الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلُهَا بَعْدَ وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ مَعْذُورًا بِالتَّأْخِيرِ فَالْعُذْرُ إنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ مَعَ وُجُودِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَفِعْلَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا مُتَسَاوٍ فِي الثَّوَابِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّ مَنْ نَامَ وَاسْتَرْسَلَ عَلَيْهِ النَّوْمُ، أَوْ غَلَبَهُ السَّهْوُ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ يَقْضِي، وَلَا يَكُونُ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ فِي هَذَا أَنَّ الْحَيْضَ عُقُوبَةٌ عَلَى النِّسَاءِ فِي مَنْعِهِنَّ بِسَبَبِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمِنْ الصِّيَامِ فِي وَقْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَصِبَا)
ش: الصِّبَا بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْمَدِّ وَبِكَسْرِهَا وَالْقَصْرِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَلَوْ صَلَّى ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ لِمَا يُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً بَعْدَ الطَّهَارَةِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ احْتَلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ انْتَهَى.
[فَرْعٌ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ احْتَلَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ نَفْلٌ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ (قُلْتُ:) نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ: عَدَمُ إعَادَتِهِمَا عَنْ الْمَذْهَبِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ السُّلَيْمَانِيَّة فَلْيُنْظَرْ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَنَوْمٍ)
ش: قَالَ الْبَاجِيّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ» الْحَدِيثَ هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ الْغَالِبَ لَا يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ جَرَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَكَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ السَّعَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِ النُّعَاسُ وَيُدْرِكُ صَلَاتَهُ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَلْيَرْقُدْ لِيَتَفَرَّغَ لِإِقَامَةِ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَقَدَ فَاتَتْهُ فَلْيُصَلِّ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ وَلْيُجْهِدْ نَفْسَهُ فِي تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَرْقُدْ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنْهَا بِالْفَرْضِ وَإِلَّا قَضَاهَا بَعْدَ نَوْمِهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ صَلَّى فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ مَنْ يُوقِظُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثَّانِي وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَمِنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَقَالَ لَعَلَّهُ يُصْبِحُ مَغْلُوبًا وَفِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كَانَ يُصَلِّي أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ النَّوْمُ فَلْيَرْقُدْ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يَأْتِيهِ الصُّبْحُ وَهُوَ نَاعِسٌ فَلَا يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدْرِكُهُ فُتُورٌ وَكَسَلٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى.
وَفِي رَسْمِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا قِيَامُ جُلِّ اللَّيْلِ إذَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي قِيَامِ جَمِيعِهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَّا وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ، فَيَحْصُلُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي قَدْ نُهِيَ عَنْهَا، أَوْ يَرْقُدَ فَتَفُوتَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً وَذَلِكَ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ قَالَ الْمَشَايِخُ وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ غَيْرِ حَالَةٍ غَالِبَةٍ لَيْسَ شَأْنَ السَّلَفِ، هَذَا وَإِذَا أَدَّى لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ يُكْرَهُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى لِفَوَاتِ الْوَقْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَوْ تَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبُ أَهْلِهِ إلَّا بِلَيْلٍ وَإِذَا فَعَلَ أَخَّرَ أَهْلُهُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا
لِتَكَاسُلِهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَدَّى إلَى إخْلَالِهَا بِالصَّلَاةِ أَمْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ لَيْلًا وَيَأْمُرَهَا بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ فَإِذَا أَطَاعَتْ فَقَدْ سَعِدَ وَسَعِدَتْ وَإِذَا خَالَفَتْ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ.
(قُلْتُ:) قَوْلُهُ لِئَلَّا يَحْتَمِلَ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا مَقْصُودًا إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ غُسْلٌ وَلَا صَلَاةٌ فَلَا يَتْرُكُ مَا وَجَبَ لَهُ لِمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا، وَهَذَا نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَظُنُّهُ فِي حَدِيثِ الْوَادِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنَامَ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ جُوِّزَ أَنَّ نَوْمَهُ يَبْقَى حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصُّبْحِ إذْ لَا يَتْرُكُ أَمْرًا جَائِزًا لِشَيْءٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، أَوْ يُصَلِّيَهَا، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَطَأُ الْمُسَافِرُ زَوْجَتَهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِمَا وَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ:" أَدَّى مَا عَلَيْهِ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ طَلَاقُهَا إذَا كَانَتْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا، أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا الضَّرُورِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَخَرَّجَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ مُرْتَدٌّ أَوْ لَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ عَاصٍ فَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ طَلَاقُهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَهِجْرَانِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَقَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْوَادِي قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ النَّوْمُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ خَشِيَ الِاسْتِغْرَاقَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ انْتَهَى.
ص (أَوْ ذَكَرَ مَا يُرَتَّبُ)
ش: قَالَ فِي الْمُنْتَقَى مَسْأَلَةٌ، وَلَوْ أَنَّ مُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي نَسِيَ قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقْتٌ لِلصَّلَاتَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا صَلَّى مَا أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْوَقْتِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِي كِتَاب مُحَمَّدٍ لَا يُصَلِّي ظُهْرًا وَلَا عَصْرًا وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُصَلِّي مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ رَوَاهُ الْقَاضِي إِسْحَاقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ وَاسْتَوْعَبَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى الْوَقْتَ سَقَطَ فَرْضُ مَا بَعْدَهَا لَمَّا كَانَتْ أَحَقَّ بِالْوَقْتِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مُغْمًى عَلَيْهِ أَدْرَكَ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا الْفَائِتَةُ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ الْوَقْتَ مُخْتَصٌّ بِهَا وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ أَوْ إحْدَاهُمَا صَلَّى مَا أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَيُخْتَلَفُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى كَمَا يُخْتَلَفُ إذَا فَاتَا جَمِيعًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الْجَارِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
ص (وَأَسْقَطَ عُذْرٌ حَصَلَ غَيْرَ نَوْمِ وَنِسْيَانِ الْمُدْرِكِ) .
ش ذَكَرَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ عَنْ الرَّهُونِيُّ شَارِحِ الرِّسَالَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهَا: وَإِنْ حَاضَتْ الْأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ أَنَّهَا لَوْ أَخَّرَتْ ذَلِكَ عَامِدَةً عَالِمَةً بِأَنَّهُ يَوْمُ حَيْضَتِهَا لَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَقَالَ كَذَلِكَ مَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْإِفْطَارِ يُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ يَحُجُّ بِهِ فَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْظُرْ الشَّيْخَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ وَالْجُزُولِيَّ وَنَقَلْتُ كَلَامَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ وَأَنَّ الْحَائِضَ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْأَوْقَاتِ وَكَلَامَ التَّوْضِيحِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَقِيلَ: قَاضٍ
إلَخْ، فَإِنَّهُ بَدَأَ بِأَنَّهَا لَا تَقْضِي، وَلَوْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَامِدَةً مِنْ غَيْرِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ، وَلَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَامِدًا وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ
ص (وَأُمِرَ صَبِيٌّ بِهَا لِسَبْعٍ وَضُرِبَ لِعَشْرٍ) .
ش يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ» وَعَنْ شُبْرُمَةَ بْنِ مَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَشُبْرُمَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجُهَنِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى جُهَيْنَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ وَيُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» انْتَهَى. وَهَكَذَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ يُقَالُ: أَثْغَرَ الصَّبِيُّ بِسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ إذَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ وَإِذَا نَبَتَتْ، وَقِيلَ: أَثْغَرَ وَثَغَرَ إذَا سَقَطَتْ وَاثَّغَرَ بِالتَّشْدِيدِ إذَا نَبَتَتْ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ وَيُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَهُوَ حِينَ تُنْزَعُ أَسْنَانُهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرَ الصَّبِيُّ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَأُدِّبَ عَلَيْهَا، وَلَا يُضْرَبُ بَعْضَ الضَّرْبِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ، وَلَا يُضْرَبُ بَعْضَ الضَّرْبِ الَّذِي يَضْرِبُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَيَتَعَدَّى فِي الضَّرْبِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا وَقَوْلُهُ: إنَّهُ يُؤَدَّبُ إذَا أَثْغَرَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ الْجَوَابِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: إنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ إذَا أَثْغَرُوا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا وَقَالَ عِيسَى حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ قَالَ عِيسَى وَبِهِ أَخَذَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ مَعَ الْحَدِيثِ وَاتِّبَاعُ ظَاهِرِهِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عِيسَى انْتَهَى مُخْتَصَرًا.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرُوا وَفِي تَفْرِقَتِهِمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَأَدَبِهِمْ عَلَى تَرْكِهَا حِينَئِذٍ، أَوْ إذَا بَلَغُوا الْعَشْرَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ سَمَاعِ عِيسَى وَالثَّانِي ابْنُ رُشْدٍ مَعَ عِيسَى مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْأَوَّلَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَ فِي الثَّانِي انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَقَوْلُهُ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالصَّوَابُ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ فِي كِلَا السَّمَاعَيْنِ ذَكَرَ الضَّرْبَ وَالتَّفْرِقَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ضِيقِ الِاخْتِصَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَشَرْحِ الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا مَعَ هَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَقِيلَ: بِظَاهِرِهِ، وَقِيلَ: إذَا مَيَّزَ الْحَسَنَاتِ مِنْ السَّيِّئَاتِ؛ لِأَنَّ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ عَنْ يَمِينِهِ وَكَاتِبَ السَّيِّئَاتِ عَنْ شِمَالِهِ ذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ التَّادَلِيُّ انْتَهَى وَنَحْوُهُ لِلْفَاكِهَانِيِّ وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ وَابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يُضْرَبُونَ لِسَبْعٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَعَزَاهَا صَاحِبُ الطِّرَازِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ يُؤَدَّبُونَ بِغَيْرِ ضَرْبٍ قَبْلَ الْعَشَرَةِ وَعِنْدَ الْعَشَرَةِ يُضْرَبُونَ انْتَهَى.
وَهَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ وَسَمَاعُ عِيسَى قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثْغَرَ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤَدَّبُ فِيهِ عَلَى تَرْكِهَا وَمَتَى
يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ هَلْ ذَلِكَ إذَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ، أَوْ حِينَ يَبْلُغُونَ عَشْرَ سِنِينَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَثْغَرَ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ وَأُدِّبَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحِينَئِذٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَتَجَرَّدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ أَبَوَيْهِ وَلَا مَعَ إخْوَتِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ وَأَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جُمْلَةً وَسَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا فَإِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ لِسَبْعٍ حَسُنَ.
وَإِنْ أَخَّرَ لِعَشْرٍ فَوَاسِعٌ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ وَكَرِهَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهَا وَقَالَا أَرْشِهِ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ أَنْ أُرْشِيَ ضُرِبَ عَلَيْهَا انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) جَعَلَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا أَثْغَرَ مُغَايِرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ قَالَ: لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مُغَايَرَتَهُمَا فِي بَابِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا.
(قُلْتُ:) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي عَنْ شَيْخِهِ يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ أَنَّهُ كَانَ جَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَاجِعًا لِأَوَّلِ الْحَدِيثِ وَابْنُ وَهْبٍ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ.
(الثَّالِثُ) الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ كُلِّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِبُلُوغِهِ السَّبْعَ دُخُولُهُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِبُلُوغِ الْعَشْرِ دُخُولُهُ فِيهَا لَا إكْمَالُ السَّبْعِ وَإِكْمَالُ الْعَشْرِ وَنُصُوصُهُمْ الْمُتَقَدِّمَةُ كَالصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ فَبَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ لَا بَعْدَ إكْمَالِهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ بِالتَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) هَلْ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ؟ فَقِيلَ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ وَإِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِنَدْبٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الصِّبْيَانُ وَإِنَّ الْبُلُوغَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ لَا فِي الْخِطَابِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي الْمَوَاقِيتِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّبِيَّ يُنْدَبُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْمَنْدُوبَاتِ إذَا فَعَلَهَا لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ، وَلَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِنَدْبٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ الْمُخَاطَبُ الْوَلِيُّ، وَأَمْرُ الصَّبِيِّ بِالْعِبَادَاتِ عَلَى سَبِيل الْإِصْلَاح كَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» .
(وَالْجَوَابُ) أَنَّ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ أَخُصُّ مِنْ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ قَالَ: وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَهُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إجْمَاعًا، فَالصَّبِيُّ قَبْلَ التَّمْيِيزِ كَالْبَهِيمَةِ لَا يُخَاطَبُ بِإِبَاحَةٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
(قُلْتُ:) وَهَذَا جَارٍ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ هُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ: إنَّ الصَّغِيرَ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ فِي رَسْمِ الْخِيَارِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنَّ الْمُرَاهِقَ لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبٍ، وَلَا يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِهِ انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ تَضْعِيفُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ النُّذُورِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُفْيَانَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْبَكَّاءُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُكْتَبُ لِلصَّغِيرِ حَسَنَاتُهُ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ وَقَالَ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ فِي النِّكَاحِ قَالَ عُمَرُ: يُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ حَسَنَاتُهُ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ خِلَافُ هَذَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى كَلَام الْمُقْرِي وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَاتِ
لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى شُرُوطِ التَّكْلِيفِ: لِلصَّبِيِّ حَالَانِ: حَالٌ لَا يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَهُوَ فِيهَا كَالْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِعِبَادَةٍ، وَلَا مَنْدُوبٍ إلَى فِعْلِ طَاعَةٍ. وَحَالٌ يَعْقِلُ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ فَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ فِيهَا مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ وَلِيَهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَدْرِيبِهِ وَالْمَأْجُورُ عَلَى ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَنْدُوبَانِ إلَى ذَلِكَ مَأْجُورَانِ عَلَيْهِ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَتْ بِضَبْعَيْ الصَّبِيِّ وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» ، وَهَذَا وَاضِحٌ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الصَّغِيرُ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ إلَى الْقُرَبِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْوَلِيُّ يُنْدَبُ لِذَلِكَ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ هُمَا جَمِيعًا مُخَاطَبَانِ مَأْجُورَانِ؟ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) إذَا قُلْنَا: إنَّ الْأَوْلِيَاءَ هُمْ الْمَأْمُورُونَ أَوْ الْأَمْرُ لَهُمْ وَلِلصِّبْيَانِ فَهَلْ الْوَلِيُّ مَأْمُورٌ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، أَوْ النَّدْبِ؟ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ النَّدْبُ وَأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
(السَّادِسُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ فَاخْتُلِفَ فِي ثَوَابِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ: لِلصَّبِيِّ، وَقِيلَ: لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ وَاخْتُلِفَ لِمَنْ أَجْرُ الصَّلَاةِ فَقَالَ لِوَالِدَيْهِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ لِلْأَبِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأُمِّ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا كُلَّهُ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ لِلصَّبِيِّ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لِوَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: إنَّ الصِّبْيَانَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَتَفَاوَتُ الْكِبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] انْتَهَى.
(السَّابِعُ) مَعْنَى التَّفْرِقَةِ فِي الْمَضَاجِعِ قَالَ الْمَوَّاقُ قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِرَاشٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ ثَوْبٌ حَائِلٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَتَجَرَّدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَا مَعَ إخْوَتِهِ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوْبٌ وَلَيْسَ هَذَا بِحَسَنٍ وَأَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جُمْلَةً وَسَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَإِنْ عَمِلَ بِذَلِكَ لِسَبْعٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَخَّرَ لِعَشْرٍ فَوَاسِعٌ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَبَعْدَ الْعَشْرِ انْتَهَى.
(الثَّامِنُ) قَالَ الْمَوَّاقُ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّأْدِيبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ إلَى الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَنَصُّهُ: " وَعَلَيْهِ أَنْ يَزْجُرَ الْمُتَخَاذِلَ فِي حِفْظِهِ بِالْوَعِيدِ وَالتَّقْرِيعِ لَا بِالشَّتْمِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُعَلِّمِينَ لِلصَّبِيِّ يَا قِرْدُ يَا عِفْرِيتُ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْقَوْلُ انْتَقَلَ لِلضَّرْبِ، وَالضَّرْبُ بِالسَّوْطِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ضَرْبَ إيلَامٍ فَقَطْ دُونَ تَأْثِيرٍ فِي الْعُضْوِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ زَادَ إلَى عَشْرٍ " قَالَ وَمَنْ نَاهَزَ الْحُلُمَ وَغَلَظَ حَلْقُهُ، وَلَمْ تَرْدَعْهُ الْعَشَرَةُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا.
(قُلْتُ:) الصَّوَابُ اعْتِبَارُ حَالِ الصِّبْيَانِ شَاهَدْتُ بَعْضَ مُعَلِّمِينَا الصَّالِحِينَ يَضْرِبُ الصَّبِيَّ فَوْقَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ وَكَانَ مُعَلِّمُنَا يَضْرِبُ مَنْ عَظُمَ جُرْمُهُ بِالْعَصَا فِي سَطْحِ أَسْفَلِ رِجْلَيْهِ الْعِشْرِينَ وَأَكْثَرَ انْتَهَى. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ يَضْرِبُونَ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَيَضْرِبُ تَحْتَ الْقَدَمِ عُرْيَانًا، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا كَانَ قِصَاصًا فَإِنْ نَشَأَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُضْرَبُونَ عَلَى الصَّلَاةِ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ وَعَلَى الْأَلْوَاحِ خَمْسَةً وَعَلَى السَّبِّ سَبْعَةً وَعَلَى الْهَرَبِ عَشَرَةً وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَوْطٍ لَيِّنٍ انْتَهَى. زَادَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَإِنْ زَادَ اُقْتُصَّ مِنْهُ.
ص (وَمُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَغُرُوبِهَا وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ) .
ش لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ شَرَعَ الْآنَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَوْقَاتِ النَّافِلَةِ يُرِيدُ النَّافِلَةَ
الْمُطْلَقَةَ فَأَمَّا أَوْقَاتُ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي بَابِهَا، وَكَذَلِكَ وَقْتُ الرَّغِيبَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مِنْ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي أَوْقَاتِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَمِنْ النَّفْلِ مَا يُقَيَّدُ بِالْإِضَافَةِ لِوَقْتِهِ كَقِيَامِ اللَّيْلِ وَقِيَامِ رَمَضَانَ وَصَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ بِالْإِضَافَةِ لِسَبَبِهِ كَالرُّكُوعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النَّفْلِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ أَوْقَاتَ النَّافِلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: وَقْتُ تَحْرِيمٍ وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَبَيَّنَ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ مَا عَدَاهُمَا وَذَكَرَ أَنَّ النَّافِلَةَ تَحْرُمُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَالْأَوْقَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَثَلَاثَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَالْمَمْنُوعَةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَمْرَاءَ إلَى بَيَاضِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا صَفْرَاءَ إلَى ذَهَابِهَا وَعِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إلَّا التَّحِيَّةَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ ظُهُورِ حَاجِبِ الشَّمْسِ مِنْ الْأُفُقِ حَتَّى يَرْتَفِعَ جَمِيعُهَا قِبَلَ الْأُفُقِ، وَبِالْغُرُوبِ إلَى مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ الَّذِي يَلِي الْأُفُقَ إلَى أَنْ يَذْهَبَ جَمِيعُ قُرْصِهَا وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّهَا لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغِيبَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ غَالِبُ عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ هُنَا الْكَرَاهَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ النَّهْيِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا أَوْقَاتُ النَّوَافِلِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ إيقَاعِهَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ.
(الثَّانِي) إنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: " وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ النَّفَلَ يَحْرُمُ لِخُرُوجِ الْإِمَامِ أَيْ: بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْخُطْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى ذِكْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ فِي جَمْعِ النَّظَائِرِ مُجْمَلَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِهَا.
(الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْنَعُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً صَلَّاهَا مَتَى مَا ذَكَرَهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ الْجُمُعَةِ.
(الرَّابِعُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْخُطَبِ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَا يُمْنَعُ لِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَلَيْسَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا كَمَنْ تَكَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ فَقَالَ وَاحْتُرِزَ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ خُطْبَةِ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْمَنْعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَالَ سَنَدٌ فَإِنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ، وَلَا يُصَلِّي وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُصَلَّى، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ فِي خُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَالْإِنْصَاتُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَحْرُمُ فِيهَا النَّافِلَةُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ فَالْجَوَابُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ النَّافِلَةِ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّةِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الَّتِي أُقِيمَتْ وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الطَّعْنِ عَلَى الْإِمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ خَاصًّا بِالنَّافِلَةِ بَلْ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا الْإِمَامُ؟ وَمِثْلُ هَذَا تَنَفُّلُ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا وَتَنَفُّلُ مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ فَالْمَنْعُ مِنْ النَّفْلِ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْوَقْتِ