الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدَحَ قَوَارِيرَ فَكَانَ يَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ» انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْمَسِيلِيُّ فِي نُكَتِ التَّفْسِيرِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الْأَمِيرِ أَبِي الْحَسَنِ بِلُؤْلُؤَةٍ صَغِيرَةٍ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَاءِ الْعَذْبِ وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شُهُودٌ لَا بَأْسَ بِهِمْ انْتَهَى.
وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّشَبُّهَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] إنَّمَا هِيَ لِلتَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأُجَاجِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَجَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقًا)
ش: قَالَ فِي الزَّاهِي وَمَا اتَّخَذَهُ النِّسَاءُ لِشُعُورِهِنَّ وَأَزْرَارِ جُيُوبِهِنَّ وَأَقْفَالِ ثِيَابِهِنَّ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى لِبَاسِهِنَّ فَجَائِزٌ. اُنْظُرْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِشُعُورِهِنَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يُلَفِّفُنَّ فِيهِ شُعُورَهُنَّ لَا الْمِشْطُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَالْمُدْهُنِ بَلْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمِشْطَ الْمُضَبَّبَ كَالْإِنَاءِ الْمُضَبَّبِ وَقَبِلَهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(غَرِيبَةٌ) ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ لِلنِّسَاءِ وَقَالَ: لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْنَ الذَّهَبَ فَلْيُصَفِّرْنَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ شِبْهِهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَلَوْ نَعْلًا)
ش: وَكَذَا الْقَبْقَابُ. وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْخِلَافِ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا جَعْلُ الْقَبْقَابِ مِنْ الْفِضَّةِ فَأَحْفَظُ لِأَبِي حَفْصِ بْنِ الْعَطَّارِ أَنَّهُ حَكَى خِلَافًا فِي ذَلِكَ عَنْ الْقَرَوِيِّينَ هَلْ هُوَ مِنْ اللِّبَاسِ، أَوْ الْأَوَانِي؟ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْفِرَاشِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْمَنْعَ فِي الْقَبْقَابِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الزَّاهِي وَلَيْسَ اتِّخَاذُ النَّعْلِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُلِيِّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ الْحُلِيِّ فَقَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي كَلَامِ أَبِي حَفْصٍ الْمُتَقَدِّمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (لَا كَسَرِيرٍ)
ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَكَذَا الْمَكَاحِلُ وَالْمَرَايَا الْمُحَلَّاةُ وَأَقْفَالُ الصَّنَادِيقِ وَالْأَسِرَّةُ وَالْمَذَابُّ وَالْمِقْرَمَاتِ وَشِبْهُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَلَا تَحْلِيَتُهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ مَا يُتَّخَذُ فِي الْجُدْرَانِ وَالسُّقُوفِ وَالْأَخْشَابِ كَمَا فِي الطِّرَازِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الزَّاهِي: وَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ رُءُوسًا لِلزُّجَاجِ وَأَزْرَارًا وَأَقْفَالًا لِثِيَابِ الرِّجَالِ وَقَصَبًا لِلْأَطْفَالِ وَالْكِبَارِ وَأَغْشِيَةً لِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الْأَحْرَاز وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالْمَرَايَا جَمْعُ مِرْآةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَصَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُجَوَّفُ وَالْمَذَابُّ جَمْعُ مِذَبَّةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُطْرَدُ بِهِ الذُّبَابُ وَالْأَسِرَّةُ جَمْعُ سَرِيرٍ وَالْمِقْرَمَاتُ جَمْعُ مِقْرَمَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ سِتْرٌ فِيهِ نَقْشٌ وَتَصَاوِيرُ وَقَالَهُ فِي الصِّحَاحِ.
[فَرْعٌ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجِيزُ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَقُولُ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّدَاوِي كَجَعْلِ الذَّهَبِ فِي الْمَاءِ لِقُوَّةِ الْقَلْبِ وَطَفْيِهِ كَذَلِكَ وَعِنْدِي أَنَا مِرْوَدٌ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْنَاهُ فِي تَرْكِهِ نِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَسَأَلْتُ عَنْهُ بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ فَقَالَ أَحْسَنُ الْمَرَاوِدِ عُودُ الْآبِنُوسِ وَيَلِيهِ الذَّهَبُ وَيَلِيهِ الْفِضَّةُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ حَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّدَاوِي بِجَعْلِ الْأَنْفِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا قَالَ لِلْعَلِيلِ مِنْ مَنَافِعِكَ طَبْخُ غِذَائِكَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى.
[فَرْعٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَكْرَهُ تَزْوِيقَ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ فَإِنْ كَانَتْ حَيْثُ لَا تَشْغَلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَرَأَيْت ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْقَيْرَوَانِ، وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ قُرُونٌ وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ مَنْ يُنْكِرُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ فَقَالَ لِي شَيْخُنَا الْإِمَامُ: إنَّ الْوُلَاةَ هُمْ الَّذِينَ وَضَعُوهُ وَجُدِّدَ فِي وَقْتِ إمَامَتِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - مَكْرُوهًا.
[فَصْلٌ بَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ]
ص (فَصْلٌ هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ، وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ
سُنَّةٌ، أَوْ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ خِلَافٌ)
ش لَمَّا ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ الْأَشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ وَالْأَشْيَاءَ النَّجِسَةَ أَتْبَعَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِ حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَبَيَانِ مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَدَأَ بِبَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ وَقَوْلُهُ إزَالَةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ، أَوْ وَاجِبَةٌ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: إنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُبْتَدَأُ الَّذِي قَبْلَهُ أَعْنِي إزَالَةَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا بَلْ هُوَ مُبْتَدَأٌ أُخْبِرَ عَنْهُ بِأَحَدِ خَبَرَيْنِ. وَهَلْ اسْتِفْهَامٌ عَنْ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ خِلَافٌ هُوَ الْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ تَقْدِيرُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ الْمُصَلِّي وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: فَقِيلَ: إنَّ إزَالَتَهَا عَنْ ذَلِكَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ. وَقِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ ذِكْرِ النَّجَاسَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهَا بِوُجُودِ مَاءٍ مُطْلَقٍ يُزِيلُهَا بِهِ، أَوْ وُجُودِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ، أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَكَانِ النَّجِسِ إلَى مَكَان طَاهِرٍ.
وَأَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ لَهَا وَالْعَجْزِ عَنْ إزَالَتِهَا فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بَلْ تَكُونُ حِينَئِذٍ سُنَّةً كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ شَهَرَ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ وَأَنَّ طَرِيقَةَ اللَّخْمِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ: وَصَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ.
(قُلْتُ:) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي التَّعْبِيرِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَعْنَى تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِحُكْمِهَا، أَوْ جَاهِلًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ أَبَدًا، وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا لَهَا، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا، أَوْ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا سُنَّةٌ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ " تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ " وَذِكْرِ كَلَامِ مَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشُّيُوخِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ رَفْعَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ سُنَّةٌ، فَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَلَى مَذْهَبِهِ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِنَجَاسَةٍ، أَوْ مُضْطَرًّا إلَى الصَّلَاةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى عَالِمًا غَيْرَ مُضْطَرٍّ مُتَعَمِّدًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ عَامِدًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ رَفْعَ النَّجَاسَاتِ عَنْ الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ فَرْضٌ بِالذِّكْرِ سَاقِطٌ بِالنِّسْيَانِ.
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ وَلَا يُعِيدُ إلَّا فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ تَحَرُّزًا مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ انْتَهَى فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
وَاحِدٌ بَلْ فِي كَلَامِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ارْتِضَاءٌ لِلْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى: إنَّهَا عِبَارَةٌ غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ فَقِيلَ: فَرْضٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَبَدًا عَالِمًا كَانَ، أَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، وَقِيلَ: إنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ نَاسِيًا، أَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا مَنْ صَلَّى بِهِ مُتَعَمِّدًا، أَوْ جَاهِلًا وَهُوَ يَجِدُ ثَوْبًا طَاهِرًا أَعَادَ أَبَدًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ عَامِدًا مُسْتَخِفًّا بِصَلَاتِهِ، أَوْ جَاهِلًا وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ رَفْعِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّهُ فَرْضٌ بِالذِّكْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدِي بِعِبَارَةٍ مُخَلِّصَةٍ، وَقَدْ رَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَامِدًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَنْ مَسَحَ الْمَحَاجِمَ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: لِلِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْحِ إذْ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: مَعْنَاهُ نَاسِيًا انْتَهَى.
وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ مِنْ سَمَاعِ مُوسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِزَالَةَ سُنَّةٌ ابْنُ يُونُسَ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِثِيَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ بِأَنَّ مَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا يُعِيدُ أَبَدًا قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَالِاسْتِجْمَارَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ، وَلَوْ اسْتَجْمَرَ سَاهِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى بِهَا فِي ثَوْبِهِ. وَابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ عَظْمِهَا أَوْ لَحْمِهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى بِذَلِكَ نَاسِيًا انْتَهَى.
وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَاسِحِ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ إذَا صَلَّى بَعْدَ الْبُرْءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا كَمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي تَرْجَمَةِ أَقْسَامِ الطَّهَارَةِ، وَفِي تَرْجَمَةِ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ، أَوْ حَرِيرٍ، وَفِي بَابِ الرُّعَافِ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَلَامُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ عَامِدًا يُعِيدُ أَبَدًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ ذِكْرِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، أَوْ وُجُوبَ السُّنَنِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّمَكُّنِ لِنَصِّ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ نَاسِيًا، أَوْ ذَاكِرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إزَالَتُهَا فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا كَمَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِمْ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا، أَوْ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ: إنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ مَا هَذَا سَبِيلُهُ فَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا: لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ وَسَحْنُونٌ فِيمَنْ تَرَكَ السُّورَةَ عَامِدًا: إنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ إنَّهُ مَسْنُونٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَامِدًا أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى.
وَهَذَا الْكَلَامُ جَمِيعُهُ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَأَنْتَ تَرَى صَاحِبَ التَّهْذِيبِ مَعَ تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ قَدْ ارْتَضَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا، وَحِكَايَةُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ عَنْ أَشْهَبَ، وَنَحْوُ هَذَا لِلتِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ وَقَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ آدَابِ الْإِحْدَاثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ: إنَّ حُكْمَ كُلِّ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لِسَهْوٍ، أَوْ عَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَمَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا قَادِرًا أَعَادَ أَبَدًا عَلَى ظَاهِرِ
الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مُؤَدَّى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي التَّفْرِيعِ وَاحِدٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّفَارِيعَ الْآتِيَةَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنَّمَا تَتَمَشَّى عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهُ وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ كَذِكْرِهَا فِيهَا.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْبِيرِ بِالسُّنِّيَّةِ، أَوْ الْوُجُوبِ إنَّمَا ذَلِكَ حَيْثُ أَرَدْنَا بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ نُرِدْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي وُجُودِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَالْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ وَابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى. فَإِنْ قُلْتَ سَيَأْتِي أَنَّ فِي بُطْلَانِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ عَامِدًا قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا هُوَ الْمَشْهُورُ الثَّانِي.
(قُلْتُ:) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَهُ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْعُمْدَةُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى النُّصُوصِ فِيهَا لَا عَلَى مَا يَتَخَرَّجُ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ فَتَأَمَّلْهُ. فَإِنْ قُلْتَ: لَعَلَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي تَأْثِيمِ الْعَامِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَعَدَمِ تَأْثِيمِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ.
(قُلْتُ:) صَرَّحَ فِي الْمَعُونَةِ بِأَنَّ الْعَامِدَ آثِمٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ وَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ أَبَدًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيَّ أَنَّهُ ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَأْثِيمِ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ بِهَا، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ وَاسْتُشْكِلَ إذْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ، وَعِنْدِي أَنَّ التَّأْثِيمَ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَفِي الْوَاجِبِ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الطُّرُقَ اخْتَلَفَتْ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَ طُرُقٍ: الْأُولَى: لِابْنِ الْقَصَّارِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّلْقِينِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْخِلَافِ فِي إعَادَةِ الْمُصَلِّي بِهَا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي شَرْطِيَّتِهَا. الثَّانِيَةُ: لِلْجَلَّابِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْبَيَانِ وَالْأَجْوِبَةِ بِلَا خِلَافٍ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِعَادَةِ لِتَرْكِ السُّنَنِ عَمْدًا. الثَّالِثَةُ: لِلْمَعُونَةِ فِيهَا رِوَايَتَانِ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ. الرَّابِعَةُ: لِلَّخْمِيِّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْوُجُوبُ وَالسُّنِّيَّةُ وَالثَّالِثُ الْوُجُوبُ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ.
(قُلْتُ:) تَبِعَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي عَزْوِ الطَّرِيقِ الْأُولَى لِلرِّسَالَةِ ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ، فَقَالَ: وَطَهَارَةُ الْبُقْعَةِ لِلصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ، وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، وَقِيلَ: وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَكَذَا اعْتَرَضَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ الطَّرِيقَ الْأُولَى لِلرِّسَالَةِ، وَفِي عَزْوِ ابْنِ عَرَفَةَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةِ لِلْبَيَانِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمُ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيهَا وَأَنَّ الْمَشْهُورَ السُّنِّيَّةُ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عَزْوِ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِلَّخْمِيِّ وَعَزَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَزَادَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلًا رَابِعًا بِالِاسْتِحْبَابِ.
