الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْجِيحٍ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّ أُمَّهَا كَانَتْ تُنَظِّفُهَا لِأَجْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عِيَاضٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمَامَةَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ ثِيَابَ الصَّبِيَّانِ وَأَبْدَانَهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّجَاسَةَ قَالَ الْأَبِيُّ حَمْلُ ثِيَابِ الصَّبِيَّانِ عَلَى الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ فِي صِبْيَانٍ عَلِمَتْ أَهَالِيهمْ بِالتَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ ثِيَابُ الصِّبْيَانِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ لُبْسِهِمْ لَهَا وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِصَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِأُمَامَةَ فَحَمْلُهَا إلْغَاءُ الْحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ.
(فَرْعٌ) ثِيَابُ مَنْ الْغَالِبُ عَلَى صَنْعَتِهِ النَّجَاسَةُ كَالْمُرْضِعَةِ وَالْجَزَّارِ وَالْكَنَّافِ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الطَّهَارَةُ، وَلِذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُرْزُلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي سُؤَالِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ عَمَّنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِهِ كَالْجَزَّارِ وَنَحْوِهِ.
[فَرْعٌ بَيْع ثَوْب جَدِيدًا بِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُبَيِّنْ]
(فَرْعٌ) مَنْ بَاعَ ثَوْبًا جَدِيدًا وَبِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجِبُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَدِيدًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَا إنْ كَانَ لَبِيسًا وَيَنْقُصُ بِالْغَسْلِ كَالْعِمَامَةِ وَالثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالْخُفِّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ عَيْبًا انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ ذِكْرِهِ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهِ إذَا اشْتَرَى مِنْ النَّوْعِ الَّذِي تُحْمَلُ ثِيَابُهُمْ عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَمْ تَظْهَرْ نَجَاسَةٌ انْتَهَى.
أَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْبُيُوعِ، وَأَمَّا الثِّيَابُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَقَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ ثِيَابَ الْكُفَّارِ إذَا قُلْنَا: لَا يُصَلَّى بِمَا لَبِسُوهُ حَتَّى يُغْسَلَ فَمَنْ بَاعَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَلْ ذَلِكَ عَيْبٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ فَمَا كَانَ غَسْلُهُ نَقْصًا فَهُوَ عَيْبٌ وَمَا كَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَهُوَ خَفِيفٌ وَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا غَيْرَ جَدِيدٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْوَانُّوغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَاشِيَتِهِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَوَجَدَهُ لِنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ: إنْ كَانَ جَيِّدًا يُنْقِصُهُ الْغَسْلُ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَسُئِلَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا لَبِيسًا مِنْ النَّصْرَانِيِّ فَقِيلَ لَهُ: لَا يَحِلُّ لَكَ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَأَنَا أَرُدُّهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ وَجَهِلَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ إلَّا بَعْدَ الْغَسْلِ فَلَا رَدَّ لَهُ وَقَالَ سَنَدٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَمَا يُنْقِصُهُ الْغَسْلُ فَهُوَ عَيْبٌ وَلَوْ مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا فَلَا انْتَهَى. وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةُ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا بِجَامِعِ أَنَّهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى وَلَوْ مِنْطَقَةً وَآلَةَ حَرْبٍ)
ش: ذَكَرَ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَا يَسُوغُ اتِّخَاذُهُ وَلُبْسُهُ مِنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَوَانِيهَا وَأَوَانِي الْجَوَاهِرِ وَمَا يُحَرَّمُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا أَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ اللِّبَاسِ وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ لُبْسَهُ مِنْهُ لَا يُصَلِّي بِهِ فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ النَّجِسَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَاءَ يَحْتَاجُ إلَى إنَاءٍ يُجْعَلُ فِيهِ غَالِبًا فَبَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» وَالْكَلَامُ عَلَى لِبَاسِ الْحَرِيرِ يَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَقَوْلُهُ: " ذَكَرٍ " ظَاهِرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَمْ لَا وَأَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى وَلِيِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُلْبِسَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُلِيِّ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي حُلِيِّ الْأَصَاغِرِ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ غَيْرَهُ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ تَحْلِيَةِ الصَّبِيِّ بِالْفِضَّةِ وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ. قَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرَمَ بِالْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ وَفِي أَرْجُلِهِمْ الْخَلَاخِلُ وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْأَصَاغِرِ الذُّكُورِ حُلِيَّ الذَّهَبِ وَأَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ جَوَازَ تَحْلِيَتِهِمْ بِالْفِضَّةِ وَكَرَاهَةَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ
وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفِضَّةَ، وَنَصُّهُ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَلِّيَ وَلَدَهُ الذَّهَبَ وَلَا يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَأْثَمْ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَا جَاءَ مِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى الذُّكُورِ أُجِرَ، وَأَمَّا إنْ سَقَاهُ خَمْرًا، أَوْ أَطْعَمَهُ خِنْزِيرًا فَإِنَّهُ آثِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُمَا بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي كَوْنِ حُلِيِّ الصَّبِيِّ كَصَبِيَّةٍ فَلَا يُزَكِّي أَوْ كَرَجُلٍ فَيُزَكِّي قَوْلَانِ اللَّخْمِيُّ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهَا: " لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمُوا وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ "، وَابْنُ شَعْبَانَ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ غَيْرَهُ انْتَهَى، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي خِطَابِهِمَا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَشُهِرَ فِي الشَّامِلِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحُلِيَّ الْمُحَرَّمَ لَا حِلْيَةَ صَبِيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ وَحُلِيُّ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمُبَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَحَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْكَرَاهَةَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْكَرَاهَةُ مَعْنَاهَا التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُمْ الْحَرِيرَ كَمَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ لِلرِّجَالِ عِنْده وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ الْخَلَاخِلَ وَالْأَسْوِرَةَ لَهُمْ مِنْ الْفِضَّةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ كَالذَّهَبِ إلَّا الْخَاتَمَ وَحْدَهُ وَآلَةَ الْحَرْبِ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ التُّونُسِيُّ ظَاهِرُ جَوَابِهِ أَوَّلًا جَوَازُهُ فِي الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَالْأَشْبَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْكَبِيرُ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ جَوَازِ إلْبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْهُ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ تَحْلِيَةَ الصَّغِيرِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ لُبْسُهَا مُبَاحًا لَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ تَحَلَّى ذَهَبًا أَوْ حَلَّى وَلَدَهُ مِثْلَ خَرْبَصَيصَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» وَالْخَرْبَصِيصَةُ هِيَ الَّتِي تَتَرَاءَى فِي الرَّمَلِ لَهَا بَصِيصٌ كَأَنَّهَا عَيْنُ جَرَادَةٍ انْتَهَى.
فَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَلِذَا اعْتَمَدَهُ وَأَطْلَقَ هُنَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَشَهَرَهُ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ نُقُولِ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ مُحَلًّى هُوَ مَا جُعِلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُحَلَّى مِنْ الثِّيَابِ كَاَلَّذِي جُعِلَ لَهُ أَزْرَارٌ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، أَوْ نُسِجَ بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَمِثْلُهُ مَا جُعِلَتْ لَهُ حَبْكَةٌ مِنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَرَامُ مَا عَدَاهُ مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْحُلِيُّ مُتَّصِلًا بِثِيَابِهِمْ، أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهَا، وَكَذَلِكَ مَا يُلْبَسُ فِي الْيَدِ مِنْ غَيْرِ الْخَاتَمِ وَفِي الْأُذُنِ، وَإِذَا حُرِّمَ الْمُحَلَّى فَأَحْرَى الْحُلِيُّ نَفْسُهُ مِنْ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِلَ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِنْطَقَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ نَوْعٌ مِنْ الْحِرْمِ الَّذِي يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ.
وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ إلَّا فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالسَّكَاكِينِ وَالْمَهَامِيزِ، وَالْجَوَازُ فِي هَذِهِ وَفِيمَا يُتَّقَى بِهِ.
ص (إلَّا الْمُصْحَفَ)
ش: أَيْ فَيَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي جِلْدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ خَارِجٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَحْزَابِ وَالْأَعْشَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْجُزُولِيُّ يَعْنِي فِي أَعْلَاهُ وَلَا يُكْتَبُ بِهِ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْأَعْشَارَ وَلَا الْأَحْزَابَ وَلَا الْأَخْمَاسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ بِالْحُمْرَةِ وَقَالَ فِي رَسْمِ سَلْعَةَ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَعْشِيرِ الْمُصْحَفِ فَقَالَ يُعَشِّرُهُ بِالسَّوَادِ وَأَكْرَهُ الْحُمْرَةَ وَذَكَرَ تَزْيِينَ الْمَصَاحِفِ بِالْخَوَاتِمِ فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً فَقِيلَ لَهُ
وَبِالْفِضَّةِ قَالَ الْفِضَّةُ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ لِأُمَّهَاتِ الْمَصَاحِفِ أَنْ تُشَكَّلَ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيمَا يَتَعَلَّمُ فِيهِ الْغِلْمَانُ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَيْ مِنْ خَارِجِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَلِّيَ غَشْيَتَهُ بِالْفِضَّةِ وَيَرْوِي مِنْ زِينَتِهِ أَيْ زِينَةِ أَعْلَاهُ وَخَارِجِهِ، وَوَجْهُ كَرَاهَتِهِ لِتَزْيِينِ دَاخِلِهِ بِالْخَاتَمِ وَتَعْشِيرِهِ بِالْحُمْرَةِ أَنَّهُ يُلْهِي الْقَارِئَ وَيُشْغِلَهُ عَنْ تَدْبِيرِ آيَاتِهِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى كُرِهَ تَزْوِيقُ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا كَرَاهَتُهُ لِلشَّكْلِ فَلِأَنَّهُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ إذْ لَمْ يَجِئْ مَجِيئًا مُتَوَاتِرً فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِأَيِّ الشَّكْلَيْنِ أُنْزِلَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَتَحْلِيَةُ غَيْرِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكُتُبِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ، وَنَحْوُهُ فِي الطِّرَازِ وَعَدَّ فِي الزَّاهِي مِمَّا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ الْأَحْرَازَ مِنْ الْقُرْآنِ وَمَا مَعَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عز وجل وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: أَمَّا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ فَإِنْ كَانَتْ يُكْتَبُ بِهَا الْقُرْآنُ فَتُجْرَى عَلَى تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ تَجُوزُ بِالْفِضَّةِ وَفِي الذَّهَبِ خِلَافٌ.
وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ لَكِنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا مَفْسَدَةُ الْكُتُبِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ، وَكَذَلِكَ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ فِي الْحَرِيرِ وَتَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِهِ أَيْ جَائِزَةٌ وَصَرَّحَ فِي الْجَامِعِ أَيْضًا بِأَنَّ كَتْبَ الْقُرْآنِ فِيهِ جَائِزٌ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابَةُ الْعِلْمِ أَوْ السُّنَّةِ فَتُجْرَى عَلَى جَوَازِ افْتِرَاشِهِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ مَنْعُ افْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَالَ قَبْلَهُ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ: الْكِتَابَةُ فِي الْحَرِيرِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الرِّجَالُ كَكُتُبِ الْمُرَاسِلَاتِ فَلَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النِّسَاءُ كَكُتُبِ الصَّدَاقِ فَهَذَا يُلْحَقُ بِافْتِرَاشِهِنَّ الْحَرِيرَ فِي تَحْرِيمِهِ خِلَافٌ وَهُوَ فِي الصَّدَاقِ أَبْلَغُ فِي الْإِسْرَافِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ قُلْتُ: إنْ كَانَ الِافْتِرَاشُ لِلرِّجَالِ فَالْخِلَافُ فِيهِ عِنْدَنَا وَيَجْرِي عَلَيْهِ كِتَابَتُهُمْ الرَّسَائِلَ وَالْعِلْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَلَا يُعْلَمُ فِي مَذْهَبِنَا إلَّا جَوَازُهُ فَيَجُوزُ فِي حَقِّهِنَّ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى إكْسَاءِ الْحِيطَانِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَقَعُ مِنْ تَحْلِيَةِ الْإِجَازَةِ بِالذَّهَبِ وَذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ، أَوْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ.
وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ الشَّرِيفِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَوَانِيِّ أَنَّهُ اسْتَشَارَ شَيْخَهُ الْقَاضِيَ ابْنَ قَدَّاحٍ عَنْ الْكَتْبِ بِالذَّهَبِ فِي الْإِجَازَةِ فِي آيَةٍ تُعْرَضُ، أَوْ تَصْلِيَةٍ فَأَجَابَهُ بِأَنْ قَالَ: التَّعْظِيمُ هُوَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَكَتَبَهَا بِالسَّوَادِ خَالِصًا قَالَ وَرَأَيْتُ أَجَائِزَ كَثِيرَةً مُحَوَّقَةً بِالذَّهَبِ وَفِيهَا الْفَوَاصِلُ كَذَلِكَ فِيهَا شَهَادَاتٌ لِشُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَكَذَا رَأَيْت شُيُوخَنَا يَفْعَلُونَ وَاتَّبَعْنَاهُمْ نَحْنُ اقْتِدَاءً بِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصْحَفِ إذْ هِيَ مِنْ اتِّبَاعِ كَتْبِ الْمُصْحَفِ وَتَعْظِيمِهِ وَرَأَيْت خِتْمَةً فِي جَامِعِ الْقَيْرَوَانِ أُدْرِكَتْ زَمَنَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فَمَنْ بَعْدَهُ مُحَبَّسَةً مَكْتُوبَةً كُلُّهَا بِالذَّهَبِ وَمُغَشَّاةً بِالْحَرِيرِ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ جُزْءًا وَلَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْقُرُونُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَعَلَّ الْعُذْرَ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا مَنْعُ كِتَابَةِ مَا عَدَا الْمُصْحَفَ بِالذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ وَكَرَاهَةُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَاسْتِحْسَانٌ مِنْ شُيُوخِهِ وَشُيُوخِهِمْ قَابِلٌ لِلْبَحْثِ وَالْكَلَامِ.
ص (وَالسَّيْفَ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَسَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِأَصْلِهِ كَالْقَبْضَةِ، أَوْ كَانَتْ فِي الْغِمْدِ.
ص (وَالْأَنْفَ)
ش: لِئَلَّا يُنْتِنَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاوِي.
ص (وَرَبْطَ سِنٍّ)
ش: كَذَلِكَ مَا يَسُدُّ بِهِ مَحِلَّ سِنٍّ سَقَطَتْ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
ص (مُطْلَقًا)
ش: أَيْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمَعْرُوفِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ الرَّجْرَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالذَّهَبِ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
ص (وَخَاتَمَ الْفِضَّةِ)
ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ قَدَّاحٍ مَسْأَلَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ الْمَنْقُولُ أَنَّ الذَّهَبَ لَا يَجُوزُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فِيهِ مِسْمَارُ ذَهَبٍ، وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ فَمَكْرُوهٌ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَزْدِيرُ وَالرَّصَاصُ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