الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
ص (إلَّا الْمُسْكِرَ)
ش: أَيْ فَإِنَّهُ نَجِسٌ أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَائِدَةً تَنْفَعُ الْفَقِيهَ يَعْرِفُ بِهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُفْسِدِ وَالْمُرْقِدِ فَالْمُسْكِرُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ وَالْمُفْسِدُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ لَا مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَعَسَلِ الْبَلَادِرِ وَالْمُرْقِدُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ وَالْحَوَاسَّ كَالسَّيْكَرَانِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْإِسْكَارِ ثَلَاثَةٌ أَحْكَامٍ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ الْحَدُّ وَالنَّجَاسَةُ وَتَحْرِيمُ الْقَلِيلِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحَشِيشَةِ قَوْلَانِ: هَلْ هِيَ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ، أَوْ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ؟ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِهَا فَاخْتَارَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهَا مِنْ الْمُخَدِّرَاتِ قَالَ لِأَنِّي لَمْ أَرَهُمْ يَمِيلُونَ إلَى الْقِتَالِ وَالنُّصْرَةِ بَلْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَرُبَّمَا عَرَضَ لَهُمْ الْبُكَاءُ، وَكَانَ شَيْخُنَا الشَّهِيرُ بِعَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ يَخْتَارُ أَنَّهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا مَنْ يَتَعَاطَاهَا يَبِيعُ أَمْوَالَهُ لِأَجَلِهَا وَلَوْلَا أَنَّ لَهُمْ فِيهَا طَرَبًا لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا يَبِيعُ دَارِهِ لِيَأْكُلَ بِهَا سَيْكَرَانًا وَهُوَ وَاضِحٌ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
وَلَفْظُ الْقَرَافِيِّ فِي الْحَشِيشَةِ أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لَا مُسْكِرَةٌ وَبِهَذَا الْفَرْقُ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: " إلَّا الْمُسْكِرَ " مِنْ شُمُولِهِ لِلنَّبَاتِ الْمُغَيِّبِ لِلْعَقْلِ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ فَإِنَّهَا مُفْسِدَاتٌ، أَوْ مُرْقِدَاتٌ لَا مُسْكِرَاتٌ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الْقَرَافِيِّ فِي الْحَشِيشَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تُحَمَّسَ فَتَكُونَ نَجِسَةً وَفِيهَا الْحَدُّ وَقَبْلَ أَنْ تُحَمَّسَ فَلَا حَدَّ وَلَا نَجَاسَةَ وَاخْتَارَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمُوفِي أَرْبَعِينَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ عَنْ الْمُلَابَسَةِ، قَالَ: وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَفْيُونَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ وَقَالَ مَنْ صَلَّى بِهِ، أَوْ بِالْبَنْجِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ قَالَ كَأَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ مَا لَا يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِأَكْلِ الْأَفْيُونِ وَصَارَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ تَرْكِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْلِهِ وَحَوَاسِّهِ وَيَسْعَى فِي تَقْلِيلِ ذَلِكَ وَقَطْعِهِ جَهْدَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ وَيَنْدَمَ عَلَى مَا مَضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَمَّا الْعَقَاقِيرُ الْهِنْدِيَّةُ فَإِنْ أُكِلَتْ لِمَا تُؤْكَلُ لَهُ الْحَشِيشَةُ امْتَنَعَ أَكْلُهَا، وَإِنْ أُكِلَتْ لِلْهَضْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ لَمْ تُحَرَّمْ وَلَا يُحَرَّمُ مِنْهَا إلَّا مَا أَفْسَدَ الْعَقْلَ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْجَوْزَةَ وَكَثِيرَ الزَّعْفَرَانِ وَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ، قَلِيلُهَا جَائِزٌ وَحُكْمُهَا الطَّهَارَةُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَجَازَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَكْلَ الْقَلِيلِ مِنْ جَوْزَةِ الطِّيبِ لِتَسْخِينِ الدِّمَاغِ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَخْتَلِطَ مَعَ الْأَدْوِيَةِ، وَالصَّوَابُ الْعُمُومُ انْتَهَى.
وَالشَّيْكَرَانُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْكَافِ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ اللَّبَنِ نَوْعٌ يُغَطِّي الْعَقْلَ إذَا صَارَ قَارِصًا وَيُحْدِثُ نَوْعًا مِنْ السُّكْرِ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ لَبَنِ الْخَيْلِ فَإِنْ شُرِبَ لِذَلِكَ حُرِّمَ وَيُحَرَّمُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يُغَطِّي الْعَقْلَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) أَمَّا لَبَنُ الْخَيْلِ فَيُحَرَّمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِحُرْمَةِ أَكْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ الْمُفْسِدَاتِ الْحَبُّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْقَمْحِ الْمَجْلُوبِ مِنْ دَهْلَكَ الْمُسَمَّى بِالزِّيوَانِ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ جَوَازُ مَا سُقِيَ مِنْ الْمُرْقِدِ لَقَطْعِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمُرْقِدِ مَأْمُونٌ وَضَرَرَ الْعُضْوِ غَيْرُ مَأْمُونٍ.
(فَرْعٌ) مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ وَالْجَوْزَةِ وَنَحْوِهَا وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمِذْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ الْأَكْلِ جَازَ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَيُؤْمَنُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَفِي سَائِرِ الْمَعَاجِينِ الْمُغَيِّبَةِ لِلْعَقْلِ يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ مِنْهُ الْقَدْرَ الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَيُؤْمَنُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَةٌ حُكْم الشَّرَاب الْمُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ]
(فَائِدَةٌ) ظَهَرَ فِي هَذَا الْقَرْنِ وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ يُسَمَّى الْقَهْوَةَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْ مُتَغَالٍ فِيهِ يَرَى
أَنَّ شُرْبَهُ قُرْبَةٌ، وَمِنْ غَالٍ يَرَى أَنَّهُ مُسْكِرٌ كَالْخَمْرِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ لَا إسْكَارَ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَنْشِيطٌ لِلنَّفْسِ وَيَحْصُلُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ طَرَاوَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ عِنْدَ تَرْكِهِ كَمَنْ اعْتَادَ أَكْلَ اللَّحْمِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْمُفْرِحَاتِ فَيَتَأَثَّرُ عِنْدَ تَرْكِهِ.
وَيَحْصُلُ لَهُ انْشِرَاحٌ بِاسْتِعْمَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تَعْرِضُ لَهُ الْحُرْمَةُ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا وَيُدِيرُونَهَا كَمَا يُدِيرُونَ الْخَمْرَ وَيُصَفِّقُونَ وَيُنْشِدُونَ أَشْعَارًا مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ فِيهَا الْقَوْلُ وَذِكْرُ الْمَحَبَّةِ وَذِكْرُ الْخَمْرِ وَشُرْبِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَسْرِي إلَى النَّفْسِ التَّشَبُّهُ بِأَصْحَابِ الْخَمْرِ خُصُوصًا مَنْ كَانَ يَتَعَاطَى مِثْلَ ذَلِكَ فَيُحَرَّمُ حِينَئِذٍ شُرْبُهَا لِذَلِكَ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَبِيعُهَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ كَالْحَشِيشَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا قِيلَ، وَمِنْهَا أَنَّ شُرْبَهَا فِي مَجَامِعِ أَهْلِهَا يُؤَدِّي لِلِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ يَتَعَاطَيْنَ بَيْعَهَا كَثِيرًا وَلِلِاخْتِلَاطِ بِالْمُرْدِ لِمُلَازَمَتِهَا لِمَوَاضِعِهَا وَلِسَمَاعِ الْغِيبَةِ وَالْكَلَامِ الْفَاحِشِ وَالْكَذِبِ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَرَاذِلِ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ لَشُرْبِهَا مِمَّا تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَلْتَهُونَ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ غِيبَةً بِهَا وَلِوُجُودِ مَا يُلْهِي مِنْ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ فِي مَوَاضِعِهَا.
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ لِذَاتِ الشَّارِبِ لَهَا كَمَا أَخْبَرَنِي وَالِدِي - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ الْعَلَامَةِ أَحْمَدَ زَرُّوق أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهَا فَقَالَ أَمَّا الْإِسْكَارُ فَلَيْسَتْ مُسْكِرَةً وَلَكِنْ مَنْ كَانَ طَبْعُهُ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شُرْبُهَا؛ لِأَنَّهَا تَضُرُّهُ فِي بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ، وَمَنْ كَانَ طَبْعُهُ الْبَلْغَمَ فَإِنَّهَا تُوَافِقُهُ وَقَدْ كَثُرَتْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاشْتُهِرَتْ وَكَثُرَ فِيهَا الْجِدَالُ وَانْتَشَرَ فِيهَا الْقِيلُ وَالْقَالُ وَحَدَثَتْ بِسَبَبِهَا فِتَنٌ وَشُرُورٌ وَاخْتَلَفَتْ فِيهَا فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ وَتَصَانِيفُهُمْ وَنُظِمَتْ فِي مَدْحِهَا وَذَمِّهَا الْقَصَائِدُ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَجْتَنِبَهَا بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ كُلِّهَا الْمُوجِبَةِ لِلْحُرْمَةِ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ عَرَضْت هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَيِّدِي الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مُحَمَّدِ بْنِ عَرَّافٍ وَعَلَى سَيِّدِي الْوَالِدِ - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمَا - فَاسْتَحْسَنَاهُ وَأَمَرَا بِكِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ هُنَا لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَوْعَبَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ.
ص (وَالْحَيُّ)
ش: قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي وَلَوْ تَوَلَّدَ مِنْ الْعَذِرَةِ، وَقِيلَ: إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، وَقِيلَ: وَالْمُشْرِكَ نَقَلَهُ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِمَّا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا فِي بَطْنِهِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ حَامِلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ.
ص (وَدَمْعُهُ وَعَرَقُهُ)
ش: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَرَقُ الدَّوَابِّ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا طَاهِرٌ وَقَبِلَهُ سَنَدٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا بَلْ قَالَ هُوَ كَعَرَقِ الْآدَمِيِّ وَقَبِلَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْوُضُوءِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: عَرَقُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَلَبَنُهَا تَابِعٌ لِلُحُومِهَا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِعَرَقِ الْبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّوَقِّي مِنْهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي نَجَاسَتِهِ خِلَافًا فَمَا قَالَهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَلُعَابُهُ وَمُخَاطُهُ وَبَيْضُهُ)
ش: اللُّعَابُ بِضَمِّ اللَّامِ مَا سَالَ مِنْ الْفَمِ. وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ؟ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ إنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ فَإِنْ قُلْنَا: بِنَجَاسَتِهِ وَكَانَ مُلَازِمًا لِشَخْصٍ فَهُوَ كَدَمِ الْبُرْغُوثِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ الَّتِي تُشْبِهُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِنَا إذَا تَغَيَّرَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا لَا نَجِسًا.
(قُلْتُ:) لَا وَجْهَ لِهَذَا بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مِنْ الْفَمِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ فَكَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ
وَيُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ بِنَتْنِهِ وَصُفْرَتِهِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الرَّأْسُ عَلَى مِخَدَّةٍ فَمِنْهُ وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعِدَةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ إذَا لَازَمَ شَخْصًا عُفِيَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا)
ش: جَعَلَهُ الشَّارِحُ رَاجَعَا لِلْبَيْضِ وَأَشَارَ بِلَوْ لِلْخِلَافِ فِيهِ وَانْظُرْ لِمَ أَشَارَ لِلْخِلَافِ فِيهِ دُونَ الْعَرَقِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَغَيْرَهُ حَكَوْا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا؟ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْبَيْضِ أَقْوَى، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّبَنَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ طَاهِرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْبَيْضِ بَلْ لَبَنُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى الْخِلَافِ فِي لَبَنِ الْجَلَّالَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْضِهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَبَنَ الْجَلَّالَةِ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ النَّحْلُ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً فَعَسَلُهَا طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَهُ فِي رَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَسَلِ النَّجِسِ:" لَا بَأْسَ أَنْ يُعْلَفَ النَّحْلُ " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْحَيُّ إلَى آخِرِهِ إذْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الضَّحَايَا لَا اخْتِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ أَكْلَ لُحُومِ الْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ حَلَالٌ جَائِزٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَعْرَاقِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَبْوَالِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ فِي الطَّيْرِ تُصَادُ بِالْخَمْرِ تَشْرَبُهُ فَتَسْكَرُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّسْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا فِي جَدْيٍ رَضَعَ خِنْزِيرَةً: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُذْبَحَ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ غِذَائِهِ وَلَوْ ذُبِحَ مَكَانَهُ فَأُكِلَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ تَأْكُلُ الْجِيَفَ وَتُذْبَحُ مَكَانَهَا وَأَكْلُهَا حَلَالٌ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ نَافِعٍ لَكِنْ حَكَى اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَيَوَانِ يُصِيبُ النَّجَاسَةَ هَلْ تَنْقُلُهُ عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ تِلْكَ النَّجَاسَةَ؟ فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حُكْمِهِ فِي الْأَصْلِ فِي أَسْآرِهَا وَأَعْرَاقِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، وَقِيلَ: يَنْقُلُهَا وَجَمِيعُ ذَلِكَ نَجِسٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي عَرَقِ السَّكْرَانِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ مَا تَغَذَّى بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَخَرَّجَ عَلَى نَجَاسَةِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ نَجَاسَةَ لَبَنِ الشَّاةِ تَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا، وَبَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ فَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي وُجُودَ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَةِ الْحَيِّ إذَا أَكَلَ النَّجَاسَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ فِي اللُّحُومِ وَإِذَا جَعَلْتُمْ قَوْلَهُ وَلَوْ أَكَلَ نَجِسًا رَاجِعًا إلَى الْحَيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ اقْتَضَى وُجُودَ الْخِلَافِ فِي الْحَيِّ نَفْسِهِ فَالْجَوَابُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ بِنَجَاسَةِ اللَّحْمِ إنَّ الْحَيَّ نَفْسَهُ نَجِسٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ الشَّارِبَ لِلْخَمْرِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مُدَّةَ مَا يُرَى بَقَاؤُهُ فِي بَطْنِهِ، وَأَمَّا الْعَرَقُ وَالْبَيْضُ وَكَذَا اللَّبَنُ فَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ حَتَّى مِنْ الْآدَمِيِّ وَالشَّارِبَ الْخَمْرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ الطَّهَارَةُ، قَالَ وَالْخِلَافُ فِي عَرَقِ السَّكْرَانِ فِي حَالِ سُكْرِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ صَحْوِهِ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ عَهْدُهُ فَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ بِأَنَّهُ إذَا عَرِقَ وَتَخَلَّلَ الْعَرَقُ الْأَوَّلُ النَّجَسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اغْتَسَلَ وَغَسَلَ الثَّوْبَ الَّذِي عَرِقَ فِيهِ.
(قُلْتُ:) وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْعَرَقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَنَجَاسَتُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَمْرٍ عَارِضٍ، وَأَمَّا اللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ وَالدَّمْعُ فَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِيهَا خِلَافًا صَرِيحًا بَلْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَمَّا الْعَرَقُ مِنْ الْحَيِّ فَنُقِلَ فِيهِ الِاتِّفَاقُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ سَكْرَانُ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ فَمَا دَامَتْ مُسْتَصْحَبَةً لِلْحَيَاةِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَعْرَاقَهَا وَأَسْآرَهَا وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا إذَا لَمْ تَسْتَعْمِلْ نَجَاسَةً فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا اسْتَعْمَلَتْ النَّجَاسَةَ نَجُسَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أُنُوفِهَا فَأَحْرَى لُعَابُهَا، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَاللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ مِنْ الْحَيِّ طَاهِرٌ ": كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا لَمْ يَكُنْ الْحَيَوَانُ مِمَّا يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ انْتَهَى. فَهَذَا مُقْتَضَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَعْمِلِ
لِلنَّجَاسَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الدَّمْعَ أَيْضًا قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْبِسَاطِيِّ يُعَارِضُ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْضُ مِنْ الطَّيْرِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْضَ الْحَشَرَاتِ مُلْحَقٌ بِلَحْمِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ بَشِيرٍ.
(قُلْتُ:) بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ إذَا أُمِنَ سُمُّهَا مُبَاحَةٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَمَا ذَكَرَ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ قَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصُّهُ وَبَيْضُ الطَّيْرِ طَاهِرٌ وَسِبَاعُهُ وَالْحَشَرَاتِ كَلَحْمِهَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(وَالثَّانِي) قَالَ الْبِسَاطِيُّ هُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ شُهِرَ هُنَا أَنَّ عَرَقَ السَّكْرَانِ وَبَيْضَ الْجَلَّالَةِ طَاهِرٌ وَفِيمَا يَأْتِي أَنَّ رَمَادَ النَّجِسِ وَدُخَانَهُ نَجِسٌ وَالْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا هَلْ تَطْهُرُ، أَوْ لَا؟ فَانْظُرْ مَنْ فَصَّلَ.
(قُلْتُ:) أَمَّا الْمُصَنِّفُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلتَّوْضِيحِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ فِي اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالْعَرَقِ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ كَعَبْدِ الْحَقِّ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ يُونُسَ الطَّهَارَةُ وَذَكَرَ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، أَمَّا وَجْهُ التَّفْصِيلِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ فِي اللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالْعَرَقِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا الْمِذْرَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةُ أَيْ الْفَاسِدَ وَهُوَ مَا عَفِنَ، أَوْ صَارَ دَمًا، أَوْ مُضْغَةً، أَوْ فَرْخًا مَيِّتًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا اخْتَلَطَ فِيهِ الصَّفَارُ بِالْبَيَاضِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ طَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ عَفَنٌ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ يُوجَدُ فِي وَسَطِ بَيَاضِ الْبَيْضِ أَحْيَانَا نُقْطَةُ دَمٍ فَمُقْتَضَى مُرَاعَاةِ السَّفْحِ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ لَا تَكُونُ نَجِسَةً وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ غَيْرُهُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ يُؤْمَرُ بِغَسْلِ الْبَيْضِ قَبْلَ كَسْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ فَتَاوَى ابْنِ رُشْدٍ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ التُّونُسِيِّ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فِي الَّذِي يَجْعَلُ الْبَيْضَ فِي الطَّعَامِ لَا يَغْسِلُهُ عِنْدَ شَيِّهِ وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ بِأَذَى الدَّجَاجِ أَنَّ غَسْلَ الْبَيْضِ حَسَنٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الطَّعَامَ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الطَّيْرِ جَلَّالَةً وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ بَوْلِهَا أَوْ اسْتِقْذَارًا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْخَارِجُ بَعْدَ الْمَوْتِ)
ش: يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَضَلَاتِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " وَالدَّمْعُ وَالْعَرَقُ وَاللُّعَابُ وَالْمُخَاطُ مِنْ الْحَيِّ طَاهِرٌ " يَعْنِي أَنَّهَا مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسَةٌ، وَمِنْ الْمُذَكَّى طَاهِرَةٌ، وَمِنْ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالدَّمْعُ وَالْعَرَقُ وَالْمُخَاطُ وَالْبُصَاقُ كَمَحِلِّهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ عِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالْبَيْضِ قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ وَالْمُخَاطِ وَالدَّمْعِ وَالْبَيْضِ وَهُوَ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ مِنْ الْإِزَالَةِ إلَّا أَنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) أَطْلَقَ فِي الْبَيْضِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا، أَوْ يَابِسًا وَهُوَ كَذَلِكَ، أَمَّا الرَّطْبُ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الْيَابِسُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ خِلَافًا لِابْنِ نَافِعٍ حَكَى الْقَوْلَيْنِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الضَّحَايَا مِنْ الْبَيَانِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمْ وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ فَأَوْهَمَ كَلَامُهُمَا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
ص (وَلَبَنُ آدَمِيٍّ إلَّا الْمَيِّتِ)
ش: قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَحِلُّ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِ الْمَيْتَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْوِعَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَبَنَ مَيْتَةِ آدَمِيٍّ فَفِيهِ خِلَافٌ لِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ بِالتَّنْجِيسِ، وَقِيلَ: إنَّهُ طَاهِرٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَا يَخْرُجُ مِنْ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ مِنْ لُعَابٍ وَمُخَاطٍ وَدَمْعٍ، وَإِنَّ حُكْمَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَتِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَا يُبَانُ مِنْ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ:" وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ".
ص
وَلَبَنُ غَيْرِهِ تَابِعٌ)
ش: فَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْمُبَاحِ وَنَجِسٌ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَمَكْرُوهٌ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَكَرَاهَتُهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ طَاهِرًا كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ.
ص (وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ مِنْ مُبَاحٍ)
ش: كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ ظَاهِرُهُ لَا يُغْسَلُ لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا، أَمَّا وُجُوبًا فَنَعَمْ، وَأَمَّا اسْتِحْبَابًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: غَسْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، نَقَلَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَالِاسْتِحْبَابُ ظَاهِرٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِمَا إذَا خَرَجَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
ص (إلَّا الْمُتَغَذِّي بِنَجَسٍ)
ش: يُرِيدُ وَلَوْ بِشُرْبِ مَاءٍ نَجِسٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ اسْتَثْنَى الْمُتَغَذِّيَ بِنَجَسِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا لَا يَصِلُ لِلنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: إنْ شُوهِدَ اسْتِعْمَالُهُ لَهَا فَبَوْلُهُ وَعَذِرَتُهُ نَجِسَانِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُنْفَى عَنْهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى النَّجَاسَةِ تَغْلِيبًا.
(قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَمَامِ يُصِيبُ أَرْوَاثَ الدَّوَابِّ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ مَنْ صَلَّى بِخَرِبَتِهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا تَأْكُلُ أَرْوَاثَ الدَّوَابِّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا أَكَلَتْهَا وَلَوْ تَحَقَّقَ لَقَالَ إنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ ذَرْقَ مَا يَأْكُلُ النَّجَسَ عِنْدَهُ نَجِسٌ انْتَهَى. وَيُرِيدُ إذَا صَلَّى بِهِ غَيْرَ عَامِدٍ، وَأَمَّا الْعَامِدُ فَيُعِيدُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّسْمِ الَّذِي بَعْدَهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ خُرْءِ الْحَمَامِ يُصِيبُ الثَّوْبَ قَالَ هُوَ عِنْدِي خَفِيفٌ وَغَسْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَى.
وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ذَرْقِ الْخُطَّافِ الَّذِي عَيْشُهُ الذُّبَابُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ لَا تُؤْكَلُ الْجَرَادُ وَشِبْهُهَا إلَّا بِذَكَاةٍ، فَأَجَابَ ذَرْقُ الطَّيْرِ طَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي يَرَى الْفَضْلَتَيْنِ تَابِعَتَيْنِ لِلُّحُومِ وَقَالَ فِي رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ إنَّ ذَرْقَ الْبَازِي نَجِسٌ، وَإِنْ أُكِلَ ذُكِّيَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي مَنَعَ مِنْ أَكْلِ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ السِّبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَيَوَانَ إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْكُلَ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَكْلُهُ لَهَا فَأَمْرُهُ خَفِيفٍ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ رَوْثِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبِسَاطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) إذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ الَّذِي يَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْغِذَاءِ مِنْهُ كَكِرْشِهِ وَأَمْعَائِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحُوتِ يُوجَدُ فِي بَطْنِ الطَّيْرِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا إذَا ذُبِحَ بِحِدْثَانِ اسْتِعْمَالِهِ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ.
ص (وَقَيْءٌ إلَّا الْمُتَغَيِّرُ عَنْ الطَّعَامِ)
ش: هَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا خَرَجَ مِنْ الْقَيْءِ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَمَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ فَنَجِسٌ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ نَجِسٌ كَيْفَمَا كَانَ التَّغَيُّرُ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا سَنَدٌ وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إذَا تَغَيَّرَ إلَى أَحَدِ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ إنْ شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، أَوْ قَارَبَهَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْقَيْءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، أَوْ قَارَبَهَا نَجِسٌ اتِّفَاقًا، وَمَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ الطَّعَامِ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَاهِرٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ أَلْزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ أَنْ يَقُولَ بِنَجَاسَةِ الْقَيْءِ مُطْلَقًا، وَمَا تَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ وَلَمْ يُقَارِبْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بِأَنْ يَسْتَحِيلَ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ وَيَسْتَعِدَّ لِلْهَضْمِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنْ تَظْهَرَ فِيهِ حُمُوضَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ نَجِسٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ بَشِيرٍ وَعِيَاضٍ.
(فَرْعٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَيْءَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ هَيْئَةِ الطَّعَامِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ خَرَجَ مَعَهُ بَلْغَمٌ، أَوْ صَفْرَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْقَلْسُ مَاءٌ
حَامِضٌ طَاهِرٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ السَّهْوِ وَلَمْ يَحْكُوا غَيْرَهُ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ التُّونُسِيِّ نَحْوَهُ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ رُشْدٍ وَالتُّونُسِيِّ أَنَّ الْقَيْءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا إذَا شَابَهَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، أَوْ قَارَبَهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُفَصَّلُ فِيهِ كَمَا فِي الْقَيْءِ قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى الْقَيْءِ فَمَنْ قَلَسَ وَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَغَيِّرِ وَغَيْرِهِ وَالْقَلْسُ هُوَ دُفْعَةٌ مِنْ الْمَاءِ تَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ أَوْ يَقْذِفُهُ رِيحٌ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ طَعَامٌ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهُ مَا يَكُونُ مُتَغَيِّرًا عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَحِيلُ إلَيْهِ وَمَا يُخَالِطُهُ مِنْ فَضَلَاتِ الْمَعِدَةِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ أَوْ يَتَغَيَّرُ بِطَعْمِ الْمَاءِ فَلَا يَجِدُ صَاحِبُهُ زِيَادَةً عَلَى طَعْمِ أَكْلِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَيْءِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ مَالِكٍ يَعْنِي فِي الْمُوَطَّإِ رَأَيْتُ رَبِيعَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَقْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ مِرَارًا ثُمَّ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُصَلِّيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْقَلْسُ مَا يَخْرُجُ عِنْدَ الِامْتِلَاءِ، أَوْ بِرَدِّ الْمِزَاجِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ الطَّعَامُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ وَنَصُّهُ: الْقَلْسُ مَاءٌ، أَوْ طَعَامٌ يَسِيرٌ يَخْرُجُ إلَى الْفَمِ عَلَى وَجْهٍ قَائِمٍ فِي قَوْلِهِ وَلْيَتَمَضْمَضْ لَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ عَلَيْهِ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمَضْمِضَ مِنْ ذَلِكَ فَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَلْسَ لَا يَكُونُ طَعَامًا يَتَغَيَّرُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ تَنْظِيفُ الْفَمِ وَإِزَالَةُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَلْسِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ فَهُوَ نَجِسٌ فَيَقْطَعُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الْقَيْءُ، أَوْ الْقَلْسُ مُتَغَيِّرًا وَجَبَ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَيُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَذْهَبُ بِالْبُصَاقِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَإِذَا شَابَهَ الْقَيْءُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ فَاخْتُلِفَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ وَسَيَأْتِي وَالْقَلْسُ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ وَبِسُكُونِهَا مَصْدَرُ قَلَسَ يَقْلِسُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ.
ص (وَصَفْرَاءُ وَبَلْغَمٌ)
ش: قَالَ سَنَدٌ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ صَفْرَاءَ الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ كَمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَرَائِرِ، وَالْمَرَائِرُ أَصْلُ الصَّفْرَاءِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْبَلْغَمُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْبُصَاقِ وَالنُّخَامِ انْتَهَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ، أَوْ مِنْ الصَّدْرِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ الْبَلْغَمَ وَالصَّفْرَاءَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ مِنْ وِعَاءٍ نَجِسٍ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْقُلُ عَنْ الْقَرَافِيِّ: الْبَلْغَمُ طَاهِرٌ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسٌ وَفِي الصَّفْرَاءِ قَوْلَانِ وَاَلَّذِي فِي الْقَوَاعِدِ وَالذَّخِيرَةِ أَنَّ الصَّفْرَاءَ كَالْبَلْغَمِ، وَالْقَوْلَانِ حَاصِلَانِ مِنْ نَقْلِ الْقَرَافِيِّ وَنَقْلِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمَرَارَةُ مُبَاحٍ)
ش: كَذَا قَيَّدَ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَرَائِرَ بِالْمُبَاحِ فَقَالَ وَالْمَعِدَةُ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ وَالْبَلْغَمُ وَالصَّفْرَاءُ وَمَرَائِرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ نَجِسَانِ وَلَمْ يُقَيِّدْ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْمَرَائِرَ بِالْمُبَاحِ بَلْ قَالَ: الْمَذْهَبُ طَهَارَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ صَفْرَاءَ كَمَا يَحْكُمُ بِطَهَارَةِ الْمَرَائِرِ وَالْمَرَائِرُ هِيَ أَصْلُ الصَّفْرَاءِ، وَانْظُرْ مَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْكَلَامِ؟ فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَرَارَةِ حَالَ كَوْنِهَا فِي جَوْفِ الْحَيَوَانِ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُبَاحِ وَلَا لِلْمَرَارَةِ فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ: بَاطِنُ الْحَيَوَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى رُطُوبَاتٍ كَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْي وَالْبَلْغَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِنَجَاسَةٍ، فَمَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعِدَةُ طَاهِرَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ نَجِسَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَّ طَاهِرٌ.
وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَرَائِرِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا فَقَدْ قَالَ سَنَدٌ: إنَّهُ أَصْلُ الصَّفْرَاءِ وَإِنَّ الصَّفْرَاءَ الْخَارِجَةَ مِنْ الْجَوْفِ طَاهِرَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْمَرَارَةِ بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ فَيُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَبِمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهَا إنْ انْفَصَلَتْ مِنْ مُذَكًّى تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ فَهِيَ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمُذَكَّى طَاهِرَةٌ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهِيَ نَجِسَةٌ،