضُوءِ: قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْفَرِيضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ إذَا تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا إذَا تَرَكَهَا وَلَا بِالْإِعَادَةِ، وَالثَّالِثُ يُعَادُ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَكَلَامُ سَنَدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ الْخَامِس: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا يُرِيدُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ غَسَلَهُ فَلْيَغْسِلْ مَا شَكَّ فِيهِ انْتَهَى. وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ وُضُوئِهِ، وَقَوْلُهُ: بَعْضَ وُضُوئِهِ شَامِلٌ لِلسُّنَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا فَإِنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا بَنَى عَلَى الْخَاطِرِ السَّابِقِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَنْكِحِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرِهِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيُلْهِي عَنْهُ، قَالَ فِي الزَّاهِي: وَمَنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ مَسْحَ رَأْسِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَكْثُرُ عَلَيْهِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَلَّى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ أَيْ شَكَّ وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَمْسَحُهُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْكِحًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ شَرَعَ يَذْكُرُ الْفَضَائِلَ وَهِيَ الْمُسْتَحَبَّاتُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ فِيهِ طَاهِرًا، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأ فِي مَوْضِعِ الْخَلَاءِ زَادَ ابْنُ يُونُسَ لَمَّا ذَكَرَ أَدِلَّةَ الْفَضَائِلِ فَقَالَ: لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْوَسْوَاسِ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْهُ وَعَدَّ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْفَضَائِلِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ الْمَوْضِعَ الطَّاهِرَ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فِي مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ فِي الْخَلَاءِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ لَمَّا عَدَّ الْفَضَائِلَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَأَمَّا وَضْعُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِدَرَجَةِ الْفَضَائِلِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مُجَاوَرَةُ الْوُضُوءِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا تُعَدُّ فِي
الْفَضَائِلِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ خَافَ أَنْ تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ فَلَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِرُتْبَةِ الْفَضَائِلِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) فَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْثِ وَإِلَّا فَقَدْ عَدَّهُ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ الشُّيُوخِ وَهَذَا مِثْلُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي وَضْعِ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ.
(فَرْعٌ) عَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَالشَّبِيبِيُّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ.
(فَرْعٌ) عُدَّ مِنْ الْفَضَائِلِ اسْتِشْعَارُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْوُضُوءِ.
(فَرْعٌ) وَعَدَّ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَيْضًا مِنْ الْفَضَائِلِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ عَنْ الْأَرْضِ. قَالَ: لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ مَا يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ.
(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ: وَالسَّابِعُ الْفَوْرُ وَأَنْتَ جَالِسٌ. قَوْلُهُ: وَأَنْتَ جَالِسٌ زِيَادَةٌ لِإِصْلَاحِ الْوَزْنِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ الْجُلُوسُ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا لِلتَّمَكُّنِ انْتَهَى. هَكَذَا قَالَ فِي نُسَخِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَوْلُ النَّاظِمِ وَأَنْتَ جَالِسٌ أَتَى بِهِ لِتَمَامِ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ الْجَهَلَةُ وَأَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ.
ص (وَقِلَّةُ مَاءٍ بِلَا حَدٍّ كَالْغُسْلِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَيْ مُسْتَحَبَّاتِهِ تَقْلِيلَ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ تَقْلِيلُ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ تَقْلِيلَ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَالْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَالشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهَا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَنْكَرَ مَالِكٌ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَقْطُرَ الْمَاءُ أَوْ يَسِيلَ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ مَضَى يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ الْمُدِّ. وَلَفْظُ الْأُمِّ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ قَوْلَ النَّاسِ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَقْطُرَ أَوْ يَسِيلَ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَطِّرْ قَطِّرْ إنْكَارًا لِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ: قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْت عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَضْلِ يَأْخُذُ الْقَدَحَ فَيَجْعَلُ فِيهِ قَدْرَ ثُلُثِ مُدِّ هِشَامٌ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَفْضُلُ مِنْهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَعْجَبَ مَالِكًا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا أَعْجَبَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ إحْكَامُ الْغُسْلِ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ بِمُدٍّ وَتَطَهَّرَ بِصَاعٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِنِصْفِ الْمُدِّ» وَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْعَالِمُ السَّالِمُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَإِلَى فِعْلِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَشَارَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ مَضَى يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ الْمُدِّ يَعْنِي مُدَّ هِشَامٍ لَا ثُلُثَ مُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُ إحْكَامُ الْوُضُوءِ بِهِ انْتَهَى. وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ: وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ إحْكَامِ الْغُسْلِ سُنَّةٌ، وَالسَّرَفُ مِنْهُ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلِقُ السُّنَّةَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: لَمْ يُرِدْ بِالسُّنَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَبِّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالسُّنَّةِ هُنَا ضِدَّ الْبِدْعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق يَعْنِي سُنَّةً يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا أَعْجَبَ مَالِكًا وَاسْتَحْسَنَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إلَخْ. وَعَبَّاسٌ الْمَذْكُورُ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: هُوَ عَبَّاسٌ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: وَالشُّيُوخُ يَقُولُونَ عَيَّاشٌ يَعْنِي بِمُثَنَّاةِ تَحْتِيَّةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ مُدٌّ وَثُلُثَا مُدٍّ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام.
(الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَفْيِ التَّحْدِيدِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يُجْزِي فِي الْغُسْلِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا أَرْطَبَ مِنْ أَعْضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ عِيَاضٌ لِابْنِ شَعْبَانَ وَعَزَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ شَعْبَانَ، وَعَزَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ لِلشَّيْخِ
أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيّ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيّ نَحْوَهُ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ: أَقَلُّ مَاءِ الْوُضُوءِ مُدٌّ، وَالْغُسْلِ صَاعٌ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّحْدِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: وَأَقَلُّ الْمِقْدَارِ مَا كَانَ يَكْتَفِي بِهِ سَيِّدُ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْوُجُودِ أَعْلَمُ مِنْهُ وَلَا أَرْفَقُ وَلَا أَحْوَطُ وَلَا أَسْوَسُ بِأُمُورِ الشَّرْعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْعَارِضَةِ أَيْضًا: وَإِذَا قُلْنَا يَتَوَضَّأ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ فَمَعْنَاهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَكَيْلُ الْمُدِّ وَالصَّاعِ بِالْمَاءِ أَضْعَافُ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ فَتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ: وَالتَّقْدِيرُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ فِي الْكَيْلِ لَا فِي الْوَزْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: أَيْ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ مُدًّا مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ جِدًّا وَمِنْ الطَّعَامِ أَضْعَافُهُ انْتَهَى. يَعْنِي قَدْرَ وَزْنِ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ.
(الرَّابِعُ) الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ الْإِسْبَاغُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ التَّعْمِيمُ، وَإِنْكَارُ مَالِكٍ التَّحْدِيدَ بِأَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِ التَّحْدِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ عَدَمِ السَّيَلَانِ مَسْحٌ بِغَيْرِ شَكٍّ قَالَهُ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَدِّ الْوُضُوءِ أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ، قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدَّهُ انْتَهَى. يَعْنِي التَّقْطِيرَ وَالسَّيَلَانَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: أَنْكَرَ مَالِكٌ التَّحْدِيدَ بِقَطْرِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ غَالِبًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ التَّحْدِيدَ بِأَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ: يَعْنِي أَنْكَرَ السَّيَلَانَ عَنْ الْعُضْوِ لَا السَّيَلَانَ عَلَى الْعُضْوِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَمَّا السَّيَلَانُ عَنْ الْعُضْوِ فَغَيْرُ مَطْلُوبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَإِيعَابُهَا بِهِ إمَّا أَنَّهُ يَقْطُرُ أَوْ يَسِيلُ عَنْهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ السَّيَلَانِ قَوْلَيْنِ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ سَحْنُونٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ.
(فَائِدَةٌ) حَكَى عِيَاضٌ خِلَافًا فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ قَطَرَ هَلْ هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ أَوْ مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ.
(الْخَامِسُ) التَّقْلِيلُ مُسْتَحَبٌّ مَعَ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْقَدْرُ الْكَافِي فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ فَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيه فَهُوَ بِدْعَةٌ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيه فَقَدْ أَدَّى السُّنَّةَ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيدِ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ: وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمُسْتَعْمَلِ وَعَادَتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ، إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ لَلَزِمَ الْحَرَجُ لِمَا عُلِمَ مِنْ اخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ لِرِفْقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْفِيهِ إلَّا الْكَثِيرُ لِإِسْرَافِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ لَوَجَبَ أَنْ يُفَارِقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَادَتَهُ وَيَسْتَعْمِلَ مَنْ يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ زِيَادَةً عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيَقْتَصِرُ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِالْكَثِيرِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ مَعَهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ، وَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِسْبَاغِ بِالْقَلِيلِ أَنْ يُقَلِّلَ الْمَاءَ وَلَا يَسْتَعْمِلَ زِيَادَةً عَلَى الْإِسْبَاغِ انْتَهَى.
(السَّادِسُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّرَفَ هُوَ مَا زِيدَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشُّيُوخُ كَمَا سَنَقِفُ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: السَّرَفُ الْإِكْثَارُ فِي غَيْرِ حَقٍّ وَالْغُلُوُّ الزِّيَادَةُ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: فِي الرِّسَالَةِ: وَالسَّرَفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ، قَالَ فِي شَرْحِهِ الشَّيْخُ زَرُّوق وَالْبِدْعَةُ لُغَةً الْمُحْدَثُ، وَفِي الشَّرْعِ إحْدَاثُ أَمْرٍ فِي الدِّينِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ، وَمَرْجِعُهُ لِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْهُ لِمَنْ يَرَاهُ كَمَالًا فَأَمَّا مَنْ يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَةٍ يَعْتَقِدُ نَقْصَهَا وَأَنَّ
مَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْهُ بِدْعَةً إلَّا مِنْ حَيْثُ صُورَتِهِ، ثُمَّ الْبِدْعَةُ مُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ بِهَذِهِ حَدَّ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعَارِضْ وَاجِبًا وَلَا رَفَعَتْ حُكْمًا أَصْلِيًّا وَقَدْ نَصَّ فِي النَّوَادِرِ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: رُوِّينَا عَنْ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّرَفُ فِي الطَّهَارَةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرِّسَالَةِ، وَالسَّرَفُ فِيهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُوَسْوِسِ، وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَيُغْتَفَرُ فِي حَقِّهِ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّوَادِرِ: وَالْقَصْدُ فِي الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَالسَّرَفُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهَا الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا فِي الْعَارِضَةِ بِأَنَّ السَّرَفَ مَكْرُوهٌ، وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ فِي مَكْرُوهَاتِ الْوُضُوءِ الْإِكْثَارَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا إنْ عَسِرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا. عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ قَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ سَنَدٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَفْعُ غَسْلِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَقَدْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمُدٍّ: اُنْظُرْ هَلْ هَذَا حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً أَوْ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ أَوْ حِين تَوَضَّأَ ثَلَاثًا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ بِمُدٍّ يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَتَطَهَّرَ بِصَاعٍ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَذَلِكَ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَسْوَسَةُ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا جَهْلٌ بِالسُّنَّةِ أَوْ خَبَالٌ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ: لَا تَعْتَرِي الْوَسْوَسَةُ إلَّا صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْ التَّحَفُّظ فِي الدِّينِ وَلَا تَدُومُ إلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ مُهَوَّسٍ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَا مِنْ اتِّبَاعِ الشَّيَاطِينِ وَقَالَ قَبْلَ هَذَا: وَآفَةُ ذَلِكَ يَعْنِي الْإِسْرَافَ فِي صَبِّ الْمَاءِ مِنْ جِهَاتٍ هِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا اتَّكَلَ عَلَيْهِ وَفَرَّطَ فِي الدَّلْكِ وَأَبْطَأَ بِهِ الْحَالُ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ مِمَّنْ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ أَوْ غَيْرَهَا أَوْ يَأْلَفُ ذَلِكَ فَلَا تُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ مَعَ قِلَّةِ الْمَاء لِأُلْفَةِ الْكَثْرَةِ أَوْ يَبْقَى مُشَوَّشَ الْقَلْبِ. قَالَ: قَالُوا: أَوْ يُوَرِّثُ ذَلِكَ الْوَسْوَاسَ فَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ زَوَالُ الشَّكِّ وَقَدْ جَرَّبْنَا ذَلِكَ انْتَهَى. بِالْمَعْنَى
ص (وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ التَّيَمُّنُ فِي الْأَعْضَاءِ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِيَمِينِهِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَدْخَلَهُ سَحْنُونٌ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: خَرَّجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَهِيَ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ أَفْعَالِ الْخَيْرِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) فَإِنْ ابْتَدَأَ بِغَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى أَجْزَأَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(قُلْتُ) غَسَلَ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ، وَالزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَمْنُوعَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ نَدَبَ الشَّرْعُ لِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْجَنْبَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَلَمْ يَنْدُبْ لِتَقْدِيمِ الْيُمْنَى مِنْ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَنَافِعَ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْجُرْأَةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ وَلَيْسَتْ لِلْيَسَارِ حَتَّى أَنَّ الْخَاتَمَ يَضِيقُ فِي الْيُمْنَى وَيَتَّسِعُ فِي الْيُسْرَى، وَمَنْ اعْتَبَرَ ذَلِكَ وَجَدَهُ مُقْتَضَى الْخِلْقَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الْأُذُنَانِ وَنَحْوُهُمَا فَمُسْتَوِيَانِ فِي الْمَنَافِعِ انْتَهَى. مُخْتَصَرًا.
(قُلْتُ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْسَرَ يُقَدِّمُ الْيُمْنَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ عَلَى يَمِينِ الْمُتَوَضِّئِ إنْ كَانَ مَفْتُوحًا، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّ جَعْلَ الْإِنَاءِ
عَلَى الْيَمِينِ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْكَنِيَّةَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي الْأَقْدَاحِ وَمَا تَدْخُلُ الْأَيْدِي فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبَارِيقُ فَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِجَعْلِهِ عَلَى الْيَسَارِ لِيَسْكُبَ الْمَاءَ بِيَسَارِهِ فِي يَمِينِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) قَالَ عِيَاضٌ: الِاخْتِيَارُ فِيمَا ضَاقَ عَنْ إدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ وَضْعُهُ عَلَى الْيَسَارِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمَا.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَمَّا وَضْعُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِدَرَجَةِ الْفَضَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَمْرٌ بِذَلِكَ وَقَدْ لَا يَتَيَسَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ الْأَوَانِي انْتَهَى. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَدَّهُ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ لَهُ، وَفِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُتَوَضِّئُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ بِمُقَدَّمِهِ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَارِدُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ قَوْلًا بِالسُّنِّيَّةِ، وَفِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ وَسَطِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى حَدِّ مَنَابِتِ شَعْرِهِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) سَبَبُ الِاخْتِلَافِ قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ» بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَقِيلَ: الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَالْمُرَادُ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِقْبَالِ تَفَاؤُلًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَقْبَلَ بِهِمَا عَلَى قَفَاهُ وَأَدْبَرَ بِهِمَا عَنْ قَفَاهُ فَإِنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، وَقِيلَ: بَدَأَ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَمْنَعُ هَذَا قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَمُؤَخَّرُهُ بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْخَاءِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مَقْدَمُ وَمُؤْخَرُ مُخَفَّفٌ وَالثَّالِثُ مَكْسُورٌ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الِابْتِدَاءُ بِالْمُقَدَّمِ غَيْرُ خَاصٍّ بِالرَّأْسِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ انْتَهَى. وَعَدَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ تَرْتِيبَ أَعْلَى الْعُضْوِ عَلَى أَسْفَلِهِ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ لَمَّا عَدَّ فَضَائِلَ الْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: لَوْ بَدَأَ الْمَاسِحُ مِنْ مُؤَخَّرِهِ أَجْزَأَهُ إذْ الْمُفْتَرَضُ الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ وَالْمَسْنُونُ تَبْدِئَةُ مُقَدَّمِهِ، وَيُوعَظُ فَاعِلُ هَذَا وَيُجْفَى وَيُقَبَّحُ لَهُ فِعْلُهُ لِخِلَافِ مَا أَتَى مِنْ السُّنَّةِ إنْ كَانَ عَالِمًا، وَيُعَلَّمُهَا إنْ كَانَ جَاهِلًا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَدَأَ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ مِنْ الذَّقَنِ أَوْ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مِنْ كَعْبَيْهِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا.
(الثَّانِي) انْفَرَدَ ابْنُ الْجَلَّابِ بِصِفَةٍ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ذَكَرَهَا فِي تَفْرِيعِهِ فَقَالَ: وَالِاخْتِيَارُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ ثُمَّ يَبْدَأُ بِيَدَيْهِ فَيُلْصِقَ طَرَفَيْهِمَا مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى مُؤَخَّرِهِ وَيَرْفَعَ رَاحَتَيْهِ عَنْ فَوْدَيْهِ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى مُقَدَّمِهِ وَيُلْصِقَ رَاحَتَيْهِ بِفَوْدَيْهِ وَيُفَرِّقَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي عَبْدَ الْوَهَّابِ: سَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ الْجَلَّابِ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا فَقَالَ: اخْتَرْتُهَا لِئَلَّا يَكُونَ مُكَرِّرًا لِلْمَسْحِ. وَفَضِيلَةُ التَّكْرَارِ مَخْصُوصَةٌ بِالْغَسْلِ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا أَبَا الْحَسَنِ يَعْنِي ابْنَ الْقَصَّارِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالتَّكْرَارُ الَّذِي لَا فَضِيلَةَ فِيهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَرَدَ بِأَنَّ التَّكْرَارَ الْمَكْرُوهَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَالْفَوْدَانِ تَثْنِيَةُ فَوْدٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَهُمَا جَانِبَا الرَّأْسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَشَفْعُ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثُهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ شَفْعُ الْمَغْسُولِ وَتَثْلِيثُهُ فَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَضِيلَتَانِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ،
وَقِيلَ: إنَّهُمَا سُنَّتَانِ، وَقِيلَ: الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالثَّالِثَةُ فَضِيلَةٌ. نَقَلَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ابْنُ عَبْدُ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فَضِيلَةٌ وَالثَّالِثَةَ سُنَّةٌ وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الْفَضِيلَةِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يَهْتَمَّ بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ فَيُؤْتِي بِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَضِيلَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: احْتَجَّ لَهُ بَعْضُهُمْ بِتَرْتِيبِهِ عليه الصلاة والسلام الْفَضْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَبِقَوْلِهِ فِي الثَّالِثَةِ: «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَكَأَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ بِتَرْتِيبِهِ الْفَضْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ» ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ خَامِسٌ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْجَوْزَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: وَعُمْدَتُهُ رِوَايَةُ عَلِيٍّ وَلَا دَلِيلَ فِيهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ شَرْحَ الْجَوْزَقِيِّ لِلْمَازِرِيِّ مَشْهُورٌ وَلَمْ أَسْمَعْ شَرْحَهُ لِلَّخْمِيِّ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) يَفْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الْأُولَى مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ وَتَتَبُّعِ الْمَغَابِنِ وَالدَّلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: يَغْسِلُ وَجْهَهُ هَكَذَا ثَلَاثًا.
(الثَّانِي) اُخْتُلِفَ هَلْ يَفْعَلُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ أَوْ بِنِيَّةِ فِعْلِ مَا أَمْكَنَ تَرْكُهُ مِنْ الْأُولَى أَوْ بِنِيَّةِ إكْمَالِ الْفَرْضِ كَإِعَادَةِ الْفَذِّ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ بِنِيَّةِ فِعْلِ الْوُجُوبِ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَعَزَا الْأَوَّلَ لِلْمَازِرِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالرَّابِعَ لِلْبَيَانِ. قَالَ: وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِأَنَّ التَّكْرَارَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَيَقُّنِ حُصُولِ مَا وَجَبَ فَلَيْسَ هُنَاكَ شَكٌّ لِتَنَافِي الشَّكِّ وَالْيَقِينِ. قَالَ: وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا يُعِيدُ إنْ تَبَيَّنَ تَرْكَهُ؛ لِأَنَّ فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ الْوَاجِبِ دُونَ جَزْمٍ خِلَافٌ. قَالَ: وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الثَّالِثَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَرَّرُ دُونَ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبِهِ فَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ بِإِعَادَتِهَا؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهَا وَفَضْلُ ثَانِيَةِ الْغُسْلِ خَاصٌّ بِهَا لَا تَتَّصِلُ بِهِ الْأُولَى، فَامْتَنَعَ تَحْصِيلُهُ لَهَا بِهِ انْتَهَى مَبْسُوطًا، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: هَلْ يُؤْمَرُ الْمُتَوَضِّئُ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي شَيْئًا مُعَيَّنًا. نَعَمْ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْمُسْبَغَةِ فَهُوَ فَضِيلَةٌ، قَالَ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِي بِذَلِكَ الْفَضِيلَةَ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّكْرَارِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ، وَاحْتَجَّ بِصَلَاةِ الْفَذِّ فِي الْجَمَاعَةِ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ. قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُولَى فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْزَاءُ دُونَهَا فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَسْبَغَ فِي الْأُولَى اعْتَقَدَ فِي الثَّانِيَةِ الْفَضِيلَةَ لَا مَحَالَةَ.
وَوِزَانُ طُولِ الرُّكُوعِ طُولُ التَّدَلُّكِ فِي الْأُولَى، وَأَمَّا إعَادَةُ الْمَكْتُوبَةِ بِنِيَّةِ أَنَّهَا الْفَرْضُ فَذَلِكَ لِرَجَاءِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْمَفْرُوضَةُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْإِسْبَاغَ إذَا وَقَعَ بِالْأُولَى لَا تَكُونُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ: لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَتَرَكَ مِنْهُ مَوْضِعًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ إلَّا فِي الثَّالِثَةُ فَإِنْ لَمْ يَخُصَّ الثَّالِثَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ أَجْزَأَهُ هـ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَيُكَرِّرُ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ اللُّمْعَةِ دُونَ جَمِيعِ الْعُضْوِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْإِسْرَافِ الْمَكْرُوهِ، وَقَالَ: فِي تَكْرِيرِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَكْرِيرِ الْغَسْلِ فِيمَا غَسَلَ، وَإِنْ خَصَّ الثَّانِيَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَةِ الْمُجَدِّدِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِذَا لَمْ يُسْبِغْ فِي الْأُولَى وَأَسْبَغَ فِي الثَّانِيَةِ كَانَ بَعْضُ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَهُوَ إسْبَاغُ مَا عَجَزَ عَنْ الْأُولَى وَبَعْضُهَا فَضِيلَةٌ وَهُوَ مَا تَكَرَّرَ مِنْهَا عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسْبَغَ أَوَّلًا، وَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَابِعَةٍ يَخُصُّ بِهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَا يَعُمُّ فِي الرَّابِعَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّهْيُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: وَإِنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ الْإِسْبَاغُ بِالْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ الْوُجُوبَ فِيمَا شَكَّ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ
عَلِمَ مَوْضِعَهَا خَصَّهَا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا إنْ كَانَ بَعْدَ إكْمَالِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ إكْمَالِهِ نَوَى بِاَلَّتِي تَلِيهَا الْوُجُوبَ فِي مَوْضِعِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا زَادَ عَلَى مَوْضِعِهَا فَعَلَى الْخِلَافِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ نَحْوَهُ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ: وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يُكَرِّرُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ أَوْ شَكَّ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَضْلَ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَرْضَ، وَإِنْ شَكَّ نَوَى بِالزَّائِدِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَمَتَى شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ فَيَنْوِي الْوُجُوبَ فَإِنْ نَوَى الْفَضِيلَةَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ فَقَوْلَانِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ بِالْأُولَى وَعَمَّ بِالثَّانِيَةِ صَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَيَزِيدُ رَابِعَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلَافٌ. وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عَمَّ بِالْأُولَى وَقُلْنَا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَهَلْ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ التَّبْصِرَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَرَّةً إذَا أَسْبَغَ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: الْوُضُوءُ مَرَّتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ قِيلَ لَهُ: فَالْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ اثْنَتَيْنِ إذَا عَمَّتَا وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَحِمَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِيَّ إذَا رَأَى مَنْ يَقْتَدِي بِهِ تَوَضَّأَ مَرَّةً فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يُحْسِنُ الْإِسْبَاغَ فَيُوقِعَهُ فِيمَا لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ بِهِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الطِّرَازِ وَاقْتَصَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى بَعْضِهِ فَقَالَ: جَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّهَا إلَّا مِنْ عَالِمٍ يَعْنِي لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا الْإِسْبَاغُ وَذَلِكَ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الْعُلَمَاءُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ فَقِيلَ: لِتَرْكِ الْفَضِيلَةِ جُمْلَةً، وَقِيلَ: مَخَافَةَ أَنْ لَا يَعُمَّ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا لِلْعَالِمِ بِالْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَالَ: الْوُضُوءُ مَرَّتَانِ، قِيلَ: فَوَاحِدَةٌ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا أُحِبُّ الْوَاحِدَةَ إلَّا مِنْ عَالِمٍ اهـ وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي فِي قَوَاعِدِهِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ لِغَيْرِ الْعَالِمِ، وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، الثَّانِي الْكَرَاهَةُ، الثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ لِلْعَالِمِ خَاصَّةً، الرَّابِعُ عَكْسُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ شَدِيدَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ فِي الطِّرَازِ أَوَائِلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ فَضِيلَةِ التَّكْرَارِ انْتَهَى. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّكْرَارَ فَضِيلَةٌ فَلَا شَكَّ أَنَّ فِي تَرْكِهِ كَرَاهَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ وَرُوِيَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ. الْمَازِرِيُّ لِلْحَطِّ عَنْ الْفَضِيلَةِ، وَالْقَابِسِيُّ لَا يَكَادُ يَسْتَوْعِبُ بِوَاحِدَةٍ وَلِذَا رَوَى بِزِيَادَةٍ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ. الْمَازِرِيُّ: هَذِهِ غُرَّةُ الْإسْفَرايِينِيّ فَحَكَى عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ اثْنَتَيْنِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَإِنْ عَمَّتَا انْتَهَى. الْخَامِسُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَشْفِيعَ الْمَغْسُولِ فَضِيلَةٌ وَتَثْلِيثَهُ فَضِيلَةٌ ثَانِيَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ ظَاهِرُهَا خِلَافُ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْ يُكَرِّرَ الْغَسْلَ ثَلَاثًا أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ هِيَ الْفَضِيلَةُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جُزْءَ فَضِيلَةٍ، وَقَدْ اشْتَهَرَ خِلَافُهُ مِنْ أَنَّهُمَا فَضِيلَتَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ سُنَّتَانِ أَوْ الْأُولَى سُنَّةٌ وَالثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ص (وَهَلْ الرِّجْلَانِ كَذَلِكَ أَوْ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ؟ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلَافٌ)
ش ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسْأَلَتَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافًا أَيْ
قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ الْأُولَى: هَلْ الرِّجْلَانِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَيَغْسِلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا أَوْ فَرْضُهُمَا الْإِنْقَاءُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي التَّثْلِيثَ عَامًّا وَهُوَ الَّذِي فِي الرِّسَالَةِ وَالْجَلَّابِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّ فَرْضَهُمَا الْإِنْقَاءُ. قَالَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي آخِرِهِ «وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَسَخَ يَعْلَقُ بِهِمَا كَثِيرًا وَالْمَطْلُوبُ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْقَاءِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: زَعَمَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ قَالَ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غَسْلِهِمَا الْإِنْقَاءُ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ غَالِبًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَنَدٌ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّجْلَيْنِ نَفْيُ التَّحْدِيدِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى غَرْفَةٍ بَلْ يَعُمُّهُمَا أَوَّلًا بِالْغَسْلِ ثُمَّ يُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثًا.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ: رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَكَانَ يُبَالِغُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْأَوْسَاخِ غَالِبًا لِاعْتِيَادِهِمْ الْمَشْيَ حُفَاةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَلْ تُكْرَهُ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِب الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ الْحَاجِبِ الْكَرَاهَةُ، وَنَقَلَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهَا تُمْنَعُ. قَالَ: وَنَقَلَ سَنَدٌ اتِّفَاقَ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمَنْعِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ بِالتَّرَدُّدِ لَكَانَ أَجْرَى عَلَى طَرِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ الْمَذْكُورِينَ نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَشَهَرَ مِنْهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّانِي) الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمْ الْمَنْعَ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ الْحُرْمَةُ وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْعَ مُقَابِلًا لِلْكَرَاهَةِ، وَفِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَوْجِيهِ الْكَرَاهَةِ: مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ، وَأَيْضًا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ مَا نَصُّهُ، وَرُبَّمَا فُهِمَ مِنْ أَبْحَاثِهِمْ التَّحْرِيمُ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَالْأَقْرَبُ رَدُّهَا لِقَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْمُسْتَوْعِبَةُ الْعُضْوِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْعُضْوَ إلَّا بِغَرْفَتَيْنِ فَهُوَ غَرْفَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ أَوْ السُّنَّةَ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنْ وَرَاءِ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ بِالتَّحْرِيمِ فَقَالَ: وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الرَّابِعَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَجْهٍ لَكِنَّهَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: فَمَنْ عَمَّ الْعُضْوَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَتَى بِالْفَرْضِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ كَرَاهَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ خِيفَةَ أَنْ لَا يَعُمَّ بِهَا أَوْ خِيفَةَ أَنْ لَا يَرَاهُ مَنْ لَا يُحْسِنُ فَيَقْتَدِي بِهِ فَلَا يَعُمُّ بِوَاحِدَةٍ.
(الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْمُقْتَصِرَ عَلَى الْوَاحِدَةِ تَارِكٌ لِلْفَضْلِ وَتَارِكُ الْفَضْلِ مُقَصِّرٌ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ بِإِجْمَاعٍ، كَمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا عَمَّ بِهَا بِإِجْمَاعٍ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنَّ تَشْبِيهَ ذَلِكَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ بِحُرْمَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا بَلْ الْكَلَامُ فِي كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الشَّبِيبِيِّ أَنَّ
الْمَشْهُورَ فِي ذَلِكَ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرَّابِعَةُ مَمْنُوعَةٌ. ابْنُ بَشِيرٍ: إجْمَاعًا وَتَرَكَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَأَمَّا ابْنُ نَاجِي فَاقْتَصَرَ عَلَى آخِرِ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ السَّرَفِ فِي الْمَاءِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّأْكِيدُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ زَادَ فِيمَنْ تَوَضَّأَ بِنَفْسِهِ فَزَادَ الرَّابِعَةَ، وَقَوْلُهُ: اسْتَزَادَ فِيمَنْ يُوَضِّئُهُ غَيْرُهُ فَطَلَبَ مِنْ الَّذِي يُوَضِّئُهُ زِيَادَةَ الرَّابِعَةِ
ص (وَتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ) ش يَعْنِي أَنَّ تَرْتِيبَ سُنَنِ الْوُضُوءِ فِي أَنْفُسِهَا مُسْتَحَبٌّ بِأَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ يَدَيْهِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَيُقَدِّمَ الْمَضْمَضَةَ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ، وَيُقَدِّمَ هَذِهِ السُّنَنَ عَلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، وَكَذَلِكَ تَرْتِيبُ السُّنَنِ مَعَ الْفَرَائِضِ بِأَنْ يُقَدِّمَ السُّنَنَ الْأُوَلَ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَيُقَدِّمَ الْفَرَائِضَ الثَّلَاثَ عَلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا فَمُسْتَحَبٌّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَقَالَ: وَفِي سُقُوطِ رَعْيِهِ يَعْنِي التَّرْتِيبَ فِي الْمَسْنُونِ وَوُجُوبِهِ نَقَلَ عِيَاضٌ مَعَ أَبِي عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنُ زَرُّوق مَعَ الصَّقَلِّيِّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: يُعِيدُ عَامِدُ تَنْكِيسِهِ فِي مَفْرُوضِهِ أَوْ مَسْنُونِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْنِي بِسُقُوطِ رَعْيِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّنَنِ مَعَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: ظَاهِرُ الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ: إنَّهُ يَتَمَضْمَضُ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ وَجْهِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ أَخَفَّ مِنْ تَرْتِيبِ الْفَرَائِضِ فِي أَنْفُسِهَا فَقَالَ مَرَّةً: إنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ إذَا نَكَّسَهُ مُتَعَمِّدًا كَالْمَفْرُوضِ مَعَ الْمَفْرُوضِ، وَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا فَارَقَ وُضُوءَهُ وَقَالَ: إنْ نَكَّسَهُ سَاهِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ فَضْلٌ: مَعْنَاهُ إذَا فَارَقَ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَارِقْ وُضُوءَهُ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ مَا قَدَّمَ وَيَغْسِلُ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ مَسْنُونِ الْوُضُوءِ فَذَكَرَهُ بِحَضْرَةِ وُضُوئِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا نَسِيَ وَمَا بَعْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ الْمَفْرُوضِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) إذَا ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ فَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ الْجُلُوسَ الْوَسَطَ حَتَّى فَارَقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَنْ شَيْخِهِ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى وُضُوئِهِ وَيَفْعَلُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ بَعْدَ فَرَاغِهِ. قَالَ: وَكَذَا أَفْتَى شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ بِرُجُوعِهِ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ. قَالَ: وَأَفْتَى شَيْخُنَا أَبُو يُوسُفَ الزُّغْبِيُّ بِرُجُوعِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَتْوَاهُ لِفَتْوَى مَنْ ذَكَرَ خِلَافَهُ فَوَقَفَ بَعْضُ طَلَبَتِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ فَعَرَّفَهُ بِهِ فَتَمَادَى عَلَى فَتْوَاهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَلَفْظُ الْمُوَطَّإِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ: فَلْيَتَمَضْمَضْ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ وَجْهِهِ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَاجِيُّ فِيهِ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي هَلْ يَتَمَضْمَضُ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوْ يَسْتَمِرُّ عَلَى وُضُوئِهِ حَتَّى يَفْرُغَ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ص (وَسِوَاكٌ وَإِنْ بِأُصْبُعٍ) ش يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ السِّوَاكَ وَالسِّوَاكُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقَالَ اللَّيْثُ: إنَّ الْعَرَبَ تُؤَنِّثُهُ أَيْضًا، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هَذَا مِنْ عَدَدِ اللَّيْثِ أَيْ أَغَالِيطِهِ الْقَبِيحَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ: وَالسِّوَاكُ مَصْدَرُ سَاكَ فَمَهُ يَسُوكُهُ سَوْكًا، فَإِنْ قُلْتَ اسْتَاكَ لَمْ تَذْكُرْ الْفَمَ، وَجَمْعُ السِّوَاكِ سُوكٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ سُؤُكٌ بِالْهَمْزِ
ثُمَّ قِيلَ: إنَّ السِّوَاكَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَاكَ إذَا دَلَكَ وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَتْ الْإِبِلُ تَسَّاوَكُ أَيْ تَتَمَايَلُ هُزَالًا، وَالسِّوَاكُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الْأَسْنَانِ لِتَذْهَبَ الصُّفْرَةُ وَغَيْرُهَا عَنْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَالْكَلَامُ فِي حُكْمِهِ، وَوَقْتِهِ، وَآلَتِهِ، وَكَيْفِيَّتِهِ. أَمَّا حُكْمُهُ فَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مُثَابَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِظْهَارِهِ وَالْأَمْرِ بِهِ انْتَهَى. كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى مُثَابَرَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ عَلَيْهِ، وَالْمُثَابَرَةُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُوَاظَبَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتَهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُجْمَعٌ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ النَّوَوِي: وَغَلِطَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ فَزَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْهُ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ هُوَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:«لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ مَرْفُوعًا وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ذَكَرَهُ قَبْلَ أَبْوَابِ الْأَذَانِ. قَالَ الْبَاجِيّ: قَوْله «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» عَلَى مَا عَلِمْتُمْ مِنْ إشْفَاقِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ وَرِفْقِهِ بِهِمْ وَحِرْصِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا أَمْرُ الْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ دُونَ النَّدْبِ فَهُوَ نَدَبَ صلى الله عليه وسلم إلَى السِّوَاكِ وَلَيْسَ فِي النَّدْبِ إلَيْهِ مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إعْلَامٌ بِفَضِيلَتِهِ وَاسْتِدْعَاءٌ لِفِعْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، وَقَالَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ قَوْلُهُ:«مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ فَهَذَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَثْبُتُ بِحَدِيثِ الْأَعْرَجِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ فِيهِمَا وَأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِنَصِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا مَا ذُكِرَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ وَاجِبٌ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اسْتَاكُوا» وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَيُفَسِّرُ مَا احْتَجَّ بِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ إنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِلصَّلَاةِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ عِنْدَهُ وَاجِبٌ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَ: وَقَدْ أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ نَقْلَ الْوُجُوبِ عَنْ دَاوُد وَقَالُوا: إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْجَمَاعَةِ وَلَوْ صَحَّ إيجَابُهُ عَنْ دَاوُد لَمْ يَضُرَّ مُخَالَفَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْحُكْمُ عَنْهُ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالسِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَلَكِنَّهُ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا أَحَدُهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ بِتُرَابٍ أَوْ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، الثَّانِي عِنْدَ الْوُضُوءِ، الثَّالِثُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، الرَّابِعُ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ، الْخَامِسُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ، وَتَغَيُّرُهُ يَكُونُ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا أَكْلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَمِنْهَا طُولُ السُّكُوتِ، وَمِنْهَا كَثْرَةُ الْكَلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَأَمَّا وَقْتُهُ فَقَالَ فِي الطِّرَازِ: يَسْتَاكُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَتَمَضْمَضُ بَعْدَهُ لِيُخْرِجَ الْمَاءُ مَا يَنْثُرُهُ السِّوَاكُ، وَلَا يَخْتَصُّ السِّوَاكُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ
فِي الْحَالَاتِ الَّتِي يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْفَمُ كَالْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لِتَغَيُّرِ الْفَمِ لِمَرَضٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ صَمْتٍ كَثِيرٍ أَوْ مَأْكُولٍ مُغَيِّرٍ. قَالَ: وَأَمَّا آلَتُهُ فَهِيَ عِيدَانُ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ أَوْ بِأُصْبُعِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ الْقَلَحَ وَالْقَلَحُ صُفْرَةُ الْأَسْنَانِ.
فَإِنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعٍ حَرْشَاءَ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ فَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَيَتَجَنَّبُ مِنْ السِّوَاكِ مَا فِيهِ أَذًى لِلْفَمِ كَالْقَصَبِ فَإِنَّهُ يَجْرَحُ اللِّثَةَ وَيُفْسِدُهَا وَكَالرَّيْحَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ فِيهِ فَسَادٌ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الطِّرَازِ: يَسْتَاكُ قَبْلَ وُضُوئِهِ حَتَّى إذَا تَمَضْمَضَ بَعْدَهُ أَخْرَجَ الْمَاءُ مَا يَنْثُرُهُ السِّوَاكُ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِيَاكِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوُضُوءِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ ثُمَّ قَالَ سَنَدٌ: فَمَنْ لَا يَسْتَاكُ بِعُودٍ وَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى أَسْنَانِهِ فِي مَضْمَضَةٍ قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ السِّوَاكِ الْخَفِيفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ زِيَادَةً عَلَى مَحْضِ التَّمَضْمُضِ فِي التَّنَظُّفِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ بِالْيُمْنَى أَوْلَى. وَقَالَ: رَوَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَكُونُ بِقَضْبِ الشَّجَرِ. قَالَ: وَأَفْضَلُهَا الْأَرَاكُ قَالَ: وَضَعُفَ كَرَاهِيَةُ بَعْضِهِمْ بِذِي صِبْغٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ لِجَوَازِ الِاكْتِحَالِ وَفِيهِ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ. قَالَ: وَفِي رَدِّهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الِاكْتِحَالَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِنَّ. قَالَ: وَفِي إجْزَاءِ غَاسُولٍ تَمَضْمَضَ بِهِ عَنْهُ قَوْلَا ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بِعُودِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ قَالَ: وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ يُجْزِئُ زَادَ الْأَبِيُّ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَاسْتَاكَ بِهَا فَلَا يُدْخِلُهَا الْإِنَاءَ خَوْفَ إضَافَةِ الْمَاءِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِالْيُمْنَى وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ بِالشِّمَالِ؛ لِأَنَّهَا مَسَّتْ الْأَذَى وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ فَحَسَنٌ يَعْنِي مَعَ الْمَضْمَضَةِ بِرِفْقٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالدَّلْكِ، وَقَدْ رُوِيَ بِأُصْبُعَيْهِ بِالْإِفْرَادِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ، وَبِالتَّثْنِيَةِ يَعْنِي مَعَ الْإِبْهَامِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَهُوَ بِالْيُمْنَى وَقِيلَ: بِالْيُسْرَى. وَلْيَتَّقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِقُوَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْبَلْغَمِ وَيُضِيفُ الْمَاءَ بِمَا يَنْقَلِعُ مِنْهَا وَرُبَّمَا أَجْرَى دَمًا أَوْ أَثَارَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ.
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ اسْتِحْبَابُ غَسْلِهَا مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ بِهَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ أَدْخَلَهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ وَاسْتَخَفَّهُ لِيَسَارَةِ مَا عَلَيْهَا ذَكَرَهُ الشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى مِنْ الشَّيْخِ زَرُّوق وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ بِأُصْبُعِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ بِغَيْرِ الْأُصْبُعِ أَفْضَلُ وَلَكِنَّهُ يُجْزِئُ بِالْأُصْبُعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَرْجَحِيَّةِ غَيْرِ الْأُصْبُعِ فَالْأَمْرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأُصْبُعَ كَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. اللَّخْمِيُّ: وَالْأَخْضَرُ لِلْمُفْطِرِ أَوْلَى وَظَاهِرُ التَّلْقِينِ هُمَا لَهُ سَوَاءٌ انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفَضَّلَ الْأَخْضَرَ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الْإِنْقَاءِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُكْرَهُ بِعُودِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَأَفْضَلُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ عُودُ الْأَرَاكِ وَكَوْنُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَنْ يَكُونَ إبْهَامُهُ تَحْتَ الْعُودِ وَالسَّبَّابَةُ فَوْقَ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ أَسْفَلَ انْتَهَى. وَهَذَا بَعِيدٌ فَانْظُرْهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَاكَ مِمَّا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ حَصَلَ الِاسْتِيَاكُ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالسَّعْدِ وَالْأُشْنَانِ، وَأَمَّا الْأُصْبُعُ فَإِنْ كَانَتْ لَيِّنَةً لَمْ يَحْصُلْ السِّوَاكُ وَإِنْ كَانَتْ خَشِنَةً حَصَلَ بِهَا السِّوَاكُ. قَالَ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مُتَوَسِّطٍ لَا شَدِيدِ الْيُبْسِ يَجْرَحُ وَلَا رَطْبٍ لَا يُزِيلُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكُ طُولًا لِئَلَّا يُدْمِي لَحْمَ أَسْنَانِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُمِرَّ السِّوَاكَ عَلَى أَطْرَافِ أَسْنَانِهِ وَكَرَاسِيِّ أَضْرَاسِهِ وَسَقْفِ حَلْقِهِ إمْرَارًا لَطِيفًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ سِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَوَّدَ الصَّبِيُّ السِّوَاكَ لِيَعْتَادَهُ انْتَهَى.
وَقَالُوا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَيُرْوَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام -
«وَاسْتَاكُوا عَرْضًا وَادَّهِنُوا غِبًّا» أَيْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ «وَاكْتَحِلُوا وِتْرًا» فَالسِّوَاكُ عَرْضًا أَسْلَمُ لِلِّثَةِ مِنْ التَّقَلُّعِ وَالِادِّهَانُ إذَا كَثُرَ يُفْسِدُ الشَّعْرَ، ثُمَّ قَالَ: وَالسِّوَاكُ وَإِنْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فَعِنْدِي مَا عَرَا عَنْ شَائِبَةِ تَعَبُّدٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَسْنَانَ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَغْسُولَاتِ لِجَلَائِهِ عِوَضًا عَنْ الْعِيدَانِ لَمْ يَأْتِ بِالسُّنَّةِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَاكَ بِسِوَاكِهِ غَسَلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السِّوَاكِ الْأَوَّلِ غَسَلَهُ انْتَهَى. وَالْأَطْيَبُ لِلنَّفْسِ غَسْلُهُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ثِيَابِهِ أَوْ بِمَوْضِعٍ تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا سُئِلَتْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ فَقَالَتْ بِالسِّوَاكِ» قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: مَعْنَاهُ تَكْرَارُهُ لِذَلِكَ وَمُثَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَقْتَصِرُ فِيهِ فِي نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ عَلَى الْمِرَارِ الْمُكَرَّرَةِ، وَخُصَّ بِذَلِكَ دُخُولُهُ بَيْتَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ ذَوُو الْمُرُوءَةِ بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَجِبُ عَمَلُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي الْمَجَالِسِ الْحَفِلَةِ انْتَهَى. وَرَدَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْمَعْنَى بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسْتَاكُ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ يَقُولُ أُعْ أُعْ وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ» وَقَالَ: إنَّ بَعْضَهُمْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِاسْتِيَاكِ الْإِمَامِ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ وَرَجَّحَ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ السِّوَاكَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرَبِ فَلَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ بِأُصْبُعٍ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ السِّوَاكُ بِالْأُصْبُعِ فِي مَضْمَضَةٍ أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ، فَالْأَوَّلُ قَالَ سَنَدٌ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ الْخَفِيفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ زِيَادَةً عَلَى مَحْضِ الْمَضْمَضَةِ فِي التَّنْظِيفِ انْتَهَى. وَالثَّانِي قَالَ سَنَدٌ وَلِابْنِ الصَّبَّاغِ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَلِكَ سِوَاكٌ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَيْسَ الْأُصْبُعُ بِأَنْ يَكُونَ سِوَاكًا لِلسِّنِّ بِالْأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ السِّنُّ سِوَاكًا لِلْأُصْبُعِ انْتَهَى.
ص (وَتَسْمِيَةٌ)
ش: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ: وَفَضَائِلُهُ سِتٌّ التَّسْمِيَةُ مُكَمِّلَةٌ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ: قَالُوا: وَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَهُ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: قُلْتُ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ خَاصَّةً أَجْزَأَهُ وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي» وَأَمَّا عِنْدَ إغْلَاقِ الْبَابِ وَإِطْفَاءِ الْمِصْبَاحِ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَانْظُرْ هَلْ الْأَوْلَى إضَافَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْخَاصِّ أَوْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ؟ وَأَمَّا عِنْدَ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ فَاسْتَحَبَّ أَشْهَبُ أَنْ يُقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَحَسَنٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ: يَعْنِي بِالتَّسْمِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا مِثْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ تَنَظُّفًا أَوْ تَبَرُّدًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ تَأْوِيلُ التَّسْمِيَةِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ مُبْتَدَأِ الْوُضُوءِ.
ص (وَدُخُولٌ وَضِدُّهُ لِمَنْزِلٍ وَمَسْجِدٍ)
ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَدُخُولُ خَلَاءٍ.
ص (وَلُبْسٌ)
ش: قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلُبْسُ ثَوْبٍ وَنَزْعُهُ.
ص (وَإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ. قَالَ: كَ شَكِّهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ هَلْ هُوَ الْعِيدُ؟)
ش فَفِي فِي كَرَاهَتِهَا