الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ» وَعُمَرَ فَأَجَابَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَظُنَّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الصَّحَابِيَّ إلَّا لِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ.
هَذَا فَقَدْ نَسَبَ الشَّافِعِيَّ لِلْجَهْلِ بِمَقَامِ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ مُحَالٌ وَهَذَا سَبَبُ تَرْجِيحِ مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَمِعُوا الْأَحَادِيثَ آحَادًا وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَاخْتَلَفَتْ فَتَاوِيهِمْ وَأَقْضِيَتُهُمْ فِي الْبِلَادِ وَرُبَّمَا بَلَغَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ فَوَقَفُوا عَمَّا أَفْتَوْا بِهِ وَحَكَمُوا وَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِجَمْعِ الْأَحَادِيثِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْجِهَادِ وَتَمْهِيدِ الدِّينِ فَلَمَّا أَنْهَى فَتَاوِيهِمْ النَّاسُ إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ وَجَدُوا الْإِسْلَامَ مُسْتَقِرًّا مُمَهَّدًا فَصَرَفُوا هِمَمَهُمْ إلَى جَمْعِ الْأَحَادِيثِ وَنَظَرُوا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ مَدَارِكِ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُخَالِفُوا مَا أَفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ إلَّا لِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهَذَا لَمْ يُسَمَّ فِي الْمَذَاهِبِ بِكْرِيًّا وَلَا عُمَرِيًّا. انْتَهَى مُخْتَصَرًا.
ثُمَّ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ صَحَّ عِنْدَهُ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ فِي شَيْءٍ فَهَلْ يَعْدِلُ إلَى غَيْرِهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا صَحَّ عَنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ مَذْهَبٌ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْضَحَ مِنْ دَلِيلِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بَلْ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي وُضُوحِ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى أَدِلَّةِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ يَسُوعُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ تَحِلُّ بِالْعَقْدِ؟ فَأَجَابَ بِأَنِّي سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ وَقَعَتْ لِشَخْصٍ قَرَأَ عَلَيَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ وَجَاءَنِي سُؤَالٌ مِنْ قِبَلِ قَاضِي تُونُسَ وَفُقَهَائِهَا فَأَكْثَرْت النَّكِيرَ عَلَيْهِ وَبَالَغْت حَتَّى أَظُنُّ أَنِّي سَمَحْت لَهُمْ فِي عُقُوبَتِهِ وَذَكَرْت لَهُمْ أَنَّ هَذَا بَابٌ انْفَتَحَ حَدَثَ مِنْهُ خُرُوقٌ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَإِنِّي رَأَيْت مِنْ الدِّينِ الْجَازِمِ وَالْأَمْرِ الْحَاتِمِ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَبِيعُ دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ مُقَلِّدًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَآخَرُ إنِّي أَتَزَوَّجُ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ مُقَلِّدًا فِي الْوَلِيِّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الشُّهُودِ لِمَالِكٍ وَبِدَانَقِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا عَظِيمُ الْمَوْقِعِ فِي الضَّرَرِ وَهَبْ أَنِّي أَبَحْت لِهَذَا السَّائِلِ أَنْ يَفْعَلَ فِي نَفْسِهِ فَنِكَاحُهُ لَا يَخْفَى فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَسْمِ مِنْ غَيْرِهِ وَقُضَاةُ بَلَدِهِ وَفُقَهَاؤُهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ بَلْ يَفْسَخُونَهُ وَلَا تَسْمَحُ أَنْفُسُهُمْ بِتَرْكِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِاتِّفَاقِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَقْلِيدِهِمْ انْتَهَى.
[فَرْعٌ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ]
(فَرْعٌ) يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَلَوْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ حَيٌّ. وَمَنَعَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ تَقْلِيدَ الْمَيِّتِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِقَوْلِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَالِفِ، قَالَ: وَتَصْنِيفُ الْكُتُبِ فِي الْمَذَاهِبِ مَعَ مَوْتِ أَرْبَابِهَا لِاسْتِفَادَةِ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ وَكَيْفِيَّةِ بِنَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَلِمَعْرِفَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَعُورِضَ بِحُجَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُجْمِعِينَ وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ حَيٌّ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ إطْلَاقَ الْمَانِعِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا فُقِدَ مُجْتَهِدٌ مُمَاثِلٌ لِلْمَيِّتِ أَوْ أَرْجَحُ أَمَّا إذَا فُقِدَ الْمُجْتَهِدُونَ مُطْلَقًا فَلَا يُتْرَكُ النَّاسُ هَمَلًا.
(قُلْت) هَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيِّنٌ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عَنْ الْفَهِدِي أَنَّهُ قَالَ: الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَنَحْوُهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي أَوَّلِ شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى مَنْعِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ كَمَا حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: نَصَّ ابْنِ طَلْحَةَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ مَعَ وُجُودِ الْأَعْلَمِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ أُمِنَ رُجُوعُهُ عَنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْحَيِّ.
قَالَ التَّادَلِيُّ: وَنَظَرُ أَهْلِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ وَلَوْ سُدَّ هَذَا الْبَابُ لَقُلِّدَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَلَّدَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَسَدَتْ الْعُقُولُ وَتَبَدَّلَتْ وَكَثُرَتْ الْبِدَعُ وَانْتَشَرَتْ فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَى سَلَفِ
الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُقَلِّدِينَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ الْمَيِّتِ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ حُلُولُو فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَا خَفَاءَ فِي ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ الْمُفْتَى بِهَا إنْكَارُهُ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ: قَالَ سَيْفُ الدِّينِ: إذَا اتَّبَعَ الْعَامِّيُّ مُجْتَهِدًا فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ وَعَمِلَ بِقَوْلِهِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي رُجُوعِهِ إلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِهِ فِيهِ فَمُنِعَ وَأُجِيزَ وَهُوَ الْحَقُّ نَظَرًا إلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِي تَسْوِيغِهِمْ لِلْعَامِّيِّ الِاسْتِفْتَاءَ لِكُلِّ عَالِمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ الْحَجْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا لَمَا جَازَ لِلصَّحَابَةِ إهْمَالُهُ وَالسُّكُوتُ عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ لَهَا حُكْمُ نَفْسِهَا فَكَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إلَّا بَعْدَ سُؤَالِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْعَامِّيُّ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: أَنَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَمُلْتَزِمٌ لَهُ فَجَوَّزَ قَوْمٌ اتِّبَاعَ غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْتِزَامَ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ غَيْرُ مَلْزُومٍ لَهُ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ مَلْزُومٌ لَهُ كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالْمُخْتَارُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَذْهَبِ الْأَوَّلِ إنْ اتَّصَلَ عَمَلُهُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِيهَا وَمَا لَمْ يَتَّصِلْ عَمَلُهُ بِهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ اتِّبَاعِ غَيْرِهِ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَذْكُرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ.
وَالثَّانِي إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ إمَامٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فَإِذَا قَلَّدَ إمَامًا مُعَيَّنًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ التَّخْيِيرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْصُلَ دَلِيلٌ عَلَى رَفْعِهِ لَا سِيَّمَا الْإِجْمَاعُ لَا يُدْفَعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ الْقُوَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْقَرَافِيِّ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ.
وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامٍ إلَى غَيْرِهِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ أَقْوَالٍ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَالثَّالِثَةُ إنْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ فَقَلَّدَهُ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى أَيْ مُوَضِّحًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي يُفْتَى بِهِ وَهُوَ صِفَةُ مُخْتَصَرًا وَالْفَتْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقِيَاسِ وَالْفُتْيَا بِالضَّمِّ وَكُلُّهَا اسْمٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ وَالْإِفْتَاءُ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ قِيلَ: وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَيْدِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَاَلَّذِي يُفْتَى بِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ وَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى وَلَا الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَلَا بِغَيْرِ الرَّاجِحِ وَذُكِرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَمَا أَفْتَى بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَلَا يَجُوزُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى، وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى وَرُبَّمَا يَكُونُ التَّسَاهُلُ بِإِسْرَاعِهِ وَعَدَمِ تَثَبُّتِهِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ السُّرْعَةَ بَرَاعَةٌ وَالْبُطْءَ عَجْزٌ وَلَأَنْ يُبْطِئَ وَلَا يُخْطِئَ أَجْمَلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَضِلَّ وَيُضِلَّ وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمَحْذُورَةِ تَرْخِيصًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ نَفْعَهُ وَتَغْلِيظًا عَلَى مَنْ يُرِيدُ ضَرَرَهُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي وَاحْتَسَبَ فِي قَصْدِهِ حِيلَةً لِيُخَلِّصَ بِهَا الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ أَنَّهُ عَلَّمَ بَعْضَ الْخُصُومِ حِيَلًا غَلَبَ بِهَا قَالَ: وَلَعَلَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَإِلَّا فَهَذَا مِنْ تَلْقِينِ الْخُصُومِ وَهُوَ جُرْحَةٌ فِي حَقِّ فَاعِلِيهِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ فِيهِ تَسْهِيلٌ فَلَا يُفْتِي لِلْعَامَّةِ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَوَاصِّ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ بِالتَّسْهِيلِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَاكِمُ كَالْمُفْتِي فِي هَذَا.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ الَّذِي يُفْتِي فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ فِي نَقْلِ