المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تنبيهات إذا نبت للمرأة لحية] - مواهب الجليل في شرح مختصر خليل - جـ ١

[الحطاب]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[سِلْسِلَةَ الْفِقْهِ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ ثُمَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[سَنَدِ الْكِتَابِ وَشُرُوحِهِ وَسَنَدِ بَعْضِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ]

- ‌[الْكَلَام عَلَى الْبَسْمَلَة]

- ‌[فَائِدَتَانِ]

- ‌[شَرْحُ خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضَانِ]

- ‌[فَرْعٌ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاطِنَ]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ عِنْد الذَّبْح وَعِنْد الْعُطَاس وَالْجِمَاع وَغَيْر ذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ عَنْ السَّلَامِ وَعَكْسُهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ كَذَا هَلْ يُثَابُ بِعَدَدِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْأَعْدَادِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ حُكْم الْخُطْبَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ]

- ‌[تَرْجَمَة الْإِمَام مالك]

- ‌[فَرْعٌ التَّقْلِيدُ]

- ‌[فَرْعٌ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَمْ يَجِدْ الشَّخْصُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ]

- ‌[فَرْعٌ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا]

- ‌[فَرْعٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا]

- ‌[فَرْعٌ مَا أُهْدِيَ لِلْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

- ‌[تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُقَلِّدَ]

- ‌[فَرْعٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ]

- ‌[فَوَائِد]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي تَفْسِيرِ اصْطِلَاحِ الْعُتْبِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا ذَابَ الْبَرَدُ وَنَحْوُهُ فَوُجِدَ فِي دَاخِلِهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَوْ نَجَسٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْأَرْضِ]

- ‌[فَرْعٌ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ]

- ‌[فَرْعٌ انْتَضَحَ مِنْ غُسْلِ الْجُنُبِ فِي إنَائِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذَا]

- ‌[فَرْعٌ تَوَضَّأَ عَلَى بَلَاطٍ نَجِسٍ وَطَارَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ الْبَلَاطِ]

- ‌[فَرْعٌ تغير الْمَاء بِمَا هُوَ مُتَأَصِّل فِيهِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

- ‌[الْمَاءُ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ]

- ‌[الْمَاءُ الْجَارِي حُكْمُهُ كَالْكَثِيرِ]

- ‌[فَرْعٌ تغير الْمَاء فِي الْبَرْك الْمَعِدَة للوضوء]

- ‌[فَرْعٌ أَتَى الْجُنُبُ بِئْرًا قَلِيلَةَ الْمَاءِ وَبِيَدِهِ قَذِرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْرِفُ بِهِ]

- ‌[فَرْعٌ الْغُسْل فِي الْحِيَاض قَبْل غَسَلَ الْأَذَى]

- ‌[فَرْعٌ سُؤْر الْكَافِر وَالنَّصْرَانِيّ]

- ‌[فَرْعٌ الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[فَرْعٌ دُخُولُ الْحَمَّامِ]

- ‌[فَرْعٌ فِيمَنْ مَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْحَمَّامِ]

- ‌[فَرْعٌ النَّزْحُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَيْتَةِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ فِيمَا تَغَيَّرَ بِنَجَسٍ]

- ‌[فَرْعٌ الِاغْتِرَاف مِنْ الْمَاء قَبْل التَّطَهُّر]

- ‌[فَصْلٌ الطَّاهِرُ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ حُكْم الشَّرَاب الْمُتَّخَذُ مِنْ قِشْرِ الْبُنِّ]

- ‌[فَرْعٌ دَخَلَ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا ثُمَّ أُخْرِجَتْ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْم مَنْ حَمَلَ قِشْرَةَ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ]

- ‌[ميتة الْآدَمِيِّ هَلْ هِيَ طَاهِرَة]

- ‌[فَرْعٌ فِي أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء طَاهِرَة]

- ‌[فَرْعٌ أستعمال النِّعَال مِنْ جلد الْمَيِّتَة]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة عَلَى جُلُود الْمَيِّتَة]

- ‌[تَنْبِيهٌ الطَّاهِرُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ نَجِسٌ رَطْبٌ]

- ‌[فَرْعٌ الْفَخَّارُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّجَاسَةِ]

- ‌[فَرْعٌ بَوْلُ الْوَطْوَاطِ وَبَعْرُهُ]

- ‌[فَرْعٌ التَّخْفِيف فِيمَا اخْتَلَفَ فِي نَجَاسَته]

- ‌[فَرْعٌ وَقَوْع الْقَمْلَةُ فِي الدَّقِيقِ أَوْ غَيْر ذَلِكَ]

- ‌[فَرْعٌ وُقُوع النَّجَاسَةُ الْقَلِيلَةُ فِي الطَّعَامِ]

- ‌[فَرْعٌ سُقُوط الْفَأْرَة فِي السَّمْن أَوْ الزَّيْت]

- ‌[فَرْعٌ وُجُود فَأْرَة ميتة فِي زير مِنْ أزيار زَيْت]

- ‌[فَرْعٌ هَرْيِ زَيْتُونٍ وُجِدَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ وُقُوع نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ فِي غَسْلِ جَامِدٍ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَرْعٌ وَقَعَتْ دَابَّة فِي طَعَام وَأُخْرِجَتْ حَيَّةً]

- ‌[فَرْعٌ طُرِحَ مِنْ الْجَامِدِ بِحَسَبِ مَا سَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ]

- ‌[فُرُوع مُنَاسِبَةً]

- ‌[فَرْعٌ مُصْحَفٍ كُتِبَ مِنْ دَوَاةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ وُجِدَ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ]

- ‌[فَرْعٌ التَّدَاوِي بِشُرْبِ بَوْلِ الْأَنْعَامِ]

- ‌[فَرْعٌ مِنْ نقص مِنْهُ سن أَوْ عظم هَلْ يَجُوز لَهُ رِدّه]

- ‌[فَرْعٌ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَهُ بِعَظْمِ مَيْتَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ بَيْع ثَوْب جَدِيدًا بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُبَيِّنْ]

- ‌[فَرْعٌ نَقْشُ الْخَوَاتِمِ وَنَقْشُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا عَلَيْهَا وَنَقْشُ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ اتِّخَاذُ الْأَوَانِي مِنْ الْفَخَّارِ وَمِنْ الْعِظَامِ الطَّاهِرَةِ وَغَيْر ذَلِكَ]

- ‌[فَرْعٌ الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[فَرْعٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيَانِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ وَقْت الْجُمُعَةِ الَّذِي تُعَادُ فِيهَا إذَا صَلَّاهَا بِنَجَاسَةٍ]

- ‌[فُرُوعٌ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الْبَوْلِ هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ وَفَضَائِلَهُ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ]

- ‌[مسح بَعْض الأعضاء بِمَا تَبْقَى مِنْ مَاء فِي اللِّحْيَة أَوْ غَيْرهَا]

- ‌[مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى عُزُوبُ النِّيَّة وَهُوَ انْقِطَاعُهَا وَالذُّهُولُ عَنْهَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَفْضُ النِّيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ]

- ‌[فَرْعٌ الِاسْتِنْجَاء فِي غَيْر مَوْضِع قَضَاء الْحَاجَة]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ جَمْعِ الْوَطْءَ مَعَ الْبَوْلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ]

- ‌[آدَاب الْجِمَاع]

- ‌[الْقِرَاءَةِ لِمَنْ يَتَنَشَّفُ]

- ‌[فَائِدَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ]

- ‌[فَصْلٌ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ غَلَبَهُ هَمٌّ حَتَّى ذَهِلَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ]

- ‌[فَرْعٌ فَرْجُ الْبَهِيمَةِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا]

- ‌[فَرْعٌ مَنْ مَسَحَ إبِطَهُ أَوْ نَتَفَهُ]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ يَدَ كَافِرٍ]

