المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في التيمم] - مواهب الجليل في شرح مختصر خليل - جـ ١

[الحطاب]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سِلْسِلَةَ الْفِقْهِ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ ثُمَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[سَنَدِ الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ وَسَنَدِ بَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ]

- ‌[الْكَلَام عَلَى الْبَسْمَلَة]

- ‌[فَائِدَتَانِ]

- ‌[شَرْحُ خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضَانِ]

- ‌[فَرْعٌ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاطِنَ]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ عِنْد الذَّبْح وَعِنْد الْعُطَاس وَالْجِمَاع وَغَيْر ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ عَنْ السَّلَامِ وَعَكْسُهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ كَذَا هَلْ يُثَابُ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْأَعْدَادِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ حُكْم الْخُطْبَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ]

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام مالك]

- ‌[فَرْعٌ التَّقْلِيدُ]

- ‌[فَرْعٌ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ]

- ‌[فَرْعٌ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا]

- ‌[فَرْعٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا]

- ‌[فَرْعٌ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

- ‌[تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ]

- ‌[فَوَائِد]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي تَفْسِيرِ اصْطِلَاحِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا ذَابَ الْبَرَدُ وَنَحْوُهُ فَوُجِدَ فِي دَاخِلِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَوْ نَجَسٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْأَرْضِ]

- ‌[فَرْعٌ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ]

- ‌[فَرْعٌ انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا]

- ‌[فَرْعٌ تَوَضَّأَ عَلَى بَلَاطٍ نَجِسٍ وَطَارَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ الْبَلَاطِ]

- ‌[فَرْعٌ تغير الْمَاء بِمَا هُوَ مُتَأَصِّل فِيهِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

- ‌[الْمَاءُ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ]

- ‌[الْمَاءُ الْجَارِي حُكْمُهُ كَالْكَثِيرِ]

- ‌[فَرْعٌ تغير الْمَاء فِي الْبَرْك الْمَعِدَة للوضوء]

- ‌[فَرْعٌ أَتَى الْجُنُبُ بِئْرًا قَلِيلَةَ الْمَاءِ وَبِيَدِهِ قَذِرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ]

- ‌[فَرْعٌ الْغُسْل فِي الْحِيَاض قَبْل غَسَلَ الْأَذَى]

- ‌[فَرْعٌ سُؤْر الْكَافِر وَالنَّصْرَانِيّ]

- ‌[فَرْعٌ الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[فَرْعٌ دُخُولُ الْحَمَّامِ]

- ‌[فَرْعٌ فِيمَنْ مَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْحَمَّامِ]

- ‌[فَرْعٌ النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَيْتَةِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ فِيمَا تَغَيَّرَ بِنَجَسٍ]

- ‌[فَرْعٌ الِاغْتِرَاف مِنْ الْمَاء قَبْل التَّطَهُّر]

- ‌[فَصْلٌ الطَّاهِرُ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حُكْم الشَّرَاب الْمُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ]

- ‌[فَرْعٌ دَخَلَ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا ثُمَّ أُخْرِجَتْ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْم مَنْ حَمَلَ قِشْرَةَ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ]

- ‌[ميتة الْآدَمِيِّ هَلْ هِيَ طَاهِرَة]

- ‌[فَرْعٌ فِي أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء طَاهِرَة]

- ‌[فَرْعٌ أستعمال النِّعَال مِنْ جلد الْمَيِّتَة]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى جُلُود الْمَيِّتَة]

- ‌[تَنْبِيهٌ الطَّاهِرُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ نَجِسٌ رَطْبٌ]

- ‌[فَرْعٌ الْفَخَّارُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[فَرْعٌ بَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُ]

- ‌[فَرْعٌ التَّخْفِيف فِيمَا اخْتَلَفَ فِي نَجَاسَته]

- ‌[فَرْعٌ وَقَوْع الْقَمْلَةُ فِي الدَّقِيقِ أَوْ غَيْر ذَلِكَ]

- ‌[فَرْعٌ وُقُوع النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَرْعٌ سُقُوط الْفَأْرَة فِي السَّمْن أَوْ الزَّيْت]

- ‌[فَرْعٌ وُجُود فَأْرَة ميتة فِي زير مِنْ أزيار زَيْت]

- ‌[فَرْعٌ هَرْيِ زَيْتُونٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ وُقُوع نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ فِي غَسْلِ جَامِدٍ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَعَتْ دَابَّة فِي طَعَام وَأُخْرِجَتْ حَيَّةً]

- ‌[فَرْعٌ طُرِحَ مِنْ الْجَامِدِ بِحَسَبِ مَا سَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ]

- ‌[فُرُوع مُنَاسِبَةً]

- ‌[فَرْعٌ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وُجِدَ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ]

- ‌[فَرْعٌ مِنْ نقص مِنْهُ سن أَوْ عظم هَلْ يَجُوز لَهُ رِدّه]

- ‌[فَرْعٌ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ بَيْع ثَوْب جَدِيدًا بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُبَيِّنْ]

- ‌[فَرْعٌ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا عَلَيْهَا وَنَقْشُ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ اتِّخَاذُ الْأَوَانِي مِنْ الْفَخَّارِ وَمِنْ الْعِظَامِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْر ذَلِكَ]

- ‌[فَرْعٌ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[فَرْعٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ وَقْت الْجُمُعَةِ الَّذِي تُعَادُ فِيهَا إذَا صَلَّاهَا بِنَجَاسَةٍ]

- ‌[فُرُوعٌ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الْبَوْلِ هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَفَضَائِلَهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ]

- ‌[مسح بَعْض الأعضاء بِمَا تَبْقَى مِنْ مَاء فِي اللِّحْيَة أَوْ غَيْرهَا]

- ‌[مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى عُزُوبُ النِّيَّة وَهُوَ انْقِطَاعُهَا وَالذُّهُولُ عَنْهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَفْضُ النِّيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ]

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِنْجَاء فِي غَيْر مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ جَمْعِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ]

- ‌[آدَاب الْجِمَاع]

- ‌[الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ]

- ‌[فَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ]

- ‌[فَصْلٌ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ غَلَبَهُ هَمٌّ حَتَّى ذَهِلَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ]

- ‌[فَرْعٌ فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ مَسَحَ إبِطَهُ أَوْ نَتَفَهُ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ يَدَ كَافِرٍ]

- ‌[فَرْعٌ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ مِنْ الْقُرْآن]

- ‌[فَائِدَةٌ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي أَكْفَانِهِ خَتْمَةُ قُرْآنٍ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلُ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا قُطِعَ الْخُفُّ وَشُرِجَ وَجُعِلَ لَهُ غَلْقٌ]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّيَمُّم]

- ‌[الْمَسْح عَلَى الجبائر]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان حُكْم الْحَيْض وَالنِّفَاس]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصَلِّ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة وَحُكْمهَا]

- ‌[فَصَلِّ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ مَوَاقِيت الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ]

- ‌[يَتَعَلَّقُ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَحْكَامٌ]

- ‌[فَرْعٌ فاجأ الْمَرْأَة الْحَيْض فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ صَلَاة الرَّسُول يَوْم الْوَادِي وَيَوْم الْخَنْدَق]

- ‌[فَرْعٌ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ]

- ‌[فَرْعٌ قَضَاء التَّطَوُّع]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الَّتِي لَا يَجُوز الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فِي فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا]

- ‌[فَرْعٌ يَتْرُك الصَّلَاة لِفَتَرَاتِ مُتَقَطِّعَة وَيَقُول إِن اللَّه غَفُور رَحِيم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ]

- ‌[فَصَلِّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْمُ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ]

- ‌[تَنْبِيه الْأَذَانُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[تَنْبِيه تَلَطَّخَ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ وَأَرَادَ الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ الرُّعَافُ فِي نَافِلَةٍ]

- ‌[تَنْبِيه حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فَخَرَجَ لَهُ وَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ سَتَرَ الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُتُورِ الْحَرِيرِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الْبُيُوتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَطِيفَةُ مِنْ الْحَرِيرِ والشَّمْلَةِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْوِسَادَةُ مِنْ الْحَرِيرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا رُقِّمَ بِالْحَرِيرِ]

- ‌[فَرْعٌ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ]

- ‌[فَرْعٌ خير الْأَلْوَانُ مِنْ اللِّبَاسِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّجَمُّل بِأَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَظَرُ الْإِنْسَانِ إلَى فَرْجِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ طَرَأَ عَلَى الْأُمِّيِّ قَارِئٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ وَيَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ سَتْرُ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَرَكَةُ إلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِنَفْسِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ نَوَى أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ]

- ‌[فَرْعٌ مَوْقِفُ الْمُصَلِّي]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَدْرُ حَرِيمِ الْمُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ مُدَافَعَةِ الْمَارِّ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ مَحِلُّ وَضْعِ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ مَرَّ الْهِرّ بالمصلي]

- ‌[فَرْعٌ تَشَوَّشَ الْمُصَلِّي مِنْ شَيْءٍ أَمَامَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَائِدَة الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ جَهَرَ بِدُعَاءِ الْقُنُوتِ]

- ‌[فَرْعٌ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَرْعٌ نَسِيَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إرْسَالِ عَذَبَةٍ مِنْ الْعِمَامَةِ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ المصلي مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى]

- ‌[فَرْعٌ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَرْعٌ فَرَشَ خُمْرَةً فَوْقَ الْبِسَاطِ وَصَلَّى عَلَيْهَا]

- ‌[تَنْبِيه رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ التَّمَاثِيلُ فِي نَحْوِ الْأَسِرَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يَجْعَلُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌[فصل في التيمم]

الْمَسْحِ وَالْمَعْنَى يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْجَلَّابِ وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلِهِمَا، فَإِنْ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا دُونَ أَسْفَلِهِمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِمَا دُونَ أَعْلَاهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إيجَابًا، انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (لَا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ)

ش: أَيْ: فَيُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ أَبَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَهَلْ يُعِيدُ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَوْ أَسْفَلَ الْخُفِّ فَقَطْ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَرَأَى أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ جَاهِلًا حَتَّى طَالَ كَانَ فِيهِ خَرْمُ الْمُوَالَاةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَمْسَحُ أَسْفَلَهُ فَقَطْ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُ وَسَيَذْكُرُهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ

[فَصَلِّ فِي التَّيَمُّم]

ص (فَصْلٌ يَتَيَمَّمُ)

ش: لَمَّا ذَكَرَ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ بِقِسْمَيْهَا وَمَا يَنُوبُ فِي غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ذَكَرَ مَا يَنُوبُ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ أَعْنِي كَوْنَهُ نَائِبًا عَنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كَوْنِهِ أَصْلًا، أَوْ نَائِبًا عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ خِلَافٌ، وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] أَيْ: تَقْصِدُونَهُ وَشَرْعًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: طَهَارَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَزَادَ الْمُنَاوِيُّ بَعْدَ قَوْلِنَا: طَهَارَةٌ تُرَابِيَّةٌ " ضَرُورِيَّةً "، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِمَا: تُرَابِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْجِيرِ وَغَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِمَا كَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ مُحْرِزٍ " ضَرُورِيَّةٌ "؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ عَلَى الْجِيرِ يُرِيدُ قَبْلَ طَبْخِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُمَا تُرَابِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التُّرَابُ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: طَهَارَةُ تُرَابِهِ تُفْعَلُ مَعَ الِاضْطِرَارِ دُونَ الِاخْتِيَارِ.

وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] . الْآيَةَ وَأَحَادِيثُ يَأْتِي بَعْضُهَا، وَمِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ:«جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا.» وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِهَا وَإِحْسَانًا وَلِيَجْمَعَ لَهَا بَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ إيجَادِهَا وَالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهَا إشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَقِيلَ فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ: إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - لَمَّا عَلِمَ مِنْ النَّفْسِ الْكَسَلَ وَالْمَيْلَ إلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ شَرَعَ لَهَا التَّيَمُّمَ عِنْدِ عَدَمِ الْمَاءِ لِئَلَّا تَعْتَادَ بِتَرْكِ الْعِبَادَةِ فَيَصْعُبُ عَلَيْهَا مُعَاوَدَتُهَا عِنْدَ وُجُودِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَشْعِرُ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَوْتَهُ وَبِالتُّرَابِ إقْبَارَهُ فَيَزُولُ عَنْهُ الْكَسَلُ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَلَا أَعْرِفُهَا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَبَايِنَةٌ بَلْ كُلٌّ عَبَّرَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ لَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِإِجْمَاعٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ لِلْمُسَافِرِ عَزِيمَةٌ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: التَّيَمُّمُ يَجِبُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ جَمَاعَةَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ قَالَ التَّادَلِيُّ وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ عَزِيمَةٌ فِي حَقِّ الْعَادِمِ لِلْمَاءِ رُخْصَةٌ فِي حَقِّ الْوَاجِدِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ. وَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْوَاجِدِ إذْ قَدْ يَتَكَلَّفُ وَيَسْتَعْمِلُهُ وَمَعَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ وَاجِبًا. وَالْقَوْلُ بِالرُّخْصَةِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَادِمِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ تَقْتَضِي إمْكَانَ الْفِعْلِ الْمُرَخَّصِ فِيهِ وَتَرْكَهُ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَالْعَادِمُ لِلْمَاءِ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى تَرْكِ التَّيَمُّمِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهَا إذَا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَتْ عَزِيمَةً وَزَالَ عَنْهَا اسْمُ الرُّخْصَةِ

ص: 325

انْتَهَى.

وَفِيمَا قَالَهُ التَّادَلِيُّ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعَاجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِخَوْفِ ضَرَرٍ أَوْ زِيَادَةِ مَرَضٍ لَا يُقَالُ بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لِلْمَاءِ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ وَارْتَكَبَ الْخَطَرَ صَحَّ مَعَ إثْمِهِ فِي إقْدَامِهِ عَلَى الْخَطَرِ، وَإِنْكَارُهُ كَوْنَ الرُّخْصَةِ تَنْتَهِي لِلْوُجُوبِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ تَقْسِيمِهِمْ إيَّاهَا لِلْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَخِلَافُ الْأُولَى، وَالْحَقُّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ تَنْتَهِي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلْوُجُوبِ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، أَوْ خَافَ الْهَلَاكَ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَوْ شَدِيدَ الْأَذَى، وَبَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً، أَوْ عَزِيمَةً تَيَمُّمَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَعَلَى أَنَّهُ عَزِيمَةٌ يَتَيَمَّمُ وَعَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لَا يَتَيَمَّمُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً وَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْبَتِهِ مِنْ عِصْيَانِهِ كَمَا أَنَّ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ يُخَاطَبُ بِهَا الْكَافِرُ وَيَتَوَقَّفُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص (ذُو مَرَضٍ)

ش: أَيْ: صَاحِبُ الْمَرَضِ وَمَيْدُ الْبَحْرِ مَرَضٌ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمَبْطُونُ وَالْمَائِدُ عَلَى الْوُضُوءِ تَيَمَّمَا فَحَمَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ وَقَالَ سَنَدٌ: يُرِيدُ إذَا عَظُمَتْ بَطْنُهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَاءِ وَرَفْعِهِ مِنْ الْإِنَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمَائِدُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْسِكَ نَفْسَهُ حَتَّى يَرْفَعَ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ، انْتَهَى.

وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ لَا يَجِدَا مَنْ يُوَضِّئُهُمَا، أَوْ لَا يَسْتَطِيعَانِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَمَلَهُ الطُّلَيْطِلِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَنْ انْطَلَقَتْ بَطْنُهُ، وَنَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ مَبْطُونًا بِبَطَنٍ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ بَطْنُهُ لَا يَسْتَطِيعُ إمْسَاكَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْأَحْدَاثِ الْمُسْتَنْكَحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَرِيبٌ مِنْ فَتْوَى اللَّخْمِيِّ وَلَعَلَّهُ اغْتَرَّ بِظَاهِرِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ: وَمَنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بِيَدَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَخْرَجَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْ عِلَّةٍ نَزَلَتْ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، أَوْ جَارِيَةٌ غَسَلَتْ ذَلِكَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَقَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهَا فَعَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَا زَوْجَةٌ، وَلَا خَادِمٌ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَسَفَرٍ أُبِيحَ)

ش: دَخَلَ السَّفَرُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ: جَائِزٌ لَشَمِلَ كَلَامُهُ ذَلِكَ نَصًّا، وَخَرَجَ الْمَكْرُوهُ وَالْحَرَامُ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ إبَاحَةِ السَّفَرِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَاعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حِكَايَتِهِ فِيهِ الْخِلَافَ فَقَالَ وَشَرَطَ الْقَاضِي إبَاحَةَ السَّفَرِ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمَشَذَّالِيُّ بِلَفْظِ وَشَرَطَ الْقَاضِي إبَاحَةَ السَّفَرِ فَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَرَخَّصُ بِالْعِصْيَانِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: نَفْيُ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّرَخُّصَ بِسَبَبِ الْعِصْيَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ التَّيَمُّمِ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَقْرَبُ مِنْ مُرَادِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ التَّرَخُّصِ عُمُومًا كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي مِنْ التَّرَخُّصِ بِسَبَبِ الْعِصْيَانِ إلَّا رُخْصَةً يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، وَأَمَّا رُخْصَةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَا يَمْنَعُ الْعِصْيَانُ مِنْهَا وَمَعْنَى هَذَا لِابْنِ رُشْدٍ، انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا يَمْسَحُ فِي الْحَضَرِ فَهَلْ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَنْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: لَا يَمْسَحُ، وَلَا يَتَرَخَّصُ بِرُخْصَةٍ حَتَّى يَتُوبَ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا تَخْتَصُّ رُخْصَتُهُ بِالسَّفَرِ، انْتَهَى. وَصَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَيْضًا فِي بَابِ الْقَصْرِ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِلَا خِلَافٍ، وَنَصُّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي

ص: 326

مَسْحِ الْخُفَّيْنِ: وَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ وَيُجْزِئُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ الْخِلَافَ وَصَحَّحَ مَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ التَّعْبِيرُ بِالْعِصْيَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْمَكْرُوهِ خِلَافَ مَا تُعْطِيهِ عِبَارَةُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْمُصَنِّفِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الْمَكْرُوهَ لَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ تَحْرِيمًا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَقَالُوا إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ قَصَرَ فِيهِ مَعَ اشْتِرَاطِهِمْ هُنَاكَ إبَاحَةَ السَّفَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَأَحْرَى هُنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) مَثَّلَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعَاقِّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُخَالِفِ لِشَيْخِهِ الَّذِي فَوَّضَ إلَيْهِ أُمُورَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِذَا عَزَمَ عَلَى التَّوْبَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السَّفَرَ، فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ، أَوْ دُونَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ: الْأُولَى اشْتِرَاطُهُ. الثَّانِيَةُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. الثَّالِثَةُ فِيهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِسَفَرِ الْقَصْرِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ نَصُّ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَإِنْ قَصَرَ سَفَرَهُ، وَقِيلَ: كَالْقَصْرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْإِشْرَافِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا فِي سَفَرِ الْقَصْرِ، وَاشْتَرَطَ آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الطِّرَازِ مِمَّا يُصَحِّحُ وُجُودَ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْعِصْيَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَا يُقَالُ: هَذَا الْفَرْعُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يَمْنَعُ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا فِي التَّيَمُّمِ لِلسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَعَلَى الصَّحِيحِ مَنْ عَدِمَ اشْتِرَاطَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَكُونُ كَالْحَاضِرِ لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا لِلْفَرَائِضِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَإِقَامَتُهُ صلى الله عليه وسلم لِطَلَبِ الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُبَاحُ السَّفَرُ لِلتَّجْرِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّيَمُّمِ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمْ عَلَى الْتِمَاسِ الْعَقْدِ ضَرْبٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَالِ وَتَنْمِيَتِهِ وَقَبِلَهُ هُوَ وَعِيَاضٌ وَقَالَ الْأَبِيُّ: قُلْتُ: إنَّمَا فِيهِ الْإِقَامَةُ لِحِفْظِ الْمَالِ وَحِفْظُهُ وَاجِبٌ بِخِلَافِ السَّفَرُ لِتَنْمِيَتِهِ وَقَالَ عِيَاضٌ فِيهِ جَوَازُ الْإِقَامَةِ بِمَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ لِحَوَائِجِ الْإِنْسَانِ وَمَصَالِحِهِ وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ هُوَ مَا لَزِمَهُ مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ، أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ عَدِمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ عِنْدَ كُلِّ طَهَارَةٍ وَنَحْوِهِ لِلْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْأَبِيُّ الْمَصْلَحَةُ هُنَا حِفْظُ الْمَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ الْإِقَامَةِ لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ، انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ.

وَمَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ ظَاهِرٌ بَلْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ عَنْ الْبَاجِيِّ صَرِيحًا قَالَ مَا نَصَّهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَابْنِ مَسْلَمَةَ جَوَازُ سَفَرِ التَّجْرِ وَالرَّعْيِ حَيْثُ يَتَيَقَّنُ عَدَمَ الْمَاءِ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَيَقُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ الْخُرُوجُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَكَان يُحْدِثُ فِيهِ عَلَى أَمْيَالٍ دُونَ مَا إذَا كَانَ يَشُكُّ هَلْ فِيهِ مَاءٌ أَمْ لَا؟ وَانْظُرْ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ هَلْ يَجِبْ حَمْلُ الْمَاءِ، أَوْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ اسْتِعْدَادُ الْمَاءِ لَهَا وَشَاهَدْتُ فِي حَالِ صِغَرِي فَتْوَى شَيْخِنَا الشَّبِيبِيِّ بِذَلِكَ الْأَمْرِ وَلَا أَدْرِي هَلْ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ؟ وَنَفْسِي إلَى الْوُجُوبِ أَمْيَلُ، انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ

ص: 327

خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَغَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إلَيْهِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ: مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى الْمِيلِ وَالْمِيلَيْنِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَتَأَمَّلْهُ، وَهَذَا حَيْثُ تَدْعُوهُ إلَى الْخُرُوجِ ضَرُورَةٌ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ سَبَبٍ يَنْقُلُ إلَى التَّيَمُّمِ إلَّا عِنْدَ حَاجَةٍ، أَوْ حُدُوثِ ضَرُورَةٍ.

(الْخَامِسُ) دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا وَعَصَى فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ

ص (لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ يَتَيَمَّمَانِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ أَمَّا تَيَمُّمُهُمَا لِلْفَرَائِضِ فَحَكَى ابْنُ الْحَارِثِ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَرِيضِ الْوَاجِدِ لِلْمَاءِ عِنْدَهُ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِتَعَذُّرِ مَسِّهِ، أَوْ لِضَعْفِهِ عَنْ تَنَاوُلِهِ قَائِلًا: أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ غَائِبًا عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ، وَلَا مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ يَتَيَمَّمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَعَزَا الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ رِوَايَتِهِ فِيهَا وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَبَّهْتُ عَلَى بَحْثِهِ فِي الْأَوْرَاقِ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَيْهِ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ: أَنَّهُ إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا خِلَافَ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ خَافَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَأَمَّا تَيَمُّمُهُمَا لِلنَّوَافِلِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ فِي الْمُسَافِرِ قَالَ: وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيَّ: وَالْمَرِيضُ مِثْلُهُ

ص (وَحَاضِرٍ صَحَّ لِجِنَازَةٍ إنْ تَعَيَّنَتْ) . ش يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِرَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسَافِرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ لِلْجِنَازَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَا يُوجَدَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يُحَصِّلَ الْمَاءَ أَوْ يَصِلَ إلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْجِنَازَةِ بَيْنَ أَنْ تَتَعَيَّنَ أَوْ لَا، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَيَّدَ بِهِ سَنَدٌ الْمُدَوَّنَةَ قَالَ فِيهَا: وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ بِتَيَمُّمٍ إلَّا مُسَافِرٌ عَدِمَ الْمَاءَ فَقَيَّدَهُ سَنَدٌ بِأَنْ لَا تَتَعَيَّنَ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُتَوَضِّئٌ، أَوْ يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءُ أَوْ يَمْضُوا إلَيْهِ، قَالَ: وَإِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهَا بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ، انْتَهَى.

وَاعْتَرَضَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ تَبِعَ ابْنَ بَشِيرٍ فِي التَّفْرِقَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ وَأَنَّ التَّفْرِقَةَ الْمَذْكُورَةَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَكَالْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ تُدْفَنُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا الْمُسَافِرُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا الْمَرِيضُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ الْمَرِيضَ يَتَيَمَّمُ لِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الْعَادِمُ الْمَاءَ وَيَكُونُ نِيَّةُ الْمُسَافِرِ عَلَى الْمَرِيضِ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ عَنْ حُضُورِ الْجَنَائِزِ، انْتَهَى. وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَادِمَ قَالَ اللَّخْمِيُّ: حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمُقِيمِ فِيمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ وَفِي كَلَامِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يُتَمَسَّكُ بِالْحَصْرِ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ يَخَافُ إنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ، أَوْ الْوُضُوءِ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لَهَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ صَحِبَهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَانْتَقَضَتْ تَيَمَّمَ وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا

(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا قِيلَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالدَّاخِلِينَ فِيهِ بَعْدَ تَلَبُّسِهِمْ

ص: 328

بِهِ وَسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِمْ يَلْحَقُ بِهِمْ وَيَقَعُ فِعْلُ الْجَمِيعِ فَرْضًا مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَوَّلًا وَمَنْ لَحِقَ بِهِ وَأَيْضًا إذَا كَانَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ خِطَابُ الْجَمِيعِ حَتَّى يَفْعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْيِينِهِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ نَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ.

(الثَّالِثُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْجِنَازَةَ الْمُتَعَيِّنَةَ جَمَاعَةٌ جَازَ لَهُمْ الْجَمِيعِ التَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ تَيَمُّمِهِمْ وَدُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ وَاسْتِشْكَالِهِ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي عَدَمَ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَفَرْضٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ لِلْجِنَازَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَمَا نُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا يَظْهَرُ إذَا قِيلَ إنَّ عَادِمَ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ لَا يُصَلِّي، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِتَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَزِيدُهُ إلَّا خَيْرًا، انْتَهَى.

وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِذَا تَيَمَّمَ الصَّحِيحُ وَصَلَّى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَاجِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُعِيدُ أَبَدًا، انْتَهَى.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الصَّحِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجُونًا وَهُوَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمَاءَ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَأَجَازَ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ أَيْضًا يُعِيدُ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَطْلُبُ الْمَاءَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ خِلَافَ ظَنِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ خَافَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ ذَهَبَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ، وَلَا غَيْرِهِ إذَا تَوَضَّأَ وَلِمَالِكٍ قَوْلٌ فِي الْحَضَرِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ إذَا تَوَضَّأَ، انْتَهَى.

وَإِطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُعِيدُ صَادِقٌ عَلَى ذَلِكَ أَعْنِي نَفْيَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

ص (غَيْرِ جُمُعَةٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَشِيَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ يَتَيَمَّمُ لَهَا إذَا خَشِيَ الْفَوَاتَ وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ عَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ الْقَصَّارِ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ إذَا خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْقِيَاسُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهَا إذَا خَافَ الْفَوَاتَ فَلَيْسَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُمُعَةِ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِلٌ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ بَالَغَ سَنَدٌ فِي إنْكَارِ التَّيَمُّمِ لِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ مَا بَعُدَ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ اخْتِيَارُ ذَلِكَ.

(قُلْتُ) وَهُوَ حَسَنٌ إذَا تَحَقَّقَ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ إذَا ذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَا يُعِيدُ)

ش: يَعْنِي إذَا تَيَمَّمَ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرْضِ وَصَلَّاهُ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَفَرْضٍ

ص (لَا سُنَّةٍ)

ش: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَاضِرَ الصَّحِيحَ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا وَعَزَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ سَبِيلُ السُّنَنِ فِي التَّيَمُّمِ سَبِيلُ الْفَرَائِضِ الْوِتْرِ وَالْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ ثَالِثًا بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلْعَيْنِيَّةِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ دُونَ السُّنَنِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْعِيدَيْنِ وَعَزَاهُ

ص: 329

اللَّخْمِيُّ لِلْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ: وَيُخْتَلَفُ فِي السُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ وَالْفَجْرِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّوَافِلِ وَلَا لِلسُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَلَى الْكِفَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ ابْنِ سَحْنُونٍ وَكَلَامَ ابْنِ وَهْبٍ الْمُتَقَدِّمَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَازَ لِلسُّنَنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِ الْوَتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفَرَاغَ الْإِمَامِ مِنْ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَمَلَ كَلَامَ سَنَدٍ ابْنُ سَحْنُونٍ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ قَالَ: وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنْ تَوَضَّأَ وَإِنْ تَيَمَّمَ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَدَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: حِكَايَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْخِلَافَ فِي السُّنَنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ التَّيَمُّمِ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ فِي الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ التَّيَمُّمُ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنْ تَنَاوَلَتْهُ كَانَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، وَإِنْ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ لَهَا، انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْجِنَازَةِ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ: وَوَجَّهَ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ بِالْمَنْعِ فَلَمْ يَجِبْ لِلتَّيَمُّمِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَمَا لَوْ مَرَّ بِسَجْدَةٍ وَهُوَ فِي سُوقِهِ، أَوْ دَخَلَ فِي طَرِيقِهِ مَسْجِدًا فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ التَّحِيَّةَ، أَوْ يَقْرَأَ فِي حَانُوتِهِ وَهُوَ جُنُبٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُهُ، انْتَهَى.

وَيَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَلَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ بِالتَّيَمُّمِ إذَا خَافَ فَوَاتَهُ وَكُلُّ فِعْلٍ تُنْدَبُ لَهُ الطَّهَارَةُ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ، أَوْ الدُّعَاءِ وَالْمُنَاجَاةِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَخَافَ فَوَاتَ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا خَيْرًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ إحْدَاثُ قَوْلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا حَصَلَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَتَقْلِيدُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ الَّذِي عَدِمَ الْمَاءَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ لِلسُّنَنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُرَادُهُ إذَا خَشِيَ إنْ تَشَاغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ أَوْ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَالْمَشْهُورُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْحَاضِرِ مِنْ التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَرَجَتْ الْفَرَائِضُ لِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا، انْتَهَى مُخْتَصَرًا. فَجَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يَخَافُ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْعَوْفِيِّ وَالْوَانُّوغِيِّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْوَانُّوغِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ الْغُسْلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: وَصَلَّى، وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ دُخُولِهِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا أَنَّهُ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي الْأَخْذِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ هَلْ مُرَادُهُ الْجُنُبُ الصَّحِيحُ، أَوْ الْمَرِيضُ؟ وَقَدْ نَقَلَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْوَانُّوغِيُّ قَالَ الْقَرَافِيُّ: اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ إعَادَةِ مَا صَلَّى مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَدْ يُقَالُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالْإِعَادَةَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِمَا وَلِقَوْلِهِ لَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ لِسُنَّةٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَيَجُوزُ لِقَوْلِهَا يَتَيَمَّمَانِ لِلطَّوَافِ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ أَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَلْ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّ الطَّوَافَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يَكَادُ يُتَصَوَّرُ فِي الطَّوَافِ إلَّا لِلْمَرِيضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا وَسَطَ الْمَسْجِدِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ

ص: 330

لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْمَاءِ وَيَصِيرَ فِي مَعْنَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ كَالْجِنَازَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ، أَوْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمَاءِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ صَارَ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ نَصًّا عَنْ الْمَذْهَبِ لَكِنْ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ فَيَجِبُ إذَا اُضْطُرَّ لِدُخُولِهِ أَنْ يُبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَقَدْ أَرَيْنَاكَ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقًا يُرْشِدُكَ لِمَا سِوَاهُ، انْتَهَى.

وَذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي التَّيَمُّمِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ نَفْسِهِ وَقَالَ بَعْدَهُ، انْتَهَى، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْبَاجِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ.

(قُلْتُ) وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَنَصُّهُ: فَإِنْ الْتَجَأَ الْجُنُبُ إلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْمَاءَ لِغُسْلِهِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ كُلَّ فِعْلٍ مُنِعَ مِنْهُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَطَهَّرَ فَإِنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ لِذَلِكَ بِالْمَاءِ اسْتَبَاحَهُ بِالتُّرَابِ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا الْتَجَأَ إلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى.

وَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ فِي التَّوْجِيهِ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ لِلسُّنَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ جُنُبٌ وَالدَّلْوُ فِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ لِأَخْذِهِ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ انْتَظَرَ مَنْ يَأْتِي فَيُنَاوِلُهُ إيَّاهُ.

(قُلْتُ) مِثْلُهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ أَوْ يَدْخُلُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؟ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سَأَلَ مَالِكًا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهَا فَأَجَابَهُ ابْنُ الْحَسَنِ بِالْأَوَّلِ وَسَكَتَ مَالِكٌ وَعَكْسُهُ أَنْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْبُخَارِيِّ جَوَازَ الْخُرُوجِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ " بَابُ جَوَازِ خُرُوجِ الْجُنُبِ مِنْ الْمَسْجِدِ " وَأَدْخَلَ خُرُوجَهُ صلى الله عليه وسلم لِغَسْلِ رَأْسِهِ الْحَدِيثَ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمَ (قُلْتُ) ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَأَعَادَ مُحَمَّدٌ سُؤَالَهُ فَأَعَادَ مَالِكٌ جَوَابَهُ فَأَعَادَ مُحَمَّدٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ: يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ لِأَخْذِ الْمَاءِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مَالِكٌ، انْتَهَى. مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمَشَذَّالِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ فِي عَكْسِ الْفَرْعِ: فَإِنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ فَهَذَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ لِخُرُوجِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْخَبَرِ وَالنَّظَرِ أَمَّا الْخَبَرُ فَإِنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَحْرَمَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ خَرَجَ» وَلَمْ يُرَ وَاحِدٌ أَنَّهُ تَيَمَّمَ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِالتَّيَمُّمِ كَانَ لُبْثًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ فَكَانَ خُرُوجُهُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ يُعَدُّ تَرْكًا لِلْكَوْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَزْعًا عَنْهُ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ إذَا احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ الْعَوْفِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ صَاحِبِ النَّوَادِرِ وَكَلَامَ سَنَدٍ مَا نَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ إذَا نَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا لَوْ نَامَ فِي بَيْتِ الْمَسْجِدِ فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِخُرُوجِهِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ كَانَ مُضْطَرًّا لِلْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لِلْمَبِيتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ لِخُرُوجِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَيَمُّمِهِ عَلَى تُرَابِ الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص (إنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِيًا)

ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَالْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَيُصْرَفُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَيَعْنِي أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهُمْ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ مِنْهَا عَدَمُ الْمَاءِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الْأُولَى عَدَمُ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِيَةُ وُجُودُ

ص: 331

مَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَمَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ، وَلَا لِلْغُسْلِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ. الثَّالِثَةُ وُجُودُ مَا لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ. وَالْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ سَوَاءٌ كَمَا قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي جُنُبٍ مُسَافِرٍ اغْتَسَلَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَصَلَّى فَبَقِيَ عَلَيْهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَقَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَى أَنَّهُ يَبْنِي التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ وَيُكْمِلُ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاَلَّذِي يُرَاعَى مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَنْ يَجِدَ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ فَإِنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ الْكِفَايَةِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ مَا وَجَدَ مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فَرْضَهُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ إمَّا الْمَاءُ وَإِمَّا التُّرَابُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُغْنِيًا عَنْ التَّيَمُّمِ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ وُجُودُ الْكِفَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: يَسْتَعْمِلُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: فَإِنْ وَجَدَ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْجُنُبِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَحْدَثَ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ بِهِ أَذًى غَسَلَهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَلَا يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى.

زَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي اخْتِصَارِهِ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ وَصَلَّى تَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا، وَإِنْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ، أَوْ نَامَ ثُمَّ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ الْوُضُوءِ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، وَكَذَلِكَ يَعُودُ بِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ ثَانِيَةٍ وَنَقَلَهُ سَنَدٌ أَيْضًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هَذَا إذَا قِيلَ: إنَّ حُكْمَ الْوُضُوءِ مُطْرَحٌ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِلْزَامِ الْغُسْلِ لِلْوُضُوءِ، انْتَهَى. بَلْ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْغُسْلِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْزِئُ الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مَا يَسْتَعْمِلُ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ يُجْزِئُ فِي الْإِجْزَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْكَمَالِ وَلَا خِلَافَ عَلِمْتُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ الْوُضُوءِ تَقْدِيرًا، أَوْ يُقَدَّرُ الْآتِي بِالْغُسْلِ آتِيًا بِالْوُضُوءِ حُكْمًا، انْتَهَى. أَوْ لَعَلَّ هَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا: الْتَزَمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا اسْتِعْمَالَهُ فِي الْوُضُوءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ الْأَعْرَجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يُزِيلُ بِهِ بَعْضَ النَّجَاسَةِ وَيَأْتِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ عَوْرَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَدَ مِنْ الطَّعَامِ يَسِيرًا لَا يَمْسِكُ رَمَقَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَيْتَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ طَهَارَةُ بَعْضِ الْمَحِلِّ وَسَتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَفِي أَكْلِ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ إمْسَاكٌ لِلرَّمَقِ، وَتَقَدَّمَ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ، أَوْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْفُوَّاتِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ مَا سَقَطَ مِنْ أَعْضَائِهِ وَيُكْمِلَ وُضُوءَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَدَ مَاءً مُسْتَعْمَلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ هُنَاكَ بَلْ قَالَ ابْنُ هَارُونَ إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي أَيْضًا فِي

ص: 332

أَوَّلِ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي أَثْنَاءِ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ خَاصَّةً وَإِنْ جَمَعَهُ مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ حَيْثُ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ بَحْثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي انْتِقَالِهِ لِلتَّيَمُّمِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَحْثٌ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا مَنْصُوصًا.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْبَرْزَلِيِّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَا يَغْسِلُ بِهِ الْأَعْضَاءَ الْمَفْرُوضَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَيَتْرُكُ السُّنَنَ، وَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَغَيْرِهِ فِي الْمَاءِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَالْمَاءُ الْمُضَافُ كَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَشَرْحِهِ، وَنَصُّهُ: قَالَ فِي التَّلْقِينِ: شَرْطُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمَاءِ الَّذِي يَطْهُرُ بِهِ، أَوْ عَدَمُ بَعْضِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ لِيُخْرِجَ الْمَاءَ الْمُضَافَ وَالْمَاءَ الْيَسِيرَ تَحِلُّهُ النَّجَاسَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ، وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي عِنْدَ مَنْ يَقُولُ يَتَيَمَّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) لَوْ وَجَدَ مَاءً لِلْغَيْرِ أَوْ مَاءً مُسَبَّلًا لِلشُّرْبِ خَاصَّةً هَلْ يُعَدُّ فَاقِدًا لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَقْدَ الشَّرْعِيَّ كَالْفَقْدِ الْحِسِّيِّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَمَعَهُ جُنُبٌ فَرَبُّهُ أَوْلَى بِهِ قَالَ رَبُّهُ أَوْلَى لَا لِكَوْنِهِ مَيِّتًا بَلْ لِمِلْكِهِ، انْتَهَى. وَالْمَاءُ الْمُسَبَّلُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ إيَّاهُ فَلَا يُصْرَفُ فِي غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ حَمَلَ مَاءً عَلَى دَابَّةٍ وَدِيعَةً عِنْدَهُ تَعَدِّيًا هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ؟ قَالَ: لَا وَيَتَيَمَّمُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يُعِدْ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.

ص (أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا، أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ) .

ش الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ لِمَنْ ذُكِرَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافُوا الْمَرَضَ، أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَتَيَمَّمُ لِمَا أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهُ فَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ يَتَيَمَّمَانِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْحَاضِرُ الصَّحِيحُ لِلْفَرْضِ فَقَطْ قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا جَوَازُهُ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: خَوْفُ تَلَفٍ، أَوْ زِيَادَةُ مَرَضٍ، أَوْ تَأْخِيرُ بُرْءٍ، أَوْ حُدُوثُ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، انْتَهَى.

وَاكْتَفَى الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا عَنْ خَوْفِ التَّلَفِ إذْ هُوَ أَحْرَى بِالنِّسْبَةِ إلَى خَوْفِ الْمَرَضِ وَفِي الْجَوَاهِرِ السَّبَبُ الْخَامِسُ الْمَرَضُ الَّذِي يُخَافُ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَهُ فَوَاتُ الرُّوحِ أَوْ فَوْتُ مَنْفَعَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، أَوْ تَأَخُّرَ الْبُرْءِ، أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَكَذَلِكَ إنْ خَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً، أَوْ حُمَّى فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَرَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ بِمُجَرَّدِ خَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ، أَوْ زِيَادَتِهِ إنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَخَافُ عَاقِبَتَهُ لَزِمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ جَمِيعَهُ، وَلَفْظُهُ فِي الْآخِرِ: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَشْهَبُ رضي الله عنه لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَرِيضٍ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَائِمًا لَقَدِرَ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ قَالَ: فَلْيُفْطِرْ وَلْيُصَلِّ جَالِسًا، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَافَ الْجُنُبُ الصَّحِيحُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ ثَلْجٍ، أَوْ بَرْدٍ يَتَيَمَّمُ قَالَ مَالِكٌ: وَالْمَجْدُورُ وَالْمَحْصُوبُ إذَا أَصَابَتْهُمَا جَنَابَةٌ وَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا تَيَمَّمَا لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَحْدَثَا أَوْ لَمْ يُحْدِثَا، انْتَهَى مِنْ اخْتِصَارِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَكَلَامُ سَنَدٍ فِي شَرَحَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الصَّحِيحُ الْحَاضِرُ.

(تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ فِي الْإِكْمَالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ مِنْ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحَيْ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ.

(فَرْعٌ) يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ سَنَدٌ وَأَصْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ

ص: 333

وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ سَنَدٌ: فَرْعٌ: إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّي قَائِمًا فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي عِرْقِهِ وَخَافَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ عَنْهُ الْعِرْقُ وَدَامَتْ عِلَّتُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: إنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي إيمَاءً إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ زَوَالِ عِرْقِهِ لَمْ يُعِدْهُ وَمَا قَالُوهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ فَإِنَّ دَوَامَ الْمَرَضِ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ الْمَرَضِ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُنَا بَحْثٌ يَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ وَهُوَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى الْخَوْفِ فَهَلْ يَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْخَوْفِ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا خَوْفًا نَشَأَ عَنْ سَبَبٍ: أَمَّا إذَا كَانَ عَنْ جُبْنٍ وَخَوْرٍ لَا عَنْ سَبَبٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَوْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ كَأَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ تَجْرِبَةٌ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ فِي الْمِزَاجِ أَوْ بِخَبَرِ عَارِفٍ بِالطِّبِّ.

ص (أَوْ عَطَشَ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ لِمَنْ تَقَدَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ أَيْضًا إذَا خَافُوا عَطَشَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا خَافَ الْعَطَشَ إنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَعَهُ تَيَمَّمَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكَظَنِّ عَطَشِهِ أَوْ عَطَشِ مَنْ مَعَهُ مِنْ آدَمِيٍّ، أَوْ دَابَّةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَظَنِّ عَطَشِهِ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا كَالْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ وَابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا إذَا خَافَ عَطَشَهُ، أَوْ عَطَشَ مَنْ مَعَهُ تَيَمَّمَ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْتَ الْعِبَارَتَيْنِ وَجَدْتَ بَيْنَهُمَا فَرْقًا؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْعَطَشِ أَوْ تَوَهَّمَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ عِبَارَاتِهِمْ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْح ابْنِ الْحَاجِبِ وَنَصُّ مَا فِي التَّلْقِينِ: الرَّابِعُ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى إنْسَانٍ التَّلَفَ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، أَوْ يَخَافَ ذَلِكَ فِي ثَانِي حَالٍ وَيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ: أَمَّا إذَا خَافَ عَطَشًا يُمْرِضُهُ فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ، وَأَمَّا خَوْفُهُ تَلَفَ آخَرَ مِنْ الْعَطَشِ فَيُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِ غَيْرِهِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ عَلَى غَيْرِهِ الْمَوْتَ، أَوْ ضَرَرًا أَشْبَهَ الْمَوْتَ وَقَيَّدَ الْقَاضِي كَلَامَهُ هُنَا بِخَوْفِ التَّلَفِ لِلِاخْتِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا خَوْفُهُ مِنْ مَرَضِ غَيْرِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ:" أَوْ يَخَافَ ذَلِكَ فِي ثَانِي حَالٍ إلَخْ "؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ فِي الْحَالِ، أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَشْرَبُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ هُنَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ اشْتَرَطَ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تُنَاطُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لَا بِالشَّكِّ وَالْوَهْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَثُرَتْ الرُّفْقَةُ وَكَثُرَ مَعَهُ الْفُقَرَاءُ كَالرَّكْبِ وَالْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي مِثْلِ الْمَفَاوِزِ وَالْخُبُوتِ لَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ أَنْ يَخَافَ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ فَيُبَاحُ التَّيَمُّمُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَسْقِيَ الْفُقَرَاءَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْضُلُ عَنْ شُرْبِهِ وَشُرْبِ مَنْ مَعَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ فِي خَوْفِ الْمَرَضِ نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي خَوْفِ الْعَطَشِ بَيْنَ أَنْ يَخَافَ الْمَوْتَ، أَوْ يَخَافَ ضَرَرًا لَا يَمُوتُ مَعَهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الطِّرَازِ وَالذَّخِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ نَقْلُ الْمَازِرِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخَافَ عَلَى غَيْرِهِ الْمَرَضَ أَوْ التَّلَفَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى غَيْرِهِ الْمَرَضَ، أَوْ خَوْفَ عَطَشٍ مُتَوَقَّعٍ وَلَوْ عَلَى رَقِيقٍ، أَوْ دَابَّةٍ فَيَتَوَضَّأُ وَلَا يَسْقِيهِ فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ مَعَهُ مَاءٌ قَلِيلٌ وَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَاسْتَسْقَاهُ أَيَسْقِيهِ وَيَتَيَمَّمُ قَالَ: ذَلِكَ يَخْتَلِفُ. أَمَّا رَجُلٌ يَخَافُ أَنْ يَمُوتَ فَيَسْقِيَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُ الْأَمْرُ الْمَخُوفُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَطَشًا خَفِيفًا وَلَكِنْ إنْ أَصَابَهُ مِنْ

ص: 334

ذَلِكَ أَمْرٌ يَخَافُهُ فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ خَوْفُهُ عَلَى الرَّجُلِ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ قَالَ فِي رَسْمٍ الْوُضُوءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: إنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ قَدْرُ وُضُوئِهِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَهُوَ كَمَا قَالَ، انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا التَّلَفَ، وَلَا الْمَرَضَ، وَإِنَّمَا بِهِ عَطَشٌ خَفِيفٌ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ شُرْبُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالتَّيَمُّمُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) أَطْلَقَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الدَّابَّةِ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَنَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ، أَوْ خِنْزِيرٌ يَقْتُلُهُمَا، وَلَا يَدَعُ الْمَاءَ لِأَجْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ ابْنُ هَارُونَ قَدْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ قَتْلِ الْكَلْبِ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ الْمَذْهَبُ جَوَازُ قَتْلِهِ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَإِذَا جَازَ قَتْلُهُمَا وَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ غَيْرَ جَائِزٍ تَعَيَّنَ قَتْلُهُمَا، انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ سَبَبِيَّةِ عَطَشِ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ الدَّمِ، وَأَمَّا الدَّابَّةُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ إلَّا عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا إنْ لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهَا وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً إنْ أُكِلَ لَحْمُهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُجْحِفُ بِهِ ذَبَحَهَا وَإِنْ أَجْحَفَ بِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ، انْتَهَى.

وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ وَثَمَنُهُ يَسِيرٌ يَتْرُكُهُ يَمُوتُ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، انْتَهَى. وَعَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ احْتَرَزَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُلْتُ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ، أَوْ بَيْعُ لَحْمِهِ بِرَخْصِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْمَاءَ، وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ أُلْغِيَ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَيُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْآدَمِيَّ بِالْمَعْصُومِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَالزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَنَحْوَهُمْ لَا يُرَاعَى الْخَوْفُ مِنْ عَطَشِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا ثَبَتَ سَبَبُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَدْ يُقَالُ: إنَّ خَوْفَ الْعَطَشِ لَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ جَمْعُ الْمَاءِ وَيَشْرَبُهُ، وَأَمَّا مَعَ الْإِمْكَانِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَإِنْ قِيلَ تَعَافُهُ النَّفْسُ قِيلَ: عِيَافَتُهُ لَا تَنْهَضُ حُجَّةً فِي الْعُدُولِ عَنْ الْمَاءِ وَقُصَارَى مَا يُخَافُ مِنْهَا الْمَرَضُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ إذَا خَافَ حُدُوثَ الْمَرَضِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا إطْرَاحُ النَّظَرِ فِي جَمْعِهِ وَشُرْبِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: ذَكَرَ الشَّيْخُ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ وَاسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَأَيْضًا فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(الْخَامِسُ) كَمَا يُرَاعَى فِي الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ شُرْبِهِ فَكَذَلِكَ يُرَاعَى أَنْ يَفْضُلَ عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عَجْنٍ، أَوْ طَبْخٍ يَطْبُخُهُ لِمَصْلَحَةِ بَدَنِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الطَّبْخِ فَأَحْرَى الْعَجْنُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (أَوْ بِطَلَبِهِ تَلَفَ مَالٍ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ يُبَاحُ لَهُمْ التَّيَمُّمُ إذَا خَافُوا بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ الْمَاءَ تَلَفَ مَالٌ مِنْ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَكُونُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ طَلَبٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْجُزُولِيُّ أَنَّهُمَا يَتَيَمَّمَانِ إذَا خَافَا أَنْ يُسْرَقَ مَتَاعُهُمَا إذَا ذَهَبَا إلَى الْمَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ تَلَفِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَأَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْخَوْفَ، وَلَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، وَأَمَّا مَعَ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي الْمَالِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي الْإِعَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ نَظَرٌ كَالْمُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ خَوْفًا مِنْ لُصُوصٍ، أَوْ سِبَاعٍ، انْتَهَى.

فَحُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لَكِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْيَسِيرِ مَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ فَأَقَلُّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى

ص: 335

أَعْلَمُ. (الثَّانِي) شَمِلَ قَوْلُنَا: لُصُوصٌ مَنْ يَخَافُ طُرُوَّهُ، وَمَنْ يَكُونُ مَعَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: أَوْ يَخَافُ لُصُوصًا أَوْ سِبَاعًا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَوْ كَانَ مَنْ هُوَ مَعَهُ غَيْرَ مَأْمُونٍ مَتَى فَارَقَهُ ذَهَبَ بِرَحْلِهِ، انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا الْخَوْفَ عَلَى النَّفْسِ مِنْ اللُّصُوصِ، أَوْ السِّبَاعِ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ تَعْمِيمُهُ ذَلِكَ. (الرَّابِعُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: مِنْ أَسْبَابِ التَّيَمُّمِ خَوْفُ فَوَاتِ الرَّفِيقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ كَرَاهَةَ تَعْرِيسِهِمْ دُونَ الْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ خَوْفًا عَلَى مَا لَهُمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا إعَادَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ أَصْبَغُ: يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُونَ أَبَدًا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبْسُوطَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ النُّزُولِ دُونَ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْعَقْدِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عَدَمِ شِرَاءِ الْمَاءِ إذَا رَفَعُوا عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ سُقُوطَ طَلَبِهِ عَلَى مِيلٍ وَنِصْفِ مِيلٍ خَوْفَ سَلَّابَةٍ، أَوْ سِبَاعٍ ابْنُ رُشْدٍ. مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَطْلُبُهُ فِي الْمِيلِ إنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا وَفِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَلْيَتَيَمَّمْ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي رَسْم الْبَزِّ، وَأَمَّا الْمِيلَانِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ مِيلَيْنِ.

ص (أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ)

ش: أَيْ: وَكَذَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ ذُكِرَ إذَا خَافُوا خُرُوجَ الْوَقْتِ بِسَبَبِ طَلَبِهِمْ لِلْمَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ خَافَ فِي الْحَضَرِ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ إنْ ذَهَبَ إلَى النِّيلِ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ فِي مِثْلِ الْمَعَافِرِ وَأَطْرَافِ الْفُسْطَاطِ فَلْيَتَيَمَّمْ وَيُصَلِّ، وَلَا يَذْهَبُ إلَى الْمَاءِ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ اشْتَغَلَ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ خَافَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ ذَهَبَ الْوَقْتُ يَتَيَمَّمُ وَفِي التَّلْقِينِ الثَّالِثُ أَنْ يَخَافَ مَتَى تَشَاغَلَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِضِيقِهِ أَوْ لِتَأَخُّرِ الْمَجِيءِ بِهِ، أَوْ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ كَالدَّلْوِ وَالرِّشَا فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ أَقْسَامِ الْحَاضِرِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِطَلَبِ الْمَاءِ، وَمَنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ الْآلَةِ وَالرَّابِعُ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِهَا وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ عَبْدٍ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ يَتَيَمَّمُ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصُّبْحَ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْإِسْفَارُ فَإِنَّمَا يُعَالِجُ طَلَبَ الْمَاءِ مَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يُسْفِرَ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّيَمُّمِ إذَا خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، انْتَهَى.

وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ مِنْ اعْتِبَارِ الضَّرُورِيِّ هُنَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.

كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيّ: الْأَوْقَاتُ الَّتِي تُؤَدَّى فِيهَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ أَوْقَاتُ الِاخْتِيَارِ لَا أَوْقَاتُ الضَّرُورَاتِ فَكُلُّ وَقْتٍ تُؤَدَّى فِيهَا الصَّلَاةُ بِالْوُضُوءِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ مَعَ الِاخْتِيَارِ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تُؤَدَّى فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ، انْتَهَى.

وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَصْلُ مُتَّحِدًا أَخَّرَ الْقَيْدَ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي وَالشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ خِلَافُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ عَسْكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَالْمُرَادُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَنْ لَا يُدْرِكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ بِحُصُولِ رَكْعَةٍ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا إذَا خَافَ خُرُوجَ

ص: 336

الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ فِي ذَلِكَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فَقِيلَ: يُدْرِكُ بِرَكْعَةٍ كَالضَّرُورِيِّ، وَقِيلَ: بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَقِيلَ: لَا يُدْرِكُ إلَّا بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ جَمِيعِهَا (الثَّانِي) الْمُرَاعَى فِي التَّشَاغُلِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ قَدْرَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ صلى الله عليه وسلم لَا عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّرَاخِي وَالْوَسْوَاسِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ وَكَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا، وَهَذَا أَحْرَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ أَوْ آلَةٍ)

ش: أَيْ: وَكَذَلِكَ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ تَنَاوُلِهِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ، أَوْ لَمْ يَجِدْ آلَةً يَتَنَاوَلُهُ بِهَا وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَكَذَا لَوْ وَجَدَ الْآلَةَ وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ إنْ اشْتَغَلَ بِرَفْعِهِ مِنْ الْبِئْرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا، أَوْ بِطَلَبِهِ خُرُوجَ وَقْتٍ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ حُكْمِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ.

ص (وَهَلْ إنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ؟ خِلَافٌ)

ش: أَيْ: فَوَاتَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ أَيْضًا فِيمَا إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ، وَلَا يُقَالُ: يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَقَدْ قَالَ فِي رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِيمَنْ كَانَ فِي حَضَرٍ وَمَعَهُ بِئْرٌ إنْ عَالَجَهَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَالَ يُعَالِجُهَا، وَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي إذَا خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَقَوْلُ ابْنِ غَازِيٍّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْإِرْشَادِ مِنْ اعْتِبَارِ الضَّرُورِيِّ هُنَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ هُوَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ فَلَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ إلَّا إذَا خَافَ خُرُوجَهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ بِالتَّيَمُّمِ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ رَوَاهُ الْأَبْهَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَهُ التُّونُسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ قَائِلًا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَشَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا أَعْلَمُ مَنْ شَهَّرَهُ.

(قُلْتُ) يَكْفِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ اخْتِيَارُ مَنْ ذَكَرْنَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ عَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِبَعْضِ عُلَمَائِنَا وَابْنُ عَرَفَةَ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ حَكَى فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِمَنْ هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ قَوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَتَّى سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَعَ قُوَّتِهِ وَالرَّاجِحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَقَامَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ خَافَ فِي الْحَضَرِ: إنْ ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ أَهَلَّ لِتَيَمُّمٍ فَخَرَجَ الْوَقْتُ عَقِيبَ تَيَمُّمِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا شُرِعَ لِأَجْلِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَقَدْ ذَهَبَ قَالَهُ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا قَائِلًا، وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِ بَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ وَمَيْلِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِهِ قَائِلًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا إذَا أَحْرَمَ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِالْعِبَادَةِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَنْ يَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ إذَا تَشَاغَلَ بِالطَّلَبِ فَأَحْرَى فِيمَنْ يَخَافُ خُرُوجَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ أَبِنَزْعِهِ مِنْ الْبِئْرِ، أَوْ بِطَلَبِ آلَةٍ يَنْزِعُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْعَوْفِيُّ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ بَارِدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ بِهِ إلَّا بِتَسْخِينِهِ وَهُوَ لَوْ سَخَّنَهُ، أَوْ بُعِثَ إلَيْهِ مِنْ الْحَمَّامِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ إلَى أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ فِي الَّذِي إذَا تَشَاغَلَ بِالْمَاءِ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ فَإِنَّ كَوْنَهُ لَا يَقْدِرُ لِمَرَضٍ فَهَذَا مَرِيضٌ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ خَائِفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ نَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَزَادَ هَذَا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ لِمَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمَشَقَّةُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ تُوجِبُ

ص: 337

التَّرَخُّصَ كَانَ كَالْمَرِيضِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْمَشَقَّةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ مَرَضٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي خَوْفِ الْمَرَضِ وَبَحَثَ مَعَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي تَخْطِئَتِهِ لِبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ قَائِلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ: الْمَرِيضُ الْمُنْدَرِجُ فِي الْآيَةِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ مُطْلَقًا، وَهَذَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ وَجْهٍ فَيُطَالَبُ بِاسْتِعْمَالِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ تَشَاغُلُهُ بِتَحْصِيلِ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُفِيتُهُ الْوَقْتَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ يُفِيتُهُ صَحَّ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ، انْتَهَى.

هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْخِينُ الْمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَمِنْهُ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا: أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا تَذَكَّرَ النَّجَاسَةَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَقْطَعُ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ إذَا تَشَاغَلَ بِرَفْعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهَذَا أَوْلَى بِالتَّمَادِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالنَّجَاسَةِ أَخَفُّ بِالصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ لِوُجُوبِ رَفْعِهِ إجْمَاعًا، انْتَهَى.

أَوَّلُهُ بِالْمَعْنَى، وَمِنْ قَوْلِهِ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بِاللَّفْظِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ حَتَّى لَا يَسَعَ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَالظَّاهِرُ مِثْلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَخْرِيجَ الْفَرْعِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ وَتَخْرِيجَ الْفَرْعِ الثَّانِي عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ إنْ ضَاقَ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ اُنْظُرْهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ التَّوْضِيحِ

ص (وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَسُّ مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٌ وَطَوَافٌ وَرَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ تَأَخَّرَتْ) .

ش قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى بَعْدَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِتَيَمُّمِهِمَا فَمَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْجِنَازَةِ وَعَبَّرَ عَمَّا دُونَ الْفَرْضِ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالسُّنَّةِ فَتَكُونُ الرَّغِيبَةُ وَالنَّافِلَةُ أَحْرَى (فَإِنْ قُلْتُ) أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا دُونَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ فَجَوَازُهَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّفْلِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ، وَأَمَّا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ فَكَيْفَ يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمِ غَيْرِهَا، وَأَمَّا الطَّوَافُ فَقَدْ أَطْلَقَهُ هُنَا كَابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ يَقُولُ فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِطَوَافِ النَّفْلِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقْلُ ابْنُ الْحَاجِبِ الطَّوَافَ بَعْدَ الْفَرْضِ كَالنَّفْلِ لَا أَعْرِفُهُ فِي وَاجِبِهِ فَكَيْفَ بِهِ بَعْدَ النَّفْلِ.

(قُلْتُ) لَعَلَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا لَا فَرْضٌ آخَرُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْخَمْسِ، أَوْ جِنَازَةً تَعَيَّنَتْ أَوْ طَوَافًا وَاجِبًا فَيَكُونُ قَيْدًا لِمَا أَطْلَقَ هُنَا فِي الْجِنَازَةِ وَالطَّوَافِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ وَبَطَلَ الثَّانِي، وَلَوْ مُشْتَرَكَةً مَا يُبْعِدُهُ، وَلَا بُدَّ عَلَيَّ أَنِّي لَا أَذْكُرُ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْجِنَازَةِ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا (فَإِنْ قُلْتُ) قَوْلُهُ إنْ تَأَخَّرَتْ إنَّمَا يَحْسُنُ اشْتِرَاطُهُ فِي تَيَمُّمِ الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ.

(قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ وَبِالنِّسْبَةِ لِتَيَمُّمِ النَّفْلِ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ يَعْرِفُهُ ذِهْنُ السَّامِعِ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ حَسَنٌ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى (تَنْبِيهَاتٍ. الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ عَلَى أَنِّي لَا أَذْكُرُ الْآنَ مَنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْجِنَازَةِ لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا.

(قُلْتُ) صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَنَصُّهُ إذَا قُلْنَا: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ، أَوْ بَيْنَ فَرْضِ مُعَيَّنٍ

ص: 338

وَفَرْضِ كِفَايَةٍ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجْمَعُ إذَا قَدَّمَ الْمَكْتُوبَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا كَانَتْ وَاصِلَةً بِالْفَرِيضَةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ جِنَازَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ جَنَائِزُ عِدَّةٌ يَجْتَمِعْنَ، أَوْ يُفَرَّقْنَ إذَا كُنَّ نَسَقًا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُصَلِّي عَلَى جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ إذَا تَعَيَّنَتْ صَارَتْ فَرْضًا وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى.

وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَرْضِ كِفَايَةٍ أَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ لَمْ: يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، انْتَهَى.

وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ اتِّصَالُ النَّافِلَةِ بِالْفَرِيضَةِ، أَوْ اتِّصَالُ النَّوَافِلِ فِي أَنْفُسِهَا؟ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلُ وَكِلَاهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ وَفِي سَمَاعِ مُوسَى وَصَرَّحَ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِاشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي السَّمَاعِ: أَرَأَيْت إنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَيُصَلِّي ثُمَّ لَمْ يَزَلْ فِي الْمَسْجِدِ فِي حَدِيثٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ يَتَنَفَّلُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ قَالَ: إنْ طَالَ ذَلِكَ فَلْيَتَيَمَّمْ تَيَمُّمًا آخَرَ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا فَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْأَصْلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ نَافِلَةً وَلَا فَرِيضَةً وَأَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا فَأُجِيزَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا اتَّصَلَ مِنْ النَّوَافِلِ، وَالنَّافِلَةُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْفَرِيضَةِ اسْتِحْسَانًا وَمُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِكَوْنِهَا لِاتِّصَالِهَا بِهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا طَالَ مَا بَيْنَهُمَا سَقَطَتْ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَرَجَعَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ التَّيَمُّمِ، انْتَهَى.

وَفِي الْجَلَّابِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ إذَا أَتَى بِهَا فِي أَثَرِهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ نَوَافِلَ عِدَّةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ إذَا كُنَّ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَإِذَا قَطَعَهُنَّ وَأَخَّرَ بَعْضَهُنَّ عَنْ بَعْضٍ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى.

وَفِي الْمُنْتَقَى، وَإِنْ صَلَّى نَوَافِلَ مُتَّصِلَةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا نَافِلَةً، أَوْ نَوَافِلَ وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْفَرِيضَةِ، انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِشَرْطِيَّةِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ.

(قُلْتُ) ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَنَصُّهُ: مِنْ شَرْطِ جَوَازِ إيقَاعِ النَّفْلِ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ النَّفَلُ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ فَلَا يَتَنَفَّلُ بِهِ، وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَشَرَطَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ أَنْ تَكُونَ النَّافِلَةُ مَنْوِيَّةً عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لَمْ يُصَلِّهَا، انْتَهَى.

وَهَذَا عَلَى مَا رَأَيْتُهُ أَوَّلًا فِي نُسَخِ ابْنِ غَازِيٍّ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا بِشَرْطٍ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْبَاءِ ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَتَيْنِ مُصَحَّحَتَيْنِ مِنْهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ مُصَلَّحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالشَّامِلِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ مَعَ تَكَلُّمِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْبَيَانِ، وَلَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَا فِي الْأَجْوِبَةِ، وَلَا فِي كِتَابِ التَّقْيِيدِ وَالتَّقْسِيمِ لَهُ بَلْ كَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَاكِرِ صَلَوَاتٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ أَوْ طَلَبَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِمَا اتَّصَلَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي نَوَاهَا عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَإِذَا قُلْنَا: أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي الْفَرَجِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهَا إجَازَةُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالنَّوَافِلِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ إذَا اتَّصَلَتْ وَكَانَ تَيَمُّمُهُ لَهَا كُلِّهَا تَقَدَّمَتْ النَّوَافِلُ أَوْ تَأَخَّرَتْ وَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِنْ النَّوَافِلِ إلَّا مَا نَوَاهُ أَيْضًا بِتَيَمُّمِهِ وَاتَّصَلَ عَمَلُهُ وَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لِمَكْتُوبَةٍ نَافِلَةً لَمْ يَنْوِهَا وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَكْتُوبَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ النَّافِلَةِ بِتَيَمُّمِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا اتَّصَلَتْ بِهَا قِيلَ: لَهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ

ص: 339

عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَ عَلَى أَصْلِهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةٌ لِلْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ، انْتَهَى.

فَانْظُرْهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إلْزَامًا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْجَارِي عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَعَلَّهُ حَصَلَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ سَقْطٌ فَأَوْهَمَهُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ وَكَشَفْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثِينَ مُصَنَّفًا مِنْ مُصَنَّفَاتِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهَا إلَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَمَنْ تَبِعَهُ بَلْ نُصُوصُهُمْ مُقْتَضِيَةٌ لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ مِنْهَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي التَّلْقِينِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ إذَا قَدَّمَ الْفَرْضَ، وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ، انْتَهَى.

فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِتَيَمُّمِ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ النَّفَلَ كَانَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ جَازَ النَّفَلُ أَيْضًا مَعَهُ لِلتَّبَعِيَّةِ لَكِنْ بَعْدَهُ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ اسْتَبَاحَ النَّفَلَ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى تَبَعٌ لِلْأَعْلَى وَإِذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ النَّافِلَةَ فَعَلَ سَائِرَ النَّوَافِلِ، فَإِنْ نَوَى مَسَّ الْمُصْحَفِ فِعْلَ الْقِرَاءَةِ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ، أَوْ يُقَالُ الْوُضُوءُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ؟ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَضْعُفُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْوُضُوءِ وَهُوَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نَوَى نَفْلًا لَمْ يَجُزْ الْفَرْضُ وَصَلَّى مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ قَوْلُهُ وَصَلَّى مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْفَرْضَ جَازَ لَهُ فِعْلُ مَا شَاءَ مِنْ النَّفْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ لِلنَّفْلِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ النَّفْلِ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ أَوْلَى فَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ النَّافِلَةَ إلَّا أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَ الْفَرِيضَةِ أَقْوَى مِنْ تَيَمُّمِ النَّافِلَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ الْآنَ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِلَةً مَخْصُوصَةً، أَوْ يَنْوِي النَّفَلَ عُمُومًا، فَإِنْ نَوَى عُمُومَ النَّفْلِ، أَوْ نَوَى صَلَاةَ نَافِلَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى.

فَإِذَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِ نَافِلَةٍ غَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الثَّانِيَةُ مَنْوِيَّةٌ فَأَحْرَى أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ نَافِلَةً لَمْ تَكُنْ مَنْوِيَّةً، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَمَّا أُلْزِمَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ نَافِلَةً غَيْرَهَا لَمْ يَنْوِهَا أُلْزِمَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ إلَّا مَا نَوَاهُ مِنْ النَّوَافِلِ فَتَأَمَّلْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ مَا يَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الرَّابِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(الرَّابِعُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ تَأَخَّرَتْ شَرْطٌ فِي جَوَازِ إيقَاعِ النَّفْلِ بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ، وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ تَأَخُّرَ النَّفْلِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النَّفْلِ فَإِنَّ النَّفَلَ صَحِيحٌ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى الْفَرْضِ لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ الْفَرْضَ الَّذِي نَوَاهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ ثُمَّ صَلِّي نَافِلَةً فَقَالَ سَنَدٌ النَّافِلَةُ نَفْسُهَا صَحِيحَةٌ فَهَلْ يُصَلِّي بِهِ الْفَرِيضَةَ؟ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّافِلَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّى قَبْلَهَا نَافِلَةً فَلْيُعِدْ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى النَّافِلَةَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ لِلْمَكْتُوبَةِ وَقَالَ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِلصُّبْحِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَهَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَهَذَا لَفْظُ الْإِمَامِ بِاخْتِصَارٍ، فَإِنْ صَلَّى بِتَيَمُّمِهِ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَةَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى النَّافِلَةَ، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُعِيدُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَفِيفٌ وَأَرَى أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ قَالَ: وَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ مُصْحَفٍ ثُمَّ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَصَلَّى بِهِ الصُّبْحَ، أَوْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ الْبَرْقِيّ عَنْ أَشْهَبَ: تُجْزِئُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ

ص: 340

بِتَيَمُّمِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَصَلَّى بِهِ فَرِيضَةً أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ.

وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّى قَبْلَهَا نَافِلَةً، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، أَوْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَرِيضَةً فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُعِيدُ أَبَدًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَيُعِيدُ فِي الثَّانِيَةِ أَبَدًا مِنْ بَابِ أَوْلَى ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُعِيدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَفِي الثَّانِيَةِ أَبَدًا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُعِيدُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (الْخَامِسُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إيقَاعُ السُّنَّةِ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِمَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِهِ قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَعْنِي قَوْلَهُ إذَا قُلْنَا: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ، أَوْ فَرْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجْمَعُ إذَا قَدَّمَ الْمَكْتُوبَةَ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ؟ يُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِلْعَتَمَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوِتْرَ.

فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَفِي الْوَاضِحَةِ لَهُ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِ الْعِشَاءِ وَيَصِلَهَا مِنْ النَّفْلِ بِمَا شَاءَ، انْتَهَى.

وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَقْوَى وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْوَاضِحَةِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ (السَّادِسُ) إذَا جَازَ إيقَاعُ السُّنَّةُ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ فَإِيقَاعُ السُّنَّةِ بِتَيَمُّمِ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَهَذَا وَاضِحٌ وَوَقَعَ فِي التَّوْضِيحِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ قَالَ مَا نَصُّهُ:(فَرْعٌ) قَالَ سَحْنُونٌ: سَبِيلُ السُّنَنِ فِي التَّيَمُّمِ سَبِيلُ الْفَرَائِضِ الْوَتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَالْعِيدَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْخُسُوفُ تَيَمُّمٌ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ، وَإِيرَادُ اللَّخْمِيِّ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْحَاضِرَ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَنِ كُلِّهَا لَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةً بِتَيَمُّمِ أُخْرَى فَإِنَّهُ قَالَ: فَصَلَّى الصَّلَوَاتِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ وَسُنَنٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَعَلَى الْكِفَايَةِ وَنَوَافِلُ فَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَيَتَيَمَّمُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّافِلَةِ.

ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ الْمَرِيضِ الْمُقِيمِ فِيمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ وَيُخْتَلَفُ فِي تَيَمُّمِهِ لِلنَّفْلِ وَاخْتُلِفَ فِي تَيَمُّمِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِلْفَرَائِضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَيُخْتَلَفُ فِي السُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّوَافِلِ، وَلَا لِلسُّنَنِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَلَى الْكِفَايَةِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى يَتَيَمَّمُونَ لِخُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُتَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَيَقْرَأَ حِزْبَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: إذَا خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ طَاهِرًا فَأَحْدَثَ وَلَمْ يَجِد مَاءً تَيَمَّمَ، وَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يَتَيَمَّمْ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا قَصَدَ إلَى التَّيَمُّمِ اخْتِيَارًا وَالْأَوَّلُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَانْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ السُّنَنَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ مَعَ وُجُودِهِ إذَا كَانَ مَتَى تَوَضَّأَ فَاتَ إدْرَاكُهَا إمَّا لِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْوِتْرِ، أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ لِفَرَاغِ الْإِمَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ، انْتَهَى.

وَأَشَارَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقْوَالِ فَقَالَ: وَفِي تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ لِلسُّنَنِ ثَالِثُهَا لِلْعَيْنِيَّةِ كَالْفَجْرِ لَا لِلْكِفَايَةِ كَالْعِيدَيْنِ لِابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ بَشِيرٍ عَنْهُمَا وَاللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: اُخْتُلِفَ فِي تَيَمُّمِ الْحَاضِرِ لِلسُّنَنِ عَلَى ثَلَاثَةِ

ص: 341

أَقْوَالٍ فَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوِتْرِ، أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْعِيدَيْنِ قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ، وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ لِجَمِيعِهَا وَعَزَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لِلْعَيْنِيَّةِ دُونَ الْكِفَايَةِ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي الْأَوَّلُ، انْتَهَى.

وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا ذَكَرَاهُ عَنْهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الْقَوْلَ بِتَيَمُّمِ الْحَاضِرِ لِلسُّنَنِ فَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَيَمَّمُ، خَرَّجَ التُّونُسِيُّ الْخِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ التَّخْرِيجَ وَقَوْلُ ابْنِ سَحْنُونٍ سَبِيلُ السُّنَنِ فِي التَّيَمُّمِ كَسَبِيلِ الْفَرَائِضِ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ سُنَّةٍ كَمَا يَتَيَمَّمُ لِلْفَرَائِضِ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَقْدِرُ يَمَسُّ الْمَاءَ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ وَالْمُسَافِرِ، وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ إنْ تَوَضَّأَ إلَّا أَنَّهُ يُدْرِكُ الصُّبْحَ، فَإِنْ تَيَمَّمَ أَدْرَكَهُمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَدَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى.

وَالْقَصْدُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةً بِتَيَمُّمِ سُنَّةٍ أُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِتَيَمُّمِهِ ذَلِكَ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ طَالَ تَنَفُّلُهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَالَ التُّونُسِيُّ: مَا لَمْ يَطُلْ تَنَفُّلُهُ جِدًّا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: يَتَنَفَّلُ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلتَّبَعِيَّةِ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا، وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَنْتَهِي لِدُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ عِنْدِي بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ النَّفْلِ تَابِعٌ لِلْفَرِيضَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّابِعِ حَالَ عَدَمِ الْمَتْبُوعِ حِسًّا وَحُكْمًا، انْتَهَى.

وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ التُّونُسِيِّ وَكَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَاسْتَظْهَرَهُ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ التُّونُسِيِّ وَقَبْلَهُ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ لِلْمُتَيَمِّمِ التَّنَفُّلَ مَا لَمْ يَطُلْ وَقَبْلَهُ وَلَفْظُ النَّوَادِرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلِلْمُتَيَمِّمِ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ وَانْظُرْ إذَا تَيَمَّمَ آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَظْهَرُ عَلَى كَلَامِ التُّونُسِيِّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ

ص (وَلَوْ قَصْدًا وَبَطَلَ الثَّانِي) .

ش قَالَ سَنَدٌ: إذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضَيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ بِهِ الْأَوَّلُ، أَوْ لَا يَصِحُّ بِتَيَمُّمِهِ أَصْلًا؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالنِّيَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَنِيَّةٌ أُخْرَى فَهُوَ كَمَنْ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ وَنِيَّةِ الْجَنَابَةِ.

ص (لَا بِتَيَمُّمٍ لِمُسْتَحَبٍّ)

ش: كَذَا فِي النُّسَخِ بِدُخُولِ لَامِ الْجَرِّ عَلَى مُسْتَحَبٍّ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ خُرُوجُهَا وَأَنْ يَقُولَ لَا بِتَيَمُّمٍ مُسْتَحَبٍّ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ نَفْسُهُ مُسْتَحَبًّا كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّوْمِ.

ص (وَلَزِمَ مُوَالَاتُهُ) . ش يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ مُوَالَاةَ أَفْعَالِ التَّيَمُّمِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَالتَّرْتِيبُ: وَالْمُوَالَاةُ كَالْوُضُوءِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إجْرَاءُ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي التَّرْتِيبِ هُنَا، وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ فَلَا يُمْكِنُ إجْرَاءُ كُلِّ تِلْكَ الْأَقْوَالِ إذْ لَا يَتَأَتَّى قَوْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ وَالْمَغْسُولِ خَلِيلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بِالْبُطْلَانِ إذَا فَرَّقَ التَّيَمُّمُ نَاسِيًا مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ اتِّصَالِهِ بِالصَّلَاةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَالَاةِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَى.

وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَرَّقَ تَيَمُّمَهُ وَطَالَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ التَّيَمُّمَ وَإِنْ قَرَّبَ أَجْزَاهُ وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْوُضُوءِ مَنْ نَسِيَ بَعْضَ تَيَمُّمِهِ حَتَّى طَالَ أَعَادَ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ بِأَمْرٍ يُطَوِّلُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهَا، انْتَهَى.

وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِلُزُومِ الْمُوَالَاةِ فِيهِ وَلَمْ يُشْبِهُهُ بِالْوُضُوءِ كَمَا فَعَلَ بِالْغُسْلِ، الْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ مُوَالَاتَهُ مَعَ مَا فَعَلَ لَهُ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْبِسَاطِيُّ قَالَ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا لِاسْتِلْزَامِهِ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَفْعَالِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، انْتَهَى.

وَلَا إشْكَالَ

ص: 342

فِي اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ التَّيَمُّمِ بِمَا فَعَلَ لَهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ هُنَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِالتَّيَمُّمِ فَذَلِكَ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ بِهِ، وَإِنْ تَنَفَّلَ بَعْدَ فَرْضِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِالْفَرِيضَةِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِيَتَنَفَّلَ شَرَعَ فِي تَنَفُّلِهِ عَقِيبَ تَيَمُّمِهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ تَأَخَّرَ تَنَفُّلُهُ فَلَا يَتَنَفَّلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَيُؤَخِّرَ فِعْلَهَا إلَى آخِرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَسَنُبَيِّنُ الْأَصْلَ فِيهِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُ فِعْلَهَا، وَمِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ قَالَ التِّلِمْسَانِيّ: وَخَالَفَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَأَجَازَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الصَّلَاةِ، انْتَهَى.

وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ عَسْكَرٍ مُخْتَصَرِ الْمَعُونَةِ وَلَهُ شَرْطَانِ، طَلَبُ الْمَاءِ وَاتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا بَعْدَهُ مُتَرَاخِيَةً عَنْهُ، انْتَهَى.

وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَابْنِ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَالشَّبِيبِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ فَصَلَّى نَافِلَةً قَبْلَهَا أَنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ وَجْهُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى فِعْلِهَا فَمَتَى وَقَعَ فِي حَالَةٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ فَاَلَّذِي يَتَيَمَّمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ شَرَعَ فِي غَيْرِهَا قَدْ تَيَمَّمَ لَهَا فِي وَقْتٍ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّيَمُّمِ لَهَا فِيهِ إذْ الْحَاجَةُ لَهَا إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلِهَا، انْتَهَى.

بِاخْتِصَارِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ يُونُسَ وَكَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ لَا يَتَنَفَّلُ بِهِ وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَوَجَّهَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ: وَسُئِلَ السُّيُورِيّ عَمَّنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْفَرِيضَةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطَعَ هَلْ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؟ فَأَجَابَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَطُلْ، فَإِنْ طَالَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَضُرُّهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ فَإِنَّ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَذَانِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هُنَا قَاعِدَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ لَهُ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ بِهَا أُخْرَى فَإِنَّمَا الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِي الْمُشَبَّهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمُشَبَّهِ، وَقَدْ ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَلْزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَمْرًا شَنِيعًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يُشِيرُ إلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَشْبِيهِهِ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَقَبُولُ هِبَةِ مَاءٍ)

ش: قَالَ الْمَغْرِبِيُّ: إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمِنَّةَ فِيهِ، انْتَهَى.

مِنْ قَوَاعِدِ النِّكَاحِ.

ص (أَوْ قَرْضِهِ)

ش: سِيَاقُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَذَلَ لَهُ الْمَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ فَأَحْرَى عَلَى جِهَةِ الْقَرْضِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ فِيهِ تَعْمِيرُ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ، وَقَدْ قَالُوا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ الثَّمَنَ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ وَذَكَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا بَذَلَ لَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَلِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَطَلَبَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَوْ تَوَهُّمَهُ لَا تَحَقُّقَ عَدَمِهِ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ

ص: 343

كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ)

ش هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُوَالَاتُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ يَتَوَهَّمُ وُجُودَهُ وَتَحْصِيلَهُ بِطَلَبِهِ فَأَحْرَى إذَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ ظَنَّ وُجُودَهُ فَقَوْلُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ يَعْنِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ لِصَلَاةٍ، وَلَمْ يَجِدْهُ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَطْلُبُ الْمَاءَ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ فِي حُكْمِ الْأُولَى فِي تَوْجِيهِ الْخِطَابِ بِالطَّلَبِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْأُولَى، أَوْ كَانَ فِيهِ وَحَدَثَ مَا يُوجِبُ تَوَهُّمَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يَقْتَضِي تَوَهُّمَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ، وَقَدْ أَشَارَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى هَذَا وَقَوْلُهُ لَا تَحَقُّقُ عَدَمِهِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ يُرِيدُ بِالتَّحَقُّقِ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ بِالْعَدَمِ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمَهُ طَلَبَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَدْخُلُ فِي هَذَا الظَّانُّ وَالشَّاكُّ وَالْمُتَوَهِّمُ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَوَهَّمَ وُجُودَهُ حَوَالَيْهِ فَلْيَتَرَدَّدْ إلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَا مَشَقَّةٌ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ إذْ الشَّابُّ لَيْسَ كَالْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْمُتَوَهِّمَ لَا يَطْلُبُ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ تَحَقُّقَ الْعَدَمِ بِظَنِّ الْعَدَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْعَدَمَ كَانَ وُجُودُهُ مُتَوَهَّمًا وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى التَّحَقُّقُ أَوَّلًا عَلَى بَابِهِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَالْمُرَادُ بِالتَّحَقُّقِ الِاعْتِقَادُ الَّذِي لَا تَرَدُّدَ فِيهِ لَا التَّحَقُّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الطَّلَبِ فَلَيْسَ مَنْ ظَنَّ الْعَدَمَ كَمَنْ شَكَّ، وَلَا الشَّاكُّ كَالْمُتَوَهِّمِ، انْتَهَى.

وَقَبِلَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَبَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ هُوَ الطَّلَبُ الَّذِي لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَيْسَ الشَّيْخُ كَالشَّابِّ، وَلَا الرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ وَلَا الضَّعِيفُ كَالْقَوِيِّ قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَنْ تَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ مِنْهُ عَلَى مِيلٍ أَوْ نِصْفِ مِيلٍ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ عَنَاءَ ذَلِكَ، أَوْ سَلَّابَةً، أَوْ سِبَاعًا لَا أَرَى عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَسَوَاءٌ تَخَوَّفَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ وَدَلِيلُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَخَوَّفْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ عَلَى الْمِيلِ وَالنِّصْفِ وَفِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فَلْيَتَيَمَّمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَجِدُ مِنْ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ وَذَلِكَ مُفَسَّرٌ فِي رَسْمِ الْبَزِّ، وَأَمَّا الْمِيلَانِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ مِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ، انْتَهَى.

وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَجْمُوعَ الْمِيلِ وَنِصْفِهِ يَسِيرٌ وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي الْجَرْيِ لِإِدْرَاكِ الْمَاءِ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ وَلَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ أَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعُدُولِ لَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي يَعْدِلُ لَهَا عَنْ الطَّرِيقِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَاتَهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِي نِصْفِ الْمِيلِ إلَّا الْعَنَاءَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، انْتَهَى.

مِنْ الْمَوَّاقِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ الَّذِي نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ، وَلَا يَتَحَدَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ يُرِيدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُعْتَادِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَطَلَبُ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ إنَّمَا يَجِبُ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِطَلَبِهِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ طَلَبِهِ فِي رَحْلِهِ وَسُؤَالِ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَخْشَى أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ وَالْعُدُولِ إلَيْهِ عَنْ طَرِيقِهِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا عَلَى قَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى

ص: 344

نَفْسِهِ وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقَالُوا فِي الْمِيلَيْنِ كَثِيرٌ وَفِي الْمِيلِ وَنِصْفِ الْمِيلِ مَعَ الْأَمْنِ أَنَّهُ يَسِيرٌ وَذَلِكَ لِلرَّاكِبِ، أَوْ لِلرَّجُلِ الْقَوِيِّ الْقَادِرِ، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ مِنْ رُفْقَتِهِ إذَا كَانَتْ الرُّفْقَةُ قَلِيلَةً وَكَانَ لَا يَتَحَقَّقُ بُخْلَهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ حَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: يَسْأَلُ مَنْ يَلِيهِ، وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي الرُّفْقَةِ فَيَسْأَلَهُمْ وَلَكِنْ يَسْأَلُ أَوَّلَ مَنْ يَلِيهِ وَيَرْجُو ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ فَلَا يَسْأَلُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْنَعُونَهُ فَلْيَسْأَلْهُمْ، انْتَهَى.

وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: لَوْ تَرَكَ طَلَبَ الْمَاءِ عِنْدَ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، انْتَهَى.

وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْأَلْ فِي الرُّفْقَةِ الْكَثِيرَةِ لَمْ يُعِدْ وَفِي الصَّغِيرَةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانُوا رَجُلَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً أَعَادَ أَبَدًا وَضَعَّفَ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ قَوْلَ أَصْبَغَ بِأَنَّ تَوَجُّهَ الْخِطَابِ بِالطَّلَبِ مِنْ النَّفَرِ الْيَسِيرِ مِنْ الرُّفْقَةِ الْكَثِيرَةِ كَتَوَجُّهِهِ لَوْ كَانُوا بِانْفِرَادِهِمْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا وَجْهَ أَيْضًا لِإِيجَابِهِ الْإِعَادَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إذَا كَانُوا مِثْلَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَقَالَ: أَرَى إنْ كَانَ الْغَالِبُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ يُعْطُونَهُ إذَا طَلَبَ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَطْلُبْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّلَبُ، انْتَهَى.

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ مِمَّنْ يَلِيهِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ سَوَاءٌ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ رُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ كَثِيرَةٍ خِلَافًا لَأَصْبَغَ، وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ فِي إعْطَائِهِمْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَيْضًا خِلَافًا لِأَصْبَغَ فِي تَفْصِيلِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (أُجِيبَ) عَنْ تَفْرِقَةِ أَصْبَغَ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مَظِنَّةُ وُجُودِ الْمَاءِ لِامْتِنَاعِ اتِّكَالِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ لِانْفِرَادِهِمْ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ حَالِ الثَّلَاثَةِ الرُّفَقَاءِ أَقْرَبُ مِنْ عِلْمِ حَالِ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ مِمَّنْ يَلِيهِ فَقَالُوا لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا بِالْمَاءِ لَمْ يَمْنَعُوهُ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ مَنَعُوهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ عِنْدَ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ مِمَّنْ كَانَ يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَبَهُ مِنْهُ كَوُجُودِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغَ: يُعِيدُ أَبَدًا وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي الطَّلَبِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِنْ الرُّفْقَةِ ثَالِثُهَا إنْ كَانُوا نَحْوَ الثَّلَاثَةِ طَلَبَ وَإِلَّا أَعَادَ أَبَدًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: وُجُوبُ الطَّلَبِ وَإِنْ تَرَكَ أَعَادَ أَبَدًا، وَالثَّانِي نَفْيُ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثُ يَجِبُ فِي الرُّفْقَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ أَعَادَ أَبَدًا، وَلَا يَجِبُ فِي الرُّفْقَةِ الْكَثِيرَةِ قَالَ ابْنُ هَارُونَ وَابْنُ رَاشِدٍ: وَلَمْ نَرَ أَحَدًا نَقَلَ مَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الطَّلَبِ إلَى آخِرِهِ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى.

ص (وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ)

ش: أَيْ: وَلَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ أَنْ يَنْوِيَ بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي يُرِيدُهَا، أَوْ الْفِعْلَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَرَّضَ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، أَوْ الْأَكْبَرِ، فَإِنْ نَسِيَ وَهُوَ جُنُبٌ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ، انْتَهَى.

وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ جُنُبٍ أَجْزَأَهُ تَيَمُّمُهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ قَالَ: وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِحْضَارُهُ حَالَ التَّيَمُّمِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ وَفِي الْأَكْبَرِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْمُتَعَلِّقِ

ص: 345

فَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا، أَوْ نَاسِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي نِيَّةِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْإِعَادَةِ فَخِلَافُ الْمَشْهُورِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُعِيدُ أَبَدًا، انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَتَعْلِيلُهُ فِيهَا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا كَانَ لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، انْتَهَى.

وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَفْظُ الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْدُورِ وَالْمَحْصُوبِ إذَا خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمَا جَنَابَةٌ أَنَّهُمَا يَتَيَمَّمَانِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَحْدَثَا فِي ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُحْدِثَا يَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: أَرَأَيْت الْجُنُبَ إذَا نَامَ، وَقَدْ تَيَمَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَحْدَثَ بَعْدَ مَا تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَمَعَهُ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ هَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ، أَوْ يَتَيَمَّمُ؟ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَغْسِلُ بِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلَيْسَ يَرَاهُ عَلَى الْجُنُبِ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ يَنْتَقِضُ بِتَيَمُّمِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيَعُودُ إلَى حَالِ الْجَنَابَةِ كُلَّمَا صَلَّى، وَلَا يُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ وَلَكِنْ يَنْتَقِضُ جَمِيعُ التَّيَمُّمِ وَيَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ كُلَّمَا صَلَّى، انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ قَالَ: وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ فَلْيَتَيَمَّمْ، وَلَا يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْدَثَ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ الَّذِي كَانَ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَوْضِعُ الْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى مَكْتُوبَةٍ فَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ.

(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ نَجَاسَةٍ كَانَ قَدْ مَسَّهَا بِيَدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ، انْتَهَى.

وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبِسَاطِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَنْوِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ أَصْلًا وَالْأَوَّلُ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلِاسْتِبَاحَةِ مِنْ الْحَدَثِ إمَّا الْأَكْبَرُ أَوْ الْأَصْغَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أَجْزَأَهُ عَنْ تَيَمُّمٍ لِوُضُوءٍ، انْتَهَى.

وَقَالَ سَنَدٌ إذَا تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ أَنَّهُ جُنُبٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ جُنُبٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ لَا يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنْ يُعَيِّنَ بِنِيَّتِهِ الْفِعْلَ الْمُسْتَبَاحَ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ مُشْتَرَطٌ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى مَعْنَى الْإِيجَابِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ قَالَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ الْبَاجِيِّ وَهُوَ فِي الْمُنْتَقَى فِي تَرْجَمَةِ وُضُوءِ النَّائِمِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ عَزَا الْقَوْلَ بِالِاسْتِحْبَابِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَصٌّ عَنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الْمُنْتَقَى وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَهَا يَتَيَمَّمُ لَهَا أَيْضًا قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا: وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ لَهَا، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ جَزَمَ بِهِ سَنَدٌ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ لِلْأُولَى ذَكَرَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمَهَا فِي التَّرْتِيبِ بَعْدَ الْأُولَى صَلَّى الْأُولَى ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلثَّانِيَةِ فَصَلَّاهَا، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ حُكْمَهَا فِي التَّرْتِيبِ قَبْلَ الْأُولَى لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ قَالَ فِيهَا: مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ إيجَابُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ صَلَاتَانِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اتَّصَلَتَا وَنَوَاهُ لَهُمَا، وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لِغَيْرِهَا، وَلَا صَلَاةَ بِتَيَمُّمٍ نَوَاهُ لَهَا

ص: 346

إذَا صَلَّى بِهِ غَيْرَهَا، أَوْ تَرَاخَى عَنْ الصَّلَاةِ بِهِ اشْتِغَالًا بِمَا سِوَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ، أَوْ طَلَبَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا، انْتَهَى.

وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَشُرُوحِهَا فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَفْعَلُ بِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْفَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ مُتَّصِلًا بِهِ وَدُخُولُ وَقْتِ الْفَائِتَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَذَكُّرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى فِعْلِهَا وَذَلِكَ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَالْقِيَامِ إلَى فِعْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَكَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَمَنْ مَعَهُ فِيمَا يَنْوِيهِ الْمُتَيَمِّمُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْيِينُ الْفِعْلِ الْمُسْتَبَاحِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِعْلًا أَصْلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَإِنْ أَرَادَ فَرْضًا قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ كَمَنْ عَيَّنَ لِمَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْجَمِيعِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِمْ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ بَعْضِ مَا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ثُمَّ يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُرِيدُ فِعْلَهَا مِنْ فَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اسْتِبَاحَةَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى مُطْلَقَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ أَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْفَرْضُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ فَيَكُونُ كَمَنْ نَوَى النَّفَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا خِلَافٍ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى.

وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ اسْتِبَاحَةَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ إمَّا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. أَمَّا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ رَفْعَ الْحَدَثِ وَاسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالْفَرِيضَةَ وَذَكَرَ هُنَا اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ وَبَقِيَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ مَسْكُوتًا عَنْهَا مِنْ جِهَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا تَكْفِي هَهُنَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، لَا رَفْعَ الْحَدَثِ لِلْحَصْرِ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُهُ، انْتَهَى.

وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ إلَى أَنَّ الْجُنُبَ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ أَيْ: الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَخَرَجَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصِيبَ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ بِالتَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ الْأَصْغَرَ وَيُجْزِئُهُ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ تَكَرَّرَ أَيْ: التَّيَمُّمُ وَيَعْنِي بِهِ إذَا نَوَى الْأَكْبَرَ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى تَيَمُّمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ حَدَثٌ أَصْغَرُ، انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ: أَيْ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى.

وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْفَرْعَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ بَالَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لِجَنَابَةٍ جَازَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ إنَّمَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ فِي أَحْكَامِهِ كَمَا لَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ هَذَا مُخَالِفٌ لِنَقْلِ اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ مُوَافِقٌ لِأَخْذِهِ، انْتَهَى.

وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَعُودُ جُنُبًا عَلَى مَا اخْتَصَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَقَالَ سَنَدٌ: إذَا تَيَمَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ لِفَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ نَافِلَةً، أَوْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ، فَإِنْ أَحْدَثَ فَلَا يَتْلُو حَتَّى يَتَيَمَّمَ وَقَالَ

ص: 347

بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَقْرَأُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهُوَ يَبْطُلُ بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَيَمُّمِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَحْدَثَ لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ التَّيَمُّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) وَقَالَ سَنَدٌ أَيْضًا إذَا تَيَمَّمَ الْمَرِيضُ وَالْمَجْدُورُ، وَمَنْ فِي بَابِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثَ الْوُضُوءِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوُضُوءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ قَائِمَةٌ حَتَّى يَغْتَسِلَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَهُوَ يَتَيَمَّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ.

(تَنْبِيهٌ) لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ إلَّا قَوْلُهُ هُنَا وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَصْلِ الْجَبِيرَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ فِيهَا: وَالتَّيَمُّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَمِنْ الْوُضُوءِ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصِّفَةِ وَالْمَشْرُوعِيَّة وَقَالَ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ الْغُسْلَ فَقَطْ وَصَلَاتُهُ الْأُولَى تَامَّةٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَتَكُونُ الْجَنَابَةُ مِنْ وَطْءٍ فَيَكُونُ ذَكَرُهُ نَجِسًا مِنْ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ مِنْ احْتِلَامٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى عَلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ أَثَرُ الْمَنِيِّ نَجِسٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ وَفِي الْوَقْتِ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنِيَّةُ أَكْبَرَ الْحَائِضُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَنْوِيَ بِتَيَمُّمِهَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ سَافَرَ فَكَانَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ لِمُوجِبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ لُمْعَةً مِنْ غُسْلِ تِلْكَ الْجَنَابَةِ إنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا اسْتَدْرَكَ غَسْلَهَا وَصَحَّ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَأَعَادَ مَا صَلَّاهُ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ بَعُدَ الْمَاءُ أَعَادَ مَعَ ذَلِكَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ الْبُرْزُلِيُّ هَذَا بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَا تَنُوبُ عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقَالُ إنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، انْتَهَى.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: ص (وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ)

ش: إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفَائِدَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ بِهِ، وَلُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِهِ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَهُ، وَإِمَامَةُ الْمُتَيَمِّمِ لِلْمُتَوَضِّئِينَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. زَادَ ابْنُ بَشِيرٍ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَتَكُونُ خَمْسَةً.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي النُّكَتِ: يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَإِمَامَةُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى أَصْلِنَا فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ كَصَاحِبِ السَّلَسِ، انْتَهَى.

وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ

ص (وَتَعْمِيمُ وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ لِكُوعَيْهِ) . ش هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ لَزِمَ أَيْ: وَلَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ تَعْمِيمُ وَجْهِهِ بِالْمَسْحِ وَتَعْمِيمُ كَفَّيْهِ إلَى كُوعَيْهِ وَالْكُوعُ هُوَ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْكَاعُ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْكُوعُ آخِرُ السَّاعِدِ وَأَوَّلُ الْكَفِّ، انْتَهَى.

وَجَمْعُهَا أَكْوَاعٌ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ فَيُقَابِلُ الْكُوعَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ الْكُرْسُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ وَهُوَ النَّاتِئُ عِنْدَ الرُّسْغِ وَالزَّنْدِ بِفَتْحِ الزَّاي قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ: وَهُوَ مُوصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ بِالْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: هُوَ قَصَبَةُ الذِّرَاعِ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَالَهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي مُثَلَّثَتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: الزَّنْدُ بِالْفَتْحِ مَا يُقْدَحُ بِهِ النَّارُ وَزَنْدُ الذِّرَاعِ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَهُمَا زَنْدَانِ فِي كُلِّ ذِرَاعٍ وَبِالْكَسْرِ اسْمُ فَرَسٍ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ زِنَادٍ وَزِنَادٌ جَمْعُ زَنْدٍ، انْتَهَى. وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ، وَقَدْ تُضَمُّ وَآخِرُهُ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ هُوَ مِفْصَلٌ مَا بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَمِنْ الدَّوَابِّ الْمَوْضِعُ الْمُسْتَدَقُّ الَّذِي بَيْنَ الْحَافِرِ وَمُوصِلُ الْوَظِيفِ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَيُقَالُ: فِيهِ رُصْغٌ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبُوعُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْإِنْسَانِ إذَا مَدَّ يَدَيْهِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ: الْبُوعُ هُوَ رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ.

ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ وَفِي

ص: 348

الْمُحْكَمِ الْبَاعُ وَالْبُوعُ مَسَافَةٌ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ إذَا بَسَطْتَهُمَا، الْأَخِيرَةُ هَذَلِيَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَسْيُوطِيُّ:

وَالْكُوعُ مَا عَلَيْهِ إبْهَامُ الْيَدِ

وَالْبُوعُ فِي الرَّجُلِ كَكُوعٍ فِي يَدِ

وَمَا عَلَيْهِ خِنْصَرٌ كُرْسُوعُ

وَالرُّسْغُ لِلْمِفْصَلِ طِبْ مَوْضُوعُ

وَالْبَاعُ بِالْأَذْرُعِ أَرْبَعٌ تُعَدْ

وَبِاعْتِدَالِ صَاحِبِ الْبَاعِ يُحَدْ

اُنْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْبُوعِ وَالْبَاعِ مَعَ كَلَامِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْإِبْهَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ تَعْمِيمِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الِاسْتِيعَابُ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً، وَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ، وَمِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: إذَا كَانَ يَسِيرًا أَجْزَأَهُ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ تَعْمِيمَ وَجْهِهِ بِمَسْحِهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَلَوْ مَسَحَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ بَلْ قَالَ سَنَدٌ لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْتَ هَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِتَيَمُّمٍ لَمْ يَسْتَوْعِبْ فِيهِ الْوَجْهَ كُلَّهُ، وَلَا الْيَدَيْنِ، وَلَيْسَ بِهِ قُرُوحٌ؟ .

(قُلْتُ) نَعَمْ إذَا رُبِطَتْ يَدَاهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُيَمِّمُهُ فَمَرَّغَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ فِي التُّرَابِ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ مَحَلّ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. مِنْ الْأَلْغَازِ لِابْنِ فَرْحُونٍ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يُيَمِّمُهُ كَمَا يَسْتَنِيبُ مَنْ يُوَضِّئُهُ يَمْسَحُ لَهُ وَجْهَهُ وَيَدْيَهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْكُوعَيْنِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَحَلُّ مَسْحِ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَنَزَعَ خَاتَمَهُ)

ش: أَيْ: وَلَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ نَزْعُ خَاتَمِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِنَزْعِ خَاتَمِهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاسْتَقْرَأَ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ الْإِجْزَاءَ، انْتَهَى. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالُوا: وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَضْعِيفُهُ التَّخْلِيلَ بِقَوْلِهِ قَالُوا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إمَّا؛ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ لَا يُنَاسِبُ الْمَسْحَ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ إذْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَجَرِ نَاسَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ التَّخْلِيلُ وَقَوْلُهُ قَالُوا يُوهِمُ تَوَاطُؤُ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ابْنِ الْقُرْطُبِيِّ وَنَصُّ مَا نَقَلَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُخَلِّلُ أُصْبُعَهُ فِي التَّيَمُّمِ.

وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْغُضُونِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَشَارَ ابْنُ رَاشِدٍ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

(قُلْتُ) ابْنُ الْقُرْطُبِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ هُوَ ابْنُ شَعْبَانَ وَنَصُّ مَا قَالَهُ فِي الزَّاهِي، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ التَّقَصِّي فِي الْغُضُونِ مَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ تَخْفِيفٌ وَالْوُضُوءُ إيعَابٌ وَيُخَلِّلُ الْمُتَيَمِّمُ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَهُوَ فِي التَّيَمُّمِ أَقْوَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَبْلُغُ مَا لَا يَبْلُغُ التُّرَابُ، انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيّ قَبُولُهُ وَأَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَجَعَلَ مُقَابِلَهُ مُخَرَّجًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخَاتَمِ وَنَصُّهُ: وَيُخْتَلَفُ فِي تَيَمُّمِ مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَزْعِ الْخَاتَمِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْلَمَةَ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ الْخَاتَمَ، أَوْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ انْتَهَى.

أَوْ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِفَةَ التَّيَمُّمِ: فَإِذَا مَسَحَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصَابِعِ خَاتَمٌ أُزِيلَ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَقْرَأَ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْزِعْ الْخَاتَمَ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَقَدْ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ

ص: 349

وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ ابْنِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ غَيْرِ ابْنِ شَعْبَانَ وَمُرَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالُوا أَنَّهُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانُوا نَاقِلِينَ لَهُ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَبِلُوهُ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْحِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّخْفِيفِ عَدَمُ التَّخْلِيلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ لِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ كَثِيرٌ فَيَجِبُ مَسْحُهُ كَمَا يَجِبُ مَسْحُ مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَافُ مَا يَسْتُرُهُ الْخَاتَمُ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَنْزِعُ الْخَاتَمَ نَحْوَ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُهُ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَبْعُدْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي التَّيَمُّمِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ.

(فَرْعٌ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَتَتَبَّعُ الْغُضُونَ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ كُلَّهُ مَسْحًا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّمَا زَادَ قَوْلَهُ مَسْحًا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَلَا يَتْبَعُ الْغُضُونَ وَفِيهِ قَوْلَانِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَيُرَاعِي الْوَتْرَةَ وَحِجَاجَ الْعَيْنَيْنِ وَالْعَنْفَقَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَعْرٌ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ تَتَبُّعُ غُضُونِ وَجْهِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْلُغَ بِيَدَيْهِ حَيْثُ مَا يَبْلُغُ بِهِمَا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَيُمِرَّهُمَا عَلَى شَعْرِ لِحْيَتِهِ الطَّوِيلَةِ عَلَى نَحْوِ مَا جَرَى فِي الْوُضُوءِ وَمَا لَا يُجْزِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ لَا يُجْزِيهِ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ وَخَفَّفَ ابْنُ مَسْلَمَةَ تَرْكَ الْيَسِيرِ، انْتَهَى.

ص (وَصَعِيدٌ طَهُرَ كَتُرَابٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَوْ نُقِلَ)

ش: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُوَالَاتُهُ أَيْ وَلَزِمَ أَيْضًا التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ الْمَنْبَتُ وَهُوَ التُّرَابُ ثُمَّ مَثَّلَ الصَّعِيدَ الطَّاهِرَ بِقَوْلِهِ كَتُرَابٍ وَأَشَارَ بِالْكَافِ إلَى دُخُولِ كُلِّ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ أَجْزَائِهَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ التُّرَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَلْزَمُ النَّقْلُ بَلْ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْبِ وَالرَّمَلِ وَالسِّبَاخِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مَا دَامَتْ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ تُغَيِّرْهَا صَنْعَةُ آدَمِيٍّ بِطَبْخٍ وَنَحْوِهِ وَسَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، أَوْ عَدَمِهِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ بِغَيْرِ التُّرَابِ مُطْلَقًا وَخَصَّصَ ابْنُ حَبِيبٍ الْإِجْزَاءَ بِعَدَمِ التُّرَابِ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ نَقْلِ الْبَاجِيِّ مَنَعَهُ ابْنُ شَعْبَانَ لَا بِقَيْدٍ وَذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى صُلْبِ الْأَرْضِ لِعَدَمِ التُّرَابِ اتِّفَاقًا يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِوُجُودِ التُّرَابِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ كَمَا قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى مَا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَعَ وُجُودِهِ ثَالِثُهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِلْمَشْهُورِ وَابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ حَبِيبٍ، انْتَهَى.

يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى صُلْبِ الْأَرْضِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) يَتَيَمَّمُ بِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (الثَّانِي) لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ (وَالثَّالِثُ) يَتَيَمَّمُ بِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي خَالِصِ الرَّمْلِ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ بِتُرَابِ السِّبَاخِ اتِّفَاقًا وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ التُّرَابُ وَالْحَجَرُ وَالرَّمْلُ وَالصَّفَا وَالسَّبْخَةُ وَالشَّبُّ وَالنُّورَةُ وَالزِّرْنِيخُ وَغَيْرُهَا مَا لَمْ تُطْبَخْ وَظَاهِرُهَا كَابْنِ الْحَاجِبِ بِشَرْطِ عَدَمِ التُّرَابِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَتَيَمَّمُ بِمَا عَدَا التُّرَابِ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ التُّرَابِ لِقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ وَالْحَصْبَاءِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا

ص: 350

وَأَنْكَرَ هَذَا بَعْضُ الْمَشَارِقَةِ أَعْنِي اخْتِصَارَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى هَذَا وَقَالَ: إنَّمَا وَقَعَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَمِلُ مَا ذَكَرُوهُ وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ عُمُومًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَلِيلٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ وَنَصُّ الْأُمِّ وَسُئِلَ مَالِكٌ أَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا قَالَ نَعَمْ، وَلَمْ يَنْقُلْ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ كَمَا يَنْبَغِي وَنَصُّهُ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى الْحَصْبَاءِ أَوْ الْجَبَلِ، وَلَا تُرَابَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجِدُ تُرَابًا أَسَاءَ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا لَمْ يُعِدْ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يُعِيدُ وَاجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: نَقَلَ الْبَرَاذِعِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَالْجَبَلِ وَالثَّلْجِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا فَشُرِطَ ذَلِكَ بِعَدَمِ التُّرَابِ وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ مَالِكًا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ جَرَى فِي السُّؤَالِ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى غَيْرِ التُّرَابِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِهِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ وَقَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ وَكَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمَ وَكَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَبِلَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتُّرَابِ أَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَالْجَبَلِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَدَرَ، وَلَا يُخْتَلَفُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا تُرَابَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ، وَلَوْ نُقِلَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التُّرَابَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ مَنْقُولًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلتُّرَابِ حُكْمَيْنِ (الْأَوَّلُ) جَوَازُ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ بَالَغَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ نُقِلَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ إلَى الْحُكْمَيْنِ مَعًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ إطْلَاقَاتُ بَعْضِهِمْ تَتَنَاوَلُهُ وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِلَوْ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِهِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا إذَا عُمِلَ فِي وِعَاءٍ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَاسْمُ الصَّعِيدِ بَاقٍ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَرْضٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ نَحْوُ مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَمْيَالِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَهِيَ أَرْضُ دِيَارِ ثَمُودَ قَالَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَفِي الْمِلْحِ وَالثَّلْجِ مَا نَصُّهُ: (فَرْعٌ) حَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الرُّخَامِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَنَقْدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعَادِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ فَيَتَيَمَّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُرَادُهُ بِالرُّخَامِ أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّيَمُّمُ بِهِ بَعْدَ نَشْرِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ وَخِدْمَتِهِ وَصَقْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ، انْتَهَى.

وَانْظُرْ الْبُرْزُلِيَّ فِي مَسَائِلِ التَّيَمُّمِ.

(فَرْعٌ) اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى تُرَابِ الْمَسْجِدِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَقَدْ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ حَدِيثُ الْوَادِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى مَقْبَرَةِ الْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ طَاهِرًا نَظِيفًا جَائِزٌ، انْتَهَى.

ص (وَثَلْجٍ)

ش: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ نَاجِي فَإِنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ قَالَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ التُّرَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَعَزَا لِلْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازَ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي التَّيَمُّمِ بِالثَّلْجِ فَأَجَازَهُ فِي الْكِتَابِ وَمَنَعَهُ فِي مُدَوَّنَةِ أَشْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا وَهُوَ عِنْدَهُ كَالْعَدَمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَيَمَّمَ بِهِ وَصَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّعِيدِ أَعَادَ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ أَعَادَ مَا لَمْ يَذْهَبْ الْوَقْتُ وَيُخْتَلَفُ فِي الْمَاءِ الْجَامِدِ وَالْجَلِيدِ قِيَاسًا عَلَى الثَّلْجِ، انْتَهَى.

وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَنَصُّهُ: وَفِي

ص: 351

الثَّلْجِ ثَالِثُهَا إنْ عَدِمَ الصَّعِيدَ وَرَابِعُهَا وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ بِالصَّعِيدِ لِلْبَاجِيِّ عَنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاللَّخْمِيّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ الْبَاجِيِّ زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ الْأُولَى وَبِالْجَمَدِ اللَّخْمِيُّ وَجَامِدُ الْمَاءِ وَالْجَلِيدُ مِثْلُهُ، انْتَهَى.

وَانْظُرْ كَيْفَ لَمْ يَعْزُ الْأَوَّلَ إلَّا لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ مَعَ عَزْوِ اللَّخْمِيِّ لَهُ لِلْكِتَابِ وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَعَزَا الْبَاجِيُّ الْأَوَّلَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَيْضًا فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يُعِيدُ وَاجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ ابْنُ يُونُسَ صَوَابٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَخَضْخَاضٍ)

ش: أَطْلَقَ رحمه الله فِي الْخَضْخَاضِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْخَضْخَاضِ مَا لَيْسَ بِمَاءٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَقِيلَ، وَإِنْ وَجَدَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَمْ أَرَهُ، انْتَهَى.

وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَخَضْخَاضٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الطِّينِ مَنْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا، وَلَا جَبَلًا وَقَالَ الْبَرَاذِعِيُّ: وَعَلَى طِينِ خَضْخَاضٍ وَغَيْرِ خَضْخَاضٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَى طِينِ خَضْخَاضٍ وَغَيْرِ خَضْخَاضٍ وَفِيهَا أَيَتَيَمَّمُ عَلَى الصَّفَا وَالْجَبَلِ وَخَفِيفِ الطِّينِ فَاقِدُ التُّرَابِ قَالَ: نَعَمْ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ، وَقِيلَ: إنْ فَقَدَ التُّرَابَ لَا أَعْرِفُهُ نَصَّا فِي الطِّينِ، انْتَهَى.

وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ، وَقِيلَ: وَإِنْ وَجَدَ التُّرَابَ لَا أَعْرِفُهُ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِإِنْكَارِ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَفِيهَا جَفَّفَ يَدَيْهِ رُوِيَ بِجِيمٍ وَخَاءٍ) . ش يَعْنِي أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْخَضْخَاضِ: وَيُخَفِّفُ وَضْعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَرَوَى قَوْلَهُ يُجَفِّفُ بِالْجِيمِ وَرَوَى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: يُخَفِّفُ وَضْعَ يَدَيْهِ وَيُجَفِّفُهُمَا قَلِيلًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيُحَرِّكُ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ يَسِيرًا إنْ كَانَ فِيهِمَا شَيْءٌ يُؤْذِيهِ ثُمَّ يَمْسَحُ، انْتَهَى.

زَادَ ابْنُ يُونُسَ ثُمَّ بِهَا وَجْهَهُ وَيَصْنَعُ كَذَلِكَ لِيَدَيْهِ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَجِصٍّ لَمْ يُطْبَخْ)

ش: قَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ: بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا مَا يُبْنَى بِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاشْتُرِطَ عَدَمُ الطَّبْخِ؛ لِأَنَّ الطَّبْخَ يُخْرِجُهُ عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّعِيدِ، وَمِنْ الْمُنْتَقَى وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْجِيرِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ آجُرًّا، أَوْ حَجَرًا، أَوْ اضْطَرَّ الْمَرِيضُ إلَيْهِ فَتَيَمَّمَ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ التُّونُسِيّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ: آجُرًّا وَالْآجُرُّ طِينٌ قَدْ طُبِخَ فَكَيْفَ يُتَيَمَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالرَّمَادِ، انْتَهَى.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَصْنُوعِ مِنْ الْأَرْضِ كَالْآجُرِّ وَالْجِصِّ وَالْجِيرِ وَالْجِبْسِ بَعْدَ حَرْقِهِ فَإِنْ فَعَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِ مَصْنُوعٍ أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أُجِيزَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٌ، انْتَهَى.

ص (وَبِمَعْدِنٍ غَيْرِ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ)

ش: هَذَا الْكَلَامُ مُشْكِلٌ اُنْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، أَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمُتَيَمَّمُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ جَائِزٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ وَهُوَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ مِنْ الْجِنْسِ الْمَعْهُودِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ وَمَعْدِنِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَمْنُوعٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ عَلَى التُّرَابِ النَّجِسِ وَمَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّوَاضُعُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَتِبْرِ الذَّهَبِ وَنِقَارِ الْفِضَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ آحَادُ أَبْعَاضِ الْأَرْضِ لَا يَصِحُّ بِهِ التَّيَمُّمُ وَآحَادُ لَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي مَعْدِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ جَازَ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى تِلْكَ الْأَرْضِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَا يُتَيَمَّمُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا

ص: 352

أَنْ يُدْرِكَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي مَعْدِنِهِ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَيَتَيَمَّمُ بِتُرَابِهِ لَا بِمَا يَبْقَى مِنْهُ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ يُمْنَعُ بِالْجِيرِ وَالْآجُرِّ وَالْجِصِّ بَعْدَ حَرْقِهِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالرُّخَامِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ سِوَى مَا مُنِعَ وَضَاقَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ بِهِ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ لَيْسَ فِي التَّبْصِرَةِ مَجْمُوعًا كَمَا ذَكَرَهُ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمَعَادِنِ أَوَّلَ الْفَصْلِ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْجِصِّ وَالْجِيرِ فِي آخِرِهِ وَزَادَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْمَعَادِنِ إلَّا مَعَادِنَ النَّقْدِ يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْجَوَاهِرَ فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْمَعَادِنِ إلَّا مَعَادِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُوَافِقٌ لِلَّخْمِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ ثُمَّ يُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَمَنْقُولٌ كَشَبٍّ وَمِلْحٍ)

ش: قَالَ فِي الْكَبِيرِ: لِأَنَّهُ مَعَ النَّقْلِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّعِيدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ لَا يَظْهَرُ وَنَحْوُهُ فِي الْوَسَطِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَوْهَرٍ وَمَثَّلَهُ بِالشَّبِّ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ كَلَامَ السُّلَيْمَانِيَّة الْآتِي وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى الشَّبِّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يُنْقَلْ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيّ: مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْدٍ عَطْفَ الْجُمَلِ أَيْ: يَتَيَمَّمُ بِكَذَا وَكَذَا غَيْرَ الْمَنْقُولِ ثُمَّ أَفَادَ حُكْمًا فِي الشَّبِّ وَالْمِلْحِ مِثْلَ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ، وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَنْقُولِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فِيمَا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ مَنْقُولٌ إنْ عُطِفَ عَلَى نَقْدٍ صَحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَمَّمُ بِمَنْقُولٍ غَيْرِ التُّرَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمَعْدِنِ، وَإِنْ عُطِفَ عَلَى غَيْرِهِ لَزِمَ الِاخْتِصَاصُ أَيْضًا، وَإِنْ عُطِفَ عَلَى مَعْدِنٍ احْتَاجَ إلَى تَكَلُّفٍ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَوْلُهُ: وَمِلْحٍ أَقْرَبُ مَا يُعْطِيهِ اللَّفْظُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى شَبٍّ وَأَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَنْقُولِ مِنْ الشَّبِّ وَالْمِلْحِ وَأَمْثَالِهِمَا هَذَا مَا رَأَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشُّرَّاحِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ مَنْقُولٌ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْدٍ وَأَنَّهُ مُضَافٌ لِلْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَشَبٍّ وَأَنَّهُ اسْمٌ بِمَعْنَى: مِثْلُ. وَالْمَعْنَى وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ مَنْقُولٍ مِثْلِ الشَّبِّ وَالْمِلْحِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالشَّبِّ وَالْمِلْحِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ إذَا نُقِلَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَنْقُولٍ مَا لَا يُشْبِهُهُمَا كَالْحَجَرِ وَالرَّمْلِ أَمَّا التَّيَمُّمُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ مِنْ الشَّبِّ وَمَا أَشْبَهَهُ كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ، وَأَمَّا الْمِلْحُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمِلْحِ رِوَايَتَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ عَدَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ: جَعَلَهُ كَالْعَدَمِ وَنَقَلَهَا الْبَاجِيّ رِوَايَةً لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ بِالْمَعْدِنِيِّ دُونَ الْمَصْنُوعِ، انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا نُقِلَ أَمْ لَا وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا وَنَصُّهُ: وَفِي الْمِلْحِ ثَالِثُهَا الْمَعْدِنِيُّ لِابْنِ الْقَصَّارِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الْبَاجِيِّ مَعَ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ طَعَامٌ وَالْبَاجِيُّ مَعَ نَقَلِ اللَّخْمِيِّ وَرَابِعُهَا لِلصَّقَلِّيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ وَفِي السُّلَيْمَانِيَّة إنْ كَانَ بِأَرْضِهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.

وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالشَّبِّ وَالْمِلْحِ إذَا نُقِلَا وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ بِمَنْقُولٍ مَا لَا يُشْبِهُهُمَا كَالْحَجَرِ وَالرَّمْلِ فَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نُقِلَ التُّرَابُ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ أَيْ: مِنْ الْحَجَرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّمْلُ وَالْحِجَارَةُ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التُّرَابِ بُعْدٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هَارُونَ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ فِي تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ عَلَى الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي السُّلَيْمَانِيَّة: إذَا نُقِلَ الشَّبُّ وَالْكِبْرِيتُ وَالزِّرْنِيخُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يُتَيَمَّمُ

ص: 353

بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مُعَدًّا لِمَنْفَعَتِهِمْ أَشْبَهَ الْعَقَاقِيرَ وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْمَغْرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ أَنَّهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَلَا مَشْهُورَ فِيهِمَا وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ قُوَّتَهُ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمَنْقُولِ مِنْ غَيْرِ التُّرَابِ وَنَصُّهُ: وَالْمَشْهُورُ فِيمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ أَنَّهُ الْأَرْضُ وَمَا صَعِدَ عَلَيْهَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا غَالِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَلِحَدِيثِ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُتَيَمَّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَعِنْدَنَا نَحْوُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الثَّلْجِ وَالْحَشِيشِ.

(قُلْتُ) الْقَائِلُ عِنْدَنَا نَحْوُهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَيَّدَ بِوُجُودِ التُّرَابِ إذْ لَا يُتَيَمَّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَيَعْنِي بِالْأَرْضِ وَجْهَهَا الْمُعْتَادَ غَالِبًا كَالتُّرَابِ وَغَيْرَ غَالِبٍ كَتُرَابِ الْمَعَادِنِ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ شَبٍّ أَوْ كِبْرِيتٍ وَكُحْلٍ وَزِرْنِيخٍ وَرَمْلٍ وَسَبْخَةٍ وَيَعْنِي مَا صَعِدَ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِنْ نَوْعِهَا كَالْحَجَرِ وَالطِّينِ غَيْرِ الْخِضْخَاضِ وَمَا لَيْسَ مِنْ نَوْعِهَا كَالشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ وَالزَّرْعِ وَالثَّلْجِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ نَقْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: يَمْنَعُ، انْتَهَى.

كَلَامُ الْأَبِيِّ فَتَأَمَّلْهُ وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَلِمَرِيضٍ حَائِطُ لَبِنٍ، أَوْ حَجَرٌ) ش قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِجِسْمِهِ هَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الْعَادِمِ الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، أَوْ لَا يَجِدُهُ وَكَذَا الصَّحِيحُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمَنْقُولِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ، أَوْ غَيْرِهِ مَا لَمْ تُغَيِّرُهُ الصَّنْعَةُ فَيَصِيرُ جِيرًا أَوْ جِبْسًا أَوْ آجُرًّا، أَوْ يَكُونُ بِهِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إذَا جَرَى فَيُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (لَا بِحَصِيرٍ وَخَشَبٍ)

ش: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَى لِبَدٍ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَعْنِي بِنَحْوِهِ الْبِسَاطَ وَالثِّيَابَ وَالْحَصِيرَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّعِيدِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إلَّا أَنْ يَكْثُرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ اسْمُ الصَّعِيدِ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ التَّوْضِيحِ نَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ: وَخَشَبٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْخَشَبِ يُرِيدُ النَّابِتَ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْحَشِيشُ وَالنَّخِيلُ وَالْحَلْفَاءُ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَأَمَّا مَا يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ شَكْلِهَا كَالنَّخِيلِ وَالْحَلْفَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَشِيشِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَلْعِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنُ الْقَصَّارِ: يَتَيَمَّمُ فَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ وَذَلِكَ عَلَيْهَا وَأَجَازَهُ الْوَقَارَ فِي الْخَشَبِ إذَا غَشَّى وَجْهَ الْأَرْضِ وَرَكَّبَهَا عَلَى مَا يَكُونُ فِي الْغَابَاتِ الْوَاسِعَةِ وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَاذَا يَصْنَعُ وَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَهُوَ رَاكِبٌ لَا نَزَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَنَزَلَ عَلَى أَرْضٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ حَنِثَ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَى جِذْعِ نَخْلٍ لَمْ يَحْنَثْ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ، وَالثَّلْجُ أَقْرَبُ إلَى مُشَاكَلَةِ الْأَرْضِ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا النَّخِيلُ وَالْحَلْفَاءُ وَالْحَشِيشُ وَنَحْوُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَلْعِهِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ: يَتَيَمَّمُ بِهِ فَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ عَلَيْهَا وَأَجَازَهُ الْوَقَارُ فِي الْخَشَبِ إذَا عَلَا وَجْهَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْغَابَاتِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ فَنَزَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ حَنِثَ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَى جِذْعٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ، انْتَهَى.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَأَجَازَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْحَشِيشِ وَأَجَازَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْخَشَبِ وَرَأَى أَنْ يُعِيدَ مَنْ تَيَمَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِوَاهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّيَمُّمُ أَوْ يَدَعُ الصَّلَاةَ، أَوْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَصَلَاتُهُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ أَوْلَى وَأَحْوَطُ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ يُجِيزُ التَّيَمُّمَ بِالْحَشِيشِ، وَلَوْ وَجَدَ سِوَاهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ

ص: 354

لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهَا: النَّوْعُ الْخَامِسُ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَصَّارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْحَشِيشِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَعَادَ أَبَدًا إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَهُوَ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ لِعَدَمِ الْأَرْضِ، وَلِأَنَّهُ نَبَاتٌ مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّمْلِ وَالْحَصَا وَاسْمُ الْأَرْضِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الزَّرْعِ خِلَافًا.

