الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. وَعَزَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ لِابْنِ حَبِيبٍ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَهُوَ ظَاهِرُ خِلَافِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الصَّلَاةِ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُلَاقِيَ النَّجَاسَةُ مَائِعًا كَاللَّبَنِ، أَوْ جَامِدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَائِعًا كَالدَّقِيقِ يُعْجَنُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ نَجَسٌ بِأَشْيَاءَ طَاهِرَةٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ مَائِعَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ النَّجَسُ أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ الْجَمِيعُ لِأَجَلِ الشَّكِّ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ تُفَّاحَةٌ نَجِسَةٌ، أَوْ رُطَبَةٌ، أَوْ نَحْوُهَا بِكَوْمِ تُفَّاحٍ، أَوْ رُطَبٍ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ:" وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّ نَجَاسَةً أَصَابَتْ ثَوْبَهُ لَا يَدْرِي مَوْضِعَهَا غَسَلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ تِلْكَ النَّاحِيَةَ غَسَلَهَا " قَالُوا: يَقُومُ مِنْهَا إذَا وَقَعَتْ قِطْعَةٌ مِنْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ فِي كُدْسِ لَحْمٍ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ تِلْكَ النَّاحِيَةَ تَرَكَهَا وَأَكَلَ مَا بَقِيَ، وَإِلَّا طَرَحَ كُلَّهُ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَا كَانَ كَثِيرًا جِدًّا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَا لَاقَاهُ نَجَسٌ لَا يَتَحَلَّلُ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) لَا خُصُوصِيَّةَ لِلطَّعَامِ بِمَا ذَكَرَ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ بَلْ هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ حَتَّى الْمَاءِ الْمُضَافِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَثِيرُ طَعَامٍ إنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ سُقُوط الْفَأْرَة فِي السَّمْن أَوْ الزَّيْت]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَارِثٍ: وَإِنْ عُلِمَ، أَوْ ظُنَّ أَنَّ السَّمْنَ، أَوْ الزَّيْتَ إنَّمَا جَمَدَ بَعْدَ سُقُوطِ الْفَأْرَةِ فِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّائِبِ يَبْقَى جَمِيعُهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ قَلَّ " مَا مَاتَ فِيهِ حَيَوَانٌ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، أَوْ وَقَعَ مَيِّتًا أَوْ صُبَّ عَلَى حَيَوَانٍ مَيِّتٍ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ سَنَدٌ إذَا قُلْنَا: يُطْرَحُ الْمَائِعُ جَمِيعُهُ فَهَلْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تَمُوتَ فِيهِ، أَوْ تَسْقُطَ فِيهِ مَيْتَةٌ؟ فَفِي النَّوَادِرِ لِسَحْنُونٍ فِي زَيْتٍ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً يَابِسَةً أَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ، وَيُبْسُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ صَبُّوا عَلَيْهَا الزَّيْتَ وَهِيَ يَابِسَةٌ وَلَمْ تَمُتْ فِيهِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ النَّجَاسَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ يُبْسُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ صَبُّوا عَلَيْهَا الزَّيْتَ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الزَّيْتَ يُرَطِّبُهَا، أَوْ كَانَتْ مَاتَتْ فِيهِ بَلْ الزَّيْتُ يَدْبَغُ وَيَمُصُّ الرُّطُوبَاتِ وَلَكِنْ لَمَّا صُبَّ وُجِدَتْ الْفَأْرَةُ جَافَّةً فِي زَمَنٍ وَلَمْ يَطُلْ مُقَامُهَا فِي الزَّيْتِ حَتَّى تُمَصَّ فَدَلَّ جَفَافُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى صَبِّ الزَّيْتِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ النَّيْسَابُورِيُّ عَمَّنْ بَاعَ زَيْتًا فَاكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَقْفِزَةٍ فَجَاءَ الْمُشْتَرِي يُفَرِّغُهُ فِي وِعَائِهِ وَالْبَائِعُ فَوَجَدَ فَأْرًا مَيِّتًا، فَأَجَابَ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الزَّيَّاتُونَ مَا صُبَّ عَلَيْهِ الزَّيْتُ مِمَّا وَقَعَ فِي الزَّيْتِ وَكَانُوا يُمَيِّزُونَ ذَلِكَ وَلَا يَخْتَلِطُ بِمَا صُبَّ عَلَيْهِ يُبَاعُ وَيُبَيَّنُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ، وَمَا وَقَعَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ غُسِلَ لَكِنَّ مَنْ أَرَادَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ، أَوْ مَلَكَهُ أَنْ يَسْتَصْبِحَ بِهِ فَلْيَفْعَلْ وَيَتَحَفَّظْ مِنْهُ لِئَلَّا يُصِيبَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُنَجِّسَهُ، وَلَا يُوقِدُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ يُبَاعُ وَيُبَيَّنُ، وَيَقْرُبُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِمَّا إذَا وُجِدَ الْفَأْرُ يَابِسًا أَنَّ مَالِكًا وَسَحْنُونًا خَفَّفَاهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَفِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي كَثِيرِ الطَّعَامِ الْمَائِعِ قَوْلَانِ " مَا نَصُّهُ: الْمَشْهُورُ نَجِسٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا مَاتَتْ فِيهِ دَابَّةٌ مِنْ عَسَلٍ ذَائِبٍ لِإِطْلَاقِهِ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُبَاعُ دُونَ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ قَلِيلًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَرَّغَ عَشْرَ جِرَارِ سَمْنٍ فِي سِتِّينَ زِقًّا ثُمَّ وَجَدَ فِي جَرَّةٍ مِنْهَا فَأْرَةً يَابِسَةً لَا يَدْرِي فِي أَيْ الزِّقَاقِ فَرَّغَهَا أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَكْلُ جَمِيعِهَا وَبَيْعُهُ.
وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ سَمْنٌ مَائِعٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ وَنَحْوُهُ يَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ السَّمْنِ الذَّائِبِ وَشِبْهِهِ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا إذَا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، أَوْ وَقَعَتْ مَيِّتَةً قَالَ وَشَذَّ قَوْمٌ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فَجَعَلُوا الْمَائِعَ كُلَّهُ كَالْمَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ
مَالِكًا قَالَ إذَا أُخْرِجَتْ الْفَارَّةُ مِنْ الزَّيْتِ حِينَ مَاتَتْ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُج مِنْهَا شَيْءٌ فِيهِ لَكِنِّي أَخَافُ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي زَيْتٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ يَابِسَةٌ ذَلِكَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّ يُبْسَهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ فِيهِ وَإِنَّمَا صُبَّ عَلَيْهَا وَهِيَ يَابِسَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا حُكِيَ عَلَى طُولِ مُقَامِهَا فِي الْحَالَيْنِ وَلَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِ سَحْنُونٍ عَلَى هَذَا لِدَلَالَةِ يُبْسِهَا عَلَى مَوْتِهَا قَبْلَ صَبِّهِ لِامْتِنَاعِ يُبْسِهَا مَعَ مَوْتِهَا فِيهِ وَعَلَى أَنَّهَا أُخْرِجَتْ بِقُرْبِ صَبِّهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ كَوْنُهَا يَابِسَةً، أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُلَمَاءِ مَنْ لَيْسَ بِمُقَلَّدٍ فَلَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ الَّذِي يَأْتِي انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ يَعْنِي مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ يَعْنِي مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْمُنْتَقَى: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ فِيهِ وَكَانَ ذَائِبًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا فِيهِ يُنَجِّسُهُ وَذَكَرَ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا أُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا فِيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنِّي أَخَافُ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَرَى أَنَّ لِمَوْتِ الْحَيَوَانِ فِي الزَّيْتِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مَزِيَّةً فِي تَنْجِيسِهِ. وَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ لِمَا خَافَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فِي الزَّيْتِ وَالْقَوْلَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةٍ وَلَا نَجَاسَةٍ وَلَا يُوصَفُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَشَدَّ نَجَاسَةً مِنْ الْمَيْتَةِ، وَقَدْ تَنَجَّسَ الزَّيْتُ بِمُجَاوَرَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ سُئِلَ اللَّخْمِيُّ هَلْ يَطْهُرُ الزَّيْتُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَأَجَابَ هَذَا رَاجِعٌ إلَى صِفَةِ النَّجَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ دُهْنِيَّةً فَلَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو عَلَى الْمَاءِ وَيَنْضَافُ لِلزَّيْتِ وَلَا يُذْهِبُهُ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ بِهِ عَكْرِيَّةً يَقَعُ فِيهَا التَّطْهِيرُ بِالْمَاءِ لِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهَا كَمَا أَنَّ الدَّمَ يُنْهِكُهُ الْمَاءُ وَلَا يَعْلُو عَلَى الزَّيْتِ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَا يَخْرُجُ عِنْد الْمَوْتِ وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ حَتَّى انْتَفَخَ فَلَا يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ؛ لِأَنَّ دُهْنِيَّتَهُ تَخْرُجُ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا أَخَذَ، فَإِنْ كَانَ زَمَنَ مَسْغَبَةٍ جَازَ أَكْلُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَلَا بَيْعٍ وَأَجَابَ الصَّائِغُ بِأَنَّ غَسْلَ الزَّيْتِ لَا أَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَسْلِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَلَا تَزُولُ مِنْ الزَّيْتِ لِمُخَالَطَتِهَا لَهُ وَلِمُحَاوَرَتِهَا إيَّاهُ وَعَدَمِ ذَهَابِهَا وَأَجَابَ الْمَازِرِيُّ إنْ تَغَيَّرَ لَوْنُ الزَّيْتِ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ فَلَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَيُرَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَجَازَ اسْتِعْمَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ مَعَ الْغَسْلِ وَبَعْضُهُمْ اجْتَنَبَهُ أَصْلًا وَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُبَيَّنَ لِعَيْبِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْمَشْهُورُ اجْتِنَابُهُ أَصْلًا، وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ الْمُحَقِّقِينَ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ، وَتَطْهِيرُهُ عِنْدَهُمْ أَحْسَنُ وَالِاحْتِيَاطُ أَفْضَلُ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكُ» انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ إنْ مَاتَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ، أَوْ صُبَّ عَلَيْهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَقْوَالٌ: قِيلَ: إنَّهُ لَا يَنْجُسُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلٍ كَمَا حَكَاهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ شِبْهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْجِبَابِ تَكُونُ فِي الشَّامِ لِلزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَيْسَ الزَّيْتُ كَالْمَاءِ وَبِذَلِكَ سَمِعْتُ انْتَهَى.
وَجَعَلُوهُ هُوَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ: إنَّهُ إذَا صُبَّ عَلَى الْمَيْتَةِ لَا يَنْجُسُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَحْنُونٍ لَكِنْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الطِّرَازِ وَابْنِ الْإِمَامِ أَنَّهُمَا تَأَوَّلَاهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطُلْ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ فَرْحُونٍ وَصَاحِبَ الْجَمْعِ حَكَيَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الزَّيْتِ مَيِّتَةً وَأُخْرِجَتْ مَكَانَهَا لَمْ تُنَجِّسْ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ نَجِسٌ وَلَكِنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَقِيلَ: إنْ وَقَعَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً قَبِلَ التَّطْهِيرَ، وَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ يَقْبَلْ التَّطْهِيرَ