الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَكَلَهُنَّ كُلَّهُنَّ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَسْقِي بَعْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ صَحِيحٌ وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِسَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَلَيْسَتْ فِيهِ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالنَّجِسِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ قِشْرِ الْبَيْضِ هَلْ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُلَاحِظُ هَذَا الْمَعْنَى. الْخِلَافُ فِي الْبَيْضِ الطَّاهِرِ يُسْلَقُ مَعَ النَّجِسِ هَلْ يَنْجُسُ ذَلِكَ الطَّاهِرُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ خِلَافٌ يَرْجِعُ إلَى الْحِسِّ، وَوَجْهٌ آخِرُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ النَّجِسِ شَيْءٌ يَدْخُلُ فِي مَسَامِّ الطَّاهِرِ فَيُنَجِّسَهُ أَمْ لَا؟ انْتَهَى.
وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِلَّخْمِيِّ وَنَصَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ لَا تُؤْكَلُ بَيْضَةٌ طُبِخَتْ مَعَ أُخْرَى فِيهَا فَرْخٌ لِسَقْيِهَا إيَّاهَا اللَّخْمِيّ إثْرَ ذِكْرِهِ رِوَايَتَيْ تَطْهِيرِ لَحْمٍ طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ، وَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ تُؤْكَلُ السَّلِيمَةُ وَصَوَّبَهُ؛ لِأَنَّ صَحِيحَ الْبَيْضِ لَا يَنْفُذُهُ مَائِعٌ انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي جَمْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا هَلْ يَنْجُسُ أَمْ لَا؟ وَالْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَهَا هَلْ يَطْهُرُ أَمْ لَا؟ .
(قُلْتُ) وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَنْجُسُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي السَّمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَصْلُحُ أَكْلُهُنَّ وَلَوْ كَانَ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ لَقَالَ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: إنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ مُوسَى: " إنَّ اللَّحْمَ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ "، فَتَأَمَّلْهُ. وَصَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى السُّوقِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ أُلْقِيَتْ بَيْضَةٌ فِي مَاءٍ نَجِسٍ بَارِدٍ، أَوْ دَمٍ، أَوْ بَوْلٍ فَإِنَّهَا تُغْسَلُ وَتُؤْكَلُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ.
وَقَوْلُهُ: " وَفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ " صِفَةٌ لِمَحْذُوفِ أَيْ يُنَجِّسُ غَوَّاصٌ وَالْغَوَّاصُ الْكَثِيرُ النُّفُوذِ وَالدُّخُولِ فِي أَجْزَاءِ الْإِنَاءِ كَالْخَمْرِ وَالْخَلِّ النَّجِسِ وَالْبَوْلِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ وَفُهِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْغَوَّاصِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ النَّجِسُ غَوَّاصًا لَمَا أَثَّرَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْن هَارُونَ وَعِنْدِي أَنَّ الْفَخَّارَ إذَا كَانَ مَطْلِيًّا طَهُرَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي غَسْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْلِيًّا لَمْ يَطْهُرْ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ وَقَبِلَهُ وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَاحْتَرَزَ بِالْفَخَّارِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَدْهُونَةِ كَالصِّينِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَاَلَّتِي لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ كَالنُّحَاسِ وَالزُّجَاجِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ النَّجَسُ أَقَامَ فِي الْإِنَاءِ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ سَرَتْ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي جِرَارِ الْخَمْرِ هَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا أَمْ لَا؟ وَأَمَّا إذَا أَصَابَتْ نَجَاسَةٌ إنَاءَ فَخَّارٍ وَأُزِيلَتْ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَغُسِلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَطْهُرُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَأَمَّا فَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ فَحَكَى الْبَاجِيُّ فِي تَطْهِيرِ آنِيَةِ الْخَمْرِ يُطْبَخُ مَا فِيهَا رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَمْلُوءً مَاءٌ وَأَصَابَتْ النَّجَاسَةُ ظَاهِرَهُ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَيَكْفِي غَسْلُ ظَاهِرِهِ، يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي قُلَّةٍ مَمْلُوءَةٍ أُقْعِدَتْ عَلَى عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُرَسَّبَ إلَى أَسْفَلُ انْتَهَى.