(قُلْتُ) وَالْأَرْجَحُ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ بِهِ لِعَدَمِ ضَرُورَتِهِ إلَيْهِ مَعَ بُعْدِهِ عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ، أَوْ مُسَمَّى الصَّعِيدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِ الشَّائِبَتَيْنِ مُطْلَقًا وَتَعْطِيلِ الْأَمْرَيْنِ، انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الْمُخْتَلَفَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهَا الْخَامِسُ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالزَّرْعِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَالْإِعَادَةِ أَبَدًا إنْ تَيَمَّمَ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ تَيَمَّمَ بِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ الْأَظْهَرُ.

(قُلْتُ) فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحَشِيشِ وَالْحَلْفَاءِ وَالنَّخِيلِ وَالْخَشَبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ فَيَتَيَمَّمُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ حِكَايَةِ اللَّخْمِيِّ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ قَلْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالثَّلْجِ لِعَدَمِ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ تَيَمَّمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ الصَّعِيدَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ، وَلَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَوْ فَعَلَهُ وَاجِدًا لِلصَّعِيدِ أَعَادَ أَبَدًا، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحَشِيشِ النَّابِتِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إذَا عَمَّ الْأَرْضَ وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْهَا، انْتَهَى.

وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يُبَيِّنُ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ التَّقْيِيدِ وَالتَّقْسِيمِ

ص (وَفَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ)

ش: أَيْ: وَلَزِمَ فِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ الْمُتَيَمَّمِ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَفِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْحَاضِرَةِ مَعْلُومَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْفَائِتَةِ بِتَذَكُّرِهَا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُيَمَّمَ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَيَمُّمِهِ، وَمِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ اتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ وَفِي الْبُرْزُلِيّ مَنْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطَعَ هَلْ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؟ فَقَالَ السُّيُورِيّ: لَا يُعِيدُ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَطُلْ، وَإِنْ طَالَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ اتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَامَةِ إذَا ذَكَرَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَزَلْ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ قَطَعَهَا لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَلَا مَسْأَلَةِ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِغَيْبَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ قُدِّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِ الْأَوَّلِ هَلْ تُعَادُ لَهُ الْإِقَامَةُ أَوْ لَا؟ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِاخْتِلَافِ الْإِمَامِ فِيهَا، انْتَهَى.

مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ.

ص (فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ)

ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْعَادِمُونَ لِلْمَاءِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا فَاتَتْ فَضِيلَةُ الْمَاءِ، وَهَذَا حُكْمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ، انْتَهَى فَفِي هَذَا الْقِسْمِ نَوْعَانِ.

ص (وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ، أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ)

ش:

ص: 355

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الثَّانِي أَنْ يَشُكَّ فِي الْأَمْرِ فَيَتَيَمَّمَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَتَيَمَّمَ مِنْ الْوَقْتِ فِي آخِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ رَجَاءَ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْمَاءِ مَا لَمْ يَخَفْ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ فَوَاتَهَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِئَلَّا تَفُوتَهُ الْفَضِيلَتَانِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْقِسْمِ الْخَائِفُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ فَفِي هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعَةٌ وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَعَهُمْ الْمَسْجُونُ فَيَكُونُونَ خَمْسَةً.

ص (وَالرَّاجِي آخِرَهُ)

ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الثَّالِثُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْمَاءَ فِي آخِرِهِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَفَضِيلَةَ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَفَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ يَجُوزُ تَرْكُهَا بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفَضِيلَةَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، انْتَهَى.

فَفِي هَذَا الْقِسْمِ نَوْعَانِ أَيْضًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَعْنَى فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَيْ: فِي آخِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَقْتٌ، انْتَهَى.

ص (وَفِيهَا تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِلشَّفَقِ)

ش: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مُمْتَدٌّ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالِامْتِدَادِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةً عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ بَلْ نَقُولُ إنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: الرَّاجِي يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ الْمُخْتَارِ فَيُقَالُ: إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا.

ص (وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ)

ش: ذَكَرَ مِنْ سُنَنِ التَّيَمُّمِ ثَلَاثَ سُنَنٍ: التَّرْتِيبُ وَلَا كَلَامَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدُ الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ لِيَدَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ بِتَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الْبِسَاطِيّ وَبَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ سُنَّةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ نَفْضُ مَا تَعَلَّقَ بِهِمَا مِنْ الْغُبَارِ، فَإِنْ مَسَحَ بِهِمَا عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: تَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَةَ الْأُولَى يَمْسَحُ بِهَا الْوَجْهَ خَاصَّةً وَالثَّانِيَةَ يَمْسَحُ بِهَا الْيَدَيْنِ خَاصَّةً خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ يَمْسَحُ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانَ.

ص (وَنُدِبَ تَسْمِيَةٌ)

ش: وَرَدَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَضَائِلِ السِّوَاكِ وَالصَّمْتِ وَذِكْرِ اللَّهَ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَبَطَلَ بِمُبْطِلِ الْوُضُوءِ وَبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبْطِلُهُ مَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ

ص: 356

مِنْ النَّوَاقِضِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي فَصْلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا إنْ تَوَضَّأَ فِيهِ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ لَمْ يَجِبْ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ الْإِشْرَافِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي أَثْنَاءِ بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَوُجُودُ مَاءٍ فِي وَقْتٍ يَسَعُهُ يُبْطِلُهُ فَلَوْ ضَاقَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فَالْقَاضِي لَا يُبْطِلُهُ وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى التَّيَمُّمِ حِينَئِذٍ الْمَازِرِيُّ هَذَا آكَدُ لِحُصُولِهِ لِمُوجِبِهِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ كَانَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ إنْ تَوَضَّأَ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الصَّحِيحِ نَعَمْ ذَكَرَ التَّخْرِيجَ الْمَذْكُورَ ابْنُ شَاسٍ وَنَصُّهُ: الْأَوَّلُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ لِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الْوَقْتِ بِاسْتِعْمَالِهِ لِضِيقِ الْوَقْتِ. فَيُخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَوْلَى هُنَا بِتَرْكِ الِاسْتِعْمَالِ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مِنْ الرَّدِّ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا خَافَ خُرُوجَهُ تَيَمَّمَ (الثَّانِي) الْمُرَادُ بِضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ لَا يَسَعَ رَكْعَةً بَعْدَ وُضُوئِهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ خُرُوجُ وَقْتٍ (الثَّالِثُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمُرَاعَى فِي التَّشَاغُلِ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى قَدْرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّرَاخِي وَبَعْضِ الْوَسْوَاسِ، انْتَهَى.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ لَا فِيهَا يَعْنِي إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْقَطْعِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ: إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ فَهَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَطْعُ، أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَطْعُ؟ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ عَاصِيًا إنْ فَعَلَ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِهِ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَهَذَا فِيمَنْ تَيَمَّمَ وَهُوَ عَلَى إيَاسٍ مِنْ الْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ تَيَمَّمَ وَهُوَ يَرْتَجِي الْمَاءَ فَهَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ يَقْطَعُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا أُسْنِدَتْ إلَى تَخْمِينٍ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) وَمَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ طَلَعَ عَلَيْهِ رَكْبٌ يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُمْ الْمَاءَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ سُؤَالُهُمْ إذَا طَلَعُوا عَلَيْهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ تَيَمُّمَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى مَاءً فَقَصْدَهُ فَحَالَ دُونَهُ مَانِعٌ نَقَلَهُ سَنَدٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّ الطَّلَبَ إذَا وَجَبَ كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ، وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّا نَشْتَرِطُ اتِّصَالَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَمَتَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا فَاحِشًا لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ طَلَعُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَقْطَعْ الصَّلَاةَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ الْمَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي شَرْحِهَا وَقَوْلُهُ: إلَّا نَاسِيَهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ فَنَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَتَذَكَّرَ فِيهَا أَنَّ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِتَفْرِيطِهِ فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ وَالْمَاءُ مَوْجُودٌ مَعَهُ كَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الرَّقَبَةِ وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ قَوْلًا فِي التَّيَمُّمِ بِالتَّمَادِي وَقَالَ فِي الشَّامِلِ لَا فِيهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ إلَّا ذَاكِرَهُ فِي رَحْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، انْتَهَى.

ص (وَيُعِيدُ الْمُقَصِّرُ فِي الْوَقْتِ)

ش: هَذَا الْكَلَامُ كَأَنَّهُ تَرْجَمَةٌ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فِي الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ تَرَكَ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ نَاسِيًا، أَوْ عَامِدًا وَالْمَسْأَلَةُ

ص: 357

فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ الْحَاجِبِ مَفْرُوضَةٌ فِي النَّاسِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَامِدَ كَذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

ص (وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ)

ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ: هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) لَيْسَ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ بَلْ ذَكَرَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مَنْ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يُعِدْ فِيهِ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ فَالْمَشْهُورُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَكُلُّ مَنْ أُمِرَ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ فَنَسِيَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِدْ بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ.

ص (كَوَاجِدٍ بِقُرْبِهِ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بِقُرْبِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ قَالَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ نَزَلُوا بِصَحْرَاءَ، وَلَا مَاءَ لَهُمْ ثُمَّ وَجَدُوا الْمَاءَ قَرِيبًا جَهِلُوهُ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتِحْبَابًا وَعَزَاهُ الْقَرَافِيُّ لِسَمَاعِ مُوسَى، وَلَيْسَ فِيهِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ.

ص (أَوْ رَحْلِهِ)

ش: يَعْنِي كَوَاجِدِهِ فِي رَحْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ ضَلَّ عَنْهُ فِي رَحْلِهِ وَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِتَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَنَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَاسٍ لَهُ بَلْ طَلَبَهُ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَالْآتِي فِيمَنْ نَسِيَهُ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَيَكُونُ تَكْرَارًا، انْتَهَى.

، وَلَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ بِظَاهِرٍ.

ص (وَمُتَرَدِّدٍ فِي لُحُوقِهِ)

ش: أَيْ فَإِنَّهُ يُعِيدُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ فَأَحْرَى إذَا قَدَّمَ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُتَرَدِّدِ فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهِ أَوْ قَدَّمَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَإِنْ قَدَّمَ الشَّاكُّ فِي وُجُودِهِ لَمْ يُعِدْ وَفِي إدْرَاكِهِ فَفِي الْوَقْتِ لِتَقْصِيرِهِ وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ كَمَرِيضٍ عَدِمَ مُنَاوِلًا وَنَاسٍ ذَكَرَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا قَدَّمَ صَاحِبُ التَّوَسُّطِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ إذَا تَيَمَّمُوا فِي وَقْتِهِمْ الْمَشْرُوعِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا قَدَّمُوا يُرِيدُ إلَّا الْمُتَرَدِّدَ فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ.

(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ اُنْظُرْ كَلَامَ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنَ يُونُسَ.

ص (وَنَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا)

ش: يَعْنِي أَنَّ النَّاسِيَ لِلْمَاءِ إنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ كَوَاجِدٍ بِقُرْبِهِ

ص: 358

أَوْ رَحْلِهِ فَيُشِيرُ بِهِ إلَى مَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَإِنْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُعِيدَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَعْضُ تَفْرِيطٍ، انْتَهَى.

(فَرْعٌ) لَوْ سَأَلَ رُفْقَتَهُ الْمَاءَ فَنَسَوْهُ فَلَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَجَدُوهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ مَنَعُوهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوهُ لَمْ يَمْنَعُوهُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ، انْتَهَى.

ص (وَمُنِعَ مَعَ عَدَمِ مَاءٍ تَقْبِيلُ مُتَوَضِّئٍ وَجِمَاعُ مُغْتَسِلٍ إلَّا لِطُولٍ) .

ش تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.

(فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبُولَ، وَلَا مَاءَ مَعَهُ إذَا كَانَتْ بِهِ حُقْنَةٌ خَفِيفَةٌ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَدَخَلَ الْوَقْتُ وَأَهْرَاقُهُ فَهُوَ عَاصٍ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى.

بِالْمَعْنَى مِنْ الطِّرَازِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالصَّحِيحُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: يُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ كَانَ فِي بَلَدِ الثَّلْجِ فَنَزَلَ الثَّلْجُ أَنَّهُ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إذَا كَانَ يُحْوِجُهُ الْأَمْرُ لِلتَّيَمُّمِ، الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. هَذَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَذُوبُ فِيهِ عَلَى قُرْبٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَطُولُ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، انْتَهَى.

ص (وَقُدِّمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ وَمَعَهُ جُنُبٌ)

ش: قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي آخِرِ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ النَّفَرِ الْمُسَافِرِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي رَجُلًا مِنْهُمْ لِلْغُسْلِ فَيَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ هَلْ يَكُونُ الْمَيِّتُ أَوْلَى بِذَلِكَ؟ وَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمَاءُ لِوَاحِدٍ دُونَ صَاحِبِهِ؟

ص: 359

وَكَيْفَ بِهِ إذَا كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَجْنَبَ الثَّانِي وَانْتَقَضَ وُضُوءُ الثَّالِثِ مَنْ أَوْلَاهُمْ بِذَلِكَ؟ وَكَيْفَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَصْنَعُوا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ يُغَسَّلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ وَكَانَ قَدْرُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا يَغْتَسِلُ بِهِ فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَأَجْنَبَ الثَّانِي وَانْتَقَضَ وُضُوءُ الثَّالِثِ فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ يَتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ: الْحَيُّ الَّذِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْلَى بِنَصِيبِهِ مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُتَيَمَّمُ الْمَيِّتُ يُرِيدُ وَيَتَيَمَّمُ الْحَيُّ الْجُنُبُ أَيْضًا إذْ لَيْسَ فِيمَا يَبْقَى مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ أَخْذِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ نَصِيبَهُ مِنْهُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا لِلْغُسْلِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا لَكَانَ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ إذْ لَا يُقَاوَمُ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَغْرَمُ قِيمَةَ حِصَّةِ الْمَيِّتِ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا لِلْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَتَقَاوَمَاهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَصَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، انْتَهَى.

وَعَزَاهَا ابْنُ عَرَفَةَ لِسَمَاعِ عِيسَى وَانْظُرْ أَيْضًا آخِرَ سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَنَوَازِلِهِ.

ص (وَتَسْقُطُ صَلَاةٌ وَقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءِ وَصَعِيدٍ) .

ش قِيلَ: يُصَلِّي وَيَقْضِي، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي، وَلَا يَقْضِي، وَقِيلَ: يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي وَيَقْضِي قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مُتَيَمَّمًا

فَأَرْبَعَةُ الْأَقْوَالِ يَحْكِينَ مَذْهَبًا

يُصَلِّي وَيَقْضِي عَكْسَ مَا قَالَ مَالِكٌ

وَأَصْبَغُ يَقْضِي وَالْأَدَاءُ لِأَشْهَبَا

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خَاصَّةٌ بِمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالصَّعِيدَ وَهِيَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَدَمِ بَلْ هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ وَالتُّرَابِيَّةِ إمَّا لِعَدَمِهِمَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ: الْعَاجِزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطَّهَارَةِ لِمَرَضٍ، أَوْ عَدُوٍّ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ تَطْهِيرٌ بِمَاءٍ، أَوْ تُرَابٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ نَافِعٍ: لَا صَلَاةَ وَلَا قَضَاءَ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَلِّي وَيَقْضِي (الثَّالِثُ) يُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ قَالَهُ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ (الرَّابِعُ) يُصَلِّي إذَا قَدَرَ، قَالَهُ أَصْبَغُ (الْخَامِسُ) لَا يُصَلِّي وَيُعِيدُ، قَالَهُ الَّذِي قَالَ: يُومِئُ إلَى التَّيَمُّمِ وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاَلَّذِي أَقُولُ إنَّهُ إنَّمَا يُومِئُ إلَى الْمَاءِ لَا لِلتَّيَمُّمِ (وَالسَّادِسُ) يُومِئُ إلَى التَّيَمُّمِ أَشَارَ إلَيْهِ مُتَأَخِّرًا وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ أَدَاءً لَا شَرْطُ وُجُوبٍ وَعَدَمُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهَا كَسَائِرِ شُرُوطِهَا مِنْ شُرُوطِ طَهَارَةِ ثَوْبٍ وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ، انْتَهَى.

وَهَذَا الْقَوْلُ الْخَامِسُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ لِي فَهْمُهُ وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ لَا يُصَلِّي وَيُعِيدُ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لَا يُصَلِّي، وَلَا يُعِيدُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُصَلِّي بَلْ يُؤَخِّرُ إلَى أَنْ يَجِدَ أَحَدَ الطُّهْرَيْنِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْخَامِسَ أَنَّهُ يُومِئُ إلَى الْمَاءِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اُنْظُرْ فِي النَّوَادِرِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَائِلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ فِيمَنْ انْكَسَرَتْ بِهِ الْمَرْكَبُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ إثْرَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمَرْبُوطِ وَالْمَرِيضِ لَا يَجِدُ مُنَاوِلًا، انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ أَنْ يُومِئَ إلَى الْأَرْضِ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ الْقَابِسِيِّ يُومِئُ الْمَرْبُوطُ لِلتَّيَمُّمِ بِالْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ كَإِيمَائِهِ بِالسُّجُودِ إلَيْهَا، انْتَهَى.

وَقَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي بَابِ الْحَجِّ: إنَّ الْإِيمَاءَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ تَعَالِيقِ أَبِي عِمْرَانَ وَاللَّخْمِيِّ عَنْ الْقَابِسِيِّ وَانْظُرْ شَرْحَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ

ص: 360