الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتَطَوَّعَ بِنَافِلَةٍ أُخْرَى انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي الصَّلَاةِ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ اسْتِحْسَانٌ (الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا وَالْقَطْعُ مَشْرُوطٌ بِسِعَةِ الْوَقْتِ. وَأَمَّا مَعَ ضِيقِهِ فَقَالَ ابْنُ هَارُونَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي التَّمَادِي؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ النَّجَاسَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَآهَا وَخَشِيَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ وَالْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ لَتَمَادَى لِعَدَمِ قَضَاءِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الْجُمُعَةِ نَظَرٌ إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَدَلٌ انْتَهَى.
وَتَرَدَّدَ سَنَدٌ فِي كَوْنِهِ يَقْطَعُ أَمْ لَا ثُمَّ رَجَّحَ الْقَطْعَ.
(قُلْتُ:) وَالْمُرَادُ بِسِعَةِ الْوَقْتِ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ هُنَا الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(قُلْتُ:) وَهَذَا الْحُكْمُ يَجْرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَسُقُوطُهَا فِي صَلَاةٍ مُبْطِلٌ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّمَادِي فِي الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي الرُّعَافِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فَيَجْرِي قَطْعُ الْمَأْمُومِ فِي الْجُمُعَةِ بِنَاءً عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا وَعَدَمِهِ وَيَقْطَعُ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ نَزْعُ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا.
[فُرُوعٌ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى]
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) لَوْ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا هَمَّ بِالْقَطْعِ نَسِيَ وَتَمَادَى قَالَ فِي الشَّامِلِ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ سَنَدٌ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الصِّحَّةَ.
(الثَّانِي) لَوْ رَآهَا فِي الصَّلَاةِ فَقَطَعَهَا وَذَهَبَ لِيَغْسِلَهَا فَنَسِيَ وَصَلَّى بِهَا ثَانِيَةً قَالَ سَنَدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَهَلْ يَعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِهَا ابْتِدَاءً سَاهِيًا، أَوْ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِمَوْضِعِ ذِكْرِهِ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ سَاهِيًا ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا قَبْلَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ سَنَدٌ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَحْتَ قَدَمِهِ فَرَآهَا فَتَحَوَّلَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتْ حِينَ رَآهَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَوْ خَلْفَ عَقِبِهِ، أَوْ قُدَّامَ أَصَابِعِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا عَلَيْهَا خَرَجَتْ عَلَى الْخِلَافِ فِي الثَّوْبِ، إذَا أَمْكَنَ طَرْحُهُ هَلْ يَقْطَعُ أَوْ يَتَحَوَّلُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ تَحْتِ الْبِسَاطِ تَحْتَ قَدَمِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ الْقَطْعُ فَكَذَلِكَ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ.
(الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فَلَوْ رَأَى بِمَحَلِّ سُجُودِهِ نَجَاسَةً بَعْدَ رَفْعِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ مُتَنَحِّيًا عَنْهُ. وَقُلْتُ: يَقْطَعُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ مَنْ عَلِمَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ شَرَّقَ، أَوْ غَرَّبَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ صَلَاتَهُ بِإِقَامَةٍ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَأُخْبِرْتُ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي فُقَهَاءِ الْقَيْرَوَانِ فِيمَنْ رَأَى بِعِمَامَتِهِ بَعْدَ سُقُوطِهَا نَجَاسَةً فِي صَلَاتِهِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى.
وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَطْعُ.
ص (لَا قَبْلَهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى النَّجَاسَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَرَهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ.
ص (أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا)
ش: هَذَا إذَا لَمْ يَحْمِلْ النَّعْلَ بِرِجْلِهِ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ. وَأَمَّا إذَا حَرَّكَهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا فَيَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ وَالْبَرْزَلِيِّ وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَاجِي: رحمه الله فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّعْلِ يَنْزِعُهَا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَالثَّوْبِ تَبْطُلُ، وَلَوْ طَرَحَهُ أَنَّ الثَّوْبَ حَامِلٌ لَهُ وَالنَّعْلَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ وَالنَّجَاسَةَ فِي أَسْفَلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ حَائِلًا كَثِيفًا فَإِذَا عَلِمَ بِتِلْكَ النَّجَاسَةِ أَزَالَ رِجْلَيْهِ غَيْرَ مُحَرِّكٍ لَهُ سَلِمَ مَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيكِهَا قَالَ: وَهَذَا الْفَرْقُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ سَنَدٌ عَنْ الْإِبْيَانِيِّ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: كَظَهْرِ حَصِيرٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) قَوْلُهُ وَتَحْرِيكُهَا لِيَخْرُجَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ قَدَّاحٍ بِالْبُطْلَانِ إذَا حَرَّكَهَا وَتَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ عَدَمُ الْبُطْلَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ عَلِمَهَا بِنَعْلِهِ فلِلْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ إنْ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ دُونَ تَحْرِيكٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ الصَّلَاةُ فِي النَّعْلِ رُخْصَةٌ مُبَاحَةٌ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَذَلِكَ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَةُ النَّعْلِ قَالَ الْأَبِيُّ: ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يُفْعَلَ الْيَوْمَ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ يَعْنِي مِنْ إنْكَارِ الْعَوَامّ وَذَكَرَ حِكَايَةً وَقَعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَدَّتْ إلَى قَتْلِ اللَّابِسِ قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ الْعَوَامّ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ فِي الْمَشْيِ بِنَعْلِهِ قَالَ الْأَبِيُّ بَلْ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ بِالنَّعْلِ مَخْلُوعَةً إلَّا وَهِيَ فِي كِنٍّ.
وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْضًا وَذَكَرَ كَرَاهَتَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الزَّوَاوِيِّ وَأَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي عَلِيٍّ الْقَرَوِيِّ إدْخَالَهُ الْأَنْعِلَةَ غَيْرَ مَسْتُورَةٍ وَقَالَ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ فَلَا تَفْعَلْ، وَفِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ: وَيَنْوِي امْتِثَالَ السُّنَّةِ فِي أَخْذِ الْقَدَمِ يَعْنِي النَّعْلَ بِالشِّمَالِ حِينَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَحِينَ خُرُوجِهِ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّهُ يَسْلَمُ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فَتَرَى أَحَدَهُمْ إذَا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ يَأْخُذُ قَدَمَهُ بِيَمِينِهِ وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ أَحَدُهُمْ مِنْ كِتَابٍ فَيَكُونَ الْكِتَابُ فِي شِمَالِهِ فَيَقَعَ فِي مَحْذُورَاتٍ مِنْهَا جَهْلُ السُّنَّةِ فِي مُنَاوَلَةِ كِتَابِهِ وَقَدَمِهِ وَمِنْهَا مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ عِنْدَ أَوَّلِ دُخُولِ بَيْتِ رَبِّهِ وَمِنْهَا ارْتِكَابُهُ الْبِدْعَةَ فَيَسْتَفْتِحُ عِبَادَتَهُ بِهَا وَمِنْهَا اقْتِدَاءُ النَّاسِ بِهِ وَمِنْهَا التَّفَاؤُلُ وَهُوَ أَعْظَمُ الْجَمِيعِ فِي أَخْذِ الْكِتَابِ بِالشِّمَالِ، وَيَنْوِي امْتِثَالَ السُّنَّةِ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ نَعْلَهُ فِي قِبْلَتِهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَلْفَهُ يَتَشَوَّشُ فِي صَلَاتِهِ وَقَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ جَمْعُ خَاطِرِهِ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي أَبِي دَاوُد صَرِيحًا، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ النَّهْيُ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ النُّخَامَةُ مَعَ كَوْنِهَا طَاهِرَةً فَمَا بَالُكَ بِالْقَدَمِ الَّتِي قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ فِي الطَّرِيقِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِيهَا فَيَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَلَى يَسَارِهِ فَلَا يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ فَيَجْعَلُهُ إذْ ذَاكَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ كَانَ بَيْنَ ذَقَنِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَيَتَحَفَّظُ أَنْ يُحَرِّكَهُ فِي صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَاشِرًا لَهُ فِيهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لِأَجْلِ هَذَا أَنْ تَكُونَ لَهُ خِرْقَةٌ، أَوْ مَحْفَظَةٌ يَجْعَلُ فِيهَا قَدَمَهُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ الْأَبِيُّ أَفْتَى بَعْضُهُمْ فِيمَنْ أَزَالَ نَعْلًا عَنْ مَوْضِعٍ وَوَضَعَهُ بِآخَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَصَوَّبْتُ هَذِهِ الْفُتْيَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ)
ش: لَمَّا ذَكَرَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَمَا تُطْلَبُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَعْفُوَّاتِ مِنْ ذَلِكَ، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَ عِشْرُونَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَاعِدَةٌ كُلُّ مَأْمُورٍ يَشُقُّ عَلَى الْعِبَادِ فِعْلُهُ سَقَطَ الْأَمْرُ بِهِ وَكُلُّ مَنْهِيٍّ شَقَّ عَلَيْهِمْ اجْتِنَابُهُ سَقَطَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْمَشَاقُّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَيُعْفَى عَنْهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ طَهَارَةُ الْحَدَثِ، أَوْ الْخَبَثِ تُذْهِبُ النَّفْسَ، أَوْ الْأَعْضَاءَ فَيُعْفَى عَنْهَا إجْمَاعًا، وَمَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ السُّفْلَى لَا يُعْفَى عَنْهَا إجْمَاعًا كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشَقَّةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَتَخْتَلِفُ فِي إلْحَاقِهَا بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَتُؤَثِّرُ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ بِالْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا فَلَا تُؤَثِّرُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَخَرَّجُ الْخِلَافُ فِي فُرُوعِ هَذَا الْفَصْلِ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ جَسَدِ مَنْ عُفِيَ عَنْهُ ثُمَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ مِنْ نَوْعِهِ كَبَوْلِ الْمُرْضَعِ ثُمَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَبَوْلِ فَرَسِ الْغَازِي ثُمَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَطِينِ الْمَطَرِ.
ص (كَحَدَثٍ مُسْتَنْكِحٍ)
ش: إطْلَاقُ الْحَدَثِ عَلَى مَا يَسْتَنْكِحُ مَجَازٌ فِقْهِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ وَهَذَا رَأْيُ الْعِرَاقِيِّينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ بَوْلَ صَاحِبِ السَّلَسِ كَالْعَدَمِ وَيَشْتَرِطُونَ فِي الْحَدَثِ الصِّحَّةَ وَالِاعْتِيَادَ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلًا بِأَنَّ بَوْلَ صَاحِبِ السَّلَسِ حَدَثٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلْمَشَقَّةِ ذَكَرَهُ فِي فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِطْلَاقُ الْحَدَثِ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ حَقِيقَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَنَكَّرَهُ لِيَعُمَّ كُلَّ حَدَثٍ وَسَوَاءٌ أَصَابَ الثَّوْبَ، أَوْ الْبَدَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكَانَ فَأَمَّا إنْ أَصَابَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَكَان طَاهِرٍ. وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مِنْ
جُمْلَةِ مَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَاخِلٌ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَنْكِحْ كَانَ حَيْضًا وَهُوَ حَدَثٌ. وَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ، أَوْ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدَثِ، وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْحَرَجِ بِمُصَلٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُسْتَنْكِحِ فَتْحُ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْحَدَثِ الْمُسْتَنْكِحِ هُنَا هَلْ هُوَ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، أَوْ يُغْتَفَرُ هُنَا كُلُّ مَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَلَوْ كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ إذَا أَتَى فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، أَوْ أَكْثَرَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ فَسَّرَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الِاسْتِنْكَاحَ فِي بَابِ السَّهْوِ بِأَنْ يَأْتِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ قَالَا.
وَأَمَّا إذَا أَتَى بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ قَالَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ هُنَا وَقَدْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنَّ الْأَحْدَاثَ الْمُسْتَنْكَحَةِ مِثْلُ الدُّمَّلَ انْتَهَى.
وَمَسْأَلَةُ الدَّمَامِلِ سَيَأْتِي أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ كُلِّ مَا يَسِيلُ مِنْهَا إذَا لَمْ تُنْكَ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَشَقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي صَاحِبِ السَّلَسِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لَهُ فِيهِ الْوُضُوءُ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ اعْتِبَارًا بِالْوُضُوءِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُسْتَحَبُّ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ السَّائِلَةِ كَالْقُرُوحِ وَشَبَهِهَا لَا تُغْسَلُ إلَّا أَنْ تَتَفَاحَشَ وَتُخَالِفَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا أَوْكَدُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ نَضْحُهُ إذَا كَانَ مُسْتَنْكِحًا انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فَانْظُرْهُ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إنَّ السَّلَسَ جَمِيعَهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَنْقُضُ فَإِنَّهُ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَعَنْ حَدَثٍ مُسْتَنْكِحٍ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا لِغَيْرِ الْكَافِي وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَعَدَمُ نَقْضِهِ قَائِمٌ.
(قُلْتُ:) مُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَسْأَلَةُ الدُّمَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ نَصٌّ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْحَدَثِ الْمُسْتَنْكِحِ فَتَأَمَّلْهُ.
(فَرْعٌ) وَاسْتُحِبَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَدْرَأَ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ قَالَ سَنَدٌ، وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِالْخِرْقَةِ وَفِيهَا النَّجَاسَةُ كَمَا يُصَلِّي بِثَوْبِهِ قَالَ سَنَدٌ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَبْدِيلُ الْخِرْقَةِ قَالَ الْإِبْيَانِيُّ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَغْسِلُهَا وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَا يُسْتَحَبُّ وَغَسْلُ الْفَرْجِ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَذْهَبُ الْإِبْيَانِيِّ لُزُومُ الْخِرْقَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا: إذَا عُفِيَ عَنْ الْأَحْدَاثِ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا عُفِيَ عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا وَقِيلَ لَا يُعْفَى عَنْهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعَفْوِ الضَّرُورَةُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ صَلَاةُ صَاحِبِهَا بِغَيْرِهِ إمَامًا، انْتَهَى.
فَانْظُرْ كَيْفَ حَكَى أَوَّلًا الْخِلَافَ مُطْلَقًا ثُمَّ خَصَّ فَائِدَتَهُ بِجَوَازِ إمَامَتِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا إمَامَتُهُ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ كَمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَحَكَى ذَلِكَ سَنَدٌ هُنَا عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبِهِ إلَّا إذَا أَيْقَنَ طَهَارَتَهُ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً وَصَحَّتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاتِهِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ الْمُرْتَبِطَةُ بِهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: دَمُ الْبَثَرَاتِ وَقَيْحُهَا وَصَدِيدُهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ فَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ فَفِي الْعَفْوِ عَنْهُ قَوْلَانِ.
(فَرْعٌ) الْحَدَثُ الْمُسْتَنْكِحُ وَالْجُرْحُ بِمُصَلٍّ وَالدَّمَامِلُ يَسِيلُ وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ وَبَوْلُ فَرَسِ الْغَازِي بِأَرْضِ الْحَرْبِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، وَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيُؤْمَرَ بِهَا انْتَهَى.
أَيْ يُؤْمَرُ بِالْإِزَالَةِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَ. وَقَالَ ابْنُ مُعَلًّى فِي مَنْسَكِهِ إذَا كَثُرَ وَجَبَ غَسْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ مَعَ عَدَمِ الْكَثْرَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ.
(فَرْعٌ) إذَا بَرِئَ صَاحِبُ السَّلَسِ فَلَا يُعْفَى عَمَّا كَانَ فِي ثَوْبِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى طِينِ الْمَطَرِ.
ص (وَبَلَلُ بَاسُورٍ)
ش: قَالَ عِيَاضٌ: الْبَاسُورُ
بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ وَجَعُ الْمَقْعَدَةِ وَتَوَرُّمُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَرَجَ الثَّآلِيلُ هُنَاكَ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ. قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَأَمَّا بِالنُّونِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ انْفِتَاحُ عُرُوقِ الْمَقْعَدَةِ وَجَرَيَانُ مَادَّتِهَا. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَفِي الْحَدِيثِ كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ وَيَكُونُ هُوَ شِفَاءً مِنْ الْبَاسُورِ فَيُرْوَى بِالْبَاءِ وَالنُّونِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ عَنْ عِيَاضٍ وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ التَّنْبِيهَاتِ، أَوْ سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْت. قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي نَجَاسَةِ بَلَّةِ الْبَاسُورِ. وَخَرَّجَهُ سَنَدٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَلَّةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ. قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ هُنَا هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِي الْعُضْوِ مِنْ مِدَّةٍ فَهُوَ مِثْلُ مَا اجْتَمَعَ فِي الدُّمَّلِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ سَنَدٍ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عَلَى جِهَةِ الْبَحْثِ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ لَكِنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَالْمَكَانُ نَجِسٌ بِمَا يَلْقَاهُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخَارِجِ فَتَنْجَسُ الْيَدُ بِذَلِكَ انْتَهَى.
ص (فِي يَدٍ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ، أَوْ ثَوْبٍ) . ش الشَّرْطُ رَاجِعٌ إلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ مَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْهُ، أَوْ الْجَسَدَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكْثُرْ الرَّدُّ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَيْدُ الْكَثْرَةِ رَاجِعٌ إلَى إصَابَةِ الْبَلَلِ لِلْيَدِ بِخِلَافِ مَا يُصِيبُ الثَّوْبَ فَهُوَ مِثْلُ مَا يُصِيبُ مِنْ الدُّمَّلِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ أَنَّ مَا يُغْتَفَرُ لِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَمَحَالِّهِ سَوَاءٌ كَانَ وُجُودُهُ فِيهَا مُتَسَاوِيًا، أَوْ لَا كَالنَّعْلِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهَا ضَرُورَةٌ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ رَاجِعٌ لِلْيَدِ وَالثَّوْبِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّصُوصِ. وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِفَاعِلِ كَثُرَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ لَا الْمُصِيبُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ الضَّرُورَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْإِصَابَةِ لَا كَثْرَةِ الْمُصِيبِ إذْ قَدْ يُصِيبُ يَدَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي إزَالَتِهِ وَلَوْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْءٌ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ، كُلُّ مَرَّةٍ كَالنُّقْطَةِ يُعَدُّ ذَلِكَ ضَرُورَةً تُبِيحُ الصَّلَاةَ بِهَا انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَفْوُ بِاضْطِرَارِهِ لِرَدِّهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الِاضْطِرَارُ لِلرَّدِّ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ يَدِهِ أَمْ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِهِ فَيَغْسِلُ يَدَهُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْمَقْعَدَةِ إنْ كَانَ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. .
وَأَمَّا النَّاسُورُ بِالنُّونِ فَهُوَ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي تُمْصِلُ، وَالثَّآلِيلُ جَمْعُ ثُؤْلُولٍ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ثُمَّ هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ قَالَهُ الزُّبَيْدِيُّ.
(تَنْبِيهٌ) عَدَّ ابْنُ نَاجِي ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا إلَّا عِنْدَ التَّفَاحُشِ. وَذَكَرَ مِنْهَا ثَوْبَ صَاحِبِ الْبَوَاسِيرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عِنْدَ التَّفَاحُشِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَثَوْبُ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ)
ش: أَيْ وَعُفِيَ عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُرْضِعَةِ يُرِيدُ وَجَسَدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهَا مُجْتَهِدَةً فِي التَّحَفُّظِ مِنْهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَدْرَأُ الْبَوْلَ جُهْدَهَا وَتَغْسِلُ مَا أَصَابَ ثَوْبَهَا مِنْ الْبَوْلِ جُهْدَهَا. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَمَا رَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنَّمَا يُعْفَى عَمَّا قَدْ يُصِيبُهَا، وَلَا تَعْلَمُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَوْبَ الْمُرْضِعِ لَا يَخْلُو مِنْ إصَابَةِ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ أَنَّ مَا رَأَتْهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ هَارُونَ وَصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا إذَا اجْتَهَدَتْ فِي دَرْءِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَتْهُ وَأَنَّهَا إنَّمَا تُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ إذَا تَفَاحَشَ وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ نَاجِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَثَرُ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ أَيْضًا، فَقَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْتَغْسِلْ مَا أَصَابَ ثَوْبَهَا مِنْهُ جُهْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ؛ لِأَنَّهَا مَعَ اجْتِهَادِهَا فِي دَرْئِهِ كَالْمُسْتَنْكَحَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَتَدْرَأُ الْبَوْلَ جُهْدَهَا فَتَكُونُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَأَصْحَابِ الْأَسْلَاسِ، فَقَوْلُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي
شَرْحِهِ مَا رَأَتْهُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنَّمَا يُعْفَى عَمَّا قَدْ يُصِيبُهَا وَلَا تَعْلَمُ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَوْبَ الْمُرْضِعِ لَا تَخْلُو مِنْ إصَابَةِ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ - مُخَالِفٌ لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ ابْنِ فَرْحُونٍ مِنْ إصَابَةِ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهَا مِنْ غَائِطِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: بِذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْعَفْوَ عَنْ بَوْلِهِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ سَيَلَانِهِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِ أَحْوَالِهِ وَلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ بِتَكَرُّرِ غَسْلِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ غَائِطِهِ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى.
(قُلْتُ:) وَاَلَّذِي فِي عِبَارَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْعَفْوُ عَنْ بَوْلِهِ.
(الثَّانِي) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَجْتَهِدُ، ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْإِمَامِ، فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَفْوِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى ذَلِكَ.
(قُلْتُ:) وَكَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ نَعَمْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَمَّنْ لَهُ صَنْعَةٌ يَحْتَاجُ لِوَضْعِ الزِّبْلِ فِيهَا فَيَضْطَرُّ إلَى أَنْ يُصِيبَ ثَوْبَهُ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيُعِدُّ ثَوْبًا لِلصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ بِهِ، وَلَا يَتْرُكْهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا. الْبُرْزُلِيُّ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا لِلصَّنْعَةِ، وَلَا يُصْلِحُهَا إلَّا ذَلِكَ فَهُوَ كَثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَفَرَسِ الْغَازِي بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ وَمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَنَّهَا تَجْتَهِدُ فِي أَنْ لَا يُصِيبَهَا، أَوْ يَكُونَ لَهَا ثَوْبٌ غَيْرُ الَّذِي تُرْضِعُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خُصُوصِيَّةُ الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا مَثَلًا مَا عُفِيَ عَنْهَا وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ وَتَجْتَهِدُ وَالْأَقْرَبُ رَدُّهُمَا إلَى وِفَاقٍ فَإِنْ كَانَتْ الظِّئْرُ مُضْطَرَّةً إلَى مَا تَأْخُذُهُ عُفِيَ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُ ابْنِ هَارُونَ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ الظِّئْرُ كَالْأُمِّ مُطْلَقًا يُقَيِّدُ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَدْخُلُ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّهَا أُمّ بِالرَّضَاعِ وَالْعِلَّةُ فِيهَا مَوْجُودَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّهُ يُقَيِّدُ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْمَشَذَّالِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ أَنَّ الْجَزَّارَ وَالْكَنَّافَ كَذَلِكَ، وَانْظُرْ الظِّئْرَ هَلْ هِيَ كَالْأُمِّ، أَوْ لَا مَا نَصُّهُ.
(قُلْتُ:) إذَا صَحَّ عِنْدَهُ إلْحَاقُ الْأَوَّلِينَ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى، وَقَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ شُمُولِ اللَّفْظِ لَهَا وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَتَوَقَّفَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي الظِّئْرِ أَيْضًا وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ نَاجِي مِنْ التَّفْصِيلِ ظَاهِرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ وَلَدَهَا، أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتَاجَتْ، أَوْ كَانَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْوَانُّوغِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْجَزَّارِ وَالْكَنَّافِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي أَشْيَاخِ الْمَغْرِبِ.
ص (وَنُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ)
ش: لَفْظُ الْأُمَّهَاتِ. وَأَمَّا الْأُمُّ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَوْبٌ تُرْضِعُ فِيهِ فَاخْتَصَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهَا شُرَّاحُهَا. قَالَ سَنَدٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَإِلَّا فَمَا يَلْزَمُهَا نَزْعُ ثَوْبِهَا، وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَتَكَرَّرُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَتْ مُسْتَنْكَحَةً، وَاَلَّذِي قَالَهُ مُتَّجِهٌ سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَجِدُ ثَوْبَيْنِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ لِأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ نَاجِي وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا غَسْلُ مَا رَأَتْ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ثَوْبٍ طَاهِرٍ انْتَهَى.
وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يَقُولُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي صَاحِبِ الدُّمَّلِ وَالْجُرْحِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ عُذْرِ الْأَوَّلِ مُتَّصِلٌ بِهِ وَسَبَبَ عُذْرِ هَذِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا انْتَهَى.
وَأَصْلُهُ لِسَنَدٍ بِأَبْسَطَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ وَشِبْهِهِمَا وَبَيْنَ الْمُرْضِعِ: إنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَا يُمْكِنُهُمَا الصِّيَانَةُ مِنْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ
فَلَا فَائِدَة فِي تَجْدِيدِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْمُرْضِعِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) عَدَّ ابْنُ نَاجِي مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْأَثْوَابِ الَّتِي لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا إلَّا عِنْدَ التَّفَاحُشِ ثَوْبَ الْمُرْضِعِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عِنْدَ التَّفَاحُشِ.
ص (وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا) . ش يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا كَانَ دُونَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ دَمَ حَيْضٍ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْحَيْضِ لِمُرُورِهِ عَلَى مَحَلِّ الْبَوْلِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَشْرَسَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَا عَنْ يَسِيرِ دَمِ الْمَيْتَةِ، وَخَرَّجَ سَنَدٌ عَدَمَ الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْخِنْزِيرِ.
(فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ مِنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ، أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْعَفْوَ خَاصٌّ بِمَا كَانَ مِنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ وَمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ فَكَالْبَوْلِ. وَفِي اللَّخْمِيِّ يُخْتَلَفُ فِي الدَّمِ الْيَسِيرِ يَكُونُ فِي ثَوْبِ الْغَيْرِ ثُمَّ يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ لِإِمْكَانِ الِانْفِكَاكِ. قَالَ سَنَدٌ مَا أَرَاهُ قَالَهُ إلَّا مِنْ رَأْيِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ فِي الْعَفْوِ عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوَاهِرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَثَرَاتِ وَالْجُرْحِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ يُعْفَى عَنْ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ وَنَقَلَ الْخِلَافَ فِيهِ غَيْرُهُ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَسِيرِ وَتَبِعَ ابْنُ نَاجِي الْمُصَنِّفَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ شَاسٍ، فَقَالَ: وَقِيلَ: إنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ غَسَلَهُ. حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي دَمِ الْحَيْضِ وَحَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ فِي سَائِرِ الدِّمَاءِ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ سَنَدٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ قَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِهَا. قَالَ التُّونُسِيُّ وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ إذَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ بَدَنِ الْمَرْءِ فِي ثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ مَا أَرَاهُ إلَّا نَظَرًا مِنْهُ لَا نَقْلًا. وَاعْتَرَضَ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ فَرْحُونٍ مَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شَاسٍ اعْتَمَدَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي لَفْظَ اللَّخْمِيِّ، وَقَالَ هَذَا كَالنَّصِّ فِي أَنَّهُ مِنْ رَأْيِهِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ غَيْرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التُّونُسِيِّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَشَارَ إلَى إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي دَمِ الْحَيْضِ لِنُدُورِ سَيْلِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ فِي الْبَدَنِ لَا الثَّوْبِ انْتَهَى.
وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْيَسِيرِ الْمَذْكُورِ هَلْ يُغْتَفَرُ مُطْلَقًا عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْمَائِعِ الطَّاهِرِ، أَوْ اغْتِفَارُهُ مَقْصُورٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَقْطَعُ لِأَجْلِهِ إذَا ذَكَرَهُ فِيهَا، وَلَا يُعِيدُ. وَأَمَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَالثَّانِي عَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ الْمَازِرِيِّ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ نَاجِي قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَنَقُلْ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِثْلَ مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ اعْتَمَدَ تَرْجِيحَ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِمَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ نَفْيَ الْوُجُوبِ.
(تَنْبِيهٌ) يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الدَّمَ الْيَسِيرَ وَجَمِيعَ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا إذَا أَصَابَتْ طَعَامًا أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ فِيهَا إذَا رَآهُ فِي الصَّلَاةِ تَمَادَى وَلَمْ يَنْزِعْهُ، وَإِنْ نَزَعَهُ فَلَا
بَأْسَ. قَالَ سَنَدٌ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ الِاسْتِحْبَابَ وَعَدَمَهُ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ عَلَى مَذْهَبِهَا الِاسْتِحْبَابُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ عَمَلٍ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ لَهُ النَّزْعَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصًا وَبِهِ قَالَ الْقَابِسِيُّ وَرَآهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ إصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا كَثِيرُهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ مِمَّا لَيْسَ فِي نَزْعِهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا شُغْلٌ فِي الصَّلَاةِ كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَالْإِزَارِ وَشِبْهِهِ مُرَاعَاةً لِخِفَّةِ الْعَمَلِ وَقُرْبِهِ. وَقَيَّدَ ابْنُ يُونُسَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِهِ انْتَهَى.
وَهُوَ يُؤَيِّدُ اسْتِحْبَابَ النَّزْعِ وَكَانَ ابْنُ يُونُسَ قَبِلَ كَلَامَ الْقَابِسِيِّ. وَأَمَّا سَنَدٌ فَقَالَ: إذَا كَانَ فِي نَزْعِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَلَا يَنْزِعْهُ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَتَرْكُ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَاجِبٌ وَفِعْلُ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رَاشِدٍ وَمَجْهُولُ الْجَلَّابِ أَيْ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَكُونُ بِبَاطِنِ الذِّرَاعِ مِنْ الْبَغْلِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ التَّوْضِيحِ، وَفِي التِّلِمْسَانِيِّ شَارِحِ الْجَلَّابِ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ النُّقُولُ فِيهَا نَظَرٌ وَالدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْمُرَادُ بِهِ سِكَّةٌ قَدِيمَةٌ لِمَالِكٍ تُسَمَّى رَأْسَ الْبَغْلِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ: الدَّرَاهِمُ تَخْتَلِفُ، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الدَّرَاهِمَ الْمَسْكُوكَةَ، وَقَدْ أَوْقَفْتُ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَاهُ عَلَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَكَانَ قَدْ شَرَعَ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ مَا ذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ فَرَجَعَ وَأَصْلَحَ كِتَابَهُ.
(قُلْتُ:) وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمِ قَدْرُ فَمِ الْجُرْحِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: إنَّ الْيَسِيرَ قَدْرُ الْخِنْصَرِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ: إنَّ الْمُرَادَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - مِسَاحَةُ رَأْسِهِ لَا طُولُهُ فَإِنَّ طُولَهُ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ. وَقَالَ فِي مَجْهُولِ الْجَلَّابِ يَعْنُونَ بِهِ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ الْمُرَادُ إذَا كَانَ مُنْطَوِيًا انْتَهَى.
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَأُجِيبَكُمْ بِتَحْدِيدِهِ، هُوَ ضَلَالُ الدَّرَاهِمِ تَخْتَلِفُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْعَارِضَةِ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَعْتَمِدْ الْمُتَأَخِّرُونَ تَشْهِيرَهُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ كَثِيرِ الدَّمِ وَكَثِيرُهُ نِصْفُ الثَّوْبِ فَأَكْثَرَ قَالَ وَكُلُّ مَنْ لَقِيتُهُ يَقُولُ هُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَفِي أَوَّلِ الْإِكْمَالِ وَنَقَلَ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي ذَلِكَ قَوْلًا مُنْكَرًا عِنْدَنَا انْتَهَى.
فَلَعَلَّهُ الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِ. الثَّانِي جَعَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدِّرْهَمَ مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَجَعَلَهُ فِي الرُّعَافِ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَرِوَايَةُ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِرْشَادِ فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ سَابِقٍ أَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ يَسِيرٌ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ، وَفِي الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ. وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الدِّرْهَمَ كَثِيرٌ اتِّفَاقًا وَقَدْرُ الْخِنْصَرِ يَسِيرٌ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِي الدِّرْهَمِ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا وَالِاعْتِرَاضُ يَأْتِي عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ خِلَافُ ذَلِكَ قَالَ: فَأَمَّا مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ فَكَثِيرٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَأَمَّا الْخِنْصَرُ فَيَسِيرٌ وَمَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْخِنْصَرِ فِيهِ قَوْلَانِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عَيْنُ الدَّمِ دُونَ أَثَرِهِ وَأَنَّ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ مِنْ أَثَرٍ يَسِيرٌ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ.
ص (وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ)
ش: تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا وَمَا