الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَاةٌ. وَفَضِيلَةٌ وَهُوَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَرَكْعَتَا الشَّفْعِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَقِيَامُ رَمَضَانَ وَهُوَ أَوْكَدُ وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالضُّحَى بِلَا حَدٍّ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِحْيَاءُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْخُرُوجِ لِلسَّفَرِ وَعِنْدَ الْقُدُومِ مِنْهُ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَرَكْعَتَانِ لِمَنْ قُرِّبَ لِلْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ غُرُوبِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي، وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَسَمَّى ابْنُ رُشْدٍ مَا بَعْدَ قِيَامِ رَمَضَانَ نَافِلَةً وَجَعَلَهُ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْ الْفَضِيلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَكْرُوهَةٌ وَهِيَ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تُصَلَّى الْمَغْرِبُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا إذَا صُلِّيَتَا فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِسَفَرٍ، أَوْ مَطَرٍ، أَوْ بِعَرَفَةَ، أَوْ مُزْدَلِفَةَ. وَمَمْنُوعَةٌ وَهِيَ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ وَمِنْ حِينِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَنَفُّلُ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ، وَابْتِدَاءُ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ إذَا كَانَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ يُصَلِّي، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَحَالِّهِ، وَلِلصَّلَاةِ شُرُوطٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْهَا: الطَّهَارَةُ وَتَقَدَّمَتْ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا ثُمَّ اُفْتُتِحَ كِتَابُ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَصِحَّتِهَا وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ لِصِدْقِ حَدِّ السَّبَبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ نَعَمْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْعِلْمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطٌ أَيْ: فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَيَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِمَعْرِفَةِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إذْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ وَبِخُرُوجِهِ تَصِيرُ قَضَاءً فَقَالَ:
[بَابُ مَوَاقِيت الصَّلَاة]
ص (بَابُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ) .
ش الْأَوْقَاتُ جَمْعُ وَقْتٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوْقِيتِ وَهُوَ التَّحْدِيدُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْوَقْتُ أَخَصُّ مِنْ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُدَّةُ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَالْوَقْتُ هُوَ مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ وَقْتًا نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ طُلُوعَ الشَّمْسِ فَطُلُوعُ الشَّمْسِ وَقْتُ الْمَجِيءِ إذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا وَالْمَجِيءُ خَفِيًّا، وَلَوْ خَفِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَعْمَى، أَوْ مَسْجُونٍ مَثَلًا لَقُلْتُ لَهُ طَلَعَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ مَجِيءِ زَيْدٍ فَيَكُونُ الْمَجِيءُ وَقْتَ الطُّلُوعِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: إنَّ الزَّمَانَ هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ هُوَ تَعْرِيفُ الزَّمَانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُمْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةً لِلْإِبْهَامِ مِنْ الْأَوَّلِ لِمُقَارَنَةِ الثَّانِي وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ سُمِّيَ الزَّمَانُ وَقْتًا لِمَا حُدِّدَ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ وَقْتٍ زَمَانٌ وَلَيْسَ كُلُّ زَمَانٍ وَقْتًا وَالزَّمَانُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ زَمَانًا ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَانْظُرْ مَا حَكَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي الذَّخِيرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلزَّمَانِ، وَكَلَامَهُ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْتِ، وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ فَلَعَلَّهُ رَآهُ لِلْمَازِرِيِّ فِي غَيْرِ شَرْحِ التَّلْقِينِ فَانْظُرْهُ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْوَقْتُ كَوْنُ الشَّمْسِ أَوْ نَظِيرِهَا بِدَائِرَةِ أُفُقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِدَرَجَةٍ عُلِمَ قَدْرُ بُعْدِهَا مِنْهُ.
وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ صَالِحٌ لُغَةً لَا عُرْفًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ جَوَابًا عَنْهُ عُرْفًا انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَظِيرِهَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ غَيْرَهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُؤَقِّتَ بِكُلِّ كَوْكَبٍ مِنْهَا وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ يَقْتَضِي أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ إنَّمَا
هُوَ فِي أَصْلِ التَّخَاطُبِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ صَالِحٌ لُغَةً فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَقْتُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ جَمَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوْقَاتَ، وَقِيلَ: إنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ كَمَا سَيَأْتِي.
لَا يُقَالُ: إنَّ زَمَنَ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قِسْمًا مِنْهُ، وَلِذَلِكَ حَدَّ بَعْضُهُمْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُفْعَلَ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يُوقِعُهَا خَارِجَ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا إمَّا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَعَرَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ بِأَنَّهُ مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ أَوَّلًا فَقَوْلُهُ مَا أَيْ: وَقْتٌ قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ بِخِطَابٍ أَوَّلًا فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قُيِّدَ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ وَقْتٌ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا وَقْتًا فَلَا تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ بِخِطَابٍ ثَانٍ بِنَاءً عَلَى رَأْيِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَوَقْتِ الذِّكْرِ لِلنَّاسِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِمَنْ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِهِ الْفِعْلَ ثَانِيًا بِخِطَابٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» هَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِعْلًا أَوَّلًا لِيُخْرِجَ الْإِعَادَةَ كَمَا قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ حَكَى عَنْ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَالَ: احْتَرَزْتُ بِقَوْلِي أَوَّلًا مِنْ الْإِعَادَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْإِعَادَةُ خَارِجَةً عَنْ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ شَرْعًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ، وَلَا شَرْعًا كَمَا إذَا قَيَّدَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ بِوَقْتٍ وَكَتَعْيِينِ الْإِمَامِ لِأَخْذِ الزَّكَاة شَهْرًا لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا حَدَّ هُنَا وَقْتَ الصَّلَاةِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقْتُ الْأَدَاءِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ، وَالْقَضَاءِ انْقِطَاعُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَضَاءُ مَا بَعْدَ الْأَدَاءِ. وَيَنْقَسِمُ وَقْتُ الْأَدَاءِ إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَضَرُورِيٍّ فَالِاخْتِيَارِيُّ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ وَالضَّرُورِيُّ هُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعِصْيَانِ وَالْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي وَفَسَّرَ الْمَازِرِيُّ الِاخْتِيَارَ بِأَنَّهُ وَقْتُ مُطَابَقَةِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَيَتَنَافَى الْأَدَاءُ وَالْعِصْيَانُ وَقَدْ يَكُونُ وَقْتُ الضَّرُورِيِّ لِغَيْرِ ذِي عُذْرٍ قَضَاءً وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ إنَّ الضَّرُورِيَّ وَقْتُ أَدَاءً قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَا التُّونُسِيُّ التَّنَافِيَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْعِصْيَانِ لِلْمُخَالِفِ، وَنَفْيُهُ لَنَا، وَزَادَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقْتَ الرُّخْصَةِ وَالْعُذْرِ وَوَقْتَ سُنَّةٍ يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ فَوَقْتُ الْعُذْرِ وَالرُّخْصَةِ هُوَ مَا قَبْلَ الْقَامَةِ لِلْعَصْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى بَعْدَ الْقَامَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعِشَاءَيْنِ. وَوَقْتُ السُّنَّةِ الْمُشَابِهِ لِلرُّخْصَةِ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِلْمُزْدَلِفَةِ. وَيَنْقَسِمُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى وَقْتِ فَضِيلَةٍ وَوَقْتِ تَوْسِعَةٍ فَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى فِعْلِهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَوَقْتُ التَّوْسِعَةِ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ.
(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ الْوُجُوبِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَقْتِ الْأَدَاءِ، أَوْ بِمَا يَسَعُ الْفِعْلَ مِنْهُ مَجْهُولًا وَوَقَعَ الْفِعْلُ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَعَزَا الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْجُمْهُورِ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِأَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَعَلَ الثَّانِيَ تَخْرِيجًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.
(فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا؟ فَاشْتَرَطَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَالَ الْعَزْمُ ثَابِتٌ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ، وَغَيْرُهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَزْمَ بِوَجْهٍ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْقَاضِي وَالْمَازِرِيِّ.
ص (لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ لِآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ)
ش:
شَرَعَ رحمه الله يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَأَ بِالصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا الْوُسْطَى، وَلِأَنَّهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَسُمِّيَتْ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَظْهَرُ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى الْأُولَى، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ أَيْ: شِدَّةِ الْحَرِّ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى صَلَاةَ الْهَجِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ؛ لِأَنَّ الظِّلَّ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَكُونُ مُمْتَدًّا وَلَا يَزَالُ يَنْقُصُ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَى أَنْ تَصِيرَ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ فَإِذَا مَالَتْ الشَّمْسُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ هُوَ الزَّوَالُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الظِّلُّ زِيَادَةً بَيِّنَةً فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ فَإِنَّ الزَّوَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيقَاتِ يَحْصُلُ بِمَيْلِ مَرْكَزِ الشَّمْسِ عِنْدَ خَطِّ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَالزَّوَالُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَيْلِ قُرْصِ الشَّمْسِ عَنْ خَطِّ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ لِلْغُرُوبِ مِيقَاتِيٌّ وَشَرْعِيٌّ فَالْمِيقَاتِيُّ غُرُوبُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ وَالشَّرْعِيُّ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ الشُّرُوقُ الْمِيقَاتِيُّ هُوَ شُرُوقُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ وَالشَّرْعِيُّ شُرُوقُ أَوَّلِ حَاجِبِ الشَّمْسِ وَيَحْصُلُ الشَّرْعِيُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الِاصْطِلَاحِيِّ بِنَحْوِ نِصْفِ دَرَجَةٍ وَذَلِكَ قَدْرُ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثَلَاثِينَ مَرَّةً قِرَاءَةً مُعْتَدِلَةً مَعَ الْبَسْمَلَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَإِذَا تَبَيَّنَتْ زِيَادَةُ الظِّلِّ فَقَدْ مَضَى هَذَا الْمِقْدَارُ يَقِينًا، وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْقُوتِ أَنَّهُ قَالَ: الزَّوَالُ ثَلَاثَةٌ: زَوَالٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى -. وَزَوَالٌ تَعْلَمُهُ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عليهم السلام. وَزَوَالٌ تَعْرِفُهُ النَّاسُ. قَالَ: وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم سَأَلَ جِبْرِيلَ عليه السلام هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ؟ فَقَالَ: لَا نَعَمْ. فَقَالَ: مَا مَعْنَى لَا نَعَمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَطَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ فَلَكِهَا بَيْنَ قَوْلِي لَا نَعَمْ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ لِآخِرِ الْقَامَةِ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ الْمُخْتَارَ مُمْتَدٌّ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَإِنَّمَا قَالَ لِآخِرِ الْقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ بِالتَّعْبِيرِ بِالْقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَذَّرُ وَإِلَّا فَكُلُّ قَائِمٍ يُشَارِكُهَا فِي ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي تَحْدِيدِ أَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَزَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ الْتَفَتَ جِبْرِيلُ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَبَزَقَ بِالزَّايِ أَيْ بَزَغَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ الشِّرَاكِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِثْلَ الشِّرَاكِ هُوَ السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ النَّعْلِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ أَوَّلِ ظُهُورِ الظِّلِّ وَقَوْلُهُ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ أَيْ: سَقَطَتْ بِالْغُرُوبِ.
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَمَّنِي عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ فَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ: وَلَيْسَ اعْتِرَاضُهُ جَيِّدًا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكَلِ الْآثَارِ وَفِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ صَلَاتُهُ إلَى الْبَيْتِ مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) لَفْظُ الْأُمِّ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى الْبَيْتِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَمَّنِي عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ " لَا تُوجَدُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْقَامَةَ إنَّمَا تَعْتَبِرُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ وَهُوَ الظِّلُّ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ يَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ وَيَنْقُصُ فِي الصَّيْفِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ يُعْدَمُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ قَدْرَ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ فَأَقَلَّ، وَالْمَيْلُ الْأَعْظَمُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً تَقْرِيبًا وَعَرْضُ الْبَلَدِ عِبَارَةٌ عَنْ بُعْدِهَا عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ أَيْ وَسَطِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فَيُعْدَمُ الظِّلُّ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلِ الرَّبِيعِ أَعْنِي إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْجَوْزَاءِ فَتَكُونُ الشَّمْسُ حِينَئِذٍ مُسَامِتَةً لِرُءُوسِهِمْ عِنْدَ الزَّوَالِ وَإِذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَيُعْدَمُ الظِّلُّ فِيهَا فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَمَرَّةً وَفِي فَصْلِ الصَّيْفِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَيْلُ الشَّمْسِ قَدْرَ عَرْضِ الْبَلَدِ كَمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَإِنَّ عَرْضَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ دَرَجَةً فَإِذَا كَانَ مَيْلُ الشَّمْسِ إحْدَى وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَانَتْ الشَّمْسُ مُسَامِتَةً لِرُءُوسِهِمْ فَيُعْدَمُ الظِّلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ الزَّوَالِ وَيُعْرَفُ الزَّوَالُ فِي يَوْمِ الْمُسَامَتَةِ بِوُجُودِ الظِّلِّ بَعْدَ انْعِدَامِهِ وَيُعْرَفُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ، أَوْ فِي يَوْمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّ مَا قَارَبَ يَوْمَ الْمُسَامَتَةِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِمَّا لَا يَظْهَرُ فِيهِ لِلظِّلِّ وُجُودٌ مَحْسُوسٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ يَوْمِ الْمُسَامَتَةِ، وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي يَكُونُ عَرْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَلَا يُعْدَمُ فِيهَا ظِلُّ الزَّوَالِ دَائِمًا كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَيَكْثُرُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَيَقِلُّ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبِلَادِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَقْدَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو مُقْرَعٍ لِلزَّوَالِ إلَّا فِي بِلَادِ مَرَّاكُشَ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِي الْعَرْضِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ وَظِلِّ الزَّوَالِ أَنْ تَنْصِبَ شَاخِصًا فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ قُرْبَ الزَّوَالِ وَتُعَلِّمَ عَلَى رَأْسِ ذَلِكَ عَلَامَةً، أَوْ تُدِيرَ عَلَيْهِ قَوْسًا ثُمَّ تَنْظُرُ إلَى الظِّلِّ فَإِنْ نَظَرْتَهُ نَقَصَ عَلَّمْتَ عَلَامَةً أُخْرَى، وَلَا تَزَالُ تَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَجِدَهُ قَدْ زَالَ فَإِنْ زَالَ فَذَلِكَ هُوَ الزَّوَالُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالظِّلُّ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ هُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ. وَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الظِّلِّ الْمَوْجُودِ حِينَئِذٍ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمِثْلِ وَالْمِثْلَيْنِ هُوَ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَزُولُ عَنْهَا الشَّمْسُ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ انْتَهَى.
فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ كَمْ ظِلُّ الزَّوَالِ بِالْأَقْدَامِ فَقِسْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ بِقَدَمَيْكَ وَذَلِكَ بِأَنْ تَقِفَ قَائِمًا مُعْتَدِلًا غَيْرَ مُنَكِّسٍ رَأْسَكَ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَتَخْلَعَ نَعْلَيْكَ وَتَسْتَدْبِرَ الشَّمْسَ، أَوْ تَسْتَقْبِلَهَا وَتُعَلِّمَ عَلَى طَرَفِ ظِلَّكَ عَلَامَةً أَوْ تَأْمُرَ مَنْ يُعَلِّمُ لَكَ إنْ كُنْتَ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ ثُمَّ تَكِيلَ ظِلَّكَ بِقَدَمَيْكَ فَذَلِكَ هُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ عَامٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. وَإِذَا أَرَدْتَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ فَلْتَزِدْ عَلَى مَا كِلْتَهُ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ وَهُوَ قَدْرُ الْقَامَةِ بِالْأَقْدَامِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَابْنُ الشَّاطِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ طُولُ الْقَامَةِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَثُلُثَانِ، وَقِيلَ: سِتٌّ وَنِصْفٌ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هُنَا عِبَارَاتٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ مِنْ الشُّيُوخِ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّوَالَ يُعْرَفُ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ، وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ
الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ لِسُهُولَتِهِ وَاشْتَرَاكِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَلَوْ عُرِفَ الْوَقْتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآلَاتِ كَالرُّبْعِ وَالْأَسْطُرْلَابِ وَغَيْرِهِمَا لَجَازَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الزَّوَالَ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ خَطِّ وَسَطِ السَّمَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَمِنْ الطَّرِيقِ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا يَعْنِي الزَّوَالَ الْأَسْطُرْلَابُ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَضَعُ خُطُوطًا خَاصَّةً وَيُقَسِّمُهَا أَقْسَامًا وَيُقِيمُ فِيهَا قَائِمًا فَإِذَا انْتَهَى ظِلُّ الْقَائِمِ إلَى حَدِّ الْأَقْسَامِ عَرَفَ قَدْرَ مَا مَضَى مِنْ النَّهَارِ، وَهَذِهِ الطَّرَائِقُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ كُلَّهُمْ إنَّمَا يَسْلُكُونَ الْمَسْلَكَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَصْبِ الْعُودِ فَهَذَا الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَمَا عَدَاهُ أَضْرَبُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْأَسْطُرْلَابِ يَدِقُّ وَقَدْ يُؤَدِّي النَّظَرُ فِيهِ إلَى النَّظَرِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يَكْرَهُهُ الْمُشَرِّعُونَ. وَمَا سِوَاهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ عَسِيرٌ مَطْلَبُهُ، صَعْبٌ مَرَامُهُ وَالتَّعْلِيمُ الْحَسَنُ مَا اشْتَرَكَ فِي إدْرَاكِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِهِ الْبَلِيدُ وَالْفَطِنُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَدْ يُعْلَمُ الزَّوَالُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ الظِّلِّ بِأَنْ يُخْرِجَ خَطًّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسَامِتًا لِخَطِّ الزَّوَالِ فِي السَّمَاءِ بِالطُّرُقِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ فَتَضَعَ فِيهِ قَائِمًا فَعِنْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ ظِلُّ الْقَائِمِ مِنْ الْخَطِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لِظِلٍّ خُصُوصًا فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ ظِلِّ الزَّوَالِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاقِبَ زِيَادَةَ الظِّلِّ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الظِّلُّ عَنْ الْخَطِّ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَقَالَ بَعْدَهُ فِي فَصْلِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَيُعْرَفُ الظُّهْرُ بِأَنْ تَضْرِبَ وَتِدًا فِي حَائِطٍ تَكُونُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ اُنْظُرْ طَرَفَ ظِلِّ الْوَتِدِ وَاجْعَلْ فِي يَدِكَ خَيْطًا فِيهِ حَجَرٌ مُدَلًّى مِنْ أَعْلَى الظِّلِّ فَإِذَا جَاءَ الْخَيْطُ عَلَى طَرَفِ الظِّلِّ فَخُطَّ مَعَ الْخَيْطِ خَطًّا طَوِيلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَّ الزَّوَالِ أَبَدًا فَمَتَى وَصَلَ ظِلُّ ذَلِكَ الْوَتِدِ إلَيْهِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ لَكِنْ فِي الشِّتَاءِ يَصِلُ إلَيْهِ أَسْفَلَ وَفِي الصَّيْفِ فَوْقَ.
(قُلْتُ:) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إذَا كَانَ الْوَتِدُ مُعْوَجًّا وَلَمْ يَضْرِبْ فِي الْحَائِطِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ بِحَيْثُ إنَّ ظِلَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ يَمِينًا، أَوْ شِمَالًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا وَظِلُّهُ تَحْتَهُ فَتَخُطُّ الْخَطَّ عَلَى ظِلِّهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَعْرِفَ الزَّوَالَ فِي الْيَوْمَ الَّذِي تَضْرِبُ فِيهِ الْوَتِدَ بِغَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الزَّوَالَ بِعُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا بَأْسَ بِالْمِيزَانِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَقَالَ إنَّمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ بِظِلِّ الْجِدَارِ وَظِلِّ الْإِنْسَانِ، أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ يُكْرَهُ الْأَسْطُرْلَابُ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْكَرَاهَةِ بَلْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ لِمَعْرِفَتِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْفُقَهَاءُ إمَّا لِصُعُوبَتِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النَّظَرِ فِي النُّجُومِ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا أَفْضَلُ لَكِنْ إنَّمَا التَّغْلِيسُ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ إسْفَارِ الْفَجْرِ وَبَيَانِهِ لِلْأَبْصَارِ وَمَنْ صَلَّى بِالْمَنَازِلِ قَبْلَ تَبْيِينِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ فَإِنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ إنَّمَا عُلِّقَتْ بِالْأَوْقَاتِ الْمُبَيَّنَةِ لِلْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا شُرِعَتْ الْمَنَازِلُ لِيُعْلَمَ بِهَا قُرْبُ الصَّبَاحِ فَيَكُفَّ الصَّائِمُ وَيَتَأَهَّبَ الْمُصَلِّي حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ الْفَجْرَ الَّذِي عَلِقَ بِهِ الْوَقْتُ صَلَّى انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ: وَوَقْتُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ الَّذِي يَسُدُّ الْأُفُقَ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْمَنَازِلِ إلَّا تَقْرِيبًا فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ تَوَسُّطُ الْمَنْزِلَةِ تَرَبَّصَ حَتَّى يَرَى الْبَيَاضَ فَإِنْ كَانَ غَيْمٌ انْتَظَرَ قَدْرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحْوًا لَظَهَرَ الْفَجْرُ وَيَحْتَاطُ، وَلَا يُعَجِّلُ، وَمِيزَانُ الشَّمْسِ قَطْعِيٌّ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالْمِائَةِ: جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ أَنَّهُمْ إذَا شَاهَدُوا الْمُتَوَسِّطَ
فِي دَرَجِ الْفَلَكِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ دَرَجَ الشَّمْسِ قَرِيبٌ مِنْ الْأُفُقِ قُرْبًا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الْأُفُقَ قَدْ يَكُونُ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، إنَّمَا نَصَبَ الشَّارِعُ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَوْقَ الْأُفُقِ، وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ إثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَالَ:(فَإِنْ قُلْتَ:) هَذَا جُنُوحٌ مِنْكَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهَا وَقُلْتُ: السَّبَبُ فِي الْأَهِلَّةِ الرُّؤْيَةُ وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ تَحَقُّقُ الْوَقْتِ دُونَ رُؤْيَتِهِ فَحَيْثُ اشْتَرَطْتَ الرُّؤْيَةَ فَقَدْ أَبْطَلْتَ مَا ذَكَرْتَ.
(قُلْتُ:) هَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنِّي لَمْ أَشْتَرِطْ الرُّؤْيَةَ فِي الْأَوْقَاتِ لَكِنْ جَعَلْتَ عَدَمَ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى الْفَجْرِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هِيَ السَّبَبُ فَفَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الْحِسِّ سَبَبًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ فَفِي الْفَجْرِ جَعَلْتُهُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ لِأَنِّي اشْتَرَطْتَ الرُّؤْيَةَ فَلَوْ كَانَ حِسَابُهُمْ يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ فِي الصَّحْوِ وَيَخْفَى فِي الْغَيْمِ لَمْ أَسْتَشْكِلْهُ لَكِنِّي لَمَّا رَأَيْت حِسَابَهُمْ فِي الصَّحْوِ لَا يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ عَلِمْتَ أَنَّ حِسَابَهُمْ يُعَارِضُ عَدَمَ السَّبَبِ انْتَهَى.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ يُشِيرُ فِيهِ إلَى أَنَّ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْوُجُوبَ فِي الزَّوَالِ هُوَ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ لَا الزَّوَالُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْحِسَابِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوَالِ الَّذِي يَظْهَرُ لِلنَّاسِ رُؤْيَتُهُ فَإِذَا تَحَقَّقَ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الزَّوَالُ الْمَذْكُورُ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ الْحِسُّ لَأَدْرَكَهُ كَفَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هُنَا غَيْمٌ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي غَرُوبِ الشَّمْسِ وَالشَّفَقِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي عِلْمِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ كِتَابٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَبِالْأَهِلَّةِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ ادَّعَى أَنَّهُ سَمِعَ حَرَكَةَ الشَّمْسِ لِلزَّوَالِ فَصَلَّى هُوَ وَجَمَاعَةٌ الظُّهْرَ، وَلَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ وَقَالَ إنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى كَلَّفَ بِالصَّلَاةِ بِالرُّؤْيَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَلَا يَكُونُ الزَّوَالُ الَّذِي لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْمَلَائِكَةُ وَخَوَاصُّ الْأَوْلِيَاءِ بِطَرِيقِ الْكَشْفِ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ أَلْبَتَّةَ، قَالَ: وَلَوْ طَارَ وَلِيُّ اللَّهِ - تَعَالَى - إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ فَإِنَّهُ يَرَى الْفَجْرَ فِي مَكَانِهِ بَلْ رُبَّمَا رَأَى الشَّمْسَ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - سَبَبًا لِوُجُوبِ الصُّبْحِ إنَّمَا هُوَ الْفَجْرُ الَّذِي نَرَاهُ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ دُخُولُ الْوَقْتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْآلَاتِ الْقَطْعِيَّةِ مِثْلَ الْأَسْطُرْلَابِ وَالرُّبْعِ وَالْخَيْطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى خَطٍّ وَسَطَ السَّمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَنَازِلِ طَالِعَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَرَبَّصَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ رُؤْيَةِ الْمَنْزِلَةِ طَالِعَةً، أَوْ مُتَوَسِّطَةً لَا تُفِيدُ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ تَحْقِيقًا إنَّمَا هُوَ تَقْرِيبٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ تَوَسُّطَ كَوْكَبٍ مَعْلُومٍ بِالْخَيْطِ الْمَذْكُورِ وَعَلِمَ مَطَالِعَهُ وَأَنَّهُ يَتَوَسَّطُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ الْعِشَاءِ فَهَذَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ دُخُولِ الْوَقْتِ تَحْقِيقًا فَيُعْتَمَدُ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
(الثَّانِي) يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ وَقَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالْبَرْزَلِيِّ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ فِي الْوَقْتِ مَنْ هُوَ مَأْمُونٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ كَمَا تُقَلَّدُ فِيهِ أَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يُهْرَعُونَ إلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَبِرَ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي قِيَاسَ الظِّلِّ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَأْمُونِ كَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يُهْرَعُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ
مِقْيَاسٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ» انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا قَبُولُ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ مُطْلَقًا أَيْ: فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا كَانَ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ بِالْآلَاتِ مِثْلَ الرَّمْلِيَّاتِ وَالْمُنْقَالَاتِ وَغَيْرِهَا نُصَّ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْأَوْقَاتِ قَالَ فِي الطِّرَازِ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَوْقَاتِ إلَّا الزَّوَالَ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ التَّقْلِيدِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ اسْتِثْنَاءُ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ اسْتِثْنَاءَ الظُّهْرِ مِنْ الْقَرَافِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِي مِنْ الْفُرُوقِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَرَافِيُّ مَنَعَ ابْنَ الْقَصَّارِ التَّقْلِيدَ فِي دُخُولِ وَقْتِهَا، وَلَوْ لِعَامِّيٍّ لِوُضُوحِهِ فَأَوْرَدَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فَيُجَابُ بِأَنَّ وُضُوحَ وَقْتِ الظُّهْرِ لِتَأْخِيرِهَا عَنْ الزَّوَالِ، وَالْمَغْرِبُ الْمَطْلُوبُ إيقَاعُهَا إثْرِهِ وَيَجِبُ كَوْنُ الْجُمُعَةِ كَالْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ إيقَاعُهَا عَقِبَ الزَّوَالِ كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى.
وَنَصُّ مَا فِي الْكِتَابِ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَجُوزُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ قَالَ: وَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَلْيَسْأَلْ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا، وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ انْتَهَى.
ثُمَّ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ السُّيُورِيِّ مَا نَصُّهُ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ وَمِنْ إقَامَةِ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْأَوْقَاتِ مَنْ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ سَبْقِهِ فَإِنْ انْتَهَوْا وَإِلَّا تُوُعِّدُوا فَإِنْ عَادُوا سُجِنُوا وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَمَنْ تَعَدَّى بَعْدَ النَّهْيِ عُوقِبَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ وَيُنْهَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَذَانِ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ أَدَبًا وَجِيعًا وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَمَنْ صَلَّى بِتَقْلِيدِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى. فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَوْقَاتِ لِمَنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ فَرْضٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّ الْوَقْتَ دَخَلَ إمَّا بِالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِذَلِكَ أَوْ بِتَقْلِيدِ مَنْ هُوَ عَدْلٌ عَارِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً، وَلَمْ تَظْهَرْ الشَّمْسُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْوَقْتَ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا امْتَنَعَ الِاسْتِدْلَال بِتَزَايُدِ الظِّلِّ تَكُونُ الشَّمْسُ مَحْجُوبَةً بِالْغَيْبِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَدْرَ مَا مَضَى لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِمْ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الصَّحْوِ فَيَقِيسُونَ يَوْمَهُمْ بِأَمْسِهِمْ فَيَعْرِفُونَ بِذَلِكَ الْوَقْتَ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ وَيَسْتَدِلَّ بِمَا يُغَلِّبُ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولَهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَلْيَسْتَدِلَّ بِالْأَوْرَادِ وَأَعْمَالِ أَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَيَحْتَاطُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْغَيْمِ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلَ الْعَصْرِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي اللَّيْلِ وَتَعْجِيلَ الْعِشَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتَحَرَّى ذَهَابَ الْحُمْرَةِ وَتَأْخِيرَ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ صَلَاتُهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَهُ قَضَاهُ كَالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ شَهْرِ رَمَضَانَ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إذَا حَصَلَ الْغَيْمُ أَخَّرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ، وَلَا يُكْتَفَى بِالظَّنِّ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْيَقِينِ مُمْكِنٌ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ شَكَّ فِي
دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ.
(الرَّابِعُ) لَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا تُجْزِئُ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي إشْرَافِهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَوْ غَيْرَهُ كَانَ يَقُولُ تُجْزِئُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ فِي الطِّرَازِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَالْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ دُلُوكُ الشَّمْسِ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غُرُوبُهَا وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَمَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ مُغَرِّبَةً.
(الْخَامِسُ) وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ مُدَّةَ الدَّجَّالِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَنَّ فِيهَا يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمًا كَشَهْرٍ وَيَوْمًا كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِنَا فَقَالَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالَ: وَلَوْ وُكِلْنَا إلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَقَبِلَهُ وَقَالَ بَعْدَهُ وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ أَنَّهُ إذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ فَإِذَا مَضَى بَعْدَهَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سُنَّةٍ كُلُّهَا فَرَائِضُ مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا، وَأَمَّا الْيَوْمُ الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقْدَرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَيَّامُ الَّتِي تُحْجَبُ الشَّمْسُ فِيهَا عَنْ الطُّلُوعِ عِنْدَ إرَادَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى طُلُوعَهَا مِنْ مَغْرِبِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ وَقَالَ هَذَا الْحُكْمُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ.
(قُلْتُ:) وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي قُطْرٍ يَطْلُعُ فِيهِ الْفَجْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ قَالَ فَكَيْفَ يُصْنَعُ بِالْعِشَاءِ؟ وَهَلْ تُصَلَّى الصُّبْحُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ؟ وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى الْعِشَاءِ بِالْقَضَاءِ؟ فَذَكَرَ عَنْ إمَام الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لَا تُصَلَّى الْعِشَاءُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَلَا تَكُونُ قَضَاءً لِبَقَاءِ وَقْتِهَا وَيَتَحَرَّى بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَجْرَ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْبِلَادِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْفَجْرُ الَّذِي لَهُمْ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَكَأَنَّهُ ارْتَضَاهُ.
(السَّادِسُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ: مَسْأَلَةٌ مِنْ نَوَادِرِ أَحْكَامِ الْأَوْقَاتِ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ بِبَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ وَفِيهَا وَلِيٌّ فَطَارَ إلَى بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَوَجَدَ الشَّمْسَ كَمَا طَلَعَتْ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ مُخَاطَبٌ بِزَوَالِ الْبَلَدِ الَّذِي يُوقِعُ فِيهَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَانْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الشَّمْسُ ثُمَّ جَاءَ إلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِزَوَالِ الْبَلَدِ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهَا الصَّلَاةَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِإِيقَاعِهَا فِيهِ، وَلَمْ يُكَلِّفْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ فَانْظُرْهُ.
(السَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ أَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ سُمِّيَ ظِلًّا وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَالظِّلُّ يُطْلَقُ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ وَالْفَيْءُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ فَاءَ أَيْ: رَجَعَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الظِّلَّ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَلَامُ الصِّحَاحِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.
(الثَّامِنُ) إذَا عَلِمَ ظِلَّ الزَّوَالِ عَلِمَ وَقْتَ الْعَصْرِ بِزِيَادَةِ قَامَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ ظِلَّ الزَّوَالِ فَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَامَ مُنْتَصِبًا وَأَغْلَقَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَهَا عَلَى تَرْقُوَتِهِ وَخِنْصَرَهُ عَلَيْهَا وَذَقَنَهُ عَلَى إبْهَامِهَا وَاسْتَقْبَلَ الشَّمْسَ قَائِمًا
لَا يَرْفَعُ حَاجِبَهُ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى قُرْصَ الشَّمْسِ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ رَآهَا عَلَى حَاجِبِهِ فَهُوَ بَعْدُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: إذَا اسْتَقْبَلْتَ الشَّمْسَ بِوَجْهِكَ إلَخْ.
ص (وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لِلِاصْفِرَارِ)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ قَالَ الْجُزُولِيُّ وَلَهَا اسْمَانِ تُسَمَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَاةَ الْعَشِيِّ أَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَلِأَنَّهَا تُصَلَّى عِنْدَ مَعْصَرِ النَّهَارِ أَيْ: آخِرَهُ وَتُسَمَّى الْعَشِيَّ؛ لِأَنَّهَا تُصَلَّى عَشِيَّةً انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَشِيِّ فَإِنَّهَا تُسَمَّى عَصْرًا، وَقِيلَ: مِنْ طَرَفِ النَّهَارِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ طَرَفٍ مِنْ النَّهَارِ عَصْرًا وَفِي الْحَدِيثِ «حَافِظُوا عَلَى الْعَصْرَيْنِ صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا» يُرِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ انْتَهَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْمُرَادُ بِالْبَرْدَيْنِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ» وَالْبَرْدَيْنِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارِ، وَآخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ» وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَصُفْرَتُهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ حَكَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ نَحْوَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ تَصْفَرَّ عَلَى الْجِدَارَاتِ وَالْأَرَاضِي وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَى أَنْ تَصِيرَ زِيَادَةُ ظِلِّ الشَّخْصِ مِثْلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْقَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا يَزَالُ بَيَاضُهَا نَاصِعًا حَتَّى يَنْتَهِيَ ثَنْيُ الظِّلِّ فَإِذَا أَخَذَ فِي التَّثْلِيثِ نَقَصَ الْبَيَاضُ حَتَّى تَأْخُذَ الشَّمْسُ فِي التَّطْفِيلِ فَتَتَمَكَّنُ الصُّفْرَةُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ وَالتَّطْفِيلُ مَيْلُ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ، وَقِيلَ: طَفَّلَ اللَّيْلُ بِالتَّشْدِيدِ إذَا أَقْبَلَ ظَلَامُهُ وَالطَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ إذَا طَفَلَتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَبِالْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُمْ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ هَذَا مِمَّا رَأَيْت بَعْضَ الْجَاهِلِينَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ بِأَبَاطِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالظِّلِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: يَذْهَبُ الْعَوَامُّ إلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَى الظِّلِّ السَّتْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَنَا فِي ظِلِّكَ، وَمِنْهُ ظِلُّ الْجَنَّةِ وَظِلُّ شَجَرِهَا إنَّمَا هُوَ سِتْرٌ فَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سَتَرَتْهُ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا، وَأَمَّا الْفَيْء فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ: لِمَا قَبْلَهُ فَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أَيْ: رَجَعَ وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ نَفِيسٌ وَقَدْ ذُكِرَ غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَمْ أُعَرِّجْ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) كَلَامُهُ فِي الصِّحَاحِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ، وَالْفَيْءُ مَا نَسَخَ الشَّمْسَ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ رُؤْبَةَ كُلَّمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ فَيْءٌ وَظِلٌّ وَمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَهُوَ ظِلٌّ انْتَهَى. فَكَلَامُ ابْنِ السِّكِّيتِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَمَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ ظِلٌّ وَمَا بَعْدَهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي
قَوْلِهِ وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَمَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مُوَافِقٌ لِمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَاشْتَرَكَتَا بِقَدْرِ إحْدَاهُمَا وَهَلْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى، أَوْ أَوَّلِ الثَّانِيَةِ؟ خِلَافٌ) .
ش لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَ قَطْعًا حُصُولُ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ تَمَامِ الْقَامَةِ الْأُولَى، وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ مَا يُسَلَّمُ مِنْ الظُّهْرِ وَيُبْدَأُ بِالْعَصْرِ دُونَ فَاصِلٍ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ فَاصِلَةً، فَإِنْ قُلْتَ: لَا يَصْلُحُ لِلظُّهْرِ وَلَا لِلْعَصْرِ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَصْرَ مُشَارِكَةٌ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ هَلْ الْعَصْرُ هِيَ الْمُشَارِكَةُ لِلظُّهْرِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ، أَوْ الظُّهْرُ هِيَ الْمُشَارِكَةُ لِلْعَصْرِ فِي أَوَّلِ ابْتِدَاءِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَصْرَ هِيَ الْمُشَارِكَةُ لِلظُّهْرِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى انْتَهَى. كَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ أَحَدَهُمَا فَلَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّى أَحَدُهُمَا الظُّهْرَ وَالْآخَرُ الْعَصْرَ كَانَا مُصَلِّيَيْنِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَشَهَّرَ ابْنُ عَطَاءٍ وَابْنُ رَاشِدٍ الْقَوْلَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَشَهَّرَ سَنَدٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَى هَذَيْنِ التَّشْهِيرَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:" خِلَافٌ " قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ: " فَصَلَّى الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ " هَلْ مَعْنَاهُ شَرَعَ، أَوْ فَرَغَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) عَكَسَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ النَّقْلَ عَنْ سَنَدٍ وَابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ فَنَسَبَ لِسَنَدٍ تَشْهِيرَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَنَسَبَ لِابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَطَاءٍ تَشْهِيرَ الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ.
(الثَّانِي) حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْأُولَى قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْأُمَّهَاتِ يَعْنِي لِأَشْهَبَ وَالْمَنْقُولِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ فِي مُدَوَّنَتِهِ إذْ الظُّهْرُ تُشَارِكُ الْعَصْرَ فِي الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ فِي مِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ أَجْزَأَهُ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ التُّونُسِيُّ قَالَ: الِاشْتِرَاكُ إنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّ الْقَامَةَ وَقْتٌ لَهُمَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَرْجُو لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) لَعَلَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَصْرَ تُشَارِكُ الظُّهْرَ فِي جَمِيعِ وَقْتِهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ كَمَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ فَيَشْتَرِكَ فِي ذَلِكَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَخْتَصُّ بِالْعَصْرِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْعِشَاءُ تُشَارِكُ الْمَغْرِبَ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ لَا تَزَالُ إلَى أَنْ يَبْقَى أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْعِشَاءِ انْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي فَصْلِ الْجَمْعِ عَنْ أَشْهَبَ نَحْوَهُ وَقَالَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ
ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةِ النَّاسِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَرْجُو لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ الشَّفَقِ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ يُصَلِّيهَا الْمُسَافِرُ عِنْدَ رِحْلَتِهِ وَالْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ: إنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا، وَهَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ فَوَجْهُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَذَكَرَ تَوْجِيهَاتٍ كَثِيرَةً ثُمَّ قَالَ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّ صَلَاتَهَا حِينَئِذٍ حَالَ الْعُذْرِ مَكْرُوهَةٌ وَتَقَعُ مُجْزِئَةً، وَلَوْلَا أَنَّ فَرْضَهَا قَدْ تَوَجَّهَ لَمَا أَجْزَأَتْ بِحَالٍ كَالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمَغْرِبِ قَبْلَ الْغُرُوبِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) هَذَا الِاشْتِرَاكُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ حُصُولِ الْعُذْرِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ مَطَرٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْجَمْعِ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَنَا عَلَى ضَرْبَيْنِ اشْتِرَاكٌ اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي هُوَ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ؟ . وَاشْتِرَاكُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا فِي بَابِ جَمْعِ الْمُسَافِرِ وَهُوَ يَدْخُلُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مُضِيِّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ فِي التَّلْقِينِ لَمَّا ذَكَرَ أَوْقَاتَ الضَّرُورَةِ مَا نَصُّهُ: وَبَيَانُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهِيَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الزَّوَالِ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ مُخْتَصٌّ لَا يُشْرِكُهَا فِيهِ الْعَصْرُ بِوَجْهٍ وَمُنْتَهَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْحَاضِرِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثُمَّ يَصِيرُ الْوَقْتُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا إلَى قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْحَاضِرِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ فَيَزُولُ الِاشْتِرَاكُ وَيَخْتَصُّ الْوَقْتُ بِالْعَصْرِ وَتَفُوتُ الظُّهْرُ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى. هَذَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجَمْعِ أَنَّ مَا قَبْلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لِلْعَصْرِ، وَكَذَلِكَ مَا قَبْلَ الشَّفَقِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ لِلْعِشَاءِ.
(الرَّابِعُ) يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكَ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ عَزَا اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ نَاجِي عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا تَاللَّهِ مَا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَلَقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ.
(الْخَامِسُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ: وَآخِرُهُ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّكُ مِثْلَكَ فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ قَالَ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَةً كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ آخِرَ وَقْتِهِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ أَوَّلُ وَقْتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الْمُخْتَصَرِ. ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي بَيَانِ تَفْسِيرِ الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وَالزَّوَالِ قَالَ وَإِذَا كَانَ الزَّائِدُ قَامَةً كَانَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَظَاهِرُهُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ: وَآخِرُهُ إذَا كَانَ ظِلُّكَ بَعْدَ فَرَاغِكِ مِنْهَا تَمَامَ الْقَامَةِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ تَمَامُ الْقَامَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ قَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ لَعَلَّهُ نَقَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْوَاضِحَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ.
ص (وَلِلْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ تُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهِمَا) .
ش لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الْعَصْرِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَقَعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَتُسَمَّى صَلَاةَ الشَّاهِدِ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا وَيُصَلِّيهَا كَصَلَاةِ الشَّاهِدِ وَهُوَ الْحَاضِرُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الرِّسَالَةِ وَنَقَضَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِالصُّبْحِ
(قُلْتُ:) وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَجْمًا يَطْلُعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ يُسَمَّى الشَّاهِدَ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْعَصْرَ ثُمَّ قَالَ: لَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاهِدَ النَّجْمُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَهَا يُصَلِّيهَا، وَلَا يَنْتَظِرُ مَنْ غَابَ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا عِشَاءً فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَنَصُّهُ:«لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: وَلَا يُقَالُ: لَهَا عِشَاءٌ لَا لُغَةً، وَلَا شَرْعًا، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً انْتَهَى. لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِلِالْتِبَاسِ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَلَا يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى بِالْعِشَاءِ الْأُولَى قَالَ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ الْأُولَى وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُنِيرِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ عَنْ ابْنِ حَاتِمٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى عِشَاءً لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا قَالَ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ «إذَا حَضَرَ الْعِشَاءُ وَالْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَغْرِبِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ «إذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» انْتَهَى.
(قُلْتُ:) هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» لَكِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ وَقَالَ الْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ وَأَرَادَ بِالْعِشَاءِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْإِفْطَارِ وَلِضِيقِ وَقْتِهَا انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَلَا يُحْتَجُّ لِتَسْمِيَتِهَا عِشَاءً بِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَوْمُهُ رَاكِبًا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ طُوِّلَ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ تَسْمِيَتَهَا عِشَاءً عَلَى التَّغْلِيبِ كَمَا إذَا قَالَ صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْنِ انْتَهَى.
(فَصْلٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِحَالٍ وَالْمُرَادُ بِالْغُرُوبِ غُرُوبُ قُرْصِ الشَّمْسِ جَمِيعِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ لَا مِنْ سَهْلٍ، وَلَا مِنْ جَبَلٍ فَإِنَّهَا قَدْ تَغِيبُ عَمَّنْ فِي الْأَرْضِ وَتُرَى مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ قَالَ سَنَدٌ الْغُرُوبُ أَنْ تَغْرُبَ آخِرُ دُورِ الشَّمْسِ فِي الْعَيْنِ الْحَمِئَةِ وَيُقْبِلَ سَوَادُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ انْتَهَى. وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْغُرُوبَ الشَّرْعِيَّ هُوَ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَالْغُرُوبُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيقَاتِ غُرُوبُ مَرْكَزِ الشَّمْسِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْعِيَّ يَحْصُلُ بَعْدَ الْفَلَكِيِّ بِنَحْوِ نِصْفِ دَرَجَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْكِينٍ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوَقْتُ بِإِقْبَالِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ الْمَشْرِقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ فَأَمَّا مَوْضِعٌ تَغْرُبُ فِيهِ خَلْفَ جِبَالٍ فَيُنْظَرُ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَإِذَا طَلَعَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْمُرَاعَى غَيْبُوبَةُ جُرْمِهَا وَقُرْصِهَا دُونَ أَثَرِهَا وَشُعَاعِهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَغِيبِ قُرْصِهَا عَمَّنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَغِيبَ عَمَّنْ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إقْبَالُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» ، وَلَا عِبْرَةَ بِأَثَرِهَا وَهُوَ الْحُمْرَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَأَخَّرُ انْتَهَى. فَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ شُعَاعِهَا فِي الْجِدَارَاتِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ سُقُوطَهُ وَهُوَ الضَّوْءُ الْمُسْتَعْلِي كَالْمُتَّصِلِ بِهَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى خِلَافِ دَعْوَاهُ.
ص (تُقَدَّرُ
بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ غَيْرُ مُمْتَدٍّ بَلْ يُقَدَّرُ بِمَا يَسَعُ فِعْلَهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا وَاخْتُلِفَ هَلْ وَقْتُهَا مُتَّحِدٌ، أَوْ مُمْتَدٌّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ رِوَايَتَانِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ رِوَايَةُ الِاتِّحَادِ أَشْهَرُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ الِاتِّحَادُ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنَّهُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمَشْهُورِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ» ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَهِيَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ فِيهَا إذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ وَخَرَجْتُ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِب قَالَ فِي الطِّرَازِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ: يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا وَآخَرُ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ يَكُونُ وَقْتًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا يَشْتَرِكُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ قَرْيَةٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَغِيبُ الشَّمْسُ، وَلَا مَاءَ مَعَهُ قَالَ إنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِهِ تَيَمَّمَ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَغِيبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَفِي الْبُخَارِيِّ:«إذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْل أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَهَا مُتَّسِعٌ، وَلِأَنَّهَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَهَذِهِ إمَارَةُ اتِّصَالِ وَقْتَيْهِمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا لَا يَتَّصِلُ وَقْتَاهُمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ انْتَهَى بِاخْتِصَارِ.
وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْأَوَّلِ حِينَ غَابَ الشَّمْسُ وَفِي الثَّانِي عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «إذَا صَلَّيْتُمْ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ» وَفِي رِوَايَةٍ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ وَقَوْلُهُ ثَوْرُ الشَّفَقِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: ثَوَرَانُهُ وَانْتِشَارُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَوْرُ بِالْفَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ لِلْمُقِيمِينَ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدُّوا الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَنْزِلُوا وَيُصَلُّوا فَأَخَذَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ هَذَا أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ وَأَخَذَ أَيْضًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُتَيَمِّمِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَخَذَ أَيْضًا مِنْ تَأْخِيرِهَا لِلْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْمُسَافِرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِمِقْدَارِ مَا تَكُونُ الْمَغْرِبُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالْعِشَاءُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَوَاضِعَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أُخِذَ مِنْهَا أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ، وَرَدَّ الْأَخْذَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ بَابِ الْأَعْذَارِ وَالرُّخَصِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَهُ فِي التَّلْقِينِ.
(قُلْتُ:) وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ قَالَ: وَكَذَلِكَ التَّأْخِيرُ لَيْلَةَ الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ لِلْعُذْرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ هُنَا وَاضِحَةٌ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْمُسَافِرِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ فَالْأَخْذُ مِنْهَا قَوْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الْمَاءِ وَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ إذَا خِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَجَازَ تَأْخِيرَهَا لِلشَّفَقِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالِامْتِدَادِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِامْتِدَادِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِهِ الَّذِي فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَرَأَهُ طُولَ عُمْرَهُ وَأَمْلَاهُ حَيَاتَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ لَفْظَ الْمُوَطَّإِ السَّابِقَ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّيَمُّمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَكَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَوْلَهُ فِي كِتَابِ
الْجَنَائِزِ: إنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ فَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ، أَوْ بِالْمَغْرِبِ، وَقَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: إنَّهُ إذَا طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَرْكَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْمَغْرِبِ، أَوْ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى الِاتِّحَادِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ شَاسٍ يُقَدِّرُ آخِرَهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَدْرُ مَا تَوَقَّعَ فِيهِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُرَاعَى مِقْدَارُ الطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ، وَاقْتَصَرَ مُصَنِّفُ الْإِرْشَادِ عَلَى هَذَا الَّذِي نَسَبَهُ ابْنُ رَاشِدٍ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ مَعْنَى الِاتِّحَادِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قُدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ خَلِيلٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمَغْرِبَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَاحِدٌ، وَلَا يُمْكِنُ فَهْمُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ تَقْدِيمَ الشُّرُوطِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا بَعْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ نَسَبَهُ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْإِرْشَادِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَنَسَبَهُ لِمَالِكٍ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) وَقْتُهَا مُقَدَّر بِفِعْلِ الطَّهَارَةِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا.
(الثَّانِي) آخِرُ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حِينَ قَالَ لَا بَأْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمُدَّ الْمِيلَ وَنَحْوه.
(الثَّالِثُ) آخِرُ وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ قَالَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(الرَّابِعُ) آخِرُ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الشَّفَقِ قَالَهُ أَشْهَبُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ آخِرِ وَقْتِهَا آخِرَ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا، أَوْ بِمَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، ثَالِثَهَا مَا يَسَعُهَا بَعْدَ مَغِيبِهِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَشْتَرِكَانِ. الْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ، وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَأَخَذَهُ أَبُو عُمَرَ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ قَوْل الْمُوَطَّإِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَأَخَذَهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّالِثُ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَشْهَبَ وَلَمْ يَحْكِ الْبَاجِيُّ فِي الِامْتِدَادِ غَيْرَهُ وَاعْتِبَارُ مَا يَسَعُهَا بِغُسْلِهَا لَازِمٌ لِوُجُوبِهِ وَعَدَمِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِوَقْتٍ مَا لَا يَسْعَهُ وَبِهِ يُفْهَمُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ فَاعِلُهَا أَثَرَ الْغُرُوبِ وَالْمُتَوَانِي قَلِيلًا كِلَاهُمَا أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَرَوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مُصَرِّحًا بِاعْتِبَارِ قَدْرِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ مَعَهُ انْتَهَى بِلَفْظِهِ الْأَغَرّ، وَالْأَقْوَالُ لِلْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ وَعَدَمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا يَعْنِي عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ وَالْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ فَمَنْ كَانَ مُحَصِّلًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُهَا إثْرِ الْغُرُوبِ، وَلَوْ تَوَانَى بِهَا قَلِيلًا مَعَ تَحْصِيلِهِ لِشُرُوطِهَا إلَى مِقْدَارِ مَا يَسَعُ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحَصِّلًا لِلشُّرُوطِ فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ.
(قُلْتُ:) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مَعَ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ الِاسْتِبْرَاءَ الْمُعْتَادَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ أَيْضًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ فَمَا حَدُّهُ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ فَذَكَرَ الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ وَاللُّبْسِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَمِيعُ وَقْتِهَا بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِامْتِدَادِ فَمَا حَدُّهُ؟ فَعِنْدَنَا مَا تَقَدَّمَ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا اعْتِبَارُ مَا تَقَدَّمَ وَثَانِيهمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ غُرُوبِ قُرْصِ الشَّمْسِ إلَى حِينِ الْفَرَاغِ لِلْمُقِيمِينَ وَيَمُدُّ الْمُسَافِرُ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ وَكَلَامُهُ يُوهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ
الطَّهَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ رِوَايَةَ الِاتِّحَادِ هِيَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ قَالَ فِيهَا وَالْمَغْرِبُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدَّ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي قُلْنَا فِي وَقْتِ الِافْتِتَاحِ أَمَّا وَقْتُ اسْتِمْدَادِهَا فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَتِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَالطُّورِ وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا وَالْمُرْسَلَاتِ» ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ وَقْتَهَا فِي الِاخْتِيَارِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ إلَى مَا بَعْدَ الشَّفَقِ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ مَا دَامَ الشَّفَقُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا فِي الِاخْتِيَارِ لَمَا جَازَ كَمَا بَعْدَ الشَّفَقِ انْتَهَى.
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ أَعْنِي أَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي الدُّخُولِ فِيهَا، وَأَمَّا امْتِدَادُهَا فَيَجُوزُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَنَقَلَهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْعٌ: إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمَغْرِبَ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَمَا حَدُّهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ وَقْتٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالْفِرَاعِ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ قَالَ سَنَدٌ أَمَّا وَقْتُ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ مُضَيَّقٌ، وَأَمَّا اسْتِدَامَتُهَا فَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ اسْتِدَامَتِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْوِيلُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ غَيْرَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَحَكَى الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.
(الثَّالِثُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ أَيْ: الْمُعْتَادَيْنِ فِي حَقِّ غَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَطْوِيلُ الْمُوَسْوِسِ، وَلَا تَخْفِيفُ النَّادِرِ مِنْ النَّاسِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالِاسْتِبْرَاءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلَ فِي ذَلِكَ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ ذَلِكَ فِي غَالِبِ النَّاسِ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَنْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْبَوْلُ بِسُرْعَةٍ وَبَالَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ اسْتِبْرَاؤُهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ فَكَيْفَ يَفْعَلُ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَادَتُهُ التَّطْوِيلُ فِي الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ فَهَلْ يُؤَخِّرُهَا، وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ الْمَذْكُورِ؟ وَهَلْ يُقَالُ: إنَّهُمْ أَوْقَعُوهَا بَعْدَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، أَوْ إنَّ وَقْتَهَا مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُلِّ مُكَلَّفٍ؟ وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَوَاهِرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقْتُهَا وَاحِدٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ مُقَدَّرٌ آخِرُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ انْتَهَى. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ مَنْ بَالَ وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّ اسْتِبْرَاءَهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بَعْدَ طُولٍ بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، أَوْ الضَّرُورِيُّ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِهِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالسَّلَسِ أَوْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْبَوْلُ؟ وَهَلْ الْأَوْلَى لَهُ إذَا كَانَ مَحْصُورًا وَخَافَ أَنْ يَقَعَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، أَوْ يُزِيلُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ؟ فَإِنْ وَقَعَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: فِي الرُّعَافِ وَالنَّجَاسَةِ إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ يُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ، وَقَالُوا: إذَا خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حُكْمٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَسِ أَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي إنْ كَانَ ذَلِكَ مُلَازِمًا لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ تَسَاوَتْ مُلَازَمَتُهُ وَانْقِطَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ نَاقِضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَسُئِلَ عَنْهَا شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ - فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى
يَنْقَطِعَ بَوْلُهُ، وَلَوْ أَدَّى لِخُرُوجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ وَلَا يُصَلِّيهَا مَعَ وُجُودِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ مُنَافٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الشُّغْلُ بِالْأَخْبَثَيْنِ عَنْ فَرْضٍ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ، وَلَا يُصَلِّي مَعَهَا فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ مُوجِبَةٌ لِإِعَادَتِهَا أَبَدًا، نَعَمْ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُشْغِلَةٍ عَنْ فَرْضٍ وَجَبَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَاجِبٌ فَلَا يُتْرَكُ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ إذَا قُلْنَا: إنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ فَهَلْ تَشْتَرِكَ مَعَ الْعِشَاءِ أَوْ لَا؟ وَإِذَا قُلْنَا: بِالِاشْتِرَاكِ فَهَلْ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ بِقَدْرِ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَدْرِ الْمَغْرِبِ؟ وَهَلْ يُجْزِئُ تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى مَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ كُلُّ هَذَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى قَضِيَّةٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاشْتِرَاكِ وَعَدَمِهِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ لَيْسَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ هُوَ الْقَوْلُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَابْن الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَيَقُولَانِ إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُتَّحِدٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمَا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَغْرِبَ تُشَارِكُ الْعِشَاءَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْهُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ قَالَ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ بِمَاذَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الشَّفَقِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ سَنَدٍ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا هَلْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ؟ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَلِلْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ لِلثُّلُثِ الْأَوَّلِ)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَرَعَ يُبَيِّنُ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَدَّ تَسْمِيَتَهَا بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الظَّلَامِ وَالْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا أَوَّلُ الظَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ الْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ أَوَّلُ الظَّلَامِ وَذَلِكَ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعَتَمَةِ وَالْعَشَاءُ بِفَتْحِهَا طَعَامُ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْعِشَاءَانِ الْمَغْرِبُ وَالْعَتَمَةُ انْتَهَى.
وَقَالَ الْجُزُولِيُّ كَانَ يَمُرُّ بِنَا فِي الْمَجَالِسِ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَشَى وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَضْعُفُ حِينَئِذٍ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَجَاءَ اسْمُهَا فِي الْحَدِيثِ الْعَتَمَةُ بِقَوْلِهِ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا» وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ عَتَمَةِ اللَّيْلِ وَهِيَ ثُلُثُهُ، وَأَصْلُهُ تَأْخِيرُهَا يُقَالُ: أَعْتَمَ الْقَوْمُ إذَا سَارُوا حِينَئِذٍ، وَالْعَتَمَةُ الْإِبْطَاءُ انْتَهَى. قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعَتَمَةُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَتَمَةُ هُوَ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، وَقَدْ عَتَمَ اللَّيْلُ يَعْتِمُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَعَتَمَتُهُ ظَلَامُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْعَتَمَةُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَتَنْتَهِي إلَى الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَأُطْلِقَتْ عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا تُوقَعُ فِيهَا انْتَهَى. وَالنَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً هُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ إلَّا أَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِحِلَابِ الْإِبِلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالْعَتَمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْعِشَاءُ أَحْسَنُ وَهُوَ قَوْلُ الرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا بِالْعَتَمَةِ وَاسْتُحِبَّ تَعْلِيمُ
الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ تَسْمِيَتَهَا الْعِشَاءَ وَأَرْجُو سَعَةَ تَكْلِيمِ مَنْ لَا يَفْهَمُهَا الْعِشَاءُ بِالْعَتَمَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ تَسْمِيَتُهَا بِهَا وَهُوَ نَقْلُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ كِتَابِ ابْنِ مُزَيِّنٍ مَنْ قَالَ فِيهَا عَتَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَخَذَهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا الْعَتَمَةَ وَأَسْتَحِبُّ تَعْلِيمَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ تَسْمِيَتَهَا الْعِشَاءَ وَأَرْجُو سَعَةَ تَكْلِيمِ مِنْ لَا يَفْهَمُهَا الْعِشَاءَ بِالْعَتَمَةِ ابْنُ رُشْدٍ مَنْ قَالَ فِيهِمَا عَتَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ فَتَكُونُ حَرَامًا وَقَوْلُ الشَّيْخِ وَتَسْمِيَتُهَا الْعِشَاءَ أَوْلَى خِلَافُهُمَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ الْكَرَاهَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْعَتَمَةُ قَالَ مَالِكٌ الصَّوَابُ مَا قَالَ اللَّهُ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَةِ لَكِنْ عَبَّرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ هَذَا بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا وَصْفُهَا بِالْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَجَائِزٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ: الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ الْمُحَالِ قَوْلُ الْعَامَّةِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا إلَّا عِشَاءٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوصَفُ بِالْآخِرَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَصْفُهَا وَأَلْفَاظُهُمْ بِهَذَا مَشْهُورَةٌ انْتَهَى. وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ وَفِي بَابِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وَصْفِهَا بِالْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلًا لِمَالِكٍ أَنَّهُ الْبَيَاضُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ: أَكْثَرُ أَجْوِبَتِهِ فِي الشَّفَقِ أَنَّهُ الْحُمْرَةُ وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الْأَخْذَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ أَرَادَ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ وَالْبَيَاضُ أَبْيَنَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شَعْبَانَ لَمَّا رَأَى هَذَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَمَا سِوَاهُ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَكْثَرَ أَقْوَالِهِ أَنَّهُ الْحُمْرَةُ دُونَ تَرَدُّدٍ فَلَا يُقْطَعُ بِصِحَّةِ مَا فَهِمَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي وَنَقَلَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّهْذِيبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اعْتِبَارَ الْبَيَاضِ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَعْرِفُهُ قَالَ عِيَاضٌ وَالْقَوْلُ بِالْبَيَاضِ عِنْدِي أَبْيَنُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْفِقْهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ لِلْمَشْهُورِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ: الشَّمْسُ وَالشَّفَقَانِ، وَالطَّوَالِعَ ثَلَاثَةٌ: الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْوَسَطِ مِنْ الطَّوَالِعِ فَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَسَطِ مِنْ الْغَوَارِبِ. الثَّانِي رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ رَقَبْتُ الْبَيَاضَ فَوَجَدْتُهُ يَبْقَى إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَوْ رَتَّبَ الْحُكْمَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ سَنَدٌ: وَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» ، وَهَذَا الِاسْمُ مُخْتَصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْحُمْرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ قَالَ الْفَرَّاءُ نَظَرَ أَعْرَابِيٌّ إلَى ثَوْبٍ أَحْمَرَ فَقَالَ: كَأَنَّهُ شَفَقٌ، وَمِنْهُ صَبَغْتُ ثَوْبِي شَفَقًا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16] : إنَّهُ الْحُمْرَةُ وَفِي
الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ فَقَدْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ لَا يُخْتَلَفُ أَنَّ مُبْتَدَأَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ لَا يَكُونُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ انْتَهَى. فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ.
(قُلْتُ:) لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُخَالِفُ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ وَقْتٌ مُخْتَارٌ يَجُوزُ إيقَاعُهَا فِيهِ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا قَالَ أَرْجُو أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) وَقَالَ فِي الطِّرَازِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْأُمَّةُ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ مُمْتَدٌّ وَاخْتُلِفَ فِي مُنْتَهَاهُ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَالَ: ابْنُ حَبِيبٍ وَابْن الْمَوَّازِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِمَا يَدُلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
ص (وَلِلصُّبْحِ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى وَهِيَ الْوُسْطَى)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ الْعِشَاءِ شَرَعَ يُبَيِّنُ وَقْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَهَا أَسْمَاءٌ مِنْهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ لِوُجُوبِهَا حِينَئِذٍ وَالصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ أَوَّلُ النَّهَارِ، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحُمْرَةِ الَّتِي فِيهِ كَصَبَاحَةِ الْوَجْهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحُمْرَةِ الَّتِي فِيهِ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ ظُهُورِهِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَالْغَدَاةُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ التَّنْوِيرِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ انْتَهَى.
وَقَدْ يَسْقُطُ لَفْظُ الصَّلَاةِ فَتُسَمَّى الصُّبْحَ وَالْفَجْرَ وَالْغَدَاةَ وَتُسَمَّى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مُشْتَرِكَتَانِ يُقْصَرَانِ وَيُجْمَعَانِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ كَذَلِكَ، وَالصُّبْحُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ نَهَارِيَّتَانِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْلِيَّتَانِ، وَوَقْتُ الصُّبْحِ مُسْتَقِلٌّ لَا مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَقَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَقَالَ الْجُزُولِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِهَا، وَقِيلَ: مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ يُجْهَرُ فِيهَا، وَقِيلَ: مِنْ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْأَكْلُ فِيهِ عَلَى الصَّائِمِ، وَقِيلَ: لَا مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ مِمَّا يَتَكَلَّمُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ هَلْ صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَائِلٍ إنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيُحْكَى عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَأَنَّ مَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَحِلُّ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لِلصَّائِمِ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَقَدْ ظَهَرَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَفِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ فَإِنْ اُحْتُجَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ الْمُنْكَرِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] وَآيَةُ النَّهَارِ الشَّمْسُ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» فَنَقُولُ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ الشَّمْسَ آيَةُ النَّهَارِ وَهَلْ لَهُ آيَةٌ أُخْرَى مَا تَعَرَّضَتْ الْآيَةُ لِذَلِكَ بِنَفْيٍ، وَلَا إثْبَاتٍ، وَيُقَالُ: الْفَجْرُ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: لَمْ يُرْوَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ مُعْظَمُ النَّهَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمَعِ وَالْعِيدَيْنِ غَيْرُ عَجْمَاءَ؟ وَذَكَرَ اسْتِدْلَالًا آخَرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ فَقَالَ: أَمَّا إنْ رَاعَيْنَا الْوَسَطَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ فَالصُّبْحُ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُقْتَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا لَا يُشَارِكُ وَقْتَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى قَالَ قَوْمٌ: وَإِنَّ وَقْتَهَا لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ النَّهَارِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ ابْتِدَاءُ النَّهَارِ، وَإِنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَنَّ
صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ وَلَيْسَتْ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَلَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتًا ثَالِثًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفَكَّ الْعَالَمُ مِنْهُمَا فَإِذَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ ثَبَتَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114]، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الصُّبْحُ فَثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هُوَ الصُّبْحُ الْمُنْفَلِقُ وَالْخَيْطُ الْأَسْوَدُ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ فِي أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَأَمَّلْهُ.
(فَصْلٌ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الضِّيَاءُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ بِالرَّاءِ أَيْ: الْمُنْتَشِرُ الشَّائِعُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وَقَالَ فِي الطِّرَازِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ شُبِّهَ بِالطَّائِرِ يَفْتَحُ جَنَاحَيْهِ وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْفَجْرُ الْأَوَّلُ فَيُقَالُ لَهُ الْمُسْتَطِيلُ بِاللَّامِ؛ لِأَنَّهُ يَصْعَدُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ قَالَ فِي الطِّرَازِ كَهَيْئَةِ الطَّيْلَسَانِ وَيُشْبِهُ ذَنَبَ السِّرْحَانِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ فَإِنَّ لَوْنَهُ مُظْلِمٌ وَبَاطِنُ ذَنَبِهِ أَبْيَضُ وَشَبَّهَهُ الشُّعَرَاءُ مَعَ اللَّيْلِ بِالثَّوْبِ الْأَسْوَدِ الَّذِي جَيْبُهُ فِي صَدْرِهِ إذَا شُقَّ جَيْبُهُ وَبَرَزَ الصَّدْرُ، وَيُقَالُ: الْكَاذِبُ وَالْكَذَّابُ؛ لِأَنَّهُ يَغُرُّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْمُحَلِّفُ كَأَنَّ حَالِفًا يَحْلِفُ لَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَآخَرُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ هَذَا الْفَجْرِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَامُّ الْوُجُودِ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ خَاصُّ بِبَعْضِ الشِّتَاءِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمَجَرَّةُ فَمَتَى كَانَ الْفَجْرُ بِالْبَلْدَةِ وَنَحْوِهَا طَلَعَتْ الْمَجَرَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهِيَ بَيْضَاءُ فَيُعْتَقَدُ أَنَّهَا الْفَجْرُ فَإِذَا بَيَّنَتْ الْأُفُقَ ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا الظَّلَامُ ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الشِّتَاءِ فَتَطْلُعُ الْمَجَرَّةُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفَهُ فَلَا يَطْلُعُ آخِرَ اللَّيْلِ إلَّا الْفَجْرُ الْحَقِيقِيُّ انْتَهَى.
وَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِيهِ لَمْ تُجِزْهُ بِلَا خِلَافٍ.
(فَصْلٌ) وَاخْتُلِفَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ: (الْأُولَى) لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا يَصِحُّ غَيْرُهُ.
(الثَّانِيَةُ) لِلْأَكْثَرِ وَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَقِيلَ: لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى، وَقِيلَ: طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ مَعَ قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ لِتَصْدِيرِهِ بِهِ وَعِطْفِهِ الْأَوَّلَ عَلَيْهِ بِقِيلَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا صُدِّرَ بِهِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الْإِسْفَارُ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: أَيْ الْأَعْلَى وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، نَعَمْ يُوَافِقُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ: وَمَا رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ بَعْدَ كَلَامِهِ: إنْ كَانَ ثَمَّ وَجْهٌ يُلْجِئُ إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُخْتَصَرِ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي نَقْلِ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَصِحُّ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْإِسْفَارِ فَفَسَّرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِمَا تَتَبَيَّنُ بِهِ الْأَشْيَاءُ وَتَتَرَاءَى بِهِ الْوُجُوهُ وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفَسَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا إذَا تَمَّتْ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْإِسْفَارُ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ وَهُوَ يَقَعُ أَوَّلًا عَلَى انْصِدَاعِ الْفَجْرِ وَبَيَانِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» أَيْ: صَلُّوهَا عِنْدَ اسْتِبَانَةِ الصُّبْحِ
وَالْأَوَّلُ ظُهُورُهُ لَكُمْ وَالْإِسْفَارُ الثَّانِي هُوَ قُوَّةُ الْحُمْرَةِ وَالضِّيَاءِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَذَلِكَ آخِرُ وَقْتِهَا الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ إلَّا ظُهُورُ قُرْصِ الشَّمْسِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ وَقْتُ أَدَائِهَا، أَوْ وَقْتُ ضَرُورَةٍ انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ الشَّيْخُ فِي الرِّسَالَةِ وَآخِرُ وَقْتِهَا الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي إذَا سَلِمَ مِنْهَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَتَفْسِيرُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ يَرْجِعُ بِهِمَا إلَى وِفَاقٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ آخِرَ الْوَقْتِ إسْفَارٌ مُقَيَّدٌ وَهُوَ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ الْإِسْفَارِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي مُقَيَّدٌ بِالْأَعْلَى قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ آخِرُ وَقْتِهَا إذَا أَسْفَرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَرَائِيَ الْوُجُوهِ لَا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ الَّذِي إذَا سَلِمَ مِنْهَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ تَفْسِيرُ أَبِي مُحَمَّدٍ إيَّاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ الَّذِي إذَا سَلِمَ مِنْهَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ يَرْجِعُ بِهِمَا إلَى وِفَاقٍ - نَظَرٌ؛ لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِهِ بِتَقْدِيرِ: الصَّلَاةُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا، وَكَوْنُ الْآخَرِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ مَا بِهِ التَّمَامُ كَتَحْدِيدِهِمْ إيَّاهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ الرَّاجِعُ بِهِمَا إلَيْهِ نَصَّ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ آخِرُهُ الْإِسْفَارُ الَّذِي إذَا تَمَّتْ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ وَسَقَطَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سَقَطَ الْوَقْتُ يَنْفِي احْتِمَالَ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ فَإِنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ، وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ أَعْنِي قَوْلَهُ لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِهِ بِتَقْدِيرِ الصَّلَاةِ لَا بِجَوَازِ فِعْلِهَا يَعْنِي أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ بَيَانُ الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ الَّذِي ذَكَرَ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ اخْتِيَارٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ بَاقِي كَلَامِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ عِنْدَهُ وَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَوَّلَ بِالْمَعْنَى فَقَالَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِقَوْلِهِ آخِرَ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِيهِ وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْآخَرِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ لَا مَا بِهِ التَّمَامُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ.
(فَصْلٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهِيَ الْوُسْطَى فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ قَدْ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَصَارَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هِيَ الْعَصْرُ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَقِيلَ: هِيَ الظُّهْرُ حَكَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقِيلَ: إنَّهَا الْمَغْرِبُ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَتَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الْعِشَاءُ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ، وَقِيلَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ذَكَرَهُ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لِيَجْتَهِدَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالسَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقِيلَ: هُمَا صَلَاتَا الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَعَزَاهُ الدِّمْيَاطِيُّ لِلْأَبْهَرِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا الْجُمُعَةُ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهَا الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ مِقْسَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ حَكَاهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَقَالَ حَكَاهُ لَنَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: الْأَضْحَى قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ حَكَاهُ لَنَا مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ الْمُطَوَّلَةِ، وَقِيلَ: صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ حَكَاهُ لَنَا أَيْضًا مَنْ حَكَى صَلَاةَ الْأَضْحَى، وَقِيلَ: إنَّهَا الْوِتْرُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ ذَاكَرْتُ فِيهَا أَحَدَ شُيُوخِي فَقَالَ أَظُنُّ أَنِّي وَقَفْتُ عَلَى قَوْلٍ أَنَّهَا صَلَاةُ
الضُّحَى فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهَذِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا ذَكَرَهَا شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى كَشْفَ الْغِطَاءِ فِي تَبْيِينِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَذَكَرَ السَّبْعَةَ الْأُوَلَ مِنْهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَ غَيْرُهُ شَيْئًا مِنْ الْأَقْوَالِ الْأُخَرِ وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ قَوْلًا أَنَّهَا الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق أَنَّهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيِّ وَقَالَ إنَّهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَرُّوق قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ فَتَصِيرُ الْأَقْوَالُ عِشْرِينَ قَوْلًا.
وَالْوُسْطَى تَأْنِيثُ الْوَسَطِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) الْمُخْتَارُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَقَوْلِهِ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] .
(وَالثَّانِي) التَّوَسُّطُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الصُّبْحِ. أَمَّا فَضْلُهَا فَمَعْلُومٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ فَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِ مُرْتَضِيًا لَهُ وَمُحْتَجًّا بِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ قَالَ وَذَكَرْتُ هَذَا فِي دَرْسِ شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَخَالَفَنِي جَمِيعُ أَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ ارْتِضَاءً وَاسْتِدْلَالًا، وَقَالَ الشَّيْخُ: الصَّوَابُ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ بِلَا أَدَاءٍ لَمْ يَعْصِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ) .
ش قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ يَجُوزُ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ إذَا لَمْ يَظُنَّ الْمَوْتَ أَيْ: لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ، وَلَا إثْمَ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ لَا يُقَالُ: شَرْطُ جَوَازِ التَّرْكِ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ إذْ لَمْ يُمْكِنْ الْعِلْمُ بِهَا فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ وَمَاتَ عَصَى وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى لَيْسَ بِغَالِبٍ عَلَى الظَّنِّ، وَلِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ.
(قُلْتُ:) وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ عَصَاهُ مَا أَخَّرَ عِنْدَهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَالشَّافِعِيُّ: الَّذِي لَمْ يَعْصَ الشَّابُّ لِكَوْنِهِ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ انْتَهَى.
وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِوَسَطِ الْوَقْتِ هُوَ مَا بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ لَا الْوَسَطُ الْحَقِيقِيُّ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ وَأَخَّرَهُ فَإِنَّهُ يَعْصَى وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ بِالْفِعْلِ فَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَصَى وَسَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ، أَوْ عَاشَ وَفَعَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، نَعَمْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا لَمْ يَمُتْ بَعْدَ أَنْ يَضِيقَ عَلَيْهِ الْوَقْتَ لِظَنِّهِ فَأَوْقَعَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُضَيَّقِ وَلَكِنَّ وَقْتَهَا بَاقٍ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا أَدَاءٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ إنَّهَا قَضَاءٌ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَصْلِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، وَإِنْ عَصَى هُوَ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَعْصَى بِالتَّأْخِيرِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ فَالصَّلَاةُ أَدَاءٌ اتِّفَاقًا، وَلَا أَثَرَ لِلِاعْتِقَادِ الَّذِي تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ حَتَّى يُقَالَ: صَارَ وَقْتًا بِحَسَبِ ظَنِّهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَضَاءً لِئَلَّا يَلْزَمَ مَنْ جَعَلَ ظَنَّ الْمُكَلَّفِ مُوجِبًا لِلْعِصْيَانِ بِالتَّأْخِيرِ أَنْ يَخْرُجَ مَا هُوَ وَقْتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهِ وَقْتًا وَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْقَضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إطْلَاقُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ ثُمَّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَّرَهُ عَنْ الْوَقْتِ الْمَظْنُونِ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ وَالْآخَرُ أَخَّرَهُ عَنْ الْوَقْتِ الْمَظْنُونِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ.
(قُلْتُ:) وَيَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ اسْتِمْرَارَ الْوَقْتِ فَأَخَّرَ ثُمَّ فَعَلَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي ظَنِّهِ فَإِذَا هُوَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءً بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ قَالَهُ الرَّهُونِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّ وَقْتَ الْعِبَادَةِ قَدْ تَضِيقُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَكَأَنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا قَالَ
الرَّهُونِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يُرِيدَ وُجُوبَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَالنِّزَاعُ فِي التَّسْمِيَةِ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ:(فَائِدَةٌ) اتَّضَحَ بِمَا تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَقِيلَ: هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ: (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالتَّوَسُّعِ فَهَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، أَوْ لَا يَأْثَمُ لِإِذْنِ الشَّرْعِ فِي التَّأْخِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اهـ. وَيُرِيدُ بِهَذَا مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَانْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ حُلُولُو فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْفِهْرِيِّ وَالْأَنْبَارِيِّ كَلَامًا فِيهِ طُولٌ وَالْفِهْرِيُّ الطُّرْطُوشِيِّ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَارِكِ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْقَاتِ مَنْ حَلَفَ عَلَى صَلَاةٍ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُهَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَاقَبٍ الَّذِي مَا صَلَّاهَا، وَلَا يَكْفُرُ بِتَصْمِيمِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي انْتَهَى.
(قُلْتُ:) هُوَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَاقَبٍ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُعَاقَبٌ عَلَى تَصْمِيمِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالتَّصْمِيمَ عَلَيْهَا مَعْصِيَةٌ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا مَاتَ فَجْأَةً مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا) .
ش لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى وَقْتِ فَضِيلَةٍ وَوَقْتِ تَوْسِعَةٍ شَرَعَ يُبَيِّنُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ مِنْهُ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ بَقِيَّتَهُ وَقْتُ تَوْسِعَةٍ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] وَمِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا الْإِتْيَانُ بِهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرَ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي خُلَاصَةِ الْأَحْكَامِ إنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفَانِ وَذَكَرَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا لِوَقْتِهَا وَإِيرَادُ النَّوَوِيِّ لَهُ فِي بَابِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ الدَّلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا قَالَ فِيهِ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ فِيهِ الْبِدَارَ إلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إذَا أُقِيمَتْ لِوَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَوَّلًا وَلَا آخِرًا انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اسْتِحْبَابُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ احْتِيَاطًا لَهَا وَمُبَادَرَةً إلَى تَحْصِيلِهَا انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) زَادَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: " وَفِي وَسَطِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ " قَالَ الْحَافِظ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَقَالَ التَّيْمِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ذِكْرُ وَسَطِ الْوَقْتِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ رِضْوَانُ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ عَفْوِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) مَا ذَكَرَهُ عَنْ الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَجَزَمَ بِهِ وَقَالَ وَقَوْلُهُ: " وَآخِرَهُ عَفْوُ اللَّهِ " يُرِيدُ بِهِ التَّوْسِعَةَ لَا عَلَى مَعْنَى الْعَفْوِ عَنْ الذَّنْبِ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ مُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ وَلَا يُنْسَبُ إلَى التَّقْصِيرِ فِي وَاجِبٍ انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنَيْنِ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
لِلْمُقَصِّرِينَ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِسْفَارُ بِالصُّبْحِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِسْفَارَ إسْفَارَانِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا انْتَهَى وَفِي التَّنْبِيهَاتِ نَحْوُهُ، وَالْمَعْنَى صَلُّوهَا حِينَ يَتَّضِحُ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَلَا يُشَكُّ فِيهِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَقَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْفَجْرِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ فِيهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّ غَيْرَهَا أَعْظَمُ مِنْهَا أَجْرًا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّا لَمْ نُرِدْ حَالَةَ الْتِبَاسِهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ وُضُوحَ الْفَجْرِ يَتَفَاوَتُ فَأُمِرَ الْمُصَلِّي بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوحِ التَّامِّ وَالْبَيَانِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وُقُوعُ الْتِبَاسٍ، وَلَا يُشَكُّ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالصُّبْحِ قَالَ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُسَافِرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَتَرَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ؟ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ قَلِيلًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تُؤَخَّرَ قَلِيلًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ فِعْلِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ. الثَّانِي أَنْ يَسْتَيْقِنَ دُخُولَ الْوَقْتِ وَيَتَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ خَفِيٌّ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِظُهُورِ زِيَادَةِ الظِّلِّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا يَعْنِي ظُهْرًا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا إذْ لَمْ يَعْرِضْ فِي الْفَذِّ عَارِضٌ يَنْقُلُهُ إلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقِيلَ: الْمُنْفَرِدُ كَالْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ.
(قُلْتُ:) هَكَذَا حَكَى الْبَاجِيّ عَنْ الْقَاضِي وَاَلَّذِي لَهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْمَعُونَةِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِلْجَمَاعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَذِّ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ التَّعْجِيلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الذِّرَاعِ لِعُمُومِ قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى الظُّهْرَ وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ انْتَهَى.، وَلَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَوْلَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ إلَّا لِلْقَاضِي فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَذَّ وَالْجَمَاعَةَ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَعَزَا مُقَابِلَهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَإِلَيْهِ مَالَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَلَمْ يَتَلَفَّتُوا إلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، حَمَلَهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ حَمْلُهُ بِصَحِيحٍ وَخَصَّصَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي إبْرَادِ الْمُنْفَرِدِ بِالصَّيْفِ قَالَ: وَلَا يُبْرِدُ الْمُنْفَرِدُ فِي الشِّتَاءِ اتِّفَاقًا انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى عَزْوِ هَذَا الْقَوْلِ لِلْبَاجِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَلْحَقَ اللَّخْمِيُّ بِالْمُنْفَرِدِ الْجَمَاعَةَ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا أَيْ: كَأَهْلِ الزَّوَايَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إلْحَاقُ اللَّخْمِيِّ الْجَمَاعَةَ الْخَاصَّةَ كَالْفَذِّ أَوَّلَ الْوَقْتِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ عِنْدِهِ وَكَلَامُهُ فِي التَّبْصِرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْفَذُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ إذَا اجْتَمَعَتْ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَكُونُوا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ حِينَئِذٍ، وَلَا يُؤَخِّرُونَ انْتَهَى.
قَالَ فِي الشَّامِلِ وَالْأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: كَالْجَمَاعَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ أَهْلُ الرُّبُطِ وَالزَّوَايَا وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ انْتَهَى. وَجَعَلَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي كَلَامَ اللَّخْمِيِّ خِلَافًا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ وَنَصُّهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَطْلُبُ غَيْرَهَا كَأَهْلِ الرَّبْطِ وَالْمَدَائِنِ كَغَيْرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ هِيَ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) تَعْلِيلُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِإِدْرَاكِ النَّاسِ الصَّلَاةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَدْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ
أَفْضَلَ، أَوْ وَاجِبًا كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَرَجَا وُجُودَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَكَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَتَأَخَّرَ مَجِيءُ الْقَصَّةِ وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَرَجَا وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ وَكَذَا مَنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مَنَعَهُ الْقِيَامَ وَرَجَا إزَالَتَهُ فِي الْوَقْتِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ تَقْدِيمُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ ثُمَّ يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بَعْدَهَا، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ كَالْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فَلَا وَهُوَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
(قُلْتُ:) أَمَّا الصُّبْحُ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا فَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا إلَّا بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ إنَّهُ يُؤَخِّرُهَا، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيَكُونُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا، وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ فِي خُصُوصِيِّهِ النَّفْلِ قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي لِلْمُنْفَرِدِ الْمُبَادَرَةُ بِهَا، وَأَمَّا الْعَصْرُ فَقَدْ وَافَقَ الشَّيْخُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهَا كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا قَالَ إنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ.
(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّهْرَ كَذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إنَّهُ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ النَّافِلَةِ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ الشَّهِيدُ فِي مَنَاسِكِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَوْرِيَّة الْحَجِّ وَتَرَاخِيهِ: الصَّلَاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنْ عَجَّلَهَا فِيهِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ وَتَعْجِيلُهَا وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَأَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» فَلَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بَعْدَ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى أَهْلُهُ فَجَائِزٌ أَنَّهُ يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ الْوَقْتِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ قَالَ ابْنُ نَاجِي قَالَ الْمَغْرِبِيُّ قَوْلُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَاءَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الدَّلِيلِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ جَائِزٌ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِهَا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَعَلَى مَنْعِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا قَدْرُ الْمَكْتُوبَةِ وَمَعَ الِاتِّسَاعِ فَمَا الْأَحْسَنُ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلُهُ قَالَ: وَلِأَنَّهُ أَتَى بِقَصْدِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَيْهَا وَطَالِبًا لَهَا فَيُرْجَى حُصُولُ الثَّوَابِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ بَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ فِي سَعَةٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالنَّافِلَةِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْفَرِيضَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ فِعْلِ ابْنُ عُمَرَ فَفِي كَلَامِهِمْ مَيْلٌ إلَى تَرْجِيحِ الِابْتِدَاءِ بِالْفَرِيضَةِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، أَوْ فِيمَا إذَا مَضَى مِنْهُ جَانِبٌ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَالْأَوْلَى لَهُ الِابْتِدَاءُ بِالنَّافِلَةِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَأْكِيدِ طَلَبِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ الْبُدَاءَةُ بِالنَّافِلَةِ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَعَلَى جَمَاعَةٍ آخِرَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ رَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي آخِرِهِ فِي جَمَاعَةٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاخْتَارَ سَنَدٌ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْجَمَاعَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فَذَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَاجِيُّ