الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شُرُوطَ الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَجْمَرُ بِهِ وَهَكَذَا كُلُّهُ إذَا قَصَدَ الِاسْتِجْمَارَ الشَّرْعِيَّ وَإِلَّا اتَّقَى مَا لَهُ حُرْمَةٌ وَإِذَايَةٌ وَنَحْوُهُمَا، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَصَدَ إزَالَةَ عَيْنِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحِلِّ لِيَغْسِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيُزِيلَهَا بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُزَالَ بِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ أَوْ فِيهِ إذَايَةٌ وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا يَكُونُ مَائِعًا أَوْ مَبْلُولًا بَلَلًا يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الِاسْتِجْمَارُ بِالْيَدِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ زَادَ فِي الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا احْتِرَازًا مِنْ يَدِ نَفْسِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ بِيَدِهِ وَلَفْظُهُ ثُمَّ يَمْسَحُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِمَدْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِيَدِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ أَنَّهُ إذَا عَدِمَ الْأَحْجَارَ فَلَا يَتْرُكُ فَضِيلَةَ الِاسْتِجْمَارِ بَلْ يَسْتَجْمِرُ بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى بَعْدَ غَسْلِهَا، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ: إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الْمُجَرَّدِ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الَّذِي يَعْقُبُهُ الِاسْتِنْجَاءُ قُلْت وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِالْإِجْزَاءِ فَقَالَ: لَوْ اسْتَنْجَى بِأُصْبُعِهِ وَأَنْقَى بِثَلَاثٍ أَوْ غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَلَا يُجْزِئُ كَالْعَقِبِ وَكَذَنَبِ دَابَّةٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْلَعَ صُوفًا مِنْ ذَنَبِ شَاةٍ فَيَتَمَسَّحَ بِهِ مُتَّصِلًا بِهَا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا يُتَّقَى مِنْ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِاخْتِصَارٍ فَقَالَ: لَوْ اسْتَنْجَى بِأَصَابِعِهِ أَوْ ذَنَبِ دَابَّةٍ أَوْ شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَأَنْقَى أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْيَدِ جَائِزٌ عَلَى مَا فِي الرِّسَالَةِ وَالْمَدْخَلِ فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ وَيُؤْمَرُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مِنْ يَدِهِ هَذَا إذَا أَرَادَ الِاسْتِجْمَارَ الشَّرْعِيَّ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لِيَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَوْلُهُ: بِيَدِهِ يَعْنِي الْيُسْرَى وَيَعْنِي إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَمُرَادُهُ بِالْيَدِ الْأُصْبُعُ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَيُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا يُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذَا فِي الطِّرَازِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: إنَّ الْيَدَ مَعَ الْإِنْقَاءِ كَافِيَةٌ خِلَافًا لِمَا ذُكِرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَنْقَى بِدُونِ الثَّلَاثِ فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْقَاءُ دُونَ الْعَدَدِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَابْنُ شَعْبَانَ بِوُجُوبِ الْإِنْقَاءِ وَالْعَدَدِ فَإِنْ أَنْقَى بِحَجَرٍ أَوْ حَجَرَيْنِ أَجْزَأَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّثْلِيثُ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِالثَّلَاثِ وَأَنْقَى بِأَرْبَعٍ اُسْتُحِبَّ الْخَامِسُ لِلْوِتْرِ فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِخَمْسٍ وَأَنْقَى بِسِتٍّ اُسْتُحِبَّ السَّابِعُ ثُمَّ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ، اُنْظُرْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّبِيبِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَحَمَلَ شُيُوخُنَا حَدِيثَ الثَّلَاثِ عَلَى النَّدْبِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى
[فَصْلٌ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ]
ص (فَصْلٌ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِحَدَثٍ وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ)
ش هَذَا الْفَصْلُ يَذْكُرُ فِيهِ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ وَتُسَمَّى مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَاخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَمَعَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَقَالَ: بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا يُنْقِضُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمُوجِبَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْحَدَثَ السَّابِقَ عَلَى الْوُضُوءِ وَالنَّاقِضُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُضُوءِ وَالنَّوَاقِضُ جَمْعُ نَاقِضٍ وَنَاقَضَ الشَّيْءَ وَنَقِيضُهُ مَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَتَعْبِيرُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالنَّوَاقِضِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْمُوجِبِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ، انْتَهَى. يَعْنِي وَكَانَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ نَاسَبَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهَا بِالنَّوَاقِضِ وَإِلَّا فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُوجِبِ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى السَّابِقِ وَعَلَى الْمُتَأَخِّرِ وَأَيْضًا فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّقْضِ قَدْ يُوهِمُ بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ السَّابِقَةِ وَإِذَا بَطَلَتْ بَطَلَ مَا فَعَلَ بِهَا مِنْ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ
لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الرَّفْضِ: لَا نَقُولُ: إنَّ الطَّهَارَةَ بَطَلَتْ بِالْحَدَثِ، وَلَكِنْ انْتَهَى حُكْمُهَا كَمَا يَنْتَهِي حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا إذَا تَوَضَّأَ وَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ لِلْحَدَثِ الثَّانِي لَا الْحَدَثِ الْأَوَّلِ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفَاعِلٌ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصْفًا لِمُذَكَّرٍ عَاقِلٍ يَجُوزُ جَمْعُهُ عَلَى فَوَاعِلَ كَخَارِجٍ وَخَوَارِجَ وَطَالِقٍ وَطَوَالِقَ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ: وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَدُّوهُ مَسْمُوعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي مَوَاضِعَ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ: إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ وَإِذَا أَرَادَ فِيهِ كَلَامًا فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَقَرِيبٌ، انْتَهَى.
وَنَوَاقِضُ الْوُضُوءِ (أَحْدَاثٌ) وَأَسْبَابٌ فَالْأَحْدَاثُ جَمْعُ حَدَثٍ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ (وَالْأَسْبَابُ) جَمْعُ سَبَبٍ وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ: الْحَبْلُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَيْ فَلْيُمْدِدْ بِحَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ فَإِنَّ السَّقْفَ يُسَمَّى سَمَاءً لِعُلُوِّهِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ السَّبَبُ فِي عِلَّةِ الشَّيْءِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَيْهِ وَالسَّبَبُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ هُوَ مَا أَدَّى إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ كَالنَّوْمِ الْمُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الرِّيحِ مَثَلًا وَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ الْمُؤَدِّيَانِ إلَى خُرُوجِ الْمَذْيِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ الْحَدَثَ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِيَادِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ فَتَمَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ مَخْرَجَيْهِ إلَخْ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَارِجُ أَفَادَ بِهِ أَنَّ الدَّاخِلَ غَيْرُ حَدَثٍ وَلَا سَبَبَ فَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِحُقْنَةٍ، وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ مُوجِبٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَذْيُ الْمَرْأَةِ بِلَّةٌ تَجِدُهَا فَيَجِبُ بِهَا الْوُضُوءُ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ ابْنُ حَبِيبٍ: مَذْيُ الْمَرْأَةِ بِلَّةٌ تَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ وَوَدْيُهَا يَخْرُجُ بِأَثَرِ الْبَوْلِ انْتَهَى.
ص (لَا حَصًى وَدُودٌ وَلَوْ بِبِلَّةٍ)
ش: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ الدُّبُرِ أَوْ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَقَدَّمَ غَسْلُ ذَلِكَ وَالِاسْتِجْمَارُ مِنْهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: لَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا بِغَيْرِ دَمٍ فَهَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، انْتَهَى. وَلَعَلَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ وَنُدِبَ إنْ لَازَمَ أَكْثَرَ لَا إنْ شَقَّ)
ش هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ لَا يُنْقَضُ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ لَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّ السَّلَسَ يُنْقِضُ مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ السَّلَسَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:(الْأَوَّلُ) أَنْ يُلَازِمَ وَلَا يُفَارِقَ فَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَلَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ صَاحِبِهِ بِالْبَوْلِ الْمُعْتَادِ.
(الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُلَازَمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مُفَارِقَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِبَرْدٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَلَا يُسْتَحَبُّ.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَتَسَاوَى إتْيَانُهُ
وَمُفَارَقَتُهُ فَفِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَاسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَفْصِيُّ: وَالْمَشْهُورُ لَا يَجِبُ وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: الظَّاهِرُ الْوُجُوبُ.
(الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَتُهُ أَكْثَرَ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ مُسْتَحَبٌّ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوفٍ بِبَيَانِ حُكْمِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَبَيَانِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْوُضُوءُ وَمَا لَا يَجِبُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَمَا لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ، فَأَفَادَ أَنَّ الْوُضُوءَ يُنْقَضُ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ إذَا كَانَتْ مُفَارَقَتُهُ أَكْثَرَ، وَعُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: فَارَقَ أَكْثَرَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا تَسَاوَى إتْيَانُهُ وَانْقِطَاعُهُ أَوْ كَانَ إتْيَانُهُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَ مُلَازِمًا لَا يُفَارِقُ وَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّسَاوِي، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إذَا كَانَتْ مُلَازَمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ مَا لَمْ يَشُقَّ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَعَ التَّسَاوِي مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ لَا يُفَارِقُ أَصْلًا، فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَخْصَرَ عِبَارَتَهُ وَمَا أَلْطَفَ إشَارَتَهُ وَكَمْ فِيهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الِاخْتِصَارِ الْعَجِيبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ التَّحْقِيقِ بِأَوْفَرَ نَصِيبٍ. وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ.
(الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا هَذَا التَّقْسِيمُ لَا يَخُصُّ حَدَثًا دُونَ حَدَثٍ وَقَدْ قَالَ الْإِبْيَانِيُّ فِيمَنْ بِجَوْفِهِ عِلَّةٌ وَهُوَ شَيْخٌ يَسْتَنْكِحُهُ الرِّيحُ: إنَّهُ كَالْبَوْلِ، وَسُئِلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ رَجُلٍ إنْ تَوَضَّأَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ لَمْ يُنْتَقَضْ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَرَدَّهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ يُمْنَعُ كَوْنَهُ نَاقِضًا، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ ذَكَرَهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَحَكَى فِي الشَّامِلِ فِي ذَلِكَ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ وَلَفْظُ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَقَدْ سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ إنْ تَوَضَّأَ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ صَلَاتُهُ حَتَّى تُنْتَقَضَ طَهَارَتُهُ وَإِنْ تَيَمَّمَ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَرَأَيْت أَنَّ صَلَاتَهُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
قُلْت وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ الْإِبْيَانِيُّ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْقِيَامِ كَخُرُوجِ رِيحٍ أَنَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ لَا يَمْلِكُ خُرُوجَ الرِّيحِ إذَا قَامَ أَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ عَنْهُ نَظَرٌ أَوْ أَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَلَسٌ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عَنْ الطُّلَيْطِلِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ذُو مَرَضٍ مَا يُسَاعِدُ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ فَيُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ سَلَسَ الْمَذْيِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ قَادِرًا عَلَى رَفْعِهِ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ وَلَا يُفْصَلُ فِيهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ كَثُرَ الْمَذْيُ لِلْعُزْبَةِ أَوْ التَّذَكُّرِ فَالْمَشْهُورُ الْوُضُوءُ. وَفِي قَابِلِ التَّدَاوِي قَوْلَانِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَادِرِ لَا كَمَا يُعْطِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ طَلَبِ النِّكَاحِ، وَشِرَاءُ السَّرِيَّةِ مَعْذُورٌ أَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ وَفِي قَابِلِ التَّدَاوِي قَوْلَانِ رَاجِعًا إلَى سَلَسِ الْبَوْلِ خَلِيلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ هَذَا فِي الْبَوْلِ اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمَنْ سَلِسَ بَوْلُهُ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الْعِلَاجِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْقَادِرِ عَلَى رَفْعِ سَلَسِ الْمَذْيِ بِالتَّسَرِّي وَالتَّزْوِيجِ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: سَلَسُ الْمَنِيِّ لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ ذَكَرَهُ فِي إعَادَةِ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ وَالْغُسْلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: قَدْ يَخْرُجُ الْمَنِيُّ بِلَا لَذَّةٍ وَلَا إنْعَاظٍ وَهَذَا لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، انْتَهَى، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَنِيُّ السَّلَسِ.
ص (وَفِي اعْتِبَارِ الْمُلَازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى الْمُلَازَمَةِ هُنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِقْدَارُ ثُلُثَيْ سَاعَةٍ مَثَلًا وَيَنْقَطِعُ عَنْهُ مِقْدَارَ ثُلُثِهَا ثُمَّ يَأْتِي ثُلُثَيْ سَاعَةٍ وَكَذَلِكَ يَعُمُّ سَائِرَ نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقَيْنَاهُ يَقُولُ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُلَازَمَةُ وَمُفَارَقَتُهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الزَّمَنُ الَّذِي يُخَاطَبُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ
مُنَاسِبًا لَكِنَّهُ مِنْ الْفَرْضِ النَّادِرِ وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ فَلَا يَخْلُو وَقْتٌ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ بَوْلٍ سَوَاءٌ لَازَمَ أَكْثَرَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَقَلَّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ النَّقْضِ فَتَسْتَوِي مَشَقَّةُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَيَلْزَمُ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا عِبْرَةَ بِمُفَارَقَتِهِ وَمُلَازَمَتِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ مُخَاطَبًا حِينَئِذٍ بِالصَّلَاةِ، وَهَذَا الَّذِي كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ شَيْخُنَا وَكَانَ يَقُولُ مَا مَعْنَاهُ: إنَّهُ لَا تُؤْخَذُ مَسْأَلَةٌ عَلَى عُمُومِهَا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ إتْيَانُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُخْتَلِفًا فِي الْوَقْتِ فَيُقَدِّرُ فِي ذِهْنِهِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ وَقْتُ إتْيَانِهِ مُنْضَبِطًا يَعْمَلُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَخَّرَهَا وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْوَقْتِ قَدَّمَهَا، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ. وَمَا رَدَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّهُ فَرْضٌ نَادِرٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ إذْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مِنْ الْفُرُوضِ النَّادِرَةِ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ فَقَالَ: وَالْمُلَازَمَةُ وَالْمُفَارَقَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَيُقَدِّرُ بِذِهْنِهِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ اللُّزُومُ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ الْأَيَّامَ قَوْلَا شَيْخَيْ شُيُوخِنَا ابْنِ جَمَاعَةَ وَالْبُوذَرِيِّ وَالْأَظْهَرُ عَدَدُ صَلَوَاتِهِ وَفَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَكْثَرَ بِإِتْيَانِ الْبَوْلِ ثُلُثَيْ سَاعَةٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَعَقَّبَهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ فَرْضٌ نَادِرٌ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ مِنْهُ قَصْرُ وُجُودِ الْبَوْلِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ وَهْمٌ إنَّمَا مُرَادُ ابْنِ جَمَاعَةَ قَصْرُ الْمُعْتَبَرِ مِنْهُ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ أَيْضًا: إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ لَمْ يَخْلُ وَقْتُ صَلَاةٍ مِنْ بَوْلٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَا بُدَّ مِنْ نَاقِضٍ فَيَسْتَوِي مَشَقَّةُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، يُرَدُّ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لِمَا اخْتَارَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَلَفَ التُّونُسِيُّونَ هَلْ تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ وَقِيلَ بِالْأَيَّامِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْبُوذَرِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَيْهِ وَرَدَّ الشَّيْخُ خَلِيلٌ، نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِ وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ اللُّزُومَ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ الْيَوْمَ قَوْلَا شَيْخَيْ شُيُوخِنَا إلَى آخِرِهِ، وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ جَمَاعَةَ الْمُعْتَبَرُ مُلَازَمَتُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ يَأْتِي فِي غَالِبِ وَقْتِ الصَّلَاةِ سَقَطَ الْوُضُوءُ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ هَارُونَ وَالشَّيْخُ الْمَنُوفِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ الثَّانِي تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ بِالْأَيَّامِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّانِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الثَّالِثُ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الرَّابِعُ اخْتِيَارُ ابْنِ عَرَفَةَ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ: وَأَمَّا السَّلَسُ وَالِاسْتِحَاضَةُ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْوُضُوءُ انْتَهَى فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (مِنْ مَخْرَجَيْهِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنْ انْسَدَّا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ)
ش: هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْخَارِجُ، يَعْنِي الْحَدَثُ هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ، يَعْنِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ إذَا انْفَتَحَ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ ثُقْبَةٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَانْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ هَكَذَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ وَنَحْوُهُ لِصَاحِبِ الطِّرَازِ وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ يَدْخُلُ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَتَكُونَ الثُّقْبَةُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ، الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَنْسَدَّ أَوْ تَكُونَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَيْضًا، الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَنْسَدَّ أَيْضًا وَتَكُونَ الثُّقْبَةُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَهَكَذَا حَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ تَرْجِيحُ عَدَمِ النَّقْضِ وَأَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَائِلِ بَابِ أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ: إنْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَلَا وُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ مُنْسَدًّا وَكَانَ الْفَتْحُ فِي الْمِعَى الْأَسْفَلِ وَدُونَ الْمَعِدَةِ فَهَذَا يُنْقَضُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ الْفَتْحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَاخْتَلَفَ هَاهُنَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ
الْمُزَنِيّ: لَا وُضُوءَ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ الْوُضُوءُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ لَا يَكُونُ عَلَى نَعْتِ مَا يَكُونُ مِنْ أَسْفَلِهَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) هَلْ يَكْفِي فِي هَذِهِ الثُّقْبَةِ الْمُنْفَتِحَةِ الِاسْتِجْمَارُ؟ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
(الثَّانِي) قَوْلُهُ: ثُقْبَةٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ (وَالْمَعِدَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَنُقِلَ أَيْضًا مِعْدَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَنْحَدِرَ إلَى الْأَمْعَاءِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَرِشِ لِلْحَيَوَانِ وَجَمْعُهَا مِعَدٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَذَا قَالَ فِي التَّسْهِيلِ، وَقَالَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ شُرُوحِ الشَّافِيَةِ لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي التَّصْرِيفِ أَنَّ جَمْعَهَا مَعِدٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. قُلْت وَهَذَا لَيْسَ بِجَمْعٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَوْزَانِ الْجَمْعِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ جَمْعٍ نَحْوَ نَبْقٌ وَنَبْقَةٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَادَّعَى النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعِدَةِ السُّرَّةُ قَالَ: وَحُكْمُ الْمُنْفَتِحِ فِي السُّرَّةِ وَمَا حَاذَاهَا حُكْمُ مَا فَوْقَهَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُنْخَسِفُ تَحْتَ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَالْأَطِبَّاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ انْتَهَى. قُلْت وَلَمْ أَقِفْ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) إذَا خَرَجَ الْقَيْءُ بِصِفَةِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَادِرًا لَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ صَارَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْ مَحِلِّهِ وَصَارَ مَوْضِعُ الْقَيْءِ مَحِلًّا لَهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ مَحِلِّهِ أَكْثَرَ لَمْ يَجِبْ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: قَوْلُهُ بِصِفَةِ الْمُعْتَادِ أَيْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَا بِكُلِّ الصِّفَاتِ انْتَهَى. قُلْت أَمَّا إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الثُّقْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْسَدَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ النَّقْضِ حِينَئِذٍ
ص (وَبِسَبَبِهِ وَهُوَ زَوَالُ عَقْلٍ وَإِنْ بِنَوْمٍ ثَقُلَ وَلَوْ قَصُرَ لَا خَفَّ وَنُدِبَ إنْ طَالَ) ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْأَحْدَاثُ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَسْبَابُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا هُوَ مَا أَدَّى إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ مَا نُقِضَ بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: يَعْنِي أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا التَّعْرِيفُ وَقَعَ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحْدُودِ وَهُوَ مُجْتَنَبٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ، وَلَوْ قَالَ: وَهُوَ مَا كَانَ مُؤَدِّيًا إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ لَكَانَ أَبْيَنَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: لَكَانَ أَحْسَنَ مَكَانَ أَبْيَنَ وَحَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَسْبَابَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: زَوَالِ الْعَقْلِ وَلَمْسِ مَنْ يُشْتَهَى وَمَسُّ الذَّكَرِ.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ: تَرِدُ عَلَيْهِ الرِّدَّةُ وَرَفْضُ الْوُضُوءِ وَالشَّكُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْأَحْدَاثِ وَلَا فِي الْأَسْبَابِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ حَصْرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، انْتَهَى يَعْنِي كَلَامَ ابْنِ هَارُونَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَوَاقِضُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَحْدَاثًا وَلَا تُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِهَا لِمَعْنًى آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهَا تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْوُضُوءُ وَالرَّفْضُ إنَّمَا يُبْطِلُهُ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي النِّيَّةِ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ إنَّمَا يُوجِبُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهَا بِيَقِينٍ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِيهَا وَالشَّكُّ فِي حُصُولِ الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي حُصُولِ الْمَشْرُوطِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ، وَلَا يُفْصَلُ فِيهِ كَمَا يُفْصَلُ فِي النَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ رَاكِبًا الْخُطْوَةَ وَنَحْوَهَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَثْقَلَ نَوْمَهُ وَطَالَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَنَوْمُهُ رَاكِبًا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ طَوِيلٌ وَلَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ
نَامَ مُحْتَبِيًا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَشِبْهِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَبِي النَّائِمِ وَلَا عَلَى الْقَائِمِ النَّائِمِ وُضُوءٌ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: السُّنَّةُ فِيمَنْ نَامَ رَاكِبًا أَوْ سَاجِدًا أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ: مَنْ اسْتَثْقَلَ نَوْمًا عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ خُنِقَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا تَوَضَّأَ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَمَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِإِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ تَوَضَّأَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ بِنَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَالْأَوَّلُ وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ لِكَيْفِيَّةِ نَقْضِهَا فِي طُولٍ أَوْ قِصَرٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَاقِضَةٌ مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْقَلِيلُ فِي ذَلِكَ كَالْكَثِيرِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ حَدَثَانِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِمَا الثِّقَلُ كَمَا اشْتَرَطَهُ فِي النَّوْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهُمَا سَبَبَانِ وَخَرَجَ عَلَى الْقَوْلِ مَنْ جُنَّ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَلَمْ يُحِسُّوا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَاعْتُرِضَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ لِابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا سَبَبَانِ إلَّا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَنْهُمَا الْوُضُوءَ دُونَ تَفْصِيلٍ، وَالثَّانِي لِبَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إحْسَاسِهِمْ عَدَمَ الْحَدَثِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ، انْتَهَى. وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِابْنِ عَرَفَةَ نَقَلَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَلَفْظُهُ وَكَوْنُ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ حَدَثًا أَوْ سَبَبًا نَقْلًا اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ وَالْقَاضِي إلَخْ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ قَالَا: إنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ يُنْقِضَانِ دُونَ تَفْصِيلٍ فَفَهِمَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا عِنْدَهُمَا حَدَثَانِ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا النَّوْمُ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حَدَثٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سَبَبٌ، انْتَهَى.
قُلْت طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ وَهِيَ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ الثَّقِيلَ الطَّوِيلَ يُنْقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّقِيلُ الْقَصِيرُ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ النَّقْضُ وَالْقَصِيرُ الْخَفِيفُ لَا يُنْقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَالطَّوِيلُ الْخَفِيفُ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَعَلَامَةُ الِاسْتِثْقَالِ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ أَوْ انْحِلَالُ حَبْوَتِهِ أَوْ سَيَلَانُ رِيقِهِ أَوْ بُعْدُهُ عَنْ الْأَصْوَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَلَا يَتَفَطَّنُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ مُحْتَبِيًا قَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي إذَا اسْتَيْقَظَ لِحَلِّ حَبْوَتِهِ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِحَلِّهَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَكَذَلِكَ مَنْ بِيَدِهِ مِرْوَحَةٌ وَاسْتَيْقَظَ لِسُقُوطِهَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا تَوَضَّأَ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ: وَيُغْتَفَرُ النُّعَاسُ الْخَفِيفُ وَالْأَوْلَى لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ خَنْقَ الْجِنِّ غَيْرُ الْجُنُونِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَظِنَّةُ الرَّابِعَةُ الْخَنْقُ مِنْ الْجِنِّ، الْخَامِسَةُ الْإِغْمَاءُ السَّادِسَةُ ذَهَابُ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ لَا بِالْجِنِّ.
(الثَّانِي) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ أَوْ سُكْرٍ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَلَالٍ قَالَ فِي الْأُمِّ: أَوْ سُكْرٍ مِنْ لَبَنٍ.
(الثَّالِثُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْ اسْتِتَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَزُولُ بِالنَّوْمِ وَلَا بِإِغْمَاءٍ وَالسُّكْرُ إنَّمَا يَسْتَتِرُ خَاصَّةً، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَجْنُونِ يَخْبِطُهُ الْجِنُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى حَالِهِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْوَى فِي النَّفْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ الَّذِي لَا يُفِيقُ فَإِنَّهُ قَدْ زَالَ عَقْلُهُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: زَوَالُ الْعَقْلِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاتِّسَاعِ وَالْمَجَازِ، انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) مَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي عَنْ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ نُقِلَ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ نَصَّا عَلَى أَنَّهُمَا حَدَثَانِ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمَا وَنَصُّهُ وَيَخْتَلِفُ فِي الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ خُنِقَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا كَانَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ عَنْهُ أَوَّلًا أَنَّ النَّوْمَ