(تَنْبِيهٌ) نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْأَوَّلُ وَأُسْقِطَ مِنْهُ لَفْظَةٌ فَسَدَ بِهَا الْمَعْنَى فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، أَوْ مُضْطَرًّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَيُوهِمُ أَنَّ حُكْمَ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ كَالنَّاسِي وَلَفْظُ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ جَاهِلًا بِنَجَاسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَالْبِسَاطِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَاجَعْتُ مِنْهَا نُسَخًا مُتَعَدِّدَةً فَوَجَدْتُهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا لِأَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُفَرِّعُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ إعَادَةِ الْعَامِدِ أَبَدًا وَلَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَهُ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا
وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ لَا يُرِيدُ بِهِ خُصُوصِيَّةَ الثَّوْبِ بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ مِنْ خُفٍّ وَسَيْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ مُصَلٍّ أَيْ مَرِيدُ الصَّلَاةِ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ تَجَنُّبَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ قَصْدِ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ، أَوْ بِفِعْلٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ: وَأَمَّا تَجَنُّبُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ وَيُكْرَهُ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعْرَقُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنَّ تَجَنُّبَهَا وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَجِّسَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ: حَتَّى لَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّغَائِرِ.
(قُلْتُ:) وَجَعَلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي شَرْحِهِ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ، فَقَالَ: أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ الصَّغِيرَ وَالْحَائِضَ وَالْجُنُبَ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِزَالَةُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَوْ فِعْلِهَا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَعِنْدَ الطُّهْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: إنَّهَا فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهَا فَهِيَ مِنْ السَّرَائِرِ الَّتِي تُبْلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ عز وجل {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي مَعَ هَذَا تَنْظِيفُ ثَوْبِهِ وَأَنْ يُعِدَّ مَنْ وَجَدَ لِلْخَلَاءِ ثَوْبًا يَنْفِي بِهِ الشَّكَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ جَازَ أَنْ يَأْتِيَ الْخَلَاءَ وَيُجَامِعَ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ إعْدَادِ ثَوْبِ الْخَلَاءِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَنَكَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ مُصَلٍّ لِيَشْمَلَ الْمُفْتَرِضَ وَالْمُتَنَفِّلَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ بِنَجَاسَةٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَطَرَأَتْ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا مُتَعَمِّدًا قَالَهُ سَنَدٌ.
(قُلْتُ:) ، وَقَدْ عَدَّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَكُونُ رِدَّةً الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ النَّافِلَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَيْفَ يَجِبُ لَهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ شَرْحِ الْخُطْبَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ مَعْنَيَانِ مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ وَمِثْلُ الْوُضُوءِ لِلنَّافِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) فَلَوْ تَعَدَّدَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ مِنْ مَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْلِيلَ النَّجَاسَةِ مَطْلُوبٌ بِخِلَافِ غَسْلِ بَعْضِ مَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّ غَسْلَهُ يَزِيدُهُ انْتِشَارًا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُرْضِعِ وَلْتَدْرَأْ الْبَوْلَ جُهْدَهَا وَقَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ يَعْنِي أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ تُطْلَبُ مِنْ ثَوْبِ الْمُصَلِّي وَعَنْ كُلِّ مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ.
وَلَوْ كَانَ طَرَفُ ذَلِكَ الثَّوْبِ، أَوْ الْعِمَامَةِ، أَوْ نَحْوَهُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُعَدُّ حَامِلًا لِذَلِكَ فِي الْعُرْفِ وَلِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِ الْمُصَلِّي، وَقِيلَ: لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ بِلَوْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ سَوَاءٌ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إنْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَنَجَاسَةُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ مُعْتَبَرَةٌ، وَقِيلَ: إنْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ عَاتٍ، فَقَالَ: إنْ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ اُعْتُبِرَتْ اتِّفَاقًا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ جَعَلَهَا كَالْحَصِيرِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهَا وَيَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ فَالْأَرْجَحُ فِي الْعِمَامَةِ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ حَامِلًا لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَالْأَرْجَحُ فِي
الْحَصِيرِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَتَقْيِيدُنَا طَرَفَ الْعِمَامَةِ بِكَوْنِهِ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ يُؤْخَذُ مِنْ الْإِغْيَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا حَسُنَ الْإِغْيَاءُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ غَيْرَ طَرَفِ عِمَامَتِهِ، وَلَوْ كَانَ طَرَفَ عِمَامَتِهِ.
وَقَوْلُهُ وَبَدَنُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ثَوْبٍ وَيَعْنِي أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مَطْلُوبَةٌ عَنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي أَيْضًا كَطَلَبِ إزَالَتِهَا عَنْ ثَوْبِهِ وَلَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِهِ لِظَاهِرِ جَسَدِ الْمُصَلِّي وَلِمَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَدَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ سَنَدٌ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ دَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ فَلَوْ اكْتَحَلَ بِمَرَارَةِ خِنْزِيرٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ أُذُنَيْهِ نَجَاسَةٌ أُمِرَ بِمَسْحِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ صِمَاخَيْهِ انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَنْ دَمِيَ فَمُهُ فَمَجَّ الرِّيقُ حَتَّى انْقَطَعَ الدَّمُ لَمْ يَطْهُرْ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الرُّعَافِ بِأَنَّ دَاخِلَ الْفَمِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَهَذَا بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَإِنَّ دَاخِلَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ دَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَاطِنِ الْجَسَدِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَاخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ إذَا أُدْخِلَتْ فِيهِ أَمْ لَا. أَمَّا مَا يَتَوَلَّدُ فِي بَاطِنِ الْآدَمِيِّ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أُدْخِلَ إلَى الْبَاطِنِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ شَيْئًا نَجِسًا، فَقَالَ التُّونُسِيُّ: مَا يُدَاخِلُ الْجَسَدَ مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ نَجَاسَةٍ لَغْوٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: مَا أُدْخِلَ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ كَمَا بِظَاهِرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ نَجَاسَةٍ أُدْخِلَتْ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ كَمَا بِظَاهِرِهِ وَلَغْوَهَا. نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُعِيدُ شَارِبُ قَلِيلِ خَمْرٍ لَا يُسْكِرُهُ صَلَاتَهُ أَبَدًا مُدَّةَ مَا يَرَى بَقَاءَهَا بِبَطْنِهِ، وَقَالَ التُّونُسِيُّ: مَا يُدَاخِلُ الْجَسَدَ مِنْ طَهَارَةٍ، أَوْ نَجَاسَةٍ لَغْوٌ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَكَانَ عِنْدِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ لَفْظَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَاقْتَصَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، فَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَسِ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ، أَوْ بَاطِنِهِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الشَّاطِرِ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَانْظُرْ إذَا تَابَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَقَايَأَ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَيَصِيرُ كَصَاحِبِ السَّلَسِ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا يُخْتَلَفُ فِيمَنْ اسْتَدَانَ لِفَسَادٍ وَتَابَ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَقَطَعَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ بِالْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِذَلِكَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَيْءِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ الْقَيْءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَعَلَى قَوْلِ التُّونُسِيِّ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يَتَحَفَّظُ عَلَى ثَوْبِهِ وَفَمِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّجَاسَاتِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَوْلُهُ: " وَمَكَانِهِ " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثَوْبٍ وَيَعْنِي أَنَّ النَّجَاسَةَ تُطْلَبُ إزَالَتُهَا عَنْ مَكَانِ الْمُصَلِّي أَيْضًا كَطَلَبِ إزَالَتِهَا عَنْ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَكَانِ مَحَلُّ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَقُعُودِهِ وَمَوْضِعِ كَفِيهِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلْيَكُنْ كُلُّ مَا يُمَاسُّ بَدَنَ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ طَاهِرًا. وَقَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ: وَأَمَّا مَا لَا يَمَسُّهُ فَلَا يَضُرُّهُ انْتَهَى.
وَلَا يَضُرُّهُ مَا كَانَ أَمَامَهُ، أَوْ عَلَى يَمِينَهُ أَوْ شِمَالِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ جِدَارُ مِرْحَاضٍ، أَوْ قَبْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مَوْضِعُهُ طَاهِرًا. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الْجِدَارِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَحَلُّ قِيَامِ الْمُصَلِّي وَقُعُودِهِ وَسُجُودِهِ وَمَوْضِعِ كَفِيهِ لَا أَمَامَهُ، أَوْ يَمِينَهُ، أَوْ شِمَالَهُ انْتَهَى. .
وَقَالَ سَنَدٌ: إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْجِدَارِ نَجِسًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ إلَى
النَّجَاسَةِ وَهِيَ أَمَامَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَعِيدَةً جِدًّا، أَوْ يُوَارِيَهَا عَنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ دُونَهَا مَا لَا يُوَارِيهَا فَذَلِكَ كَلَا شَيْءٍ قَالَ: وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْجِدَارِ طَاهِرًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ابْتِدَاءً كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَاجِهَ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مُتَنَجِّسٌ انْتَهَى.
وَفِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى جِدَارِ الْمِرْحَاضِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ وَالْمَأْبُونِ فِي دُبُرِهِ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ وَصَلَّى حِذَاءَهُمْ، أَوْ هُمْ أَمَامَهُ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا فِي وَقْتٍ، وَلَا فِي غَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ تَعْظِيمَ شَأْنِ الْقِبْلَةِ فَمِنْ الِاخْتِيَارِ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُنَزِّهَ قِبْلَتَهُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ: وَسُقُوطُ طَرَفِ ثَوْبِ الْمُصَلِّي عَلَى جَافِّ نَجَاسَةٍ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ لَغْوٌ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَحْكِ عِيَاضٌ غَيْرَهُ قَالَ: وَمِثْلُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ مَتَى كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا يُلَاقِيهِ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِ الْمُصَلِّي فَلَا يُعِيدُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَحْفَظُ فِي الْإِكْمَالِ أَنَّ ثِيَابَ الْمُصَلِّي إذَا كَانَتْ تُمَاسُّ النَّجَاسَةَ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهَا فَلَا تَضُرُّهُ.
وَفَرَّعَ الْبُرْزُلِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَلَّى إلَى جَنْبِ مَنْ يَتَحَقَّقُ نَجَاسَةُ ثِيَابِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَجْلِسُ عَلَيْهَا، أَوْ يَسْجُدُ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا إنْ لَاصَقَهُ فَلَا يَضُرُّهُ. وَأَمَّا إنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَسْتَنِدُ الْمُصَلِّي لِحَائِضٍ، وَلَا لِجُنُبٍ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسْتَنِدَ شَرِيكُ الْمُسْتَنَدِ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لِنَجَاسَةِ ثِيَابِهِ وَيُعِيدُ إنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ. وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ أَثَرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِفُ عِيَاضًا فِيمَا قَالَهُ وَيَرَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى عَلَى نَجَاسَةٍ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ فُضَلَاءِ أَصْحَابِنَا وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ يُحَاذِي صَدْرَهُ مِنْهُ ثَقْبٌ بِأَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تَمَسَّهُ أَنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ مَا يُبَاشِرُهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَارْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَيَكْفِيهِ قَبُولُ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ طَرَفَ الْعِمَامَةِ عَلَى النَّجَاسَةِ لَا يَضُرُّ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الطَّرَفِ نَجِسًا، أَوْ مَوْضُوعًا عَلَى النَّجَاسَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ أَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا.
(فَرْعٌ) لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بَيْنَ رُكْبَتَيْ الْمُصَلِّي وَوَجْهِهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ سَنَدٌ إنْ رَآهَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ خَلْفَ عَقِبِهِ، أَوْ قُدَّامَ أَصَابِعِهِ فَتَحَوَّلَ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَثَرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ بَعْضِ فُضَلَاءِ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى فِرَاشٍ يُحَاذِي صَدْرَهُ مِنْهُ ثَقْبٌ أَسْفَلَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُمَاسَّهُ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ مَا يُبَاشِرُهُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ النِّعَالِ وَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَا يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى يَمِينِ غَيْرِهِ فَيَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ كَانَ بَيْنَ ذَقَنِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلْيَتَحَفَّظْ أَنْ يُحَرِّكَهُ فِي صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَاشِرًا لَهُ فِيهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لِأَجْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ خِرْقَةٌ، أَوْ مَحْفَظَةٌ يَجْعَلُهُ فِيهَا انْتَهَى.
فَإِنْ فَعَلَ وَحَرَّكَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي، فَقَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مُحَاذَاةِ صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ إنْ سَجَدَ انْتَهَى.
وَكَثِيرًا مَا يَتَّفِقُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يَجِدَ الشَّخْصُ بَيْنَ يَدَيْهِ رِيشَةَ حَمَامٍ فَيَتَجَافَى عَنْهَا بِصَدْرِهِ وَيَسْجُدُ وَتَصِيرُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَوَجْهِهِ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ مُصَلًّى وَيُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ فَلَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا نَادِرًا. وَسَمِعْتُ سَيِّدِي الْوَالِدِ يَحْكِي عَنْ
بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَأَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى ثَوْبِ مُصَلٍّ. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ مَعْطُوفٌ عَلَى طَرَفِ عِمَامَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مُشَارَكَتُهُ لَهُ انْتَهَى.
وَالْمَعْنَى أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ طَرَفِ حَصِيرٍ لِمُصَلٍّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَصِيرِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ فَرَشَهُ الْمُصَلِّي وَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَانَ فِي طَرَفِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُلَابِسُهَا الْمُصَلِّي فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى طَرَفِ حَصِيرٍ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ نَجَاسَةٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَإِنْ تَحَرَّكَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِطَهَارَةِ بُقْعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى مُرَاعَاةِ تَحَرُّكِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَذَكَرَ التَّعْلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَحَرَّكَ فَقَوْلَانِ انْتَهَى.
وَرَجَّحَ سَنَدٌ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَلَوْ تَحَرَّكَ قَالَ: كَالْمَرْكِبِ يَكُونُ فِي بَعْضِ خَشَبَةٍ نَجَاسَةٌ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي وَكَالسَّقْفِ يَضْطَرِبُ بِالْمُصَلِّي، وَفِي بَعْضِ أَرْضِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ إجْمَاعًا وَمِثْلُهُ مَنْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ وَعَلَى الْحَصِيرِ ثَوْبٌ نَجِسٌ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْحَصِيرِ، وَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى.
، وَقَدْ سَبَقَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَنَقْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ اعْتِبَارَ نَجَاسَةِ طَرَفِ الْحَصِيرِ سَاكِنَةً لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) حَمَلَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ وَشُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لَفْظِهَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعَطَّارُ الْمُرَادُ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ الْمُوَالِي لِلْأَرْضِ وَالْوَجْهُ الْمُوَالِي لِلْمُصَلِّي طَاهِرٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَنَجَاسَةٍ فُرِشَ عَلَيْهَا ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَقَبِلَهُ الْوَانُّوغِيُّ وَالْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ أَيْضًا. قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْهَيْدُورَةِ تَكُونُ النَّجَاسَةُ بِأَحَدِ وَجْهَيْهَا دُونَ الْآخَرِ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الْفَقِيهِ أَبِي مَيْمُونَةَ فَقِيهِ فَاسَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَالْجَارِي عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَفْصٍ وَقَبِلُوهُ وَعَلَى مَا قَالَهُ الْإِبْيَانِيُّ فِي مَسْأَلَةِ النَّعْلِ الْآتِيَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْفِرَاشِ النَّجِسِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَنْفُذْ النَّجَاسَاتُ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِي الْمُصَلِّي وَالْهَيْدُورَةُ الْجِلْدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا طَاهِرًا كَثِيفًا وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ فِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ بِمَقْلُوبِ مَحَلِّ الْمُصَلِّي مِنْ حُصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ تَنْفُذْ لَا تَضُرُّ وَقَدْ نَصُّوا عَلَيْهِ حَتَّى فِي النَّعْلِ يَكُونُ فِي أَسْفَلِهَا نَجَاسَةٌ فَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ فِي قِيَامِهِ عَلَى وَجْهَيْهَا انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ أَثَرُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ ثِيَابِ الْمُصَلِّي إذَا كَانَتْ تُمَاسُّ النَّجَاسَةَ. وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّ مَنْ حَرَّكَ نَعْلَهُ وَهِيَ فِي وِعَاءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ، أَوْ يَقْطَعُ فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ بِيَدِهِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَةِ النَّعْلِ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِنَادِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَةُ النَّعْلِ فَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَغْلِبُ الْأَصْلُ فِيهَا عَلَى الْغَالِبِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا بِصَدْرِهِ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ مَنْ فَرَشَ طَاهِرًا عَلَى مُتَنَجِّسٍ، أَوْ نَجِسٍ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا جَازَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَفِيهِ خِلَافٌ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الصِّحَّةُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: أَفْتَى ابْنُ قَدَّاحٍ بِأَنَّ مَنْ حَرَّكَ نَعْلَهُ، أَوْ رَفَعَهُ فِي مَحْفَظَةٍ، أَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ صَدْرِهِ لَمَّا يَسْجُدُ وَهُوَ فِي مَحْفَظَةٍ أَنَّهُ يَقْطَعُ. وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ هَذَا إغْرَاقٌ فِي الْفَتْوَى وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ نَعْلَهُ، وَلَوْ مُبَاشَرَةً أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي غَلَبَ فِيهَا الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا لَا أَعْرِفُهُ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْقَطْعِ فِيمَنْ حَرَّكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّكَ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَالْقَطْعُ فِيمَنْ رَفَعَهَا؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ
وَمَسَائِلُهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُتَحَرِّكِ وَالْحَامِلِ هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ بَيْتِ الشَّعْرِ، أَوْ الْخِبَاءِ إذَا كَانَ فِي أَطْرَافِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ بَوْلُ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ كَانَ سَطْحُ رَأْسِ الْمُصَلِّي يُمَاسُّ الْخِبَاءَ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْعِمَامَةِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ فَلَا يَضُرُّهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ السَّقْفِ إذَا كَانَتْ فِيهِ كُوَّةٌ تَقَابُلُ مِرْحَاضًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، أَوْ كَانَ فِي الْحَصِيرِ نَقْبٌ لَا تَصِلُ ثِيَابُ الْمُصَلِّي إلَى مَا تَحْتَهُ مِنْ النَّجَسِ لَكِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَعْلَى فَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَصِحُّ صَلَاةُ صَاحِبِ السَّقْفِ وَيُعِيدُ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْحَصِيرِ لِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ. وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ يُفْتِي بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ نَاجِي مَا يُؤَيِّدُ فَتْوَى الْغُبْرِينِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ سَنَدٌ إذَا فَرَّقْنَا بَيْنَ طَرَفِ الْحَصِيرِ وَالْعِمَامَةِ، فَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ حَبْلٌ مَرْبُوطٌ بِطَرَفِهِ مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَ طَرَفُ الْحَبْلِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْبِسَاطِ، وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي وَسَطِهِ، أَوْ مُمْسِكًا لَهُ بِيَدِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ.
(فَرْعٌ) قَالَ: فَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَرْبُوطًا فِي دَنِّ خَمْرٍ وَالدَّنُّ طَاهِرٌ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّنَّ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ وَعَقْدُ الْحَبْلِ بِالدَّنِّ كَعَقْدِ الْحَبْلِ بِحَبْلِ آخَرَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ.
(فَرْعٌ) قَالَ: فَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَرْبُوطًا فِي قَارِبٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ جِرَارُ خَمْرٍ، أَوْ كَانَ الْقَارِبُ فِي مَاءٍ نَجِسٍ فَإِنْ كَانَ الرَّبْطُ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ تَحَرَّكَ الْقَارِبُ مَعَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ إنَّمَا يُعَدُّ مُمْسِكًا لِلْقَارِبِ وَالْقَارِبُ طَاهِرٌ وَالنَّجَاسَةُ جَاوَرَتْهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَبَطَهُ فِي رَأْسِ دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ عَلَى نَجَسٍ إلَّا أَنَّهُ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ طَرَفَ الْمِنْدِيلِ الْمُلْقَى إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَوْلَانِ قِيلَ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ.
(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا فِي الْقَارِبِ لَا يُجْزِيهِ فَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا بِرَأْسِ دَابَّةٍ عَلَيْهَا رَحْلٌ نَجِسٌ فَيَظْهَرُ هُنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً عَلَى بَوْلِهَا أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَهَا فِعْلٌ فَتُعَدُّ هِيَ الْحَامِلَةُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَارِبِ فَإِنَّهُ آلَةٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ عُودٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَرْبُوطٍ بِحَبْلٍ وَلِأَجْلِ هَذَا تُؤَثِّرُ النَّجَاسَةُ الَّتِي هُوَ عَائِمٌ فِيهَا، وَلَا تُؤَثِّرُ فِي الدَّابَّةِ النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ وَاقِفَةٌ عَلَيْهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا الْأَخِيرِ تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَارِبِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ، أَوْ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ خِلَافُ شَرْطٍ عَدَمِيٍّ مَرْكَبٍ مِنْ إنْ الشَّرْطِيَّةِ، وَلَا النَّافِيَةِ وَفِعْلُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُخَرَّجٌ مِنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ عَلَى مَا قُلْنَا فِي بَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَيُقَالُ تَقْدِيرُهُ فَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، أَوْ مَكَانِهِ ذَاكِرًا قَادِرًا أَبَدًا وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ أَيْ، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ إمَّا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَصْلًا، أَوْ عَلِمَ بِهَا وَنَسِيَهَا، أَوْ صَلَّى بِهَا عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ فِي الظُّهْرَيْنِ إلَى الِاصْفِرَارِ وَالْمُرَادُ بِالظُّهْرَيْنِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَيُغَلِّبُونَ الْأَخَفَّ كَالْعُمْرَيْنِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَالْمُذَكَّرَ كَالْقَمَرَيْنِ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْأَسْبَقَ كَالظُّهْرَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا.
وَفِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ مِنْ إعَادَةِ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُعِيدُهُمَا إلَى الْمَغْرِبِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ: يُعِيدُ الْعَاجِزُ لِلْغُرُوبِ وَالنَّاسِي لِلِاصْفِرَارِ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَجَعَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمُعِيدِينَ لِصَلَاتِهِمْ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي الْأَبْيَاتِ الَّتِي نَظَمَهَا فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