الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ الْمُنِيرِ: ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ بِالْتِفَاتٍ يَسِيرٍ غَيْرَ مُقَدِّمٍ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لَا كَمَا يَفْعَلُ الْعَامِّيُّ يَنْحَنِي قُبَالَةَ وَجْهِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلسَّلَامِ فَذَلِكَ بِدْعَةٌ وَزِيَادَةُ هَيْئَةٍ جَهْلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، انْتَهَى.
ص (وَدُعَاءٌ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ)
ش: صَرَّحَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الثَّانِي جَائِزٌ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ تَشَهُّدِهِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَأَحْرَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ دُعَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَفْسُدْ، صَلَاتُهُ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فَلَا يُزِيدُ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ دُعَاءً وَلَا غَيْرَهُ فَإِنْ دَعَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ «وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ خَفَّفَ حَتَّى كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ» انْتَهَى.
وَانْظُرْ الشِّفَاءَ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ نَاسِيًا حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيَتَشَهَّدْ وَلَا يَدْعُو بَعْدَهُ وَلْيُسَلِّمْ، انْتَهَى.
ص (وَهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ؟ خِلَافٌ)
ش قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ تَشَهُّدَ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ انْتَهَى. قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ إشَارَاتُ أَصْحَابِنَا إلَى حَقِيقَةِ اخْتِيَارِ مَالِكٍ تَشَهُّدَ عُمَرَ رضي الله عنه فَأَشَارَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَى تَأْكِيدِ هَذَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَى مَا سِوَاهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ.
وَأَشَارَ الدَّاوُدِيُّ إلَى أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْسَانِ وَإِيثَارِ هَذَا التَّشَهُّدِ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى، وَمِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ وَنَصُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَجْرِي مَجْرَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِأَنَّ عُمَرَ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا خَالَفَهُ فِيهِ وَلَا قَالَ لَهُ: إنَّ غَيْرَهُ مِنْ التَّشَهُّدِ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ إقْرَارُهُمْ وَمُوَافَقَتُهُمْ إيَّاهُ عَلَى تَعْيِينِهِ.
وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ يَجْرِي مَجْرَاهُ، لَقَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ: إنَّك قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَى النَّاسِ وَاسِعًا وَقَصَرْتَهُمْ عَلَى مَا هُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُرْآنِ الْقِرَاءَةَ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْنَا مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الْمُنَزَّلَةِ فَكَيْفَ بِالتَّشَهُّدِ لَهُ دَرَجَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يُقْصَرَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ وَيُمْنَعَ مَا يَسُرَ مِنْ سِوَاهُ وَلَمَّا لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِذَلِكَ وَلَا بِغَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْمَشْرُوعَ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَكَيْفَمَا تَشَهَّدَ الْمُصَلِّي عِنْدَهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِي تَعْلِيمِ عُمَرَ النَّاسَ هَذَا التَّشَهُّدَ مَنْعٌ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى مِنْ الْمُنْتَقَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: وَهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ خِلَافٌ مَعْنَاهُ فِي اخْتِيَارِ مَالِكٍ لِلَفْظِ التَّشَهُّدِ الْمَعْهُودِ فِي الذِّهْنِ عِنْدَ كُلِّ طَالِبِ عِلْمٍ مَالِكِيٍّ، وَهُوَ تَشَهُّدُ عُمَرَ هَلْ هُوَ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ أَوْ الْفَضِيلَةِ؟ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: أَقَامَ الشَّيْخُ مِنْ قَوْلِهَا: وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: فُلَانٌ يُسَلِّمُ عَلَيْك وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلَا نَوَى سَلَامَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ غَيْرُ كَاذِبٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَتْ دَعْوَتُهُ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَزَادَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَهَذِهِ إقَامَةٌ ظَاهِرَةٌ إذَا كَانَ قَائِلُ ذَلِكَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ يُعْلِمُ مَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يُفْهِمُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي اللُّبَابِ مِنْ الْفَضَائِلِ إسْرَارُ التَّشَهُّدَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَإِخْفَاءُ التَّشَهُّدِ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَإِعْلَانُهُ بِدْعَةٌ وَجَهْلٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَمَحِلُّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ الدُّعَاءِ، قَالَهُ فِي الشِّفَاءِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ:
وَيُدْخِلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَزْوَاجَهُ وَذُرِّيَّتَهُ وَكُلَّ مَنْ تَبِعَهُ، وَقِيلَ: إنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ.
ص (وَجَازَتْ كَتَعَوُّذٍ بِنَفْلٍ)
ش: وَهَلْ يُسِرُّ التَّعَوُّذَ أَوْ يَجْهَرُ بِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ وَلَهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَمَاعُ أَشْهَبَ يُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهِ فِي رَمَضَانَ خِلَافُهَا.
ص (وَكُرِهَا بِفَرْضٍ)
ش: قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: لَا تَسْتَفْتِحْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ:(الْأَوَّلُ) أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ عِنْدَنَا مِنْ الْحَمْدِ وَلَا مِنْ سَائِرِ الْقُرْآنِ إلَّا مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ.
(الثَّانِي) أَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَفْتِحَ بِالْحَمْدِ.
(الطَّرَفُ الثَّالِثِ) أَنَّهُ إنْ قَرَأَهَا لَمْ يَجْهَرْ فَإِنْ جَهَرَ بِهَا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق: كَانَ الْمَازِرِيُّ يُبَسْمِلُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: قَالَ مَذْهَبُ مَالِكٍ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْ بَسْمَلَ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ مَنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي ثَالِثِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَارِئِ إذَا أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُلَقَّنُ فَلَا يُلَقَّنُ وَلَا يُفَقَّهُ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: خَفَّفَ مَالِكٌ رحمه الله التَّعَوُّذَ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ إذَا أَخْطَأَ فِي قِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَضَ لَهُ شَيْطَانَانِ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك» انْتَهَى.
ص (كَدُعَاءٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ)
ش: قَالَ فِي الْجَلَّابِ فِي بَابِ الْقُنُوتِ: وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَفِي السُّجُودِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي الْجَلْسَتَيْنِ بَعْدَ التَّشَهُّدَيْنِ وَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِي الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّشَهُّدِ: وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا سِوَى الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ، انْتَهَى. وَانْظُرْ التَّوْضِيحَ فَإِنَّهُ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، انْتَهَى وَلَعَلَّهُ وَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ.
(فَرْعٌ) قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ دُعَاءِ التَّوَجُّهِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِدُعَاءِ التَّوَجُّهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَقُولُهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَذَلِكَ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ ثَلَاثَ سَكَتَاتٍ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ لِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَبَعْدَ تَمَامِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِيَقْرَأَ مَنْ خَلْفَهُ فِيهِمَا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى إنْكَارِ جَمِيعِهَا وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى إنْكَارِ الْأَخِيرَتَيْنِ انْتَهَى.
ص (وَبَعْدَ فَاتِحَةٍ)
ش: قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَدْعُو بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَاتِحَةِ إنْ أَحَبَّ قَبْلَ السُّورَةِ وَقَدْ دَعَا الصَّالِحُونَ انْتَهَى. وَنَقَلَ كَرَاهَتَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَالظَّاهِرُ مَا فِي الطِّرَازِ، فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ التِّلِمْسَانِيَّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقَبْلَ السُّورَةِ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ فِي النَّافِلَةِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ السُّورَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ.
ص (وَأَثْنَاءَهَا وَأَثْنَاءَ سُورَةٍ)
ش: هَذَا فِي الْفَرِيضَةِ وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَجَائِزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الطِّرَازِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَنَحْوِهِ لِلتِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَسُئِلَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَمِعَ الْإِمَامَ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إلَى آخِرِهَا فَقَالَ الْمَأْمُومُ: كَذَلِكَ اللَّهُ، هَلْ هَذَا كَلَامٌ يُنَافِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ كَلَامًا يُنَافِي الصَّلَاةَ أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ
الْعُتْبِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَفِي أَوَاخِرِهِ وَفِي سَمَاعِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ.
ص (وَبَعْدَ صَلَاةِ إمَامٍ)
ش: قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِدُعَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ.
ص (وَتَشَهُّدٍ أَوَّلٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهٌ، وَصَرَّحَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ أَنَّهُ جَائِزٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَوْضِعٌ لِلدُّعَاءِ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُ فِي الْجَلْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، انْتَهَى. فَحَكَى فِيهِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْبَاجِيّ وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ فِيهِ لِتَشْهِيرٍ غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ: الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ.
ص (لَا بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ)
ش: أَيْ فَلَا يُكْرَهُ قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَهُمَا:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاسْتُرْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَاعْفُ عَنِّي وَعَافِنِي» انْتَهَى.
ص (وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا لَمْ تَبْطُلْ)
ش أَيْ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِيمَا إذَا نَادَاهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِفُلَانٍ، أَوْ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الظَّالِمِ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: أَرَادَ بِلَا بَأْسٍ صَرِيحَ الْإِبَاحَةِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَظْلِمْهُ بَلْ ظَلَمَ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَيُفْتِي بِهِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي تَحْرِيمُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَتَقُولُ فِي سُجُودِك. وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا غَيْرَ مَا مَرَّةٍ بِأَنَّهُ يُدْعَى عَلَى الْمُسْلِمِ الْعَاصِي بِالْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَاحْتَجَّ بِدُعَاءِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ بِذَلِكَ. الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَافِرِ الْمَأْيُوسِ مِنْهُ كَفِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ الْعَاصِي الْمَقْطُوعِ لَهُ بِالْجَنَّةِ إمَّا أَوَّلًا وَإِمَّا ثَانِيًا، وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ فِي تَكَلُّمِهِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ» وَهُوَ حُجَّةٌ فِي لَعْنِ مَنْ لَمْ يُسَمِّ وَكَذَلِكَ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ: لِأَنَّهُ لَعْنٌ لِلْجِنْسِ لَا لِلْمُعَيَّنِ وَلَعْنُ الْجِنْسِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْعَدَهُمْ وَيُنَفِّذُ الْوَعِيدَ عَلَى كُلِّ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ وَيُنْهَى عَنْ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عز وجل وَهُوَ مِنْ مَعْنَى اللَّعْنِ
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّعْنَ جَائِزٌ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا مَا لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا وَهَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ سَدِيدٍ وَلَا صَحِيحٍ؛ لِنَهْيِهِ عَنْ اللَّعْنِ فِي الْجُمْلَةِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَوْلَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَالَ: يَا فُلَانُ فَعَلَ اللَّهُ بِك كَذَا وَكَذَا، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَالْمَذْهَبُ عَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ اُخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِ الدَّاعِي بِهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ اُنْظُرْ الْفَرْقَ الْحَادِيَ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ
ص (وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ لَا حَصِيرٍ وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ)
ش جَعَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السُّجُودَ بِاعْتِبَارِ مَحِلِّهِ
ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقِسْمٌ مَكْرُوهٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَقِسْمٌ جَائِزٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتُسْتَحَبُّ الْمُبَاشَرَةُ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَنْبِيهٌ قَيَّدَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَصِيرَ الْمُرَخَّصَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَصِيرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدِّيَسِ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا مُخَيَّرٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَبِيبٍ تُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِحَائِلٍ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَتُهُ الْأَرْضَ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَصُّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُومَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَأَنْ يُبَاشِرَ بِجَبْهَتِهِ الْأَرْضَ انْتَهَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ أَمْ لَا وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الطَّنَافِسِ وَثِيَابِ الصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَبُسُطِ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، وَلَا يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَجْلِسُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ، انْتَهَى.
وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَتَرْكُهُ أَحْسَنُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ، وَأَطْلَقَ فِي الثَّوْبِ لِيَشْمَلَ ثَوْبَ الْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَيُرِيدُ وَكَذَلِكَ بُسُطُ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَأَحْلَاسِ الدَّوَابِّ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَثَوْبٍ لِيَدْخُلَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَالَ: سُجُودٌ، لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إذَا كَانَ الْأَصْلُ الرَّفَاهِيَةَ فَكُلُّ مَا فِيهِ رَفَاهِيَةٌ وَلَوْ كَانَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَحُصْرِ السَّامَّانِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ وَكُلُّ مَا لَا تَرَفُّهَ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَالصُّوفِ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ فِي الصُّوفِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ أَحْلَاسَ الدَّوَابِّ مِمَّا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا رَفَاهِيَةَ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ تَنْبِيهٌ فِيهَا ابْنُ حَبِيبٍ الْحَصِيرُ الْمُرَخَّصُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَصِيرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدِّيَسِ، وَالْحُصْرُ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ فِيهَا رَفَاهِيَةٌ لِخُشُونَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْجَائِزُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لَا حَصْرَ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَمَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَيَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَجُوزُ عَلَى حَائِلٍ مِنْ نَبَاتٍ لَا يُسْتَنْبَتُ كَحَصِيرٍ أَوْ خُمْرَةٍ اللَّخْمِيُّ وَشَبَهُهُ مِمَّا لَا يُقْصَدُ لِتَرَفُّهِهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْيِيدِ النَّبَاتِ بِمَا لَا يُسْتَنْبَتُ لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِتِلْمِيذِهِ الْأَبِيِّ قَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: الصَّلَاةُ عَلَى حَائِلٍ مَكْرُوهَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ مِمَّا يُشَاكِلُ الْأَرْضَ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ وَالْكِبْرُ كَحُصْرِ الْحَلْفَاءِ وَالْبَرْدِيِّ وَالدَّوْمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ بِطَبْعِهَا وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الصَّلَاةَ عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ، وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُهُ بِطَبْعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ التَّرَفُّهُ فَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْقَصْدِ إلَى التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ مَا فِيهِ التَّرَفُّهُ فَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى حُصْرِ السَّامَّانِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يُشْتَرَى بِالْأَثْمَانِ الْعِظَامِ وَيُقْصَدُ بِهِ الْكِبْرُ وَالتَّرَفُّهُ وَالزِّينَةُ وَالْجَمَالُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْت أَنْ حُصْرَ السَّامَّانِ وَشَبَهَهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا حَصِير (الثَّانِي) إنَّمَا يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى الثَّوْبِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ حَرًّا أَوْ بَرْدًا جَازَ أَنْ يَبْسُطَ ثَوْبًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ كَفَّيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا الْمُرَابِطُ عُمَرُ وَأَمَّا مَا يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَجْلِسُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَكَذَا مَا بَسَطَ لِحَرِّ الْأَرْضِ