المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسح بعض الأعضاء بما تبقى من ماء في اللحية أو غيرها] - مواهب الجليل في شرح مختصر خليل - جـ ١

[الحطاب]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سِلْسِلَةَ الْفِقْهِ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ ثُمَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[سَنَدِ الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ وَسَنَدِ بَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ]

- ‌[الْكَلَام عَلَى الْبَسْمَلَة]

- ‌[فَائِدَتَانِ]

- ‌[شَرْحُ خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضَانِ]

- ‌[فَرْعٌ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاطِنَ]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ عِنْد الذَّبْح وَعِنْد الْعُطَاس وَالْجِمَاع وَغَيْر ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ عَنْ السَّلَامِ وَعَكْسُهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ كَذَا هَلْ يُثَابُ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْأَعْدَادِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ حُكْم الْخُطْبَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ]

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام مالك]

- ‌[فَرْعٌ التَّقْلِيدُ]

- ‌[فَرْعٌ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ]

- ‌[فَرْعٌ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا]

- ‌[فَرْعٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا]

- ‌[فَرْعٌ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

- ‌[تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ]

- ‌[فَوَائِد]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي تَفْسِيرِ اصْطِلَاحِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا ذَابَ الْبَرَدُ وَنَحْوُهُ فَوُجِدَ فِي دَاخِلِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَوْ نَجَسٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْأَرْضِ]

- ‌[فَرْعٌ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ]

- ‌[فَرْعٌ انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا]

- ‌[فَرْعٌ تَوَضَّأَ عَلَى بَلَاطٍ نَجِسٍ وَطَارَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ الْبَلَاطِ]

- ‌[فَرْعٌ تغير الْمَاء بِمَا هُوَ مُتَأَصِّل فِيهِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

- ‌[الْمَاءُ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ]

- ‌[الْمَاءُ الْجَارِي حُكْمُهُ كَالْكَثِيرِ]

- ‌[فَرْعٌ تغير الْمَاء فِي الْبَرْك الْمَعِدَة للوضوء]

- ‌[فَرْعٌ أَتَى الْجُنُبُ بِئْرًا قَلِيلَةَ الْمَاءِ وَبِيَدِهِ قَذِرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ]

- ‌[فَرْعٌ الْغُسْل فِي الْحِيَاض قَبْل غَسَلَ الْأَذَى]

- ‌[فَرْعٌ سُؤْر الْكَافِر وَالنَّصْرَانِيّ]

- ‌[فَرْعٌ الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[فَرْعٌ دُخُولُ الْحَمَّامِ]

- ‌[فَرْعٌ فِيمَنْ مَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْحَمَّامِ]

- ‌[فَرْعٌ النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَيْتَةِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ فِيمَا تَغَيَّرَ بِنَجَسٍ]

- ‌[فَرْعٌ الِاغْتِرَاف مِنْ الْمَاء قَبْل التَّطَهُّر]

- ‌[فَصْلٌ الطَّاهِرُ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حُكْم الشَّرَاب الْمُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ]

- ‌[فَرْعٌ دَخَلَ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا ثُمَّ أُخْرِجَتْ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْم مَنْ حَمَلَ قِشْرَةَ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ]

- ‌[ميتة الْآدَمِيِّ هَلْ هِيَ طَاهِرَة]

- ‌[فَرْعٌ فِي أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء طَاهِرَة]

- ‌[فَرْعٌ أستعمال النِّعَال مِنْ جلد الْمَيِّتَة]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى جُلُود الْمَيِّتَة]

- ‌[تَنْبِيهٌ الطَّاهِرُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ نَجِسٌ رَطْبٌ]

- ‌[فَرْعٌ الْفَخَّارُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[فَرْعٌ بَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُ]

- ‌[فَرْعٌ التَّخْفِيف فِيمَا اخْتَلَفَ فِي نَجَاسَته]

- ‌[فَرْعٌ وَقَوْع الْقَمْلَةُ فِي الدَّقِيقِ أَوْ غَيْر ذَلِكَ]

- ‌[فَرْعٌ وُقُوع النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَرْعٌ سُقُوط الْفَأْرَة فِي السَّمْن أَوْ الزَّيْت]

- ‌[فَرْعٌ وُجُود فَأْرَة ميتة فِي زير مِنْ أزيار زَيْت]

- ‌[فَرْعٌ هَرْيِ زَيْتُونٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ وُقُوع نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ فِي غَسْلِ جَامِدٍ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَعَتْ دَابَّة فِي طَعَام وَأُخْرِجَتْ حَيَّةً]

- ‌[فَرْعٌ طُرِحَ مِنْ الْجَامِدِ بِحَسَبِ مَا سَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ]

- ‌[فُرُوع مُنَاسِبَةً]

- ‌[فَرْعٌ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وُجِدَ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ]

- ‌[فَرْعٌ مِنْ نقص مِنْهُ سن أَوْ عظم هَلْ يَجُوز لَهُ رِدّه]

- ‌[فَرْعٌ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ بَيْع ثَوْب جَدِيدًا بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُبَيِّنْ]

- ‌[فَرْعٌ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا عَلَيْهَا وَنَقْشُ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ اتِّخَاذُ الْأَوَانِي مِنْ الْفَخَّارِ وَمِنْ الْعِظَامِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْر ذَلِكَ]

- ‌[فَرْعٌ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[فَرْعٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ وَقْت الْجُمُعَةِ الَّذِي تُعَادُ فِيهَا إذَا صَلَّاهَا بِنَجَاسَةٍ]

- ‌[فُرُوعٌ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الْبَوْلِ هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَفَضَائِلَهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ]

- ‌[مسح بَعْض الأعضاء بِمَا تَبْقَى مِنْ مَاء فِي اللِّحْيَة أَوْ غَيْرهَا]

- ‌[مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى عُزُوبُ النِّيَّة وَهُوَ انْقِطَاعُهَا وَالذُّهُولُ عَنْهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَفْضُ النِّيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ]

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِنْجَاء فِي غَيْر مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ جَمْعِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ]

- ‌[آدَاب الْجِمَاع]

- ‌[الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ]

- ‌[فَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ]

- ‌[فَصْلٌ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ غَلَبَهُ هَمٌّ حَتَّى ذَهِلَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ]

- ‌[فَرْعٌ فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ مَسَحَ إبِطَهُ أَوْ نَتَفَهُ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ يَدَ كَافِرٍ]

- ‌[فَرْعٌ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ مِنْ الْقُرْآن]

- ‌[فَائِدَةٌ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي أَكْفَانِهِ خَتْمَةُ قُرْآنٍ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلُ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا قُطِعَ الْخُفُّ وَشُرِجَ وَجُعِلَ لَهُ غَلْقٌ]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّيَمُّم]

- ‌[الْمَسْح عَلَى الجبائر]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان حُكْم الْحَيْض وَالنِّفَاس]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصَلِّ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة وَحُكْمهَا]

- ‌[فَصَلِّ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ مَوَاقِيت الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ]

- ‌[يَتَعَلَّقُ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَحْكَامٌ]

- ‌[فَرْعٌ فاجأ الْمَرْأَة الْحَيْض فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ صَلَاة الرَّسُول يَوْم الْوَادِي وَيَوْم الْخَنْدَق]

- ‌[فَرْعٌ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ]

- ‌[فَرْعٌ قَضَاء التَّطَوُّع]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الَّتِي لَا يَجُوز الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فِي فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا]

- ‌[فَرْعٌ يَتْرُك الصَّلَاة لِفَتَرَاتِ مُتَقَطِّعَة وَيَقُول إِن اللَّه غَفُور رَحِيم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ]

- ‌[فَصَلِّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْمُ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ]

- ‌[تَنْبِيه الْأَذَانُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[تَنْبِيه تَلَطَّخَ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ وَأَرَادَ الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ الرُّعَافُ فِي نَافِلَةٍ]

- ‌[تَنْبِيه حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فَخَرَجَ لَهُ وَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ سَتَرَ الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُتُورِ الْحَرِيرِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الْبُيُوتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَطِيفَةُ مِنْ الْحَرِيرِ والشَّمْلَةِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْوِسَادَةُ مِنْ الْحَرِيرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا رُقِّمَ بِالْحَرِيرِ]

- ‌[فَرْعٌ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ]

- ‌[فَرْعٌ خير الْأَلْوَانُ مِنْ اللِّبَاسِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّجَمُّل بِأَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَظَرُ الْإِنْسَانِ إلَى فَرْجِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ طَرَأَ عَلَى الْأُمِّيِّ قَارِئٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ وَيَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ سَتْرُ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَرَكَةُ إلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِنَفْسِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ نَوَى أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ]

- ‌[فَرْعٌ مَوْقِفُ الْمُصَلِّي]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَدْرُ حَرِيمِ الْمُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ مُدَافَعَةِ الْمَارِّ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ مَحِلُّ وَضْعِ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ مَرَّ الْهِرّ بالمصلي]

- ‌[فَرْعٌ تَشَوَّشَ الْمُصَلِّي مِنْ شَيْءٍ أَمَامَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَائِدَة الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ جَهَرَ بِدُعَاءِ الْقُنُوتِ]

- ‌[فَرْعٌ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَرْعٌ نَسِيَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إرْسَالِ عَذَبَةٍ مِنْ الْعِمَامَةِ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ المصلي مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى]

- ‌[فَرْعٌ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَرْعٌ فَرَشَ خُمْرَةً فَوْقَ الْبِسَاطِ وَصَلَّى عَلَيْهَا]

- ‌[تَنْبِيه رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ التَّمَاثِيلُ فِي نَحْوِ الْأَسِرَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يَجْعَلُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌[مسح بعض الأعضاء بما تبقى من ماء في اللحية أو غيرها]

مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْإِبْيَانِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ النُّكَتِ خِلَافَ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا وَأَنَّهُ كَمَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ فِي ابْتِدَاءِ طَهَارَتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ مِثْلُ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْ شُيُوخِنَا ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْإِبْيَانِيِّ وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ إلَّا أَنَّهُ عَزَاهُمَا لِلْإِبْيَانِيِّ وَشُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي وَلَمْ يَعْزُوَاهُ لِلْوَاضِحَةِ كَمَا ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ نَسِيَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَ فَهَلْ يَبْنِي فِي النِّسْيَانِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَرَكَ بَعْضَ مَفْرُوضِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْضَ الْغُسْلِ أَوْ لُمْعَةً عَامِدًا حَتَّى صَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ سَهْوًا حَتَّى طَاوَلَ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَقَطْ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ حِينَ ذَكَرَهُ اسْتَأْنَفَ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ تَرْكُ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَلَمْ يُعْذَرْ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي وَمِثْلُهُ فِي الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ وَيَصِلُهُ بِآخِرِ صَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ ابْتَدَأَ. ظَاهِرُهُ وَلَوْ سَهْوًا وَيُعَارِضُهُمَا غَسْلُ النَّجَاسَةِ إذَا رَآهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى وَنَسِيَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَرَهَا. وَأُجِيبَ بِضَعْفِ النَّجَاسَةِ وَقَدْ قِيلَ فِيهَا بِالْفَضِيلَةِ وَبِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهَا بِخِلَافِ اللُّمْعَةِ فَإِنَّ غَسْلَهَا وَاجِبٌ فَوْرًا لِذَاتِهَا لِيَصِحَّ الْوُضُوءُ الَّذِي هِيَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ عُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي خِلَافُ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ وُضُوءِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يَمْسَحُهُ وَيُعِيدُ الْخَمْسَ، فَإِنْ أَعَادَ الْخَمْسَ نَاسِيًا لِمَسْحِ رَأْسِهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَمْسَحُهُ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ فَقَطْ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ سَحْنُونٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي عُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ.

(فَرْعٌ) إذَا كَانَتْ اللُّمْعَةُ مِنْ مَغْسُولِ الْوُضُوءِ غَسَلَ مَوْضِعَهَا ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ إنْ نَسِيَ عُضْوًا غَسَلَهُ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ غَسَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَمَرَّةً وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْبُعْدِ غَسَلَ مَوْضِعَ اللُّمْعَةِ فَقَطْ ثَلَاثًا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالشَّبِيبِيُّ قَالَ الْجُزُولِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا غَسَلَ تِلْكَ الْأَعْضَاءَ أَوَّلًا مَرَّةً مَرَّةً فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.

(فَرْعٌ) إذَا تَحَقَّقَ مَوْضِعَ اللُّمْعَةِ غَسَلَهَا خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَوْضِعَهَا غَسَلَ الْعُضْوَ كُلَّهُ.

(قُلْتُ) وَهَذَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ لُمْعَةً أَوْ عُضْوًا فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ بَلْ شَكَّ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ غَسَلَهُ فَلْيَغْسِلْ مَا شَكَّ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِ وُضُوئِهِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعُضْوِ بَلَلٌ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ غَسَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَلَلٌ غَسَلَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طُولٍ مِمَّا يَجِفُّ فِيهِ لَوْ كَانَ غَسَلَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ غَسْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) مَنْ ذَكَرَ لُمْعَةً مِنْ غُسْلِهِ أَوْ عُضْوًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَغْسِلُهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّثْلِيثَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فِي الْغُسْلِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَأَعْرِفُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ ذَكَرَ لُمْعَةً مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى يَدَيْهِ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ يَدٍ هِيَ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ مَوْضِعَهَا مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَأَعَادَ بَقِيَّةَ وُضُوئِهِ، وَإِنْ طَالَ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا.

[مسح بَعْض الأعضاء بِمَا تَبْقَى مِنْ مَاء فِي اللِّحْيَة أَوْ غَيْرهَا]

(فَرْعٌ) فَإِنْ ذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَمْسَحَهُ بِمَا فِي ذِرَاعَيْهِ أَوْ لِحْيَتِهِ مِنْ

ص: 228

بَلَلٍ لِقِلَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِحْيَتُهُ عَظِيمَةً بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ مَا فِيهِ كِفَايَةُ الْمَسْحِ فَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَخَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ قَطَعَ وَلَمْ يُجْزِهِ مَسْحُهُ بِمَا فِي لِحْيَتِهِ مِنْ بَلَلٍ وَيَسْتَأْنِفُ مَسْحَهُ وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ إنْ كَانَ وَضَوْءُهُ قَدْ جَفَّ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ أَعَادَ أَبَدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، عَزَاهُ الْعُتْبِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَعَزَاهُ غَيْرُهُ لِمَالِكٍ انْتَهَى. وَنَصُّ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَسْحِ رَأْسِهِ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ مَسَحَ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ وَبِفَضْلِ لِحْيَتِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ: يُعِيدُ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَسْحٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَسْحُ رَأْسِهِ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْمَسْحُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ دَلِيلٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُحِبُّ فِيمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ يَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادِ، وَيَكْتَفُونَ بِقَوْلِهِمْ أَكْرَهُهُ وَلَا أُحِبُّهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ.

فَيُكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ فَضْلُ اللِّحْيَةِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلْمَسْحِ، وَعَلَى هَذَا تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَسْحٍ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عَظُمَتْ لِحْيَتُهُ فَكَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْمَسْحِ وَأَجَازَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِمَنْ ذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَقَدْ بَعُدَ عَنْهُ الْمَاءُ أَنْ يَمْسَحَ بِذَلِكَ الْبَلَلِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِثْلَ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى.

وَكَذَلِكَ خَرَّجَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

(قُلْتُ) وَكَذَا ابْنُ بَشِيرٍ وَفِي التَّخْرِيجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ أَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا أَوْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْمُدَوَّنَةِ لَا خِلَافًا، وَلِهَذَا قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَجْهُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلِنَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ هُوَ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَلَلِ فِي شَعْرِ وَجْهِهِ لَا يَكَادُ فِي غَالِبِ النَّاسِ أَنْ تَقَعَ بِهِ الْكِفَايَةُ فِي إيعَابِ يَدَيْهِ فَضْلًا عَنْ إيصَالِ الْبَلَلِ مِنْ يَدَيْهِ إلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ: إنْ لَمْ يُوعِبْ جَمِيعَ رَأْسِهِ بِالْمَاءِ مَسْحًا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُوعِبْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ غَسْلًا فَإِنْ صَوَّرَ مُصَوِّرٌ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَجِدُ مِنْ الْمَاءِ كِفَايَتَهُ يَعْنِي فِي لِحْيَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ إلَّا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَقِلُّ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِعُمُومِ الْمَاءِ غَالِبَ الْأَحْوَالِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ: إنْ كَانَ الْبَلَلُ لَمْ يَعُمَّ رَأْسَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعُمُّ لَكِنَّهُ مُتَغَيِّرٌ بِأَوْسَاخٍ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا فَهُوَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ قَرِيبٌ فَمَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَا خِلَافٌ انْتَهَى.

وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي كَلَامَ ابْنِ رَاشِدٍ وَاسْتَبْعَدَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ الْوُقُوعِ. قَالَ: وَيَرُدُّهُ نَقْلُ الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ بَعُدَ عَنْ الْمَاءِ فَلْيَمْسَحْ بِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي بَلَلِ الذِّرَاعَيْنِ أَنَّهُ كَبَلَلِ اللِّحْيَةِ وَرَدَّهُ بِنَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ

ص: 229

ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ مَسَحَ بِبَلَلِ ذِرَاعَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص (وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ أَوْ الْفَرْضِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ)

ش: هَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ السَّابِعَةُ وَكَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ حَارِثٍ: اتِّفَاقًا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَآخِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا نَصٌّ فِي وُجُوبِهَا مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] لِأَنَّهُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ إلَّا فِعْلُ أَمْرٍ لِأَجْلِ فِعْلِ أَمْرٍ آخَرَ، وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» وَالشَّطْرُ هُنَا النِّصْفُ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا فِي الْإِيمَانِ، وَإِذَا وَجَبَتْ فِي الْكُلِّ وَجَبَتْ فِي الشَّطْرِ وَمُقَابِلِ الْأَشْهَرِ، وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَازِرِيُّ نَصًّا فِي الْوُضُوءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِي الْغُسْلِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي التَّخْرِيجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ فِي الْغُسْلِ أَقْوَى انْتَهَى. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ فِي الطَّهَارَةِ شَائِبَتَيْنِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا النَّظَافَةُ تُشْبِهُ مَا صُورَتُهُ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَمِنْ حَيْثُ مَا شُرِطَ فِيهَا مِنْ التَّحْدِيدِ فِي الْغَسَلَاتِ وَالْمَغْسُولِ وَالْمَاءِ أَشْبَهَتْ التَّعَبُّدَ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَهُ صَحِيحٌ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْأَصَحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(تَنْبِيهٌ) الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ طَوِيلٌ مُتَشَعِّبٌ وَقَدْ صَنَّفَ الْقَرَافِيُّ رحمه الله كِتَابًا يَتَعَلَّقُ بِهَا سَمَّاهُ الْأُمْنِيَةُ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَهُوَ كِتَابٌ حَسَنٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَجَعَلَ كِتَابَهُ الْمَذْكُورَ مُشْتَمِلًا عَلَى عَشْرَةِ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَةِ النِّيَّةِ، الثَّانِي: فِي مَحَلِّهَا مِنْ الْمُكَلَّفِ، الثَّالِثُ: فِي دَلِيلِ وُجُوبِهَا، الرَّابِعُ: فِي حِكْمَةِ إيجَابِهَا، الْخَامِسُ: فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، السَّادِسُ: فِي شُرُوطِهَا، السَّابِعُ: فِي أَقْسَامِ النِّيَّةِ، الثَّامِنُ: فِي أَقْسَامِ الْمَنْوِيِّ، التَّاسِعُ: فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَطَهِّرُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ، الْعَاشِرُ: فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ النِّيَّةُ تَقْبَلُ الرَّفْضَ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا تِسْعَةُ أَبْحَاثٍ فَذَكَرَ التِّسْعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَتَكَلَّمَ عَلَى الْعَاشِرِ أَعْنِي الرَّفْضَ فِي السَّابِعِ أَعْنِي بَيَانَ أَقْسَامِهَا، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: النَّظَرُ فِي النِّيَّةِ فِي عَشْرَةِ أَبْحَاثٍ فَذَكَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي ذَكَرهَا الْقَرَافِيُّ ثَمَانِيَةً وَتَرَكَ الثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ وَجَعَلَ بَدَلَهُمَا بَيَانَ مَحَلِّهَا مِنْ الْفِعْلِ وَبَيَانَ كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِهَا، وَزَادَ فِي الْعَاشِرِ بَيَانَ عُزُوبِهَا أَيْضًا، فَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّهَا مِنْ الْفِعْلِ فَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شُرُوطِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَعَلُّقِهَا فَأَشَارَ إلَيْهِ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَأَمَّا عُزُوبُهَا فَذَكَرَهُ فِي أَقْسَامِهَا، فَتَكُونُ الْأَبْحَاثُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّيَّةِ عَشْرَةً كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ.

(الْأَوَّلُ) فِي حَقِيقَتِهَا قَالَ النَّوَوِي: هِيَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَالْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَاهِلِيَّةِ نَوَاك اللَّهُ بِحِفْظِهِ أَيْ قَصَدَكَ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: هِيَ قَصْدُ الْإِنْسَانِ بِقَلْبِهِ مَا يُرِيدُهُ بِفِعْلِهِ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْعَزْمِ وَالْإِرَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِرَادَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِهَا كَمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ جل جلاله وَتُسَمَّى شَهْوَةً وَلَا

ص: 230

تُسَمَّى نِيَّةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَزْمِ أَنَّ الْعَزْمَ تَصْمِيمٌ عَلَى إيقَاعِ الْفِعْلِ وَالنِّيَّةَ تَمْيِيزٌ لَهُ فَهِيَ أَخْفَضُ مِنْهُ رُتْبَةً وَسَابِقَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ: هِيَ إرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِمَالَةِ الْفِعْلِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ لَا بِنَفْسِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ. فَفَرْقٌ بَيْنَ قَصْدِنَا لِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَصْدِنَا لِكَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً أَوْ فَرْضًا أَوْ أَدَاءً فَالصِّفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْكَسْبِ تُسَمِّي إرَادَةً، وَالصِّفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِإِمَالَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ تُسَمَّى نِيَّةً، وَتُفَارِقُ النِّيَّةُ الْإِرَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ النَّاوِي، وَالْإِرَادَةَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا نُرِيدُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِحْسَانَهُ وَلَيْسَتْ فِعْلَنَا انْتَهَى. مُخْتَصَرًا وَعَرَّفَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهَا صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِإِمَالَةِ فِعْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ إلَى بَعْضِ مَا يَقْبَلُهُ.

(الثَّانِي) فِي بَيَانِ مَحَلِّهَا مِنْ الْمُكَلَّفِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَقَلُّ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْقَلْبِ، وَأَقَلُّ الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي الدِّمَاغِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَحَلُّهَا الْقَلْبُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَيْلِ وَالنَّفْرَةِ وَالِاعْتِقَادِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الدِّمَاغِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ كُلَّهَا أَعْرَاضُ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ النَّفْسُ وُجِدَ الْجَمِيعُ قَائِمًا بِهَا، فَالْعَقْلُ سَجِينُهَا وَالْعُلُومُ وَالْإِرَادَاتُ صِفَاتُهَا وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة: 22]{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37]{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] وَلَمْ يَضِفْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ إلَى الدِّمَاغِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ أَكْثَرُ الْمُتَشَرِّعِينَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ عِيَاضٌ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ: قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ: أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَأَقَلُّ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ، وَأَكْثَرُ الْفَلَاسِفَةِ وَأَقَلُّ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَبَطَلَتْ الْعُلُومُ وَالْفِكْرُ وَأَحْوَالُ النَّفْسِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِقَامَةَ الدِّمَاغِ لَعَلَّهَا شَرْطٌ وَالشَّيْءُ يَفْسُدُ لِفَسَادِ شَرْطِهِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا جَزْمَ بَلْ النُّصُوصُ وَارِدَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ وَذَكَرَ الْآيَاتِ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَزِمَ عَلَى أُصُولِنَا أَنَّ النَّفْسَ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُنْسَبُ لِلْعَقْلِ مِنْ الْفِكْرِ وَالْعُلُومِ صِفَاتٌ لِلنَّفْسِ فَتَكُونُ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ عَمَلًا بِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ النَّفْسَ هِيَ الرُّوحُ وَهِيَ الْعَقْلُ تُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ مَيْلِهَا إلَى الْمَلَاذِّ وَالشَّهَوَاتِ وَرُوحًا بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْجَسَدِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَقْلًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُحَصِّلَةً لِلْعُلُومِ فَصَارَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ بِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ وَالْمَوْصُوفُ وَاحِدٌ، وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ كَانَتْ النِّيَّةُ وَأَنْوَاعُ الْعُلُومِ وَجَمِيعُ أَحْوَالِ النَّفْسِ فِي الْقَلْبِ، وَالْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ لَمْ أَرَهَا فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَإِنَّمَا رَأَيْت الْعِبَارَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ الْأُخْرَى ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَزَادَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَهَذَا أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ وَظَوَاهِرُ السَّمْعِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْجِسْمَ قَالِبٌ لِلنَّفْسِ هِيَ فِيهِ كَالسَّيْفِ فِي الْغِمْدِ وَكَالسُّلْطَانِ الْجَالِسِ بِقُبَّتِهِ، وَالْقَلْبُ سَرِيرٌ وَالدِّمَاغُ كُرْسِيُّهُ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّأْسِ عَشْرَ حَوَاسَّ: خَمْسًا ظَاهِرَةً: الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ وَيُشَارِكُهُ فِي هَذَا سَائِرُ الْبَدَنِ، وَخَمْسًا بَاطِنَةً: هِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ وَمَرْكَزُهُ مُقَدَّمُ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْمُصَوَّرَةُ وَهِيَ أَعْلَى مِنْهُ، وَالْقُوَّةُ الْخَيَالِيَّةُ وَهِيَ فِي وَسَطِ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ، وَالْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ أَعْلَى مِنْهَا.

ص: 231

وَالْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ تُوَصِّلُ لِلْبَاطِنَةِ وَهِيَ تُوَصِّلُ لِلنَّفْسِ وَالْمُحَرِّكُ لِلْحَوَاسِّ هُوَ الْقَلْبُ اللَّحْمَانِيُّ وَالنَّفْسُ وَالرُّوحُ بِمَعْنًى.

(تَنْبِيهٌ) يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَةٌ مِنْ الْجِرَاحِ وَهِيَ مَنْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ خَطَأً فَذَهَبَ عَقْلُهُ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ دِيَةُ الْعَقْلِ وَدِيَةُ الْمَأْمُومَةِ أَوْ الْمُوضِحَةِ لَا يُدْخِلُ بَعْضَ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ إذْ لَيْسَ الرَّأْسُ عِنْدَهُ مَحَلَّ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَلْبُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّرْعِ، فَهُوَ كَمَنْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَأَذْهَبَ سَمْعَهُ فِي ضَرْبَةٍ وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا لَهُ دِيَةُ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّأْسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ كَمَنْ أَذْهَبَ بَصَرَ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَهُ فِي ضَرْبَةٍ، وَهَذَا فِي الْخَطَأِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ ذَهَبَ عَقْلُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَوَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ فَدِيَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي وَفِي الْمَأْمُومَةِ لَهُ دِيَتُهَا وَدِيَةُ الْعَقْلِ.

(الثَّالِثُ) فِي دَلِيلِ وُجُوبِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لَمَّا ذَكَرْنَا حُكْمَهَا وَبِهِ عَبَّرَ ابْنُ رَاشِدٍ فَقَالَ: الثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِهَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ.

(الرَّابِعُ) فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ لِيَتَمَيَّزَ مَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى عَمَّا لَيْسَ لَهُ أَوْ تَتَمَيَّزَ مَرَاتِبُ الْعِبَادَاتِ فِي أَنْفُسِهَا لِتَمْيِيزِ مُكَافَأَةِ الْعَبْدِ عَلَى فِعْلِهِ وَيَظْهَرُ قَدْرُ تَعْظِيمِهِ لِرَبِّهِ، فَمِثَالُ الْأُولَى الْغُسْلُ يَكُونُ عِبَادَةً وَتَبَرُّدًا وَحُضُورُ الْمَسَاجِدِ يَكُونُ لِلصَّلَاةِ وَفُرْجَةً وَالسُّجُودُ لِلَّهِ أَوْ لِلصَّنَمِ، وَمِثَالُ الثَّانِي الصَّلَاةُ لِانْقِسَامِهَا إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَالْفَرْضُ إلَى فَرْضٍ عَلَى الْأَعْيَانِ وَفَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضٍ مَنْذُورٍ وَفَرْضٍ غَيْرِ مَنْذُورٍ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ كَيْفِيَّةُ تَعَلُّقِهَا بِالْفِعْلِ فَإِنَّهَا لِلتَّمْيِيزِ، وَتَمْيِيزُ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِإِضَافَتِهِ إلَى سَبَبِهِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ بِوَقْتِهِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ بِحُكْمِهِ الْخَاصِّ بِهِ كَالْفَرِيضَةِ أَوْ بِوُجُودِ سَبَبِهِ كَرَفْعِ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ سَبَبٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، فَإِذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ارْتَفَعَ وَصَحَّ الْوُضُوءُ، وَلَمَّا كَانَتْ حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا ذُكِرَ كَانَتْ الْقُرَبُ الَّتِي لَا لَبْسَ فِيهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ وَجَلَالِهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عَذَابِهِ وَالرَّجَاءِ لِثَوَابِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لِجَمَالِهِ وَكَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فَإِنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لِجَنَابِهِ سبحانه وتعالى، وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ مُنْصَرِفَةٌ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى بِصُورَتِهَا فَلَا جَرَمَ، وَلَمْ تَفْتَقِرْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَلَا حَاجَةَ لِلتَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا لَوْ افْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَكَذَلِكَ يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى نِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا يُثَابُ عَلَى الْفِعْلِ مُفْرَدًا لِانْصِرَافِهَا بِصُورَتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْفِعْلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ مَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا هُوَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ حَسَنَةً وَاحِدَةً وَعَلَى فِعْلِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إذَا نَوَى فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ هِيَ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتُ وَسَائِلُ وَالْوَسَائِلِ أَنْقَصُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَعُلِمَ مِنْ الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا كَانَتْ نُصُوصًا فِي شَيْءٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكَذَلِكَ الْأَعْيَانُ الْمُسْتَأْجَرَةُ إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ فِيهَا مُتَعَيِّنَةً لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَعْيِينٍ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ خِبَاءً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ النُّقُودُ إذَا كَانَ بَعْضُهَا غَالِبًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْحُقُوقُ إذَا تَعَيَّنَتْ لِرَبِّهَا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا. وَلِمُلَاحَظَةِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِمَا فَمَنْ رَأَى أَنَّهُمَا مُتَعَيِّنَانِ لِلَّهِ تَعَالَى بِصُورَتِهِمَا قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِيهِمَا، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي رَمَضَانَ قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ الْغِذَاءِ وَنَحْوِهِ وَقَلَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ يَكُونُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ لِلتَّجْدِيدِ أَوْ لِلتَّبَرُّدِ أَوْجَبَ النِّيَّةَ.

(الْخَامِسُ) فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا إمَّا مَطْلُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ، وَالْمُبَاحُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فِيهِ، وَالْمَطْلُوبُ نَوَاهٍ وَأَوَامِرُ، فَالنَّوَاهِي يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهَا، فَزَيْدٌ الْمَجْهُولُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ وَقَدْ خَرَجْنَا عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ لَمْ نَشْعُرْ بِهِ،

ص: 232

نَعَمْ إنْ شَعَرْنَا بِالْمُحَرَّمِ وَنَوَيْنَا تَرْكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَنَا مَعَ الْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ الثَّوَابُ فَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَالْأَوَامِرُ مِنْهَا مَا يَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ انْتِفَاعُ أَرْبَابِهَا، وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الْفَاعِلِ فَيَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَالصَّلَوَاتِ وَالطَّهَارَاتِ وَالصِّيَامِ وَالنُّسُكِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُضُوعُ لَهُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا قُصِدَتْ مِنْ أَجَلِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالنِّيَّاتِ.

(السَّادِسُ) فِي شُرُوطِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمُكْتَسَبٍ لِلنَّاوِي فَإِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ وَتَحْصِيلُ غَيْرِ الْمَفْعُولِ لِلْمُخَصِّصِ مُحَالٌ، وَكَذَلِكَ امْتَنَعَ نِيَّةُ الْإِنْسَانِ لِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ نِيَّةُ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ حَالَ الْإِمَامَةِ مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاتِهِ حَالَ الِانْفِرَادِ وَالْإِمَامَةُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَالنِّسَبُ عَدَمِيَّةٌ وَالْعَدَمُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةُ الْعَبْدِ فَهَذِهِ النِّيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُكْتَسَبٍ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ النِّيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِمُكْتَسَبٍ وَلَا مُكْتَسَبَ اسْتِقْلَالًا أَوْ تَبَعًا لِمُكْتَسَبٍ كَالْوُجُوبِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّدْبِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَلَيْسَ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ بِمُكْتَسَبٍ لِلْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ فَحَسُنَ الْقَصْدُ إلَيْهَا تَبَعًا لِقَصْدِ الْمُكْتَسَبِ فَكَذَلِكَ الْإِمَامَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِعْلًا زَائِدًا عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمُكْتَسَبٍ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَأَمْكَنَ الْقَصْدُ إلَيْهَا تَبَعًا.

(الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ مَعْلُومَ الْوُجُوبِ أَوْ مَظْنُونَ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمَشْكُوكَ تَكُونُ النِّيَّةُ فِيهِ مُتَرَدِّدَةً فَلَا تَنْعَقِدُ فَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ الْكَافِرِ قَبْلَ اعْتِقَادِهِ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ غَيْرُ مَعْلُومَيْنِ وَلَا مَظْنُونَيْنِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الشَّرْطِ فُرُوعٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا.

(الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْمَنْوِيِّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ لَوْ عَرَا عَنْ النِّيَّةِ لَكَانَ أَوَّلُهَا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَغَيْرِهَا، وَآخِرُ الصَّلَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهَا فَإِذَا كَانَ أَوَّلُهَا مُتَرَدِّدًا كَانَ آخِرُهَا كَذَلِكَ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمُ لِلْمَشَقَّةِ فَجَوَّزُوا عَدَمَ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِأَوَّلِ الْمَنْوِيِّ لِإِتْيَانِ أَوَّلِ الصَّوْمِ حَالَةَ النَّوْمِ غَالِبًا، وَالزَّكَاةُ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى إخْرَاجِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا.

(السَّابِعُ) فِي أَقْسَامِهَا النِّيَّةُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لَكِنَّهَا تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ مَا يَعْرِضُ لَهَا إلَى قِسْمَيْنِ: فِعْلِيَّةٌ مَوْجُودَةٌ وَحُكْمِيَّةٌ مَعْدُومَةٌ فَإِذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ فَهَذِهِ نِيَّةٌ فِعْلِيَّةٌ، ثُمَّ إذَا ذَهَلَ عَنْهَا فَهِيَ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِاسْتِصْحَابِهَا وَكَذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَالْإِيمَانُ وَالنِّفَاقُ وَالرِّيَاءُ وَجَمِيعُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ إذَا شَرَعَ فِيهَا وَاتَّصَفَ الْقَلْبُ بِهَا كَانَتْ فِعْلِيَّةً، ثُمَّ إذَا ذَهَلَ عَنْهَا حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِبَقَاءِ أَحْكَامِهَا لِمَنْ اتَّصَفَ بِهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ الْإِنْسَانُ مَغْمُورًا بِالْمَرَضِ لَحَكَمَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِالْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِالْوِلَايَةِ أَوْ الصِّدِّيقِيَّةِ وَجَمِيعِ الْمَعَارِفِ، وَعَكْسُهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ ثُمَّ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه: 74] مَعَ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ أَحَدٌ مُجْرِمًا وَلَا كَافِرًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى عُزُوبِهَا.

(الثَّامِنُ) فِي أَقْسَامِ الْمَنْوِيِّ وَأَحْوَالِهِ الْمَنْوِيُّ مِنْ الْعِبَادَاتِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ، وَالثَّانِي مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَعَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَيْضًا مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ نَظَافَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ مَطْلُوبٌ لِلصَّلَاةِ مُكَمِّلٌ لِحُسْنِ هَيْئَاتِهَا، وَالثَّانِي مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ فَقَطْ كَالتَّيَمُّمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ، وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ فَلَا جَرَمَ إذَا نَوَى التَّيَمُّمَ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ بِالنِّيَّةِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً، وَاَلَّذِي هُوَ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ يَتَخَيَّرُ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ قَصْدِهِ لَهُ لِكَوْنِهِ

ص: 233

مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَبَيْنَ قَصْدِهِ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ دُونَهُ، فَالْأَوَّلُ كَقَصْدِهِ الْوُضُوءَ وَالثَّانِي كَقَصْدِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ أَوْ شَيْئًا لَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ إلَّا بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِبَاحَةُ صَحَّ لِاسْتِلْزَامِ هَذِهِ الْأُمُورِ رَفْعَ الْحَدَثِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا فُرُوعٌ يَأْتِي ذِكْرُهَا.

(التَّاسِعُ) فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَطَهِّرُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.

(الْعَاشِرُ) فِي مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ النِّيَّةُ تَقْبَلُ الرَّفْضَ وَفِي مَعْنَى عُزُوبِهَا وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَبْحَاثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّيَّةِ مُخْتَصَرًا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي الذَّخِيرَةِ وَكِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ وَمِمَّا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَمِنْ التَّوْضِيحِ، وَلْنَرْجِعْ إلَى حَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَقَوْلُهُ: وَنِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ أَوْ الْفَرْضِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ كَيْفِيَّةَ النِّيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ هِيَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ، فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ هِيَ الْقَصْدُ إلَيْهِ بِتَخْصِيصِهِ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ كَرَفْعِ الْحَدَثِ، أَيْ الْوَصْفِ الْقَائِمِ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ إذْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّ فِي الْوُضُوءِ يَنْوِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، وَرُفِعَ الْمَنْعُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ طَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ.

وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ حَتَّى يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْ كَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ نَوَى مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ الْفَرْضِ أَيْ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ سَوَاءٌ نَوَى اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِهِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْمَطْلُوبُ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ امْتِثَالَ الْأَمْرِ، وَهَذِهِ مَتَى حَضَرَ ذَكَرَ جَمِيعَهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْصِدَ ذِكْرَ أَحَدِهَا دُونَ الْآخَرِ بَلْ هِيَ مُتَلَازِمَةٌ.

وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ بَعْضُهَا أَجْزَأَ عَنْ جَمِيعِهَا وَلَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ جَمِيعُهَا وَقَصَدَ بِطَهَارَتِهِ بَعْضَهَا نَاوِيًا عَدَمَ حُصُولِ الْآخَرِ فَالطَّهَارَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ حَاصِلَةٍ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ: أَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ، أَوْ أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ أَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِيجَابِ وَلَا أَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا أَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَهَذَا أَتَى بِنِيَّةٍ مُتَضَادَّةٍ شَرْعًا فَتَتَنَافَى النِّيَّةُ وَتَكُونُ كَالْعَدَمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَأَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ لَصَحَّ وُضُوءُهُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَرْزُوقٍ التِّلِمْسَانِيُّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ الْفَرْضِ: هَذِهِ النِّيَّةُ إذَا صَاحَبَتْ وَقْتَ الْفَرْضِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْهُ فَفِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ رَخَّصُوا فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ.

(قُلْتُ) أَمَّا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ مَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْفَرْضِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضِيَّةَ وُضُوئِهِ ذَلِكَ فَكَذِبٌ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَحْضُرْ، وَإِنْ نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْمَنْوِيِّ، وَإِنْ نَوَى فَرْضَ مَا يَأْتِي لَمْ يَصِحَّ الْجَزْمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَصِلُ إلَيْهِ أَوْ لَا؟ وَإِنْ نَوَى إنْ بَقِيَتْ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ كَمُغْتَسِلٍ قَالَ: إنْ كُنْتُ جُنُبًا فَهَذَا لَهُ انْتَهَى.

(قُلْتُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّ الْفَرْضَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَالثَّانِي مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ، كَقَوْلِنَا: الْوُضُوءُ لِلنَّافِلَةِ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْضُ الْمَنْوِيُّ هُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي مَنَعَ مِنْهَا الْحَدَثُ فَهُوَ

ص: 234

رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى اسْتِبَاحَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَدَثُ وَإِلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ بَعْدُ: إنَّ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ مُتَلَازِمَةٌ مَتَى ذُكِرَ جَمِيعُهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْصَدَ ذِكْرُ أَحَدِهَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيِّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهَذَا إذَا كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ الَّتِي يَتَوَضَّأُ لَهَا غَيْرَ فَرْضٍ وَأَمَّا إذَا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَعْطَى نِيَّةَ الْفَرْضِ بِالْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ: فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَسَتْرَ الْعَوْرَةِ وَالِاسْتِقْبَالَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَمْنُوعٍ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَحُكْمُ الْغُسْلِ حُكْمُ الْوُضُوءِ فَمَنْ نَوَى بِغُسْلِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ جَنَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَلَا أَحْفَظُ فِيهَا نَصًّا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ الْغُسْلُ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ وَاسْتِبَاحَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَمَّا لَوْ نَوَى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ لَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا تَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ. انْتَهَى. وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْغُسْلِ: وَاجِبُهُ نِيَّةٌ وَمُوَالَاةٌ كَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ وَجْهِهِ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ النِّيَّةِ عِنْدَ أَوَّلِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ: يَبْدَأُ بِالنِّيَّةِ أَوَّلَ الْفِعْلِ وَيَسْتَصْحِبُهَا إلَى أَوَّلِ الْمَفْرُوضِ انْتَهَى. وَهَكَذَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ، وَنَصُّهُ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفُتْيَا وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ يَنْوِيهَا أَوَّلَهُ وَيَسْتَصْحِبُهَا ذِكْرًا إلَى غَسْلِ الْوَجْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّمَا يَنْوِي عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَعْرَى غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَنْ نِيَّةٍ فَإِنْ قَالُوا يَنْوِي لَهُ نِيَّةً مُفْرَدَةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلْوُضُوءِ نِيَّتَانِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ.

(قُلْتُ) يَلْزَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ يَقُولُوا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّتَيْنِ قَطْعًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ نُصُوصَهُمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالُوا: يَغْسِلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا بِنِيَّةٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: الْمَضْمَضَةُ غَسْلُ بَاطِنِ الْفَمِ بِنِيَّةٍ انْتَهَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِثْلُ الْمَضْمَضَةِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يَنْوِي بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ أَنَّهَا سُنَنٌ لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ تَحْصُلْ السُّنَّةُ، ثُمَّ يَنْوِي عِنْدَ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ)

ش: يَعْنَى أَنَّ النِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ إذَا صَحِبَهَا قَصْدُ التَّبَرُّدِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَا يَضُرُّهَا مَا صَحِبَهَا وَبِذَلِكَ صُدِّرَ فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَوَضَّأَ لِحَرٍّ يَجِدُهُ لَا يَنْوِي بِهِ غَيْرَهُ لَمْ تُجْزِهِ لِصَلَاةِ فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَلَا مَسِّ مُصْحَفٍ انْتَهَى. قَالَ سَنَدٌ وَلَا لِنَحْوِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى مَعَ التَّبَرُّدِ الصَّلَاةَ لَأَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ فَإِذَا نَوَاهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُضَادًّا لِلْوُضُوءِ وَلَا مُؤَثِّرًا فِي التَّطْهِيرِ مِنْ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْحَدَثِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَالتَّبَرُّدَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَا تَضَادَّ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعِبَادَةِ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ وَهَا هُنَا الْبَاعِثُ الْأَمْرَانِ انْتَهَى. وَكَانَ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِلَوْ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ.

(قُلْتُ) وَمَسْأَلَةُ الْبَرْدِ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ فِيهَا فِي شَرْحِ

ص: 235

مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ)

ش: مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْعَصْرَ أَوْ يَنْوِيَ أَنْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ دُونَ الصَّلَاةِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى اسْتِنَابَةَ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ وَلَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، لَكِنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ جَارِيَةٌ فِي السُّورَتَيْنِ فَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ الْجَمِيعَ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَبِيحُ شَيْئًا، وَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ مَا نَوَاهُ. أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ فِيهَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ أَنَّهُ حَكَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِيهَا، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ مَا نَوَاهُ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ يَسْتَبِيحُهُ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ أَعْنِي إذَا أَخْرَجَ بَعْضَ الْأَحْدَاثِ وَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذَا أَخْرَجَ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَالْفَرْضِ وَاسْتِبَاحَةَ مَمْنُوعٍ حَيْثُ قُلْتُمْ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ؟

(فَالْجَوَابُ) مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ إخْرَاجَ بَعْضِ الْمُسْتَبَاحِ رَاجِعٌ إلَى مُتَعَلِّقِ النِّيَّةِ، وَإِخْرَاجَ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ النِّيَّةِ فَالتَّنَاقُضُ الْأَوَّلُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ، وَالثَّانِي رَاجِعٌ إلَى الْمَاهِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَكَذَا إخْرَاجُ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ رَاجِعٌ إلَى الْمَاهِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (أَوْ نَسِيَ حَدَثًا لَا أَخْرَجَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ أَحْدَاثًا فَنَوَى حَدَثًا مِنْهَا نَاسِيًا غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحُكْمِ فَإِنْ نَوَى حَدَثًا وَأَخْرَجَ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ بَالَ وَتَغَوَّطَ وَنَوَى رَفْعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَفْسُدُ بِذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى حَدَثًا وَلَمْ يَنْوِ الْآخَرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَيَتَعَارَضُ فِيهِ مَفْهُومَا كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ نَسِيَ حَدَثًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ أَخْرَجَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ أَجْزَأَهُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ فَظَاهِرُ النُّصُوصِ الْإِجْزَاءُ وَسَوَاءٌ ذَكَرَ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ أَمْ لَا وَالْخِلَافُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ كَثِيرٌ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ فَيُجْزِئُهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ فَلَا يُجْزِئُهُ إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَلَوْ نَوَى حَدَثًا غَيْرَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ غَلَطًا فَنَصَّ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ.

(قُلْتُ) وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ غَلَطًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى حَدَثًا غَيْرَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ عَمْدًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص (أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ)

ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: لَوْ قَصَدَ الطَّهَارَةَ الْمُطْلَقَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قِسْمَانِ: طَهَارَةُ نَجَسٍ وَطَهَارَةُ حَدَثٍ، فَإِذَا قَصَدَ قَصْدًا مُطْلَقًا وَأَمْكَنَ صَرْفُهُ لِلنَّجَسِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْبَرَاذِعِيِّ: وَمَنْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ قِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَجْزَأَهُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُرِيدُ بِهِ الصَّلَاةَ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ أَوْ قِرَاءَةً فِي الْمُصْحَفِ أَوْ يُرِيدُ بِهِ طُهْرَ صَلَاةٍ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ. قَالَ سَنَدٌ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ مُطْلَقًا

ص: 236

أَنْ يُرِيدَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَتَعْيِينٍ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الْبَرَاذِعِيُّ عَلَى هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ: أَوْ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ، وَهَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا نَوَى بِوُضُوئِهِ التَّطْهِيرَ وَلَمْ يَرْتَبِطْ قَصْدُهُ بِصَلَاةٍ وَلَا بِذِكْرِ حَدَثٍ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: يُجْزِئُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَقَعُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَعَلَى إزَالَةِ النَّجَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينٍ، وَذَكَرَ الْبَاجِيّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ يَعْنِي ابْنَ شَعْبَانَ فِيمَنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي التَّطْهِيرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَنَابَةَ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ مَرَّةً: يُجْزِيهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَيَتَخَرَّجُ فِي الْوُضُوءِ مِثْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ فِي الْوُضُوءِ نِيَّةً تَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَهِيَ غَسْلُ أَعْضَائِهِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ فِي الْغُسْلِ قَرَائِنُ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَتَقْدِمَةُ الْوُضُوءِ وَتَخْلِيلُ أُصُولِ الشَّعْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ إثْرَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصَّهُ، الْمَازِرِيُّ: نِيَّةُ التَّطْهِيرِ الْأَعَمِّ مِنْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ لَغْوٌ. الْبَاجِيُّ: فِي إجْزَاءِ نِيَّةِ التَّطْهِيرِ لَا الْجَنَابَةِ رِوَايَتَا ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ اللَّخْمِيُّ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَوَضَّأَ يُرِيدُ الطُّهْرَ لَا الصَّلَاةَ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. وَفِيهَا مَنْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ أَجْزَأَهُ انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمَازِرِيِّ وَالْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَصَدَ الطُّهْرَ الْأَعَمَّ وَتَعَلُّقَ قَصْدِهِ بِالطُّهْرِ يُفِيدُ كَوْنَهُ أَعَمَّ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْبَاجِيُّ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَصَدَ الطَّهَارَةَ وَلَمْ يَرْتَبِطْ قَصْدُهُ بِكَوْنِهَا مِنْ حَدَثٍ فَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَاز وَالْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ فِعْلِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْحَدَثِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَانْظُرْ تَحْرِيرَ الشَّامِلِ

ص (أَوْ اسْتِبَاحَةَ مَا نُدِبَتْ لَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ نُدِبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا مَنَعَهُ الْحَدَثُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي قَصَدَ إلَيْهِ يَصِحُّ فِعْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ الْقَصْدُ إلَيْهِ الْقَصْدَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا تَضَمَّنَهُ الْقَصْدُ إلَى مَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَاعِدَةُ هَذَا أَنَّ مَنْ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ فَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ غَيْرَهُ، وَمَنْ نَوَى شَيْئًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ كَالنَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ غَيْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ لِأَنَّهُ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ فَنِيَّتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَوْ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ مِنْ فِعْلِهَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ لَكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى طَهَارَةٍ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْوُضُوءِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ انْتَهَى.

(الثَّانِي) لَا يُقَالُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتِبَاحَةُ مَا نُدِبَتْ لَهُ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَمَا نُدِبَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (أَوْ قَالَ إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ)

ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَطَهَّرَ وَقَالَ: إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَهَذَا الطُّهْرُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ

ص: 237

كَانَ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ عِيسَى مِنْ رَأْيِهِ يُجْزِيهِ، وَقَالَ الْبَاجِيّ: أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غُسْلِ الشَّاكِّ فَيُجْزِيهِ اتِّفَاقًا وَأَمَّا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فَالْقَوْلَانِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيّ وَعَبْدِ الْحَقِّ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّ سَمَاعَ عِيسَى فِي الْوَهْمِ لَا الشَّكِّ، وَالظَّنُّ بَاقٍ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي.

وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ شَكَّ هَلْ أَجْنَبَ أَمْ لَا؛ اغْتَسَلَ وَيَخْتَلِف هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ اسْتِحْبَابٌ فَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا أَجْزَأَهُ غُسْلُهُ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ فِي الظُّهْرِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ تُجْزِيهِ، وَإِنْ قَالَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ أَكُونَ أَجْنَبْتُ وَلَيْسَ بِشَكٍّ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَنَسِيتُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ فَإِنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا اغْتَسَلَ وَلَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ الْأَوَّلُ انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرِّوَايَةَ إنْ كَانَتْ فِي الشَّكِّ فَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ طُهْرِ الشَّاكِّ وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْوَهْمِ وَالتَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ انْتَهَى. كَلَامُهُ.

(قُلْتُ) يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ غَازِيٍّ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ سَقْطٌ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَلِذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: شَكُّ الْجَنَابَةِ كَالْحَدَثِ وَتَجْوِيزُ جَنَابَتِهِ دُونَ شَكٍّ لَغْوٌ لَوْ اغْتَسَلَ لَهُ ثُمَّ تَيَقَّنَ لَمْ يُجْزِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَوَّلًا هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا لَا تَجِبُ فَتَوَضَّأَ أَوْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا بَنَيْنَا عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَتَوَضَّأَ أَوْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْفَضِيلَةَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ رَفْعَ الْحَدَثِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ: إنْ جَزَمَ بِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا اتِّفَاقًا فَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ عِيسَى وَإِنْ تَرَجَّحَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ لِلِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ فَيُجْزِئُهُ عَلَى قَوْلِ عِيسَى، وَفِي إجْزَائِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَإِنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ وُجُودُ الْحَدَثِ وَلَا نَفْيُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَيُجْزِئُهُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ فَتَوَضَّأَ لَهُ فَقَوْلَانِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا.

(قُلْتُ) قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا اتِّفَاقًا أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ إذَا صَلَّى بِهِ.

وَقَوْلُهُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نُصُوصِهِمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ كَانَ شَكُّهُ غَيْرَ مُقْتَضٍ لِلْوُضُوءِ كَالتَّرَدُّدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى سَبَبٍ مَعَ تَقَدُّمِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ قَاصِدًا أَنَّهُ كَانَ خَرَجَ مِنْهُ حَدَثٌ فَهَذَا الْوُضُوءُ لَهُ لَا يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ لِلتَّرَدُّدِ الْحَاصِلِ فِي النِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ وُضُوءُ الشَّاكِّ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ وُضُوءَهُ قَدْ بَطَلَ بِالشَّكِّ وَأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَيَنْوِي حِينَئِذٍ رَفْعَ الْحَدَثِ جَزْمًا فَهَذَا يُجْزِئُهُ وُضُوءُهُ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَهَذَا الْوُضُوءُ لِذَلِكَ الْحَدَثِ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ حَدَثَهُ أَمْ لَا فَإِنْ صَلَّى بِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ.

هَذَا إذَا كَانَ قَدْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا وَهْمٌ وَتَجْوِيزٌ فَيُجْزِئُهُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَصَدَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحْدَثَ فَهَذَا الْوُضُوءُ لَهُ ثُمَّ صَلَّى بِذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَ حَدَثِهِ فَيُجْزِئُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ سَلَّمَ عَلَى الشَّكِّ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ وَنَظَائِرِهَا، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ

ص: 238