[فُرُوع مُنَاسِبَةً]
(وَلْنَذْكُرْ هُنَا فُرُوعًا مُنَاسِبَةً الْأَوَّلُ:) يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَائِعَ الَّذِي لَيْسَ بِدُهُنٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ بِلَا خِلَافٍ وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْقَوْلَ بِتَطْهِيرِ اللَّحْمِ يُطْبَخُ بِنَجِسٍ قَالَ: وَيُرَاقُ الْمَرَقُ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ عَنْ ابْنِ أَبِي جَمْرَةَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ.
(الثَّانِي:) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ رَأَيْتُ لِابْنِ أَبِي دُلَفَ الْقَرَوِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ فِيمَا إذَا شَوَّطَ الرَّأْسَ بِدَمِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لِمُتَأَخِّرِي الْقَرَوِيِّينَ: فَعَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا خَرَجَ اسْتَحَالَ رُجُوعُهُ عَادَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُهَا. وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا دَخَلَتْ تَخْرُجُ بِخِلَافِ الدَّمِ لَا يُدْرَى هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا؟ وَالْأَصْلُ النَّجَاسَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَحْكِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قُلْتُ) وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِهِ فِي النَّوَادِرِ
فِي آخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ شَوَّطَ الرَّأْسَ وَلَمْ يَغْسِلْ الْمَذْبَحَ ثُمَّ غَسَلَ بَعْدَ التَّشْوِيطِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَغْسِلْ بَعْدَ التَّشْوِيطِ، وَقَدْ تَنَاهَى فِيهِ النَّارُ بِالتَّشْوِيطِ حَتَّى إذَا ذَهَبَ الدَّمُ الَّذِي كَانَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْبَحِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَهَابِ جَمِيعِهِ بِالتَّشْوِيطِ فَلْيَجْتَنِبْ أَكْلَ مَا فِي الْمَذْبَحِ مِنْ اللَّحْمِ وَيُؤْكَلُ بَاقِيهِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) : جَعَلَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ مَا سُمِطَ مِنْ الْكِبَاشِ وَالدَّجَاجِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ قَبْلَ غَسْلِ مَا بِهَا مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ مِنْ قَبِيلِ مَا طُبِخَ بِالنَّجَاسَةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فَضْلِ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي آخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ إذَا ذُبِحَتْ الشَّاةُ فَسَالَ دَمُهَا وَبَقِيَ فِي الْمَذْبَحِ مَا بَقِيَ فَلَوْلَا أَنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَكَاتَفَ مِمَّا بَقِيَ فِي مَنْحَرِهَا مِنْ بَقَايَا الدَّمِ الْجَارِي لَاخْتَرْنَا أَنْ يُطْبَخَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ وَلَكِنْ لِبَقِيَّةِ مَا اتَّقَيْنَا مِنْ هَذَا نَأْمُرُ بِغَسْلِ الْمَذْبَحِ، وَإِنْ طُبِخَ ذَلِكَ وَلَمْ يُغْسَلْ فَاَلَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ نَزَلَ ذَلِكَ بِهِ أَنْ يَغْسِلَ اللَّحْمَ وَيَأْكُلَهُ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَنَّ دَجَاجَةً لَمْ يُغْسَلْ مَذْبَحُهَا فَسُمِطَتْ فِي مَاءٍ حَارٍّ ثُمَّ غُسِلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ طُبِخَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ شُوِيَتْ وَإِذَا كَانَ الدَّمُ فِي الدَّجَاجَةِ لَمْ يَتَعَدَّ الْمَنْحَرَ كَانَ خَفِيفًا إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ أَثَرٌ يَتَكَاثَفُ فَنَحْنُ نَكْرَهُهُ حَتَّى يُغْسَلَ وَيُسْتَحَبُّ إنْ لَمْ يُغْسَلْ وَطُبِخَتْ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ أَنْ يُغْسَلَ اللَّحْمُ وَيُؤْكَلَ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ فِي اللُّغَةِ الْجَارِي انْتَهَى.
فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسْمُوطَ أَخَفُّ مِنْ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ الَّذِي يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْمَسْمُوطَ لَا يُتْرَكُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِالنَّجَاسَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَهْمَا نَجُسَ بِالْحَرَارَةِ يَنْكَمِشُ وَيَنْقَبِضُ وَيَدْفَعُ مَا فِيهِ مِنْ الرُّطُوبَةِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ وَيَبْتَدِئَ فِي النُّضْجِ فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ فَيَكُونُ قَبُولُهُ لِلتَّطْهِيرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنَجَّسَ ظَاهِرُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) إذَا بُلَّ فِي مَاءٍ نَجِسٍ حَبٌّ أَوْ فُولٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَشَرَّبَ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا يَطْهُرُ كَمَا نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ الْفَأْرِ تَقَعُ فِي مُطْمَرٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَسْمِ سَلَفٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْقَمْحِ يُبَلَّ مِنْ بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ فَهِمَ أَنَّ الْمَاءَ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ كَالْمَيْتَةِ لَا يَحِلُّ مِنْهُ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ الْمَيْتَةِ وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ:" وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ " يُشِيرُ إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَهُ تَعَالَى عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ أَكَلَتْ دَابَّةٌ حَبًّا وَأَلْقَتْهُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ بَاقِيَةً بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَنَبَتَ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبُتُ فَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَلَا إشْكَالَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي نَجَاسَتِهِ إنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا انْتَهَى.
وَأَمَّا إذَا بُلَّ الْحَبُّ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يَتَشَرَّبْ بِالنَّجَاسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ سَأَلْتُ ابْنَ عَرَفَةَ عَمَّنْ جَعَلَ دُبَّاءَ، أَوْ بَقْلًا فِي مَاءٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي الْمَاءِ فَأْرَةً قَالَ يَغْسِلُهُ وَيَأْكُلُهُ انْتَهَى. وَمُرَادُهُ إذَا أَخْرَجَهُ بِسُرْعَةٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ جِلْدٌ، أَوْ ثَوْبٌ فَأُخْرِجَ مَكَانَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: إنَّ الْقَمْحَ إذَا أَصَابَ ظَاهِرَهُ الدَّمُ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَلَيْسَ هُوَ كَالْقَمْحِ إذَا تَشَرَّبَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) إذَا وُجِدَ حُوتٌ فِي بَطْنِ طَيْرٍ مَيِّتٍ فَقِيلَ لَا يُؤْكَلُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصَّيْدِ: وَالصَّوَابُ جَوَازُ أَكْلِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ، وَكَالْجَدْيِ يَرْضَعُ خِنْزِيرَةً، وَالطَّيْرُ يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ فَإِنَّهُ يُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ بِحِدْثَانِ مَا أَكَلَتْهُ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ: وَفَرَّقَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ بِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي نَجَاسَةٍ أَخَفُّ مِنْ
حُصُولِهَا فِي بَطْنِ الطَّيْرِ لِسَرَيَانِ النَّجَاسَةِ فِيهِ بِالْحَرَارَةِ فَأَشْبَهَ طَبْخَ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّارَ فِي الْحَرَارَةِ أَشَدُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَصَلَتْ فِي بَطْنِ خِنْزِيرٍ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّحْمَ وَنَحْوَهُ مِمَّا فِيهِ رُطُوبَةٌ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ قَبْلَ طَبْخِهِ، أَوْ بَعْدَ طَبْخِهِ وَلَمْ يُطْبَخْ بِهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَتَشَرَّبْ بِهَا وَتَسْرِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(السَّادِسُ) إذَا حُمِّيَتْ السِّكِّينُ، أَوْ الْخَاتَمُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ طُفِئَتْ فِي مَاءِ نَجِسٍ فَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَأَنَّ لَابِسَهُ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْمَاءَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُهَيِّجُ الْحَرَارَةَ الَّتِي حَصَلَتْ بِالنَّارِ فِي دَاخِلِ الْحَدِيدِ فَتَدْفَعُ عَنْهَا الْمَاءَ؛ لِأَنَّ طَبْعَهُ ضِدَّ طَبْعِ الْحَرَارَةِ لَكِنَّهُ يُهَيِّجُهَا وَيُخْرِجُهَا إلَى خَارِجِ ذَاتِ الْحَدِيدِ فَإِذَا انْفَصَلَتْ فَلَا يَقْبَلُ الْحَدِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا بِدَاخِلِهِ لِكَوْنِهِ جَمَادًا مُتَرَاصَّ الْأَجْزَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ نَجِسٌ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهَا تُغْسَلُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إذَا حُمِّيَا فِي النَّارِ وَطُفِئَا فِي مَاءٍ نَجِسٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ سَأَلَتْ عَنْهَا شَيْخَنَا الْإِمَامَ وَهِيَ إذَا بَلَعَ الشَّمْعَ وَذَهَبَ ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ الْمَخْرَجِ فَكَانَ شَيْخُهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ يَقُولُ بِغَسْلِهَا وَتَكُونُ طَاهِرَةً كَالنَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ إذَا أَلْقَاهَا بَعْدَ أَنْ ابْتَلَعَهَا صَحِيحَةً، وَخَالَفَهُ شَيْخُهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ: الصَّوَابُ نَجَاسَةُ الشَّمْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَيَّعُ بِالْحَرَارَةِ وَيُدَاخِلُهُ بَعْضُ أَجْزَاءِ مَا فِي الْبَطْنِ فَيَنْجُسُ بَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ وَالصَّوَابُ نَجَاسَتُهُ كَفَضْلَةِ الْإِنْسَانِ انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ يُوَافِقُ عَلَى النَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ وَالذَّهَبِ تُغْسَلُ وَتَكُونُ طَاهِرَةً وَلَوْ ابْتَلَعَ ذَلِكَ مَنْ فَضْلَتُهُ طَاهِرَةٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى غَسْلِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الثَّامِنُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّامِلِ أَنَّ قُدُورَ الْمَجُوسِ تَطْهُرُ بِتَغْلِيَةِ الْمَاءِ فِيهَا وَنَحْوُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ.
(التَّاسِعُ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ سَأَلْتُ شَيْخَنَا ابْنَ عَرَفَةَ عَنْ حَمْلِ الطَّعَامِ فِي الْإِنَاءِ الْمُعَدِّ لِلنَّجَاسَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا فَقَالَ سُئِلْتُ عَنْهَا وَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي.
(الْعَاشِرُ) قَالَ الْمُقْرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ قَوَاعِدِهِ: مَا يُعَافُ فِي الْعَادَاتِ يُكْرَهُ فِي الْعِبَادَاتِ كَالْأَوَانِي الْمُعَدَّةِ بِصُوَرِهَا لِلنَّجَاسَاتِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْمَرَاحِيضِ، وَالْوُضُوءِ بِالْمُسْتَعْمَلِ.
ص (وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لَا نَجَسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ)
ش: مُرَادُهُ بِالْمُتَنَجِّسِ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْأَصْلِ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَنَحْوِهِ تَقَعُ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ، وَبِالنَّجَسِ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ نَجِسَةً كَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْآدَمِيِّ وَشَمِلَ سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ فَيُسْتَصْبَحُ بِالزَّيْتِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيُتَحَفَّظُ مِنْهُ وَيُعْمَلُ مِنْهُ الصَّابُونُ لَكِنْ تُغْسَلُ الثِّيَابُ مِنْهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيُدْهَنُ بِهِ الْحَبْلُ وَالْعَجَلَةُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْوُضُوءِ وَفِي رَسْمِ الْبَزَّار مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ خَفَّفَ
دَهْنَ النِّعَالِ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الدِّبَاغِ: لِأَنَّ الْغَسْلَ يَأْتِي عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ تَفْسِيرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفْسِيرِ أَيْضًا لِإِجَازَتِهِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ أَنَّهُ يُدْهَنُ بِهِ الدِّلَاءُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَسَلِ النَّجِسِ لَا بَأْسَ بِعَلْفِهِ لِلنَّحْلِ قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ الَّذِي يُعْجَنُ، أَوْ يُطْبَخُ بِمَاءٍ نَجِسٍ يُطْعَمُ لِلْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ يُسْقَى لِلدَّوَابِّ وَالزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ كَرَاهَةُ سَقْيِهِ لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلِمَا يَسْرُعُ قَلْعُهُ مِنْ الْخُضَرِ رَوَى الْعُتْبِيُّ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صِفَةِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ مَا نَصَّهُ الشَّيْخُ رَوَى مُحَمَّدٌ إنْ طُهِّرَ مَا صُبِغَ بِبَوْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكُ الصَّبْغِ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ أَنَّ الْبَوْلَ يُجْعَلُ فِي الصِّبْغِ لَا أَنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِبْغٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي السَّمَاعَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَغَيْرُهُ وَدَخَلَ فِي إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ إذَا بُيِّنَ ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ كَالزَّيْتِ النَّجِسِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي الْبَيْعِ.
وَذَكَرَ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي مَطْمُورٍ وَقَعَ فِيهِ خِنْزِيرٌ فَوُجِدَ مَيِّتًا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ ذَلِكَ الطَّعَامُ وَلَا يَزْرَعُهُ صَاحِبُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيُغَيِّبُهُ عَنْ النَّصَارَى حَتَّى لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَشَذَّالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي مَطْمُورٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ أَنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَيُؤْكَلُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ طَالَ مُقَامُهَا حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهَا تُسْقَى مِنْ صَدِيدِهَا وَتَشْرَبُ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَزُرِعَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ الدَّمُ فِي ظَاهِرِهِ غُسِلَ وَأُكِلَ وَمَا شُكَّ فِي وُصُولِ الصَّدِيدِ إلَيْهِ زُرِعَ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَبْلُغُ إلَيْهِ الصَّدِيدُ أُكِلَ وَإِذَا جَاءَ فِي وَقْتِ الدِّرَاسِ فَأْرٌ كَثِيرٌ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ.
فَقَالَ سَحْنُونٌ هَذِهِ ضَرُورَةٌ وَإِذَا دَرَسُوا فَلْيُلْقُوا مَا رَأَوْا مِنْ جَسَدِ الْفَأْرَةِ، وَمَا رَأَوْا مِنْ دَمٍ فِي الْحَبِّ عَزَلُوهُ وَحَرَقُوهُ وَلَهُمْ أَكْلُ مَا سِوَاهُ وَلَهُمْ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَوْا فِيهِ دَمًا مَعَ بَيَانِ أَنَّهُ دُرِسَ وَفِيهِ فَأْرَةٌ وَيُخْرِجُونَ زَكَاتَهُ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُونَ مِنْهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَتَصَدَّقُونَ بِهِ تَطَوُّعًا. وَمَا كَانَ فِيهِ الدَّمُ ظَاهِرًا لَا يُبَاعُ وَلَا يُسَلَّفُ وَلَكِنْ يُحْرَثُ، وَلَهُمْ سَلَفُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الدَّمُ وَاحْتَاجَهُ الْمُتَسَلِّفُ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: فَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ هَلْ هُوَ خِلَافٌ أَوْ لَا فَيَكُونَ الْخِنْزِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ؟ انْتَهَى.
(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافٌ وَأَنَّ مَا فِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ جَارٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: " فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ " أَيْ فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْمُتَنَجِّسُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَحْرَى النَّجِسُ فَلَا يُوقَدُ فِيهِ بِزَيْتٍ نَجِسٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُبْنَى بِطُوبٍ نَجِسٍ وَلَا بِطِينٍ نَجِسٍ قَالَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ عَرَفَةَ أَفْتَى بِأَنَّ أَلْوَاحَ الْبُتَّانِيِّ يَعْنِي الَّتِي لِلْخَمْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقَفَ بِهَا الْمَسْجِدُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ إنَاءَ الْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ لِغَوْصِهِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنْ جُعِلَ مِنْهَا إنَاءٌ لِلْمَاءِ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي مَسْجِدٍ بُنِيَتْ حِيطَانُهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ: إنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ تُلَيَّسُ حِيطَانُهُ وَيُصَلَّى فِيهِ وَلَا يُهْدَمُ هُوَ الصَّحِيحُ لَا غَيْرُهُ، وُجِدَ بِهِ رِوَايَةٌ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَأَمَامَهُ جِدَارُ مِرْحَاضٍ وَمَوْضِعُهُ طَاهِرٌ جَائِزَةٌ وَأَجَازَ لِلْمَرِيضِ بَسْطَ ثَوْبٍ كَثِيفٍ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فَإِذَا طُيِّنَ الطِّينُ النَّجِسُ بِطِينٍ طَاهِرٍ كَثِيفٍ لَمْ يَكُنْ لِدَاخِلِهِ حُكْمٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: " وَآدَمِيٍّ " عَلَى