- ‌[فَرْعٌ مَسِّ الْمُحْدِثِ لِلْمَنْسُوخِ لَفْظُهُ مِنْ الْقُرْآن]

- ‌[فَائِدَةٌ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي أَكْفَانِهِ خَتْمَةُ قُرْآنٍ]

- ‌[فَصْلٌ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلُ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[فَرْعٌ إذَا قُطِعَ الْخُفُّ وَشُرِجَ وَجُعِلَ لَهُ غَلْقٌ]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّيَمُّم]

- ‌[الْمَسْح عَلَى الجبائر]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَيَان حُكْم الْحَيْض وَالنِّفَاس]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصَلِّ مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة وَحُكْمهَا]

- ‌[فَصَلِّ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ مَوَاقِيت الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ]

- ‌[يَتَعَلَّقُ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَحْكَامٌ]

- ‌[فَرْعٌ فاجأ الْمَرْأَة الْحَيْض فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ صَلَاة الرَّسُول يَوْم الْوَادِي وَيَوْم الْخَنْدَق]

- ‌[فَرْعٌ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ]

- ‌[فَرْعٌ قَضَاء التَّطَوُّع]

- ‌[فَرْعٌ الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الَّتِي لَا يَجُوز الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ قَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فِي فَرِيضَةٍ صَلَّاهَا فِي وَقْتِ نَهْيٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا]

- ‌[فَرْعٌ يَتْرُك الصَّلَاة لِفَتَرَاتِ مُتَقَطِّعَة وَيَقُول إِن اللَّه غَفُور رَحِيم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَسْتَأْجِرَ عَنْ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ]

- ‌[فَصَلِّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ]

- ‌[فَرْعٌ حُكْمُ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْفَجْرِ]

- ‌[تَنْبِيه الْأَذَانُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[تَنْبِيه تَلَطَّخَ مِنْ ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ وَأَرَادَ الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ الرُّعَافُ فِي نَافِلَةٍ]

- ‌[تَنْبِيه حَصَلَ لَهُ رُعَافٌ فَخَرَجَ لَهُ وَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ سَتَرَ الْعَوْرَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُتُورِ الْحَرِيرِ الْمُعَلَّقَةِ فِي الْبُيُوتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَطِيفَةُ مِنْ الْحَرِيرِ والشَّمْلَةِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْوِسَادَةُ مِنْ الْحَرِيرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا رُقِّمَ بِالْحَرِيرِ]

- ‌[فَرْعٌ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ]

- ‌[فَرْعٌ خير الْأَلْوَانُ مِنْ اللِّبَاسِ]

- ‌[فَرْعٌ التَّجَمُّل بِأَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَظَرُ الْإِنْسَانِ إلَى فَرْجِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ طَرَأَ عَلَى الْأُمِّيِّ قَارِئٌ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فِيهَا]

- ‌[فَرْعٌ وَيَكْفِي الْأَخْرَسَ نِيَّتُهُ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ سَتْرُ الْيَدَيْنِ بِالْكُمَّيْنِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَرَكَةُ إلَى الْأَرْكَانِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِنَفْسِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ نَوَى أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ صَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ]

- ‌[فَرْعٌ مَوْقِفُ الْمُصَلِّي]

- ‌[تَنْبِيهٌ قَدْرُ حَرِيمِ الْمُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ مُدَافَعَةِ الْمَارِّ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ مَحِلُّ وَضْعِ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَرْعٌ مَرَّ الْهِرّ بالمصلي]

- ‌[فَرْعٌ تَشَوَّشَ الْمُصَلِّي مِنْ شَيْءٍ أَمَامَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّجُودِ]

- ‌[فَرْعٌ الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[فَائِدَة الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ جَهَرَ بِدُعَاءِ الْقُنُوتِ]

- ‌[فَرْعٌ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ]

- ‌[فَرْعٌ نَسِيَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إرْسَالِ عَذَبَةٍ مِنْ الْعِمَامَةِ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ المصلي مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى]

- ‌[فَرْعٌ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَرْعٌ فَرَشَ خُمْرَةً فَوْقَ الْبِسَاطِ وَصَلَّى عَلَيْهَا]

- ‌[تَنْبِيه رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يُصَلِّي]

- ‌[فَرْعٌ التَّمَاثِيلُ فِي نَحْوِ الْأَسِرَّةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يَجْعَلُ خَاتَمَهُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌[تنبيهات إذا نبت للمرأة لحية]

غَسْلَ مَا تَحْتَهُ بِالْقُرْبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ يَقُولُ بِذَلِكَ وَلَعَلَّ مُرَادَ ابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ بِمَا نَقَلَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ مَعَ الطُّولِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ مَسْأَلَةِ مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهُ الْآتِيَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لَهُ وَفْرَةٌ فَحَلَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمَسْحَ انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَلَا يَعُودُ بِزَوَالِ شَيْءٍ مِنْهُ كَمَا إذَا مَسَحَ وَجْهَهُ فِي التَّيَمُّمِ أَوْ غَسَلَهُ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قُطِعَ أَنْفُهُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ بِمِنًى ثُمَّ يَنْزِلُونَ إلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَعَادَ مَسْحَ رَأْسِهِ إذَا حَلَقَهُ لِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ لِطَهَارَةِ الْجَنَابَةِ وَهِيَ كَانَتْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنَابِتَ الشَّعْرِ لَمْ تُغْسَلْ وَهِيَ مِنْ الْبَشَرَةِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخُفِّ وَسُقُوطِ الْجَبِيرَةِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَسْحَ الشَّعْرِ أَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ غَسْلُ الْأَظْفَارِ، بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ بَدَلٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْأَصْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَمْ يُعِدْ غُسْلَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(الثَّانِي) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِمَّنْ هُوَ خَارِجُ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَفِي لِحْيَتِهِ قَوْلَانِ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَفِي غَسْلِ مَحَلِّهَا قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَلَا يَغْسِلُ مَحَلَّهَا وَقَالَ الشَّارِقِيُّ: يَغْسِلُهُ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَ لِابْنِ بَطَّالٍ وَعَزَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَبِيرَةِ لِابْنِ الطَّلَّاعِ قَالَ: وَبِهِ فَتْوَى الشُّيُوخِ قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرَّأْسِ أَنَّ شَعْرَهُ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ شَعْرِهَا وَاقْتَصَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَصِّ الشَّارِبِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَنَصُّهُ وَمَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ هَلْ يُعِيدُ غَسْلَهُ؟ قَوْلَانِ: الْمَشْهُورُ لَا وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ وَالرَّأْسُ وَالْأَظْفَارُ بَابٌ وَاحِدٌ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ

[تَنْبِيهَاتٌ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَانْظُرْ إذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ وَحَلَقَتْهَا هَلْ حُكْمُهَا كَحُكْمِ الرَّجُلِ أَوْ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا لِلْخِلَافِ فِي جَوَازِ حَلْقِهَا إيَّاهَا؟ لَمْ أَقِفْ فِيهَا عَلَى نَصٍّ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) وَانْظُرْ إذَا حَلَقَهَا بَعْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ غَسْلِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرَّأْسِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالْأَرْجَحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَدَمُ الْإِعَادَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ بِضْعَةٌ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ لِحْيَتَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَحْلِقَهَا الْغَيْرُ أَوْ تَسْقُطَ فَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَدْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ وَفَرَضَهَا الْأَقْفَهْسِيُّ فِيمَنْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ فَقَالَ: لَوْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ. وَفَرَضَهَا ابْنُ نَاجِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَبِيرَةِ فِيمَنْ سَقَطَتْ لِحْيَتُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُحْلَقَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَوْ شَارِبُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ قَالَ: وَمِنْهُ تَحْذِيفُ الْمَغَارِبَةِ لِمَا حَوَالَيْ الْعَارِضَيْنِ وَالشَّارِبِ وَحَكَى الْجُزُولِيُّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ.

(الرَّابِعُ) وَحَلْقُ اللِّحْيَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ وَهُوَ مُثْلَةٌ وَبِدْعَةٌ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ أَوْ شَارِبَهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَيَخْشَى طُولَ شَارِبِهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي جَامِعِهِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْفَى شَارِبَهُ يَوْجَعُ ضَرْبًا وَهُوَ بِدْعَةٌ وَإِنَّمَا الْإِحْفَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَجِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْفَى شَارِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ وَيُؤْذِيَهُ، وَقَدْ رُخِّصَ لَهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا دَعَتْ

ص: 216

ضَرُورَةٌ إلَى حَلْقِهِ أَوْ حَلْقِ اللِّحْيَةِ لِمُدَاوَاةِ مَا تَحْتَهَا مِنْ جُرْحٍ أَوْ دُمَّلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَذَكَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْفِطْرَةِ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خُلِقَ لَهَا لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِحِلَاقِ غَيْرِهَا مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ مَا نَصُّهُ مِنْهُمْ مِنْ جَعَلَ حِلَاقَ شَعْرِ الْجَسَدِ سُنَّةً وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، الْجُزُولِيُّ وَهَذَا لِلرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَحَلْقُ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ مُثْلَةٌ انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الطَّبَرِيِّ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقُ شَعْرِ جَسَدِهَا لِلْمُثْلَةِ فَمُثْلَةُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ أَشَدُّ فَتَأَمَّلْهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ الزَّنَاتِيِّ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الطَّبَرِيِّ وَلَعَلَّ الزَّنَاتِيَّ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الطَّبَرِيَّ أَوْ حَكَاهُ عَنْهُ، فَظَنَّ النَّاقِلُ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - جَوَازُ حَلْقِ الْمَرْأَةِ مَا نَبَتَ لَهَا مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(السَّادِسُ) مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةُ لَحْمٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ قُشِّرَ مِنْهَا جِلْدَةٌ أَوْ قِشْرَةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِ الْجِلْدِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ لَغَسَلَ مَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَسَحَهُ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي غَسْلِهِ انْتَهَى. وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَقَالَ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ احْتَجَّ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ بِزَوَالِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَلَا يَصْلُحُ الِاحْتِجَاجُ إلَّا بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ الْعُضْوَ ثُمَّ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ بَاطِنِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ فِي تِلْكَ الطَّهَارَةِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ تَلْحَقُهُمْ الْجِرَاحُ وَيُصَلُّونَ بِحَالِهِمْ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا طَهَّرَ جُرْحَهُ لِمَكَانِ وُضُوئِهِ أَوْ غَسَلَهُ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ بَلْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ قِيلَ: وَأَمَّا مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ بِضْعَةُ لَحْمٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ يَمْسَحُهُ إنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ وَرَدَّهُ سَنَدٌ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُجْرَحُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ بِلَا إعَادَةٍ انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ: فَإِيجَابُ اللَّخْمِيِّ عَمَّنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهَا غَسَلَ مَا ظَهَرَ أَوْ مَسَحَهُ إنْ شَقَّ حِلَاقُهَا. وَخَطَأُ الطِّرَازِ يُخْرِجُهُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ ابْنُ نَاجِي فَقَالَ: وَأَوْجَبَ اللَّخْمِيُّ عَلَى مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةٌ مِنْهَا غَسْلَ مَا ظَهَرَ أَوْ مَسْحَهُ إنْ شَقَّ قِيلَ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ ذَكَرَ رَدَّ صَاحِبِ الطِّرَازِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَعَزَا شَيْخُنَا الْبُرْزُلِيُّ مَا نُسِبَ لِلْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَلِكَ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ لَا يَغْسِلُ مَوْضِعَهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ وَالْبِضْعَةُ وَالشَّوْكَةُ إذَا قَطَعَ عَنْهَا وَاللِّحْيَةُ إذَا حُلِقَتْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمَ، وَرَدَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ إذَا كُشِطَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَهَذَا مِنْ التَّعَمُّقِ وَالْغُلُوِّ، وَقَالَ فِي أَلْغَازِهِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَشَرَ قِشْرَةً.

(فَإِنْ قُلْتَ) رَجُلٌ صَلَّى بِلُمْعَةٍ فِي أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ وَهُوَ صَحِيحُ الْجَسَدِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (قُلْتُ) هَذَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَشَرَ قِشْرَةً مِنْ يَدِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَوْضِعِ الْقَشْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الطِّيبِيُّ فِي طُرَرِهِ عَلَى التَّهْذِيبِ وَذَكَره أَبُو عَلِيِّ بْنُ قَدَّاحٍ فِي الْقِشْرَةِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ فِيمَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ قَشَرَ جِلْدَةً مِنْ بَثْرَةٍ أَوْ جَرَبٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَتَقَدَّمَ لِلَّخْمِيِّ خِلَافُهُ انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ قَشَرَ قِشْرَةً مِنْ جِلْدِهِ أَوْ جُرْحٍ أَوْ بَثْرَةٍ أَوْ قَطَعَ قِطْعَةَ لَحْمٍ

ص: 217

مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ غَسَلَهُ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَوْضِعِ الْقِشْرَةِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا مَا يَنْبُتُ بِإِزَاءِ الظُّفْرِ الَّذِي يُسَمَّى بِالسَّيْفِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَحَلِّهِ إذَا زَالَ، بِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ وَقَالَ لِلسَّائِلِ: بِهَذَا قَالَ صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَيْدٍ إذْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ دَارِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ الْمَدْفُونِ بِهَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَا يُجِيزُ فِي هَذِهِ لِنُدُورِ مَسْأَلَتِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ مَسْأَلَتِنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص (وَالدَّلْكُ)

ش: لَمَّا فَرَغَ رحمه الله مِنْ الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِالدَّلْكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْغَسْلِ وَلِهَذَا لَمْ يَعُدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَرِيضَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ ذَكَرَهُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّلْكَ فَرْضٌ فِي مَغْسُولِ الْوُضُوءِ جَمِيعِهِ: الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، بِخِلَافِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْكِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؟ الْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُولِ مُسَمَّى الْغَسْلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَائِشَةَ رضي الله عنها «وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِكِ» وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ عِلَّتَهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَسَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى غَسْلًا، وَقَدْ فَرَّقَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالِانْغِمَاسِ، وَالثَّانِي نَفْيُ وُجُوبِهِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْغَسْلِ بِدُونِهِ.

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَحَقُّقِ إيصَالِ الْمَاءِ فَمَنْ تَحَقَّقَ إيصَالَ الْمَاءِ لِطُولِ مُكْثٍ أَجْزَأَهُ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِأَبِي الْفَرَجِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لَهُ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِأَبِي الْفَرَجِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الدَّلْكِ، وَالْخِلَافُ فِي الْغَسْلِ كَالْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغَسْلِ فَقَطْ دُونَ الْوُضُوءِ أَيْ فَيَجِبُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَحَكَى الْمِسْنَاوِيُّ قَوْلًا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا أَعْرِفُهُ فَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.

(قُلْتُ) بَلْ خَمْسَةٌ وَالْخَامِسُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ، وَإِنْكَارُ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ عَجِيبٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: التَّدَلُّكُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرُهُ: مُسْتَحَبٌّ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ. وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ يُطْلِقُونَ الْمُسْتَحَبَّ عَلَى السُّنَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمُوَالَاةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّدَلُّكِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. الشَّيْخُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ فِيهَا فَاغْسِلُوا وَآيَةَ الْغُسْلِ فِيهَا فَاطَّهَّرُوا، وَأَحَادِيثُ الْوُضُوءِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّدَلُّكِ وَأَحَادِيثُ الْغُسْلِ إنَّمَا فِيهَا أَفَاضَ الْمَاءَ وَاغْتَسَلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُسْلِ فَقَطْ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْبَعَةُ فُرُوعٍ: حَقِيقَةُ الدَّلْكِ وَمُقَارَنَتُهُ لِلْمَاءِ وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهِ وَنَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ.

(فَرْعٌ) فَأَمَّا حَقِيقَةُ الدَّلْكِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَهِيَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي نَهْرٍ يَنْوِي بِهِ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَعَلَى الْمُغْتَسِلِ وَالْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُمِرَّ الْيَدَ مَعَ الْمَاءِ فِي حِينِ غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ حِينَ غُسْلِهِ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ أَوْ غَمَسَهَا فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُمِرَّ الْيَدَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ عِنْدَ مَالِكٍ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ: فَيُفْرِغُهُ

ص: 218

عَلَيْهِ غَاسِلًا لَهُ بِيَدَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَدْلُكُهُ بِهِمَا مَعَ الْمَاءِ أَوْ أَثَرِهِ مُتَّصِلًا بِهِ دَلْكًا وَسَطًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ الْوَسَخِ الْخَفِيِّ بَلْ مَا ظَهَرَ وَحَالَ بَيْنَ مُبَاشَرَةِ الْمَاءِ لِلْعُضْوِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَلَا يَلْزَمُ إزَالَةُ الْوَسَخِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَجَسِّدًا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: وَالْغَسْلُ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ لَا إرْسَالُ الْمَاءِ فَقَطْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْلُكَ وَجْهَهُ وَإِنْ طَافَهُ وَخَفَّ إمْرَارُ الْيَدِ يُجْزِي إذَا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَسْلِ، وَمَا أَنْقَى مِنْ بَشَرَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ إذَا كَانَ لَا وِقَايَةَ لِلْوَجْهِ مِمَّا يُوقَى بِهِ سَائِرُ الْجَسَدِ انْتَهَى.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الدَّلْكِ لِصَبِّ الْمَاءِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُقَارِنًا لِصَبِّ الْمَاءِ وَلَا يَكْفِي إذَا كَانَ عَقِبَ الصَّبِّ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الثَّانِيَةُ غَسْلُ الْوَجْهُ بِنَقْلِ الْمَاءِ إلَيْهِ مَعَ الدَّلْكِ. قَوْلُهُ: مَعَ الدَّلْكِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الدَّلْكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِصَبِّ الْمَاءِ وَلَا يَكْفِي إذَا كَانَ بِأَثَرِ الصَّبِّ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَابِسِيِّ خِلَافَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ يَكْفِي كَوْنُهُ عَقِبَ صَبِّ الْمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ هَارُونَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي بَابِ الْغُسْلِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ.

فَقَالَ: وَلَوْ تَدَلَّكَ عَقِيبَ الِانْغِمَاسِ أَوْ الصَّبِّ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَدَلَكَ وَلَوْ بَعْدَ الْمَاءِ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ: الدَّلْكُ إمْرَارُ الْيَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مَعَ الْمَاءِ وَفِي اشْتِرَاطِ مُقَارَنَتِهِ لِصَبِّ الْمَاءِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهَا يُؤَدِّي إلَى مَشَقَّةٍ وَلِأَنَّ الْمَاءَ إذَا صُبَّ عَلَى الْجَسَدِ يَبْقَى زَمَانًا فَإِذَا تَدَلَّكَ عَقِبَ الصَّبِّ وَالْمَاءُ يَسِيلُ عَلَى جَسَدِهِ كَانَ كَمَنْ تَدَلُّكَ مَعَ صَبِّ الْمَاءِ، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَعْرُكُهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى.

وَالْعَرْكُ الدَّلْكُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِفَاضَةِ فِي كُلِّ مَغْسُولٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأُ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ جَوَازَ التَّعَقُّبِ مَعَ الِاتِّصَالِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: الْفَرْضُ السَّابِعُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَالدَّلْكِ وَحَقِيقَتِهِ إمْرَارُ الْيَدِ مَعَ الْمَاءِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى أَثَرِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ وَتَرْجِيحُهُ لِقَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ الْبَاجِيِّ نَحْوَ قَوْلِ الْقَابِسِيِّ وَنَصُّهُ: شُرِطَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ قَبْلَ ذَهَابِ الْمَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ مَسْحٌ ابْنُ عَرَفَةَ يَأْتِي فِي الْغُسْلِ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْغُسْلِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ هَارُونَ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافَ هُنَا كَالْخِلَافِ هُنَاكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ فِي الدَّلْكِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ضَرُورَةٍ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَيَنْوِي الْمَغْسُولُ لَا الْغَاسِلُ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ هَلْ يُجْزِيهِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ قَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ غَاسِلًا لَهُ: لَا خِلَافَ فِي النِّيَابَةِ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيُؤْخَذُ جَوَازُهَا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ إذْ كَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَيَنْوِي الْمَفْعُولُ لَا الْفَاعِلُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ هَلْ يُجْزِيهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةً عَلَى أَنْ يَغْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ عُضْوًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فَقَوْلَانِ، مَنْ قَالَ التَّرْتِيبُ فَرْضٌ لَا يُجْزِيهِ، وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي بَابِ الْغُسْلِ وَشَهَرَ الْإِجْزَاءُ، وَلَفْظُ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ: فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقِيلَ: يُجْزِيهِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِيهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ فَعَلَ حَرَامًا وَيُجْزِيهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ شَعْبَانَ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِجْزَاءُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَسْمِ النُّذُورِ وَالْجَنَائِزِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ

ص: 219

الْجَوَارِي رِجْلَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلصَّلَاةِ قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيٍ، قِيلَ لَهُ: أَلَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ اللَّمْسِ قَالَ: لَا لَعَمْرِي وَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شُغْلٍ أَوْ عُذْرٍ يَجِدُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ فِي لَمْسِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ الِالْتِذَاذَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ، فَلَوْ الْتَذَّ ابْنُ عُمَرَ لَمَا صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَلِيَ الْمُغْتَسِلُ أَوْ الْمُتَوَضِّئُ أَوْ الْمُتَيَمِّمُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ وَلِيَ ذَلِكَ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ، وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ اسْتِنْكَافًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِكْبَارًا عَنْهَا وَتَهَاوُنًا بِهَا انْتَهَى. وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَنَصُّهُ: سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّنْ تَوَضَّأَ عَلَى نَهْرٍ فَلَمَّا فَرَغَ خَضْخَضَ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ فَقَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَغْسِلُهُمَا وَلَا يُجْزِيهِ قَالَ أَصْبَغُ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ غَسَلَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؟ قَالَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ يُجْزِيهِ.

ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْغَسْلَ فِي اللُّغَةِ لَا يُفْعَلُ إلَّا بِصَبِّ الْمَاءِ وَإِمْرَارِ الْيَدِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ مِنْ دَلْكِ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى فِي دَاخِلِ الْمَاءِ إنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُمَا بِيَدَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ دَلْكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَا يُمْكِنُهُ أَوْ لَعَلَّهُ فَعَلَهُ اسْتِخْفَافًا مِنْ فَاعِلِهِ وَتَهَاوُنًا إذَا فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الِاسْتِنَابَةُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ فَتَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْوُضُوءِ؟ قُلْتُ أَمَّا فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ فَتَجُوزُ، وَأَمَّا فِي الدَّلْكِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنِيبُ مَرِيضًا.

قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ غَسْلِ وَجْهِهِ وَلَّى غَيْرَهُ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي كَانَ يَلِي مِنْ نَفْسِهِ، وَأَجْزَأَ ذَلِكَ الْغَسْلُ عَنْ مُرَادِهِ، وَنِيَّتُهُ بِحَسَبِ مَا نَوَاهُ وَأَرَادَهُ وَغَيْرُ نَافِعٍ لَهُ مَا يَنْوِيه الْمَأْمُورُ مِنْ وِفَاقِهِ أَوْ خِلَافِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَلِيَ مِنْهُ مَا كَانَ يَلِي مِنْ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ فِيهَا الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ كَانَ كَمَا وَصَفْنَا، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْوُضُوءِ: وَلَوْ وَلَّى ذَلِكَ يَعْنِي غَسْلَ أَعْضَائِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُكْرَهًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَجْزَأَهُ وَلَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عِنْدَ فِعْلِ الْفَاعِلِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَأَحْدَثَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْفَاعِلِ تَمَّ لَهُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا إنْ نَوَى الطَّهَارَةَ بَعْدَ أَنْ غُسِلَتْ بَعْضُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِذَلِكَ أَعَادَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ بَعْضَ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ أَنْ أَعَادَ ذَلِكَ الْعُضْوَ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنَكِّسِ. هَذَا إذَا أَعَادَ غَسْلَهُ بِالْقُرْبِ وَإِلَّا كَانَ مُفَرِّقًا لِلطَّهَارَةِ عَمْدًا فَلَا يُجْزِيهِ انْتَهَى. بَعْضُهُ بِاللَّفْظِ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى (قُلْتُ) وَقَدْ تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَقْطَعِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْغُسْلِ وَفِي آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، فَلَوْ أَرْسَلَ الْمَاءَ مِنْ يَدَيْهِ ثُمَّ مَرَّ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ لَمْ يُجْزِهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغَسْلٍ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّقْلِ حَمْلُ الْمَاءِ بِالْيَدِ إلَى الْعُضْوِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، فَلَوْ أَصَابَ الْمَطَرُ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوْ جَسَدِهِ أَوْ خَاضَ بِرِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ وَتَدَلَّكَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي نَهْرٍ وَتَدَلَّكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إذَا نَصَبَ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ حَتَّى حَصَلَ فِيهِمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ

ص: 220

فِي التَّوْضِيحِ: الصُّوَرُ ثَلَاثٌ مِنْهَا مَا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ النَّقْلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّهْرِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ. يُشِيرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا انْغَمَسَ فِي النَّهْرِ وَتَدَلَّكَ فِيهِ لِلْغُسْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ الْمَاءَ بِيَدِهِ إلَيْهِ وَلَا صَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَحْنُونٍ وَيُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ.

(قُلْتُ) لِسَحْنُونٍ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيُصِيبُهُ الْمَطَرُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ وَيَتَوَضَّأَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا هَلْ يَتَجَرَّدُ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمَطَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَزِيرًا؟ قَالَ: إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يَبُلُّ جِلْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَجَرَّدَ وَيَتَطَهَّرَ. ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا إذَا نَصَبَ يَدَهُ لِلْمَطَرِ فَحَصَلَ فِيهَا مِنْ الْمَطَرِ مَا يَكُونُ بِنَقْلِهِ إلَى وَجْهِهِ وَسَائِرِ أَعْضَائِهِ غَاسِلًا لَهُ وَمِنْ بَلَّتِهِ مَا يَمْسَحُ بِهِ رَأْسَهُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الرَّأْسِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَا أَصَابَهُمَا مِنْ الْمَطَرِ دُونَ أَنْ يَنْقُلَ إلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَدَيْهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ رَوَاهُ عَنْهُ عِيسَى فِيمَا حَكَى الْفَضْلُ وَذَلِكَ أَيْضًا قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَأَبْقَى رِجْلَيْهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَغَسَلَهُمَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى بِهِ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَدَيْهِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إجْمَاعَهُمْ عَلَى إجْزَاءِ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ وَتَدَلُّكِهِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ صُوَرِ الْغَسْلِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِيهَا، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى صُوَرِ الِانْغِمَاسِ وَلَوْ اغْتَسَلَ خَارِجَ الْمَاءِ كَانَ كَالْوُضُوءِ نَظَرٌ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَقَالَهُ بَعْضُ مَنْ لَقِيتُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَبِالثَّانِي قَطَعَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ الْمَطَرِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ قَوْلَانِ، مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ فِي النَّهْرِ، وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا لَوْ لَاقَى بِرَأْسِهِ الْمَطَرَ ثُمَّ مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ حُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ مَسَحَ بِمَا عَلَى رَأْسِهِ مِنْ بَلَلِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونًا قَالَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِمَاءِ الْمَطَرِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَى هَذَا فَاتَّفَقَ نَقْلُ الْبَاجِيِّ وَابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِجْزَاءِ فِي الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَسْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاجِيِّ: وَأَمَّا إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ يَعْنِي الرَّأْسَ فَهُوَ أَنْ يَنْقُلَ بَلَلَ الْمَاءِ بِيَدِهِ إلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ جَافَّةً عَلَى بَلَلِ رَأْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْحٍ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْحٌ بِيَدِهِ، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي يَتَوَضَّأ بِالْمَطَرِ يَنْصِبُ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ فَيَمْسَحُ بِالْبَلَلِ رَأْسَهُ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ بِمَا صَارَ فِيهِ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَاءَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ لَمْ يَكُنْ الْمَاسِحُ مَاسِحًا بِالْمَاءِ وَمَاءُ الْغُسْلِ يَعْلَقُ بِالْيَدِ وَيَتَصَرَّفُ مَعَهَا عَلَى أَعْضَاءِ الْغُسْلِ كَانَ فِي الْيَدِ مَاءٌ أَمْ لَا لِكَثْرَتِهِ فَيَكُونُ غَاسِلًا بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] يَقْتَضِي وُجُوبَ النَّقْلِ إذْ التَّقْدِيرُ أَلْصِقُوا بَلَلَ أَيْدِيكُمْ بِرُءُوسِكُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ

ص: 221

الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ وَأَقَامَ مِنْهَا عَدَمَ وُجُوبِ النَّقْلِ هِيَ قَوْلُهَا: وَمَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ اهـ.

(قُلْتُ) وَيَقُومُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَة أَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي نَهْرٍ إلَى آخِرِهِ.

وَقَدْ أَقَامَهُ مِنْهَا أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي فِيهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا وَنَصِّ مَا فِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمُ عَنْ الَّذِي يَتَوَضَّأ وَيَنْسَى غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَيَمُرُّ بِنَهْرٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخُوضُهُ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا دَلَكَ إحْدَى رِجْلَيْهِ بِالْأُخْرَى أَجْزَأَهُ. ابْنُ الْقَاسِمُ إذَا دَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَكَانَ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

ابْنُ رُشْدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَسِيَهَا وَفَارَقَ مَحَلَّ وُضُوئِهِ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَهُ ارْتُفِضَتْ النِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَلَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَأَبْقَى رِجْلَيْهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا وَغَسَلَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْقَاهُمَا ظَنًّا أَنَّهُ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ، فَإِنْ أَبْقَاهُمَا قَاصِدًا لِغَسْلِهِمَا فِي النَّهْرِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَأَجْزَأَهُ غَسْلُهُمَا فِي النَّهْرِ دُونَ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّهْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أَدْخَلَهُمَا فِيهِ وَدَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ انْتَهَى. وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ لَا يَعْنِي مَا يُعْطِيه ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنْ رَفْعِ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ بَلْ حُصُولَهُ عَلَى سَطْحِ الْوَجْهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ حَتَّى لَوْ أَلْقَى وَجْهَهُ إلَى مِيزَابٍ أَوْ مَطَرٍ وَابِلٍ وَأَتْبَعَ الدَّلْكَ لَكَفَاهُ وَكَذَا الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

(فَإِنْ قُلْتُ) لَا يَحْتَاجُ هَذَا إلَى بَيَانٍ لِأَنَّ مِثْلَ مَا ذَكَرْت لَا يَلْتَبِسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ (قُلْتُ) قَدْ يَلْتَبِسُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُلَاقِيَ بِرَأْسِهِ مَاءَ الْمَطَرِ ثُمَّ يَمْسَحَهُ بِيَدَيْهِ فَقَدْ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَغْلِيطِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ قُصُورٌ يَعْنِي لِأَنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْضًا جَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ مَسْحَ رَأْسِهِ بِمَا نَالَهُ مِنْ رَشٍّ دُونَ يَدَيْهِ مُجْزِئًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ، نَقْلِ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَمَنْ لَقِينَاهُ عَدَمَ إجْزَائِهِ اتِّفَاقًا انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ وَفِي بَابِ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ هَارُونَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَحَكَى ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ فِي الْمَاءِ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غُسْلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِ الْمَاءَ بَلْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ نَقْلِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَدْفَعُ أَنْ يُسَمَّى هَذَا غُسْلًا انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ الصُّورَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ صُوَرِ النَّقْلِ فَقَالَ: وَمِنْهَا مَا اُتُّفِقَ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ النَّقْلِ وَهِيَ إذَا أَخَذَ الْإِنْسَانُ الْمَاءَ ثُمَّ نَفَضَهُ مِنْ يَدِهِ وَمَرَّ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْعُضْوِ فَلَا يُجْزِئُهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغُسْلٍ انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُتَوَضِّئُ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ الْمَاءَ مِنْ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى وَجْهِهِ لَا مَاءَ فِيهِمَا إلَّا الْبَلَّةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَكُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ مَاسِحٌ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْحَ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِمِثْلِ الْخُفَّيْنِ وَالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فَهَذَا الشَّأْنُ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ بِالْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ يَمْسَحُ، وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ أَصْبَغَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ الشَّيْخِ زَرُّوق أَنَّ نَفْضَ الْيَدِ قَبْلَ إيصَالِ

ص: 222

الْمَاءِ إلَى الْوَجْهِ مُبْطَلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ صَبُّهُ مِنْ دُونِ الْجَبْهَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِهِ خِلَافُ مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ.

وَنَصُّهُ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَبُلُّ يَدَيْهِ بِالْمَاءِ وَيُمِرُّهُمَا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ أَوْ يَلْزَمُ نَقْلُ الْمَاءِ إلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْبَلَلِ؟ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ النَّقْلُ.

(قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ - بِمَعْنَى إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ - وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا حَمْلُ الْمَاءِ إلَيْهِ بِالْيَدِ فَلَا يَجِبُ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ فِي النَّهْرِ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَصَابَ الْمَطَرُ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ أَوْ جِسْمِهِ أَوْ خَاضَ بِرِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ فَعَلَى الرَّاجِحِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَسْحُهُ بِالْبَلَلِ الْحَاصِلِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَمَسْحُهُ بِبَلَلٍ لِحْيَتَهُ أَوْ ذِرَاعَيْهِ يَأْتِي فِي الْمُوَالَاةِ.

ص (وَهَلْ الْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا وَإِنْ عَجَزَ بَنَى مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَا أَوْ سَنَةٍ؟ خِلَافٌ) ش هَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ السَّادِسَةُ وَهِيَ الْمُوَالَاةُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ فِي الْأَجْسَامِ وَهِيَ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْأَمَاكِنِ، مَجَازٌ فِي الْأَفْعَالِ، وَمِنْهُ الْوَلَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالتَّوَالِي انْتَهَى. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الطَّهَارَةِ فِي زَمَنٍ مُتَّصِلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ فَاحِشٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْفَوْرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى أَشَدُّ لِكَوْنِهَا تَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ فِيمَا بَيْنَ الْأَعْضَاءِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْعُضْوِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا لَفْظُ الْفَوْرِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا الصَّحِيحُ عَدَّهَا مِنْ الْفَرَائِضِ وَأَشَارَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمَنَاهِي وَالتُّرُوكِ، احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي تَرْكِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَهُوَ أَصْلُ التُّرُوكِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي حُكْمِ الْمُوَالَاةِ قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، سَاقِطَةٌ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَزَاهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَشَهَّرَهُ أَيْضًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَشَهَّرَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) لَكِنَّهُ وَافَقَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، فَجَعَلَ التَّفْرِيقَ عَمْدًا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهَا: وَأَمَّا الْفَوْرُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَرْضٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ، وَسُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالثَّالِثُ فَرْضٌ فِيمَا يُغْسَلُ سُنَّةً فِيمَا يُمْسَحُ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا، وَعَلَى الثَّانِي إنْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَرَّقَهُ عَامِدًا فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ لِتَرْكِ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهَا عَامِدًا؛ لِأَنَّهُ كَاللَّاعِبِ الْمُتَهَاوِنِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُعَبِّرُ عَلَى مَذْهَبِهِ هَذَا فِي الْفَوْرِ أَنَّهُ فَرْضٌ بِالذِّكْرِ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَزَعَمَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْمُوَالَاةِ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ فَحَكَى الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَعْنِي الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ: وَالْخَامِسُ وَاجِبَةٌ فِي الْمَغْسُولِ وَالْمَمْسُوحِ الْبَدَلِيِّ دُونَ الْأَصْلِيِّ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالسَّادِسُ مُسْتَحَبَّةٌ حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَجَعَلَهُ

ص: 223

ابْنُ هَارُونَ سَادِسًا كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ يُطْلِقُونَ عَلَى السُّنَّةِ الِاسْتِحْبَابَ، وَالسَّابِعُ وَاجِبَةٌ إذَا تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ وَاجِبَةٍ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ حَكَاهُ ابْنُ جَمَاعَةَ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْخَمْسَةَ الْأُوَلَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكِي الْخَمْسَةَ الْأَقْوَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي حُكْمِهَا ابْتِدَاءً وَابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الْخِلَافَ أَوَّلًا فِي حُكْمِهَا بِالسُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ ثُمَّ حَكَى فِيهَا الْخِلَافَ إذَا نَزَلَ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ وَالْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَقْوَى مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْوُجُوبِ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَعَطْفُ الْأَعْضَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي جَعْلَهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ.

(قُلْتُ) وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلْفَوْرِ وَبِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَمِنْ حَقِّ الْجَزَاءِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ، وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» فَنَفَى الْقَبُولَ عِنْدَ انْتِفَائِهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَرَّةٌ مَرَّةً عَلَى الصَّحِيحِ لَا إلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْقُيُودِ وَإِلَّا لَانْدَرَجَ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَخْصُوصُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: الْإِشَارَةُ إلَى الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ بَقِيَ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لِصُورَةِ النِّزَاعِ، أَمَّا إسْقَاطُ الْوُجُوبِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلِضَعْفِ مَدْرَكِ الْوُجُوبِ بِالْمُتَأَكِّدِ بِالنِّسْيَانِ، وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِدْلَالِ وِرْدُهُ يَطُولُ.

(قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ فَرَّقَ الطَّهَارَةَ عَامِدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا، وَمَنْ فَرَّقَهَا نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا بَنَى، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا سُنَّةٌ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْبِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا.

(الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ بَلْ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ عَمْدًا. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ (قُلْتُ) وَحَكَى الِاتِّفَاقَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيّ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ.

وَنَصُّهُ: وَأَمَّا التَّفْرِيقُ غَيْرُ الْمُتَفَاحِشِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي إذَا فَرَّقَ الْوُضُوءَ تَفْرِيقًا يَسِيرًا فَهُوَ مُغْتَفَرٌ فَيَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُضُوئِهِ. وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا قَارَبَ الشَّيْءَ هَلْ يُعْطَى حُكْمُهُ أَمْ لَا؟ وَنَحْوَهُ حَكَى صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا التَّفْرِيقُ الْمُؤَثِّرُ هُوَ الْعَمْدُ فَهَلْ يَسْتَوِي قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عُذْرٌ مَشْهُورُ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُحَرِّمُ الْمُوَالَاةَ وَحُكْمَ الْفَوْرِ لَا يُفْسِدُ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُغْتَسِلِ مِنْ الْجَنَابَةِ: إذَا مَسَّ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَائِهِ يَمُرُّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَيُجْزِيهِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ فِي الْغُسْلِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَشَّفُ مِنْ وُضُوئِهِ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ: لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الطَّهَارَةِ وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اغْتَسَلَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي وُضُوئِهِ عليه الصلاة والسلام «اغْتَسَلَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمِّ فَتَرَكَ

ص: 224

- صلى الله عليه وسلم وُضُوءَهُ وَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ حَتَّى غَسَلَهُمَا» .

(الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْيَسِيرَ مَكْرُوهٌ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ مُوَافِقًا، وَقَوْلُ ابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ يَحْكِي الْمَنْعَ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَكَذَا كَلَامُ غَيْرِهِ لَكِنَّ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ: وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ الْيَسِيرَةُ فَغَيْرُ مُفْسِدَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ إلَّا أَنَّهَا تُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَحَدُّ الْيَسِيرِ مَا لَمْ تَجِفَّ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ، كَمَا قَالُوا فِي حَقِّ مَنْ قَصُرَ مَاؤُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ نَحْوُ مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ.

(قُلْتُ) هَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ وَهَذَا عِنْدِي لَا يُحَدُّ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ كَمَا حُدَّ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ لِلْمَاءِ بَلْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ عُذْرِهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا سَتَرَاهُ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعَجْزَ عُذْرًا يُعْذَرُ بِهِ فِي التَّفْرِيقِ مَعَ عَدَمِ جَفَافِ الْأَعْضَاءِ، وَالتَّفْرِقَةُ الْيَسِيرَةُ مُغْتَفَرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ بِلَا عُذْرٍ فَتَأَمَّلْهُ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَأَخَذَ يُبَيِّنُ حُكْمَ مَا إذَا تَرَكَ الْمُوَالَاةَ نِسْيَانًا أَوْ عَجْزًا وَبَدَأَ بِالنِّسْيَانِ فَقَالَ: وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ لُمْعَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى وُضُوئِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَغْسِلُ ذَلِكَ الْعُضْوَ أَوْ اللُّمْعَةَ مُطْلَقًا طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ. يُرِيدُ وَيُعِيدُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعُضْوِ أَوْ تِلْكَ اللُّمْعَةِ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ مَفْرُوضَةً كَانَتْ أَوْ مَسْنُونَةً. قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَكَرَ بِالْقُرْبِ قَبْلَ جَفَافِ أَعْضَائِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الطُّولِ بِجَفَافِ أَعْضَائِهِ لَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلَا مَا بَعْدَ تِلْكَ اللُّمْعَةِ، قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ أَعَادَ ذَلِكَ وَمَا يَلِيهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَهُ فَقَطْ، وَحَدُّ الطُّولِ الْجَفَافُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ إعَادَةِ الْمُنَكَّسِ، وَحَدُّهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا فَيُعِيدُهُ مَعَ تَابِعِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ حُكْمَ الْمُنَكَّسِ وَالْمَنْسِيِّ فِي الْإِعَادَةِ سَوَاءٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ إعَادَةَ مَا بَعْدَهُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ فَلَوْ لَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالشَّيْخُ زَرُّوق وَالْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا كَانَتْ إعَادَةُ مَا بَعْدَ الْمَنْسِيِّ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ حُصُولِ التَّرْتِيبِ فَتَكُونُ الْإِعَادَةُ سُنَّةً وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ زَرُّوق وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: وَإِنَّمَا يُعِيدُ مَا يَلِيه إذَا كَانَ بِالْقُرْبِ لِلتَّرْتِيبِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ سُنَّةٌ فَلَوْ تَرَكَ إعَادَةَ مَا يَلِيه لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ: إنَّ السُّنَنَ الَّتِي يَتَدَارَكُهَا وَيَأْتِي بِهَا أَرْبَعَةٌ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ دَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ، وَلَا مَعْنَى لِتَدَارُكِهِ لِلتَّرْتِيبِ إلَّا إتْيَانَهُ لِمَا فَعَلَهُ فِي مَحَلِّهِ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَإِعَادَةُ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلتَّرْتِيبِ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْجُزُولِيِّ وَالشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالِاسْتِحْبَابِ مَا يُقَابِلُ الْوُجُوبَ فَهُوَ شَامِلٌ لِلسُّنَّةِ أَيْ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِالْمُسْتَحَبِّ الَّذِي هُوَ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ السُّنَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِلتَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْهُ. وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي إعَادَةِ مَا بَعْدَ الْمُنَكَّسِ الْآتِي ذِكْرُهُ وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

(الثَّانِي) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا بَعْدَ الْمَنْسِيِّ مِنْ

ص: 225

مَسْنُونَاتِ الْوُضُوءِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ التَّبَعِ لِلْفَرَائِضِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّهُ لَا يُعِيدُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.

(الثَّالِثُ) مَا وَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَإِعَادَةِ مَا بَعْدَ الْمَنْسِيِّ فِي الْقُرْبِ وَعَدَمِ الْإِعَادَةِ مَعَ الْبُعْدِ؟ فَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: بِنِيَّةٍ يَعْنِي إذَا قُلْنَا فِي النِّسْيَانِ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فَلَوْ حَصَلَ غَسْلُ الْعُضْوِ الْمَنْسِيِّ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَنْوِيَهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَكَهُمَا بِيَدِهِ فِيهِ وَلَمْ يَنْوِ تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ رِجْلَيْهِ وَظَنَّ أَنَّهُ أَكْمَلَ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يُطِلْ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ نَسِيَ الْمُوَالَاةَ ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ تَرَكَهَا عَجْزًا كَمَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ وَقَامَ لِطَلَبِهِ فَيَبْنِي مَا لَمْ يُطِلْ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ فَأُهْرِيقَ أَوْ غُصِبَ أَوْ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُ كِفَايَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ الْبَاجِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَوَضَّأَ بَعْضِ وُضُوئِهِ فَعَجَزَ مَاؤُهُ فَقَامَ لِطَلَبِهِ فَإِنْ قَرُبَ بَنَى وَإِنْ تَبَاعَدَ وَجَفَّ وَضُوءُهُ ابْتَدَأَ وُضُوءَهُ قَالَ عِيَاضٌ: ذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه فَكَانَ كَالْمُفَرِّطِ وَالْمُغَرِّرِ وَلَوْ أَعَدَّ مَا يَكْفِيهِ فَأُهْرِيقَ لَهُ أَوْ غُصِبَ لَكَانَ حُكْمُهُ كَالنَّاسِي وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يَبْنِي إذَا عَجَزَ وَإِنْ طَالَ، وَحَمَلَهُ الْبَاجِيُّ عَلَى الْخِلَافِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَهَذَا إذَا ذَكَرَ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

(قُلْتُ) وَبَعْضُ الشُّيُوخِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ عِيَاضٌ هُوَ اللَّخْمِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيمَا إذَا غُصِبَ مِنْهُ الْمَاءُ أَوْ أُهْرِيقَ أَنَّهُ يَبْنِي وَلَوْ طَالَ وَنَصُّهُ: وَيَنْبَغِي مُوَالَاةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ غُلِبَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ أُهْرِيقَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَإِنْ بَعُدَ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ، وَاخْتَلَفَ إذَا فَرَّقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ كَانَ مُجْبَرًا عَلَى التَّفْرِيقِ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ بِلَا خِلَافٍ وَنَصُّهُ: التَّفْرِيقُ لِلْعُذْرِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُجْبَرًا عَلَى التَّفْرِيقِ وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَأَلْحَقَ بِهِ اللَّخْمِيُّ مَنْ ابْتَدَأَ بِمَاءٍ كَافٍ فَأَرَاقَهُ لَهُ رَجُلٌ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَإِنْ طَالَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. الثَّانِي: أَنْ يُفَرِّقَ نَاسِيًا وَهَذَا يَبْنِي وَإِنْ طَالَ. الثَّالِثُ: أَنْ يَعْجَزَ مَاؤُهُ وَقَدْ ابْتَدَأَ بِمَا ظَنَّهُ كَافِيًا وَهَذَا يَبْنِي فِيمَا قَرُبَ دُونَ مَا بَعُدَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْذَرَ بِاجْتِهَادِهِ، وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ إنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه ثُمَّ غُصِبَ لَهُ أَوْ أُرِيقَ لَهُ أَوْ أَرَاقَهُ هُوَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ طَالَ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ، وَقِيلَ: يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ، وَحَكَى فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ بَزِيزَةَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ الْبِنَاءُ وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنِ بَزِيزَةَ: ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْعَاجِزِ ثَلَاثَ صُوَرٍ.

(الْأُولَى) أَنْ يَقْطَعَ أَنَّ الْمَاءَ يَكْفِيه.

(الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْطَعَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَكْفِيه.

(الثَّالِثَةُ) أَنْ يَشُكَّ فِي ابْتِدَاءِ وُضُوئِهِ هَلْ يَكْفِيه أَمْ لَا فَفِي كُلِّ صُورَةٍ قَوْلَانِ الِابْتِدَاءُ وَالْبِنَاءُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْأُولَى الْبِنَاءُ وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الِابْتِدَاءُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ ابْنِ الْفَاكِهَانِيِّ: مَنْ أَخَذَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه فَأُهْرِيقَ أَوْ غُصِبَ سَوَّى اللَّخْمِيُّ بَيَّنَهُ وَبَيَّنَ النَّاسِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ أَوْ نَصُّهُ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إذْ النِّسْيَانُ يَتَعَذَّرُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَالْإِهْرَاقِ فَإِنَّهُ نَادِرٌ انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَاجِزَ إذَا أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه ثُمَّ غُصِبَهُ أَوْ أُهْرِيقَ لَهُ أَوْ أَهْرَاقَهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّفْرِيقِ يَبْنِي وَإِنْ طَالَ كَالنَّاسِي بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رَاشِدٍ وَعِنْد بَعْضِهِمْ عَلَى الرَّاجِحِ. فَكَانَ يَنْبَغِي

ص: 226

لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْ يَحْكِيَ فِيهَا خِلَافًا إنْ كَانَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ كَلَامُ الْبَاجِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَحَكَى فِي الطِّرَازِ عَنْ التُّونُسِيِّ تَرَدُّدًا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا.

(تَنْبِيهٌ) اسْتَثْنَى الرَّجْرَاجِيُّ مِنْ صُوَرِ الْعَجْزِ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ مَا إذَا أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ قَطْعًا فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ تَعَمَّدَ وَأَخَذَ مَا لَا يَكْفِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَمَّدَ إلَى تَفْرِيقِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَذَّالِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَعَجَزَ مَاؤُهُ يُرِيدُ إذَا أَعَدَّ مَا يَكْفِيهِ وَإِلَّا ابْتَدَأَ.

(قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا مِمَّا يُغْتَفَرُ ابْتِدَاءً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلَا أَيْ الْأَعْضَاءُ وَالزَّمَانُ وَهَذَا بَيَانٌ لِحَدِّ الطُّولِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْجِسْمِ الْمُعْتَدِلِ فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَفَافِ مَظِنَّةُ الْقُرْبِ فِي الْعَادَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُفُوفِ لِأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ فَكَانَ قِيَامُ الْبَلَلِ عِنْدَهُمْ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَيَتَّصِلُ الْأَخِيرُ بِأَثَرِ الْغَسْلِ السَّابِقِ وَقِيلَ: بَلْ الطُّولُ مُحَدَّدٌ بِالْعُرْفِ حَكَاهُ الْقَابِسِيُّ وَعِيَاضٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَزَا الْفَاكِهَانِيُّ الْأَوَّلَ لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَطْ وَهُوَ قُصُورٌ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ.

(قُلْتُ) قَدْ عَزَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي بَاب صِفَةِ الْوُضُوءِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَأَمَّا حَدُّ التَّفَاحُشِ فَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الضَّابِطَ فِي التَّفَاحُشِ أَنْ يَجِفَّ مَا غُسِلَ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ وَالْمِزَاجِ الْمُعْتَدِلِ مِنْ النَّاسِ وَأَمَّا فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ فَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ: وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِقْدَارُهُ مَا يَجِفُّ وَضُوءُهُ فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَزِيدُ فِي الْأَعْضَاءِ الْمُعْتَدِلَةِ يُرِيدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرُّطُوبَةِ وَالْقَشَابَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُهُ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ الْجِسْمَ الْمُعْتَدِلَ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ الْبَدَنَ الْمُعْتَدِلَ اعْتِدَالُ الْمِزَاجِ، لَا كَوْنُ الشَّخْصِ بَيْنَ الشَّبَابِ وَالشُّيُوخَةِ بَلْ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ غَالِبًا، وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الطُّولِ التَّحْدِيدُ بِالْعُرْفِ، وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: هُنَا دَقِيقَةٌ فِي اعْتِبَارِ الْجَفَافِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرْ الْجَفَافُ مِنْ آخِرِ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الْأَعْضَاءِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ فَصْلٌ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ قَبْلَ جَفَافِ مَاءِ الْيَدَيْنِ وَبَعْدَ جَفَافِ مَاءِ الْوَجْهِ هَلْ يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَكَذَلِكَ هَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ الْأُولَى حَتَّى لَوْ طَالَ الْفَصْلُ نِسْيَانًا بَيْنَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَغَسَلَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ غَسَلَ الْعُضْوَ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَةَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَجِفُّ فِيهَا بَلَّةُ الْأُولَى دُونَ الثَّالِثَةِ هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا؟ قَالَهُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اغْتِفَارُ ذَلِكَ جَمِيعِهِ وَأَنَّهُ مَا دَامَ الْبَلَلُ مَوْجُودًا جَازَ الْبِنَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَبْنِي فِي النِّسْيَانِ مُطْلَقًا فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ عَامِدًا بَطَلَ وُضُوءُهُ إنْ تَفَاحَشَ، وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ لَمْ يَبْطُلْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَإِنْ أَخَّرَ حِينَ ذَكَرَهُ فَكَالْمُتَعَمِّدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ هَذِهِ اللُّمْعَةَ لَمْ يَغْسِلْهَا فِي الْوَقْتِ ثُمَّ غَسَلَهَا بِالْقُرْبِ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَرَاخَى الْمِقْدَارَ الَّذِي لَوْ فَرَّقَ فِيهِ طَهَارَتَهُ لَمْ يَبْتَدِئْ الطَّهَارَةَ لِقُرْبِ ذَلِكَ لَمْ يَبْتَدِئْ جَمِيعَ طَهَارَتِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ ابْتِدَاءُ طَهَارَتِهِ مِنْ أَوَّلِهَا نَقَلَهُ فِي الطِّرَازِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ ذَكَرَ اللُّمْعَةَ أَوْ الْعُضْوَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَا يَغْسِلُهَا بِهِ فَحَكَى فِي النُّكَتِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدِ مِنْ شُيُوخِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ مَاؤُهُ إنْ طَالَ طَلَبُهُ لِلْمَاءِ ابْتَدَأَ جَمِيعَ طَهَارَتِهِ، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَهُ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِلْإِبْيَانِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي مُطْلَقًا وَجَدَ الْمَاءَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ، وَمَضَى مُبَادِرًا، وَالثَّانِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّكَتِ وَنَصُّهُ بَعْدَ

ص: 